هوامش حرة
من خطايا الخصخصة
يكتبها: فاروق جـــويـدة
للأرض قدسية خاصة في أعماق الشعوب وكم دارت حروب وسقطت دول وتهاوت جيوش بسبب قطعة من الأرض.. ومن الأرض جئنا.. وعلي الأرض عشنا.. وفي الأرض ننفذ مشيئة الخالق سبحانه وتعالي عندما يضمنا ترابها..
وكانت مصر من أقدم الحضارات التي أدركت قدسية الأرض, هناك مجتمعات أخري كان ارتباطها بالأرض شيئـا عاديا حيث السعي الدائم وراء الماء والكلأ وكم دارت معارك بين القبائل حول هذا الكلأ.. ولكن حضارة وادي النيل عرفت معني الاستقرار علي ضفاف نهر وتشكلت علي هذه الأرض حضارات كثيرة في الأزمنة الأولي للبشرية.. ومن هنا تأتي أهمية الأرض في حياة المصريين ولعل هذا هو السبب في هذه الصرخة التي نتوجه بها للمسئولين في بلادنا أمام هذا المزاد الذي لم تشهده مصر طوال تاريخها لبيع الأرض..
وفي كل دول العالم توجد ضوابط صارمة حول بيع الأرض.. يوجد أكثر من أسلوب.. هناك أساليب للإيجار لفترة زمنية معينة وهناك حق الانتفاع.. وهو أكثر الأساليب انتشارا لأن هناك دولا تمنع تماما تملك الغرباء لأراضيها.. وقد كنا في مصر نضع ضوابط صارمة في العصر الملكي ومنذ بداية عصر محمد علي آلت معظم ملكية الأرض للأسرة الحاكمة خاصة أن أفراد أسرة محمد علي كانوا يحبون الأرض ويفضلون حيازتها علي أي نشاط استثماري آخر..
وعندما قامت الثورة بتحديد الملكية الزراعية بمائة فدان قامت بتوزيع الأراضي علي صغار الفلاحين.. ولم يسمح القانون المصري بملكية الأجانب للأراضي المصرية إلا في حدود ضيقة للغاية.. ولعل السبب في ذلك أن الأرض تمثل ثروة المصريين الحقيقية حيث لا توجد موارد لدينا غير ماء النيل وما عليه أو حوله من مساحة خضراء.. وقد كانت تكفينا حتي وقت قريب وفي السنوات الأخيرة انتشرت لعنة بيع الأرض مثل لعنة الفراعنة تماما وبدأت الدولة تبيع كل شيء وأغلقت المصانع والشركات وباعت معداتها في أسواق الخردة إن أكثر ما أحزنني في مزادات بيع أرض مصر هو المشروعات الصناعية الضخمة التي أغلقت أبوابها وشردت عمالها وباعت معداتها وتم طرحها في مزادات عقارية بعد أن تحولت إلي أرض بناء وقد وصلتني كوارث كثيرة أضع بعضها أمام المسئولين ربما أفاقت ضمائرهم..
* في عام1994 باعت الحكومة لأحد رجال الأعمال المصريين شركة النصر لصناعة المراجل البخارية وأوعية الضغط وهذه الشركة هي الوحيدة في المنطقة العربية التي تخصصت في صناعة الغلايات البخارية وأوعية الضغط العالي الخاصة بالمحطات النووية ومحطات الكهرباء وشركات البترول والصناعات الثقيلة.. كانت تضم أكثر من1300 عاملا من الكفاءات النادرة.. والشركة تقع علي مساحة35 فدانـا علي نيل المعادي ولها ميناء خاص علي النيل.. وأخيرا تم تسريح العمال.. وبيع معدات الشركة بالكامل لرجل أعمال مصري شهير وتحولت إلي شركة للاستثمار العقاري وفي24 فبراير الماضي تم بيع الأرض لإقامة منتجعات سياحية وعقارية رغم وجود بنود في صفقة البيع مع الحكومة تحظر علي المشتري تغيير نشاط الشركة.. ولكن من يتابع ومن يراقب ومن يحاسب في ظل هذا الانفلات في كل شيء.. إن الخطابات الصادرة حول هذه الصفقة وقد أرسلها العاملون في الشركة إلي مجلس الوزراء ووزارة الاستثمار تثير الكثير من الشكوك والهواجس..
كارثة أخري..
* أمامي عقد اتفاق تم توقيعه يوم12\4\2007 تحت رعاية السيدة عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة بين المالك الجديد لشركة القاهرة للزيوت وممثلي اللجنة النقابية بالشركة لصرف تعويضات لعمال الشركة بعد انهاء خدمتهم.. هذه الشركة تخصصت في انتاج الزيوت والصابون والسمن الهولندي ولها فروع في مناطق كثيرة في البدرشين والعياط وغمرة وتقع علي مساحة8 أفدنة بالقرب من النيل في القناطر الخيرية.. اشتراها أحد رجال الأعمال المصريين بمبلغ58 مليون جنيه وقام بهدم المنشأت والعنابر وباع المعدات, ومنها جهاز فصل النيتروجين وثمنه50 مليون جنيه.. وقام بتقسيم الاراضي وباعها في مزادات لإقامة العمارات والفيلات بسعر إجمالي148 مليون جنيه وأغلقت الشركة أبواب الرزق أمام مئات العمال وحرمت مصر من إنتاج سلع ضرورية..
كارثة أخري..
* هناك مسلسل رهيب تم فيه بيع مصانع حليج الأقطان ذهب مصر وتاجها الزائل.. كانت هناك شركة تسمي شركة النيل لحليج الأقطان تملك عددا من محالج القطن موزعة في الصعيد والدلتا وفيها مصانع لإنتاج الزيوت والمسلمي الصناعي وفول الصويا ويعمل فيها أكثر من1000 عامل.. في عام1999 تم بيع الشركة وتمت تصفية المحالج وتسريح العمال وبدأ بيع أراضي المحالج للبناء والعقارات في دمنهور وسوهاج وهناك مائة فدان في محافظة المنيا تقع ما بين نهر النيل وترعة الإبراهيمية, وأغلقت المحالج أبوابها لتنتهي واحدة من أعرق الصناعات في مصر وهي صناعة الغزل والنسيج وتباع مصانعها لتتحول إلي أراضي بناء بعد توقف إنتاجها تماما..
مأساة أخري..
* عرضت الحكومة أرض مصانع النحاس في كفر عبده بالاسكندرية للبيع في مزاد.. تبلغ مساحتها85 فدانـا والغريب أن عددا من الورثة من المواطنين الغلابة يمتلكون مساحات صغيرة في هذه الأرض وقامت الشركة بالضغط عليهم للتنازل عن قضايا أقاموها ضد الشركة في المحاكم حتي تستطيع تنفيذ الصفقة بالكامل بلا مشاكل.. لقد أرغمتهم الشركة علي بيع ما يملكون بسعر200 جنيه للمتر.. رغم أن سعر المتر في كفر عبده.. هو25 ألف جنيه فماذا نسمي مثل هذه التصرفات التي تقوم بها مؤسسات مسئوليتها حماية حقوق المواطنين..
مأساة أخيرة..
* في محافظة قنا وفي منطقة المراشدة استصلح الفلاحون سبعة آلاف فدان بجهدهم وعرقهم وسنوات عمرهم منذ27 عاما.. وأخيرا قررت الحكومة إخراجهم من الأرض وبيعها لشركة يابانية رغم أنهم طلبوا سداد قيمة الأرض بنفس الأسعار الذي عرضتها الشركة اليابانية وهو35 ألف جنيه للفدان الواحد ولم تسمع الحكومة صرخاتهم رغم أن هناك قرارا من الرئيس مبارك بتمليك الأرض لمن زرعها.. ولكن حكومتنا الرشيدة تفضل الياباني علي المصري وتطرد الفلاحين من أرض زرعوها بسنوات عمرهم رغم وجود مساحات تزيد علي186 ألف فدان خالية يمكن أن يقام فيها المشروع الياباني.. فهل من مجيب..
فهل باعت الحكومة مصانع هذا الشعب ومصادر رزقه وإنتاجه لتتحول علي يد رجال الأعمال إلي عقارات ومبان وتجارة أراض هل هذا هو الاقتصاد الحر وهل هذه هي برامج الخصخصة التي تتحدث عنها حكوماتنا الغير رشيدة.. هذه بعض الكوارث ولا أقول النماذج التي ارتكبتها أجهزة مسئولة في حق هذا الشعب تحت مسميات كثيرة مثل الخصخصة والاستثمار والإنتاج والاقتصاد الحر وتشجيع رأس المال وكلها لافتات مزيفة لأن الفرق كبير جدا بين حرية الاقتصاد وحرية النهب بين أن نبيع أرضا من أجل الاستثمار وأن نبيع وطنـا لمجموعة من السماسرة والتجار.. د. نظيف هذه وقائع تستلزم التحقيق والحساب والمساءلة.. فهل تفعل..
fgoweda@ahram.org.eg
ويبقي الشعر
بعدي وبعدك لـيس في إمكـاني
فأنـا أمــوت إذا ابـتـعـدت ثـوانــي
وأنـا رماد حائــر في صمـته
فإذا رجعت يعـــــــود كـالبركــــان
وأنـا زمان ضائع في حزنه
فإذا ابـتـسمت يري الوجود أغـاني
وأنـا غـمام هائم في سره
وسحابة كـفـت عـــن الــــدوران
وأنـا نـهار ضللتـه نـجومه
صبح وليـل كـيــــــف يجتمعــــان
وأنـا أمام النـاس لـحن صاخب
وأمام حزني أشتـكـي وأعانــــــي
وأنا أغيب عن الوجود إذا الـتـقـي
شـوقي وشوقـك في عنـاق حانــي
أنا لا أراك دقيقـة ألـهو بـها
أو لـحظـة حيــري بلا عنـــــــوان
أنـا لا أراك قـصيدة من سحرها
سكـر الزمان وأطـربتـه معانــــــي
أو موجة أغـفـو قـليلا عنـدها
فـإذا انــتـشت هربت إلـي الشطآن
أو رشفـة من كـأس عمر هارب
يا ويح قـلبـي من زمــان فـــانـــي