هوامش حرة
ماذا قدم العرب في فرانكفورت
يكتبها: فـــاروق جـــويـــدة
قلت في الأسبوع الماضي إن المشاركة العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب قد نجحت وقدمت الثقافة العربية للعالم في أكثر من مجال.. ولكن هذا لا يمنع من التوقف عند بعض الأخطاء والسلبيات وهي في نهاية الأمر دروس لابد أن نستفيد منها في تجاربنا المقبلة..
وإذا كانت هناك لقاءات أو ندوات قد فشلت ولم تحقق الهدف منها فإن هناك أيضا لقاءات أخري أثارت الجدل وحركت العقول وشهدت مناقشات بل صدامات حادة في وجهات النظر..
من أخطر السلبيات التي ظهرت طوال أيام المعرض ظواهر صغيرة كان من الممكن مواجهتها لأنها في أحيان كثيرة أساءت إلي الصورة العامة ومنها:
* أن معظم الندوات واللقاءات كانت تجري في وقت واحد وفي مبني واحد.. وربما في المجالات نفسها.. كان من السهل أن تجد أربع أمسيات شعرية في مكان واحد أو أن تقام مجموعة ندوات ولقاءات في وقت واحد وقد أدي ذلك إلي تشتيت الجمهور والتداخل الشديد في أنشطة المشاركة العربية.. وقد ترتب علي ذلك خلو بعض الندوات أحيانا من الجمهور وقد انعكس ذلك بطبيعة الحال علي المشاركين فيها..
* كان الواضح علي قائمة المشاركين من الكتاب والمبدعين أن قائمة الاختيارات الحكومية غلبت علي خريطة الإبداع في العالم العربي بصفة عامة وقد ترتب علي ذلك غياب وجوه كثيرة كانت الأحق والأجدر بالمشاركة في هذه المناسبة المهمة.. ولم تكن هذه مسئولية القائمين علي تنظيم هذه المشاركة ولكنها تقع علي الاختيارات الرسمية للحكومات وقد خضعت لاعتبارات كثيرة..
* افتقدت عمليات الترجمة من النصوص العربية إلي اللغة الألمانية الكثير من الاهتمام والدقة وخلت بعض الندوات والأمسيات من وجود ترجمة لما قدمه المبدعون والروائيون والشعراء العرب هذا باستثناء الكتاب الذين نشرت أعمالهم من قبل باللغة الألمانية.. وكان ينبغي الاهتمام بعمليات الترجمة حتي ينعكس ذلك في التفاعل المطلوب بين المتلقي الألماني والإبداعات العربية..
* خلت الساحة تقريبا من المبدعين الألمان باستثناء بعض أساتذة الجامعات والمهتمين بالثقافة العربية وكان ينبغي أن تتسع دائرة الحوار بين الطرفين بصورة أشمل.. ولهذا بدأ الحديث أحيانا كما لو أنه من طرف واحد.. وفي ندوات إبداعية كثيرة لم يكن الجانب الألماني ممثلا بالصورة المطلوبة..
علي الجانب الآخر كانت هناك ندوات ولقاءات ارتفعت فيها حرارة الحوار وكانت بالفعل مواجهة حية وصريحة..
في محاضرة عن' الإسلام وتحديات العصر'.. دافع د. أحمد أبو المجد دفاعا موضوعيا عن الإسلام.. الدين والعقيدة وأسلوب الحياة.. وهنا طرح المشاركون الألمان تساؤلات كثيرة حول الإسلام والعقائد الأخري.. والمرأة في الإسلام وقضية الحرية.. وحقوق الإنسان.. وكان من الواضح أن عمليات التشويه للعقيدة الإسلامية في الإعلام الغربي قد ضللت رجل الشارع وقدمت له الإسلام والمسلمين في أقبح صورة من حيث الربط بين الأعمال الإرهابية والعقيدة الإسلامية وأن الإسلام دين عنف وتطرف..
وربما كانت هي المرة الأولي التي يري فيها المواطن الألماني الصورة الحقيقية للإسلام في سلوكياته وفكره ورؤيته للآخر.. فهو دين يحترم كل الأديان.. ويقدر دور المرأة ومسئولياتها في الحياة.. وهو دين يقوم علي الحوار واحترام آراء الآخرين.. وهو دين لم يفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي لأن الدين كله لله.. والقرآن الكريم يقدم صورة الأنبياء والرسل بكل التقدير.. فلا فرق بين دين ودين.. ولا بين نبي ونبي في العقيدة الإسلامية..
وفي ندوة مهمة حول سوء الفهم المتبادل بين العالم العربي وأوروبا.. دافع كاتبنا الكبير أنيس منصور عن الشعوب العربية رافضا محاولات تضليل الرأي العام الأوروبي وتشويه صورة الإنسان العربي بكل الوسائل..
وهنا كان من الواضح أن الصورة الخاطئة التي يحملها الغرب للثقافة العربية والفكر العربي تحتاج إلي حوار بناء يستند إلي الموضوعية والحقيقة.. إن الغرب يصر علي تشويه الثقافة العربية وهو لا يسعي إلي الحوار ولكنه يسعي إلي فرض الوصاية والهيمنة وتغلب علي الخطاب الغربي لغة من التعالي لا تتناسب أبدا مع قدسية الحوار وأهدافه.. لأن الغرب ما زالت تسيطر عليه أفكار استعمارية قديمة.. وكان من الضروري أن نطرح أمام رجل الشارع الألماني حقيقة ما يجري في الشارع العربي الذي يرفض الأساليب القديمة في فرض الوصاية وأن ما يحدث في العراق وفلسطين يمثل نموذجا صارخا لعودة الاستعمار القديم في أسوأ أشكاله وأنه لا يمكن الحديث عن المستقبل والحرية وحقوق الإنسان وهناك قوة غاشمة تحتل الأرض وتنهب الموارد وتستبيح مقدرات الشعوب..
وكان السؤال هنا.. لماذا لا يهتم الغرب مثلا بقضية المرأة في الصين أو اليابان!.. ولماذا شغل نفسه بأحوال المرأة العربية وسلوكياتها وحقوقها!.. ولماذا لا يهتم الغرب بقضايا الحريات في بلاد إفريقيا وآسيا وغيرها من شعوب العالم!.. إن السبب في ذلك كله هو البترول ولا شيء غيره.. إن هذا البترول هو أساس كل المشكلات والأزمات بين الغرب والعرب منذ عهود الاستعمار حتي الآن.. ولو أن البترول خرج من هذه المعادلة فلن يبقي بين العرب والغرب ما يثير المشكلات أو يدعو إلي كل هذا الاهتمام..
وفي ندوة حول المجتمع العربي في عصر متغير شارك فيها عدد كبير من أساتذة الاجتماع العرب في مقدمتهم د. مصطفي الفقي كان السؤال المطروح: إلي أين نحن ذاهبون!.. وفي الندوة جري استعراض شامل عن مآسي العالم العربي وأسباب تخلف الإنسان العربي ثقافيا وحضاريا واقتصاديا واجتماعيا.. وبدت المحاضرة كما لو أنها كانت مرثية لأحوال الأمة.. وحاول د. مصطفي الفقي أن يجنح بها إلي مسارها الصحيح بحيث يكون الحديث عن المستقبل لأن البكاء علي الماضي لن يفيد..
كان حديث علماء الاجتماع العرب أقرب إلي قصائد الرثاء في الشعر العربي وإن كان بعضهم قد حاول أن يغازل أصحاب البيت بالهجوم علي بعض المعتقدات الدينية مؤكدا أنها السبب الرئيسي في تخلف الشعوب العربية..
وهنا أيضا كان ينبغي أن نوضح أننا جئنا إلي ألمانيا لكي نمد جسور التواصل مع الفكر الآخر ولم نأت لكي ننشر الغسيل.. كما يقولون.. وإذا كان ولابد من الإدانة فإن المثقفين أنفسهم يتحملون الجزء الأكبر من أسباب الكارثة ولهذا ينبغي أن نتحدث عن المستقبل وكيف يستطيع المثقف العربي أن يكون عنصرا فاعلا في إنقاذ هذه الأمة..
كان من الغريب أن تقام مثلا ندوة عن الشعر العربي المعاصر يشارك فيها عدد من الشعراء العرب كل واحد منهم يحكي تجربته دون وجود شاعر ألماني واحد بينهم.. ومثل هذه الندوة كان من الممكن أن تقام في القاهرة أو عمان أو الرياض ولم يكن مكانها أبدا معرض دولي في أوروبا.. لأننا ذهبنا إلي هناك لنسمع الآخر ونتحاور معه.. وكانت هذه الندوة حوار مع الذات.. ولم يكن هذا هو الحوار المناسب في مثل هذا المكان..
ولم تخل أجندة المشاركة العربية من ندوات مشابهة حول حقوق المرأة وغيرها من الموضوعات التي غابت فيها تماما المشاركة الألمانية..
وفي محاضرة رائعة قدمها د.صلاح فضل ود. رضوي عاشور.. دار استعراض بديع لدور الأندلس في الثقافة الأوروبية.. وكيف جسدت أعلي درجات التواصل الحضاري والإنساني بين أوروبا والعرب والمسلمين.. وبجانب هذه الندوات كانت الأمسيات الشعرية التي شارك فيها الشعراء العرب الكبار أدونيس وحجازي ودرويش والأبنودي وبنيس وبزيع وحيدر محمود وعباس بيضون والبرغوتي وعبده وازن والقراشولي وفاطمة قنديل وميسون صقر.
ثم كانت لقاءات الفكر التي شارك فيها ناصر الدين الأسد.. وكمال أبو المجد.. وأنيس منصور.. وجابر عصفور.. وإسماعيل سراج الدين.. ود. المسيري.. وفهمي حجازي.. وسليم العوا.. وعبدالتواب يوسف.. وفتحي صالح.. ومحمد سلماوي.. ويوسف زيدان.. وإبراهيم العريسي.. والموسوي.. وغازي العريضي.. وسمير سرحان.. وشريف الشوباشي.. ود. مصطفي علوي.. وناصر الأنصاري.. ورتيبة الحفني.. وليلي تكلا.. وهدي وصفي.. مع أمسيات فنية كان أكثرها تأثيرا أوبرا شهر زاد المصرية.. وامسية لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب وفرقة الفنون الشعبية اللبنانية كراكالا..
وكان من الجميل حقا أن يكون عرض شهر زاد المصري عربيا في نجومه حيث أخرجه وليد عوني اللبناني.. مع أنغام وعود نصير شما العراقي.. وأن تصاحب قصائد أدونيس السوري أصوات مصرية من دار الأوبرا..
وفي ساحة الرواية كان النجوم العرب هم الأكثر عددا.. ومن بين هذه الكوكبة من يكتبون بالعربية ومن يعيشون في أوروبا ويكتبون باللغات الأجنبية.. كان بن جلون.. وزكريا تامر.. والغيطاني.. وخيري شلبي.. وإبراهيم الكوني.. وأصلان.. ورضوي عاشور.. وعبدالمجيد.. والحبيب السالمي.. ومني رجب.. وبثينة مكي.. وحنان الشيخ.. وسميحة خريس.. وأحلام مستغانمي.. وسلوي بكر.. وميرال الطحاوي.. وآسيا جبار.. وسحر خليفة.. ومنتصر القفاش.. ورندة غازي..
كانت هذه الوجوه التي اختلفت في الأعمال والإبداع ولكنها كانت تمثل حشدا عربيا ذهب إلي فرانكفورت لكي يتحاور ويسمع ويضيف ويغير صورة العرب أمام الإعلام الغربي.. وأمام المواطن الألماني..
لا شك في أن صورة العربي المسلم في أوروبا الآن علي غير ما نحب أو نريد.. وربما تكون المشاركة العربية في معرض فرانكفورت بداية لتصحيح المسار.. وتقديم جانب من جوانب الحقيقة..