هوامش حرة من سرق القصور الملكية ؟

هوامش حرة
من سرق القصور الملكية ؟
بقلم: فاروق جويدة
10/06/2011




منذ سنوات بعيدة وقصة نهب القصور الملكية في مصر واحدة من القصص التي تثير الأسي والشجون في أعماق كل مصري
وللأسف الشديد أن هذا المشهد الدامي الحزين قد تكرر مع ثورة25 يناير وما تلاها من تطورات وأحداث حيث تم الاستيلاء طوال أيام الثورة علي جميع مقتنيات القصور الملكية المصرية التي تتبع رئاسة الجمهورية من جميع الأشياء الثمينة وأصبحت متاحف وغرف ومنشآت هذه القصور الآن خاوية علي عروشها.. لقد خرجت مقتنيات هذه القصور ولا أحد يعرف أين ذهبت هل حملتها الطائرات إلي سماوات دول أخري.. أم تم تهريبها عبر البحر من شرم الشيخ أو الغردقة والمدن الساحلية أم أنها ذهبت إلي مناطق قريبة عن طريق اللنشات والسفن.. لا أحد يعلم أين ذهبت مقتنيات قصور الشعب المصري التي جمعها في عشرات السنين وأصبحت جزء عزيزا من تاريخه وثروته..
القصة بدأت كما تأكدت من كل فصولها ومراحلها بعد قيام ثورة25 يناير وما أحاط بأجهزة الدولة من تقلبات وأزمات ومواقف..
بناء علي أمر صادر من المجلس العسكري صدر قرار وزير العدل رقم1701 لسنة2011 بتاريخ23 فبراير بتشكيل لجنه- كما جاء في نص القرار- للانتقال إلي كافة القصور والمقرات الرئاسية لإجراء جرد شامل لما بها من مقتنيات وأوراق وأموال والتحفظ عليها وعمل الإجراءات المطلوبة لحمايتها..
طبقا لقرار وزير العدل السابق المستشار ممدوح مرعي في هذا التاريخ تم تشكيل اللجنة برئاسة القاضي أحمد إدريس رئيس محكمة الاستئناف وعضوية السادة القضاة أسامة عبد العزيز رئيس محكمة الاستئناف والقاضيان أيمن عباس أبو علم وأحمد فاضل سلطان من النيابة العامة ومن جهاز الأمن القومي السيدان ناصر فهمي محمد ومحمد عبد الجواد طنطاوي ومن مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية اللواء محمد راضي والعميد طه عوض ومن الشرطة العسكرية العقيدان صالح الحديدي وإيهاب فتحي.. ثم أضيفت للجنة أسماء جديدة هم المستشار طلال الشواربي بحكمة الاستئناف ورؤساء المحاكم القضاة عمرو عبد الله ومحمد عبد الشكور وأحمد فهيم وعمر هدية وسامح إبراهيم..
وانتقلت اللجنة بكامل تشكيلها بين القصور الملكية التابعة لرئاسة الجمهورية واكتشفت بعد عمليات جرد كاملة للمقتنيات والمستندات والأوراق والأموال والتحف والمجوهرات أنه لا يوجد شيء علي الإطلاق في كل هذه القصور وأنها خالية تماما من كل ما كان فيها سواء في المتاحف المقامة في هذه القصور أو الغرف والصالونات والمنشآت الملكية..
الخلاصة أن قصور مصر الملكية لم يعد فيها الآن شيء علي الإطلاق..
أحد المسئولين في هذه اللجنة أكد لي أن قصر عابدين وفيه أكثر من270 غرفة لا يوجد به الآن قطعة واحدة..
< لقد اختفت جميع المقتنيات من متحف قصر عابدين وكان يضم جميع مقتنيات أسرة محمد علي من الآثار التاريخية والأدوات والأواني الفضية والذهبية وأنواع الكريستال والبلور الملون والتحف النادرة والسجاد الثمين والتابلوهات واللوحات والكنوز الأثرية..
< لقد اختفت جميع الوثائق والأوراق والمستندات الخاصة بهذه القصور وفيها قوائم جرد هذه المقتنيات في أزمنه سابقة وفيها الأوراق والمستندات التاريخية التي تتضمن أحداثا وأشخاصا ورموزا في تاريخ مصر الحديث..
< وجدت اللجنة مئات الحقائب الموجودة في القصور وهي فارغة تماما من كل محتوياتها ولا يوجد بها شيء سواء من الأوراق أو الوثائق التاريخية..
< خلت جميع فاترينات ووسائل العرض في المتاحف من جميع المقتنيات التي كانت تتجمل بها هذه القصور..
كان هذا هو الموقف الأخير الذي توصلت إليه لجنة جرد القصور الملكية.. تنفيذا لقرار المجلس العسكري ووزير العدل حيث لاشيء الآن في هذه القصور..
كلنا يعلم ما هي قصور مصر التاريخية وماذا تركت فيها الأسرة العلوية طوال150 عاما حكمت فيها مصر منذ كبير الأسرة محمد علي وحتي رحيل الملك فاروق في يوليو1952 والشيء المؤكد أن الملك فاروق لم يأخذ شيئا وهو يغادر مصر منفيا إلي إيطاليا غير ملابسه وملابس زوجته وبناته..
كلنا يعلم وربما شاهد مقتنيات قصر عابدين الذي بناه الخديو إسماعيل في عام1836 وبه مكتبه تضم55 ألف كتاب وبه أكبر متاحف القصور الملكية..
كلنا يعلم الكثير عن قصر القبة وقد بناه إسماعيل أيضا علي مساحة70 فدانا وبه أكبر غابة من الأشجار الآسيوية النادرة..
كلنا يعلم أن قصر رأس التين أحد معالم الاسكندرية التاريخية وقد شهد ميلاد الأسرة العلوية وشيده محمد علي في عام1834 وشهد نهاية هذه الأسرة مع رحيل الملك فاروق في يوليو1952..
كلنا شاهد قصر المنتزه تحفة الخديو عباس الثاني والذي أقيم علي مساحة370 فدانا ومازال أهم مزارات الاسكندرية.. ومازال قصر الطاهرة أصغر هذه القصور وأجملها علي الإطلاق هذا بجانب قصر محمد علي في شبرا وهو أول القصور التي سكنها كبير الأسرة العلوية منذ مائتي عام..
هذه هي القصور التي قامت لجنة وزارة العدل ومكتب النائب العام ورجال القوات المسلحة والأمن القومي والمباحث العامة والشرطة العسكرية بجرد جميع محتوياتها ولم تجد فيها شيئا من مقتنيات الأسرة العلوية وكلنا يعلم أن هذه القصور كانت من أهم متاحف مصر التاريخية والأثرية..
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن. أين ذهبت كل هذه المقتنيات ومن الذي نهبها وكيف استطاع أن يفعل ذلك طوال أيام الثورة وحتي رحيل الرئيس المخلوع وأين ذهبت بل أين تسربت.. هل تأخذ مكانها الآن في قصور أخري في دول شقيقة أم ستصبح من معروضات المزادات الأوربية قريبا..
منذ أسابيع قليلة ضبطت الشرطة المصرية في مطار القاهرة55 حقيبة مليئة بالتحف والأشياء الثمينة في طريقها إلي دولة عربية شقيقة لحساب رجل الأعمال الهارب حسين سالم وقدرت محتوياتها بعشرات الملايين من الدولارات فهل لحقت بها مقتنيات القصور الملكية المصرية..
أن هذه القصور كانت تضم أنواعا نادرة من المشغولات الذهبية والماسية والفضية والأطقم الفريدة واللوحات والسجاد النادر والسيوف والبنادق والخناجر الذهبية المرصعة بالماس وكانت تضم الحلي النادرة التي أصبحت جزء من تاريخ هذا البلد..
أن مصر هي الدولة الوحيدة التي ضاع تراث قصورها في ثورتين في عام52 مع ثورة يوليو وفي عام2011 مع ثورة25 يناير..
عندما قامت الثورة البلشفية في روسيا حافظت علي كل تراث القياصرة وبقيت محتويات هذه القصور شاهدا حضاريا علي عظمة شعب.. وعندما قامت الثورة الإيرانية لم يفقد الشعب الإيراني شيئا من تراث أجداده ومازالت المتاحف العريقة في كل دول العالم تحمل تراث شعوبها وحضارة تاريخها العريق..
نحن الآن أمام قضية لا ينبغي السكوت عليها.. وهنا أطالب السيد المستشار عبد العزيز الجندي وزير العدل والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام وأجهزة الأمن القومي المصري والأمن الوطني بالتحقيق في هذه الكارثة التاريخية.. نحن الآن أمام عملية نهب خطيرة.. وأمام تدمير متعمد لتاريخ هذا البلد وأمام عصابة لم تترك للأجيال الحالية ولا الأجيال القادمة شيئا بعد أن باعت كل شيءالأراضي.. والمشروعات.. والصحاري وتركت للأجيال القادمة بلايين الجنيهات كديون خارجية وداخلية ولم تتورع أن تسرق المتاحف والقصور وتدمر كل ما فيها..
لو أن عصابة من عصابات المافيا هبطت علي مصر ما فعلت بها ما فعلته عصابة الحكم السابق.. من الذي باع ضميره ووطنيته وانتماءه وامتدت يده لتسرق مقتنيات القصور الملكية وهي آخر ما بقي لهذا الشعب من تاريخه المنهوب.. وإذا كان هذا هو ما توصلت إلية لجنة وزارة العدل فماذا عن المتاحف الآخري التي تتبع مؤسسات الدولة ومنها متاحف وزارة الثقافة في القاهرة والاسكندرية.. وماذا حدث في مقتنيات قصر المجوهرات في الاسكندرية وماذا حدث للوحات العالمية الموجودة في متاحفنا التاريخية والأنواع النادرة من التحف والسجاجيد..
أنني أتوجه إلي الدول الشقيقة التي قد تعرف شيئا عن مصير هذه المقتنيات أن تعيد للمصريين ثروتهم الضائعة وتاريخهم المهان..
أنني اتوجه إلي المصريين في الخارج أن يراقبوا قاعات المزادات الكبري في العواصم العالمية ربما وجدوا ثروة شعبهم في احد المزادات وعليها التاج الملكي أو علم مصر الأخضر..
أنني أتوجه إلي من بقي من رموز هذا الوطن ممن يملكون مستندات أو وثائق وقوائم حول هذه المقتنيات سواء في أوراق رسمية أو شهادات عادية من أجل كشف هذه الجريمة..
أنني أتوجه إلي المسئولين في الأمن القومي والداخلية المصرية لترقب ورصد هذه المقتنيات والبحث عن أماكنها وكيف تم تهريبها..
ما ضاع ليس قطعة أثاث أو حلي بسيطة.. أنها تاريخ شعب.. وذاكرة أمة وسوف تبقي عارا يطارد لصوص هذا الوطن الذين نسوا شيئا يسمي الانتماء..
يجب استدعاء جميع المسئولين في هذه المتاحف من المديرين والعاملين والمسئولين والسعاة وأمناء المخازن والمتاحف لسؤالهم عن مصير مقتنيات القصور الملكية..
أنني أثق كثيرا في أمانه وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندي وضمير النائب العام المستشار د.عبد المجيد محمود للإجابة علي هذا السؤال.. من سرق قصورنا الملكية ؟ وأنتظر منهما الإجابة..
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads