هوامش حره : إذا كــــان الحســـــم ممكنــــــا‏..‏

هوامش حره
إذا كــــان الحســـــم ممكنــــــا‏..‏  
بقلم: فاروق جويدة 


 01/10/2010

في أقل من أسبوع استطاعت الحكومة في سابقة هي الأولي من نوعها أن تحسم قضية أرض مدينتي رغم كل مظاهر الخلل والتجاوز في شرعية امتلاك الشركة للأرض‏..
قامت الحكومة بتشكيل لجنة قانونية وحشدت لها كل الإمكانيات, وأحاطتها بكامل الاهتمام والرعاية حتي أصدرت قرارها التاريخي بتحديد سعر8 آلاف فدان بمبلغ عشرة بلايين جنيه أي أن سعر المتر من الأراض أقل من300 جنيه وأعلنت اللجنة الموقرة أن هذا المبلغ يعتبر تنفيذا لحكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد أرض مدينتي وبعد ذلك اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارا بتنفيذ ما جاء في قرار اللجنة..
وأنا هنا لن أتحدث عن قرار اللجنة أو قرار مجلس الوزراء من الناحية القانونية حول هذه التسوية وهل يعتبر ذلك تنفيذا لحكم قضائي رفيع أم أن هناك احتمالات مواجهة قانونية أخري حول صحة ما جاء في قرارات الحكومة لتصحيح أخطاء العقد الأول.. سوف أتوقف هنا عند قضية أخطر وأهم وهي قدرة الحكومة علي معالجة الأمور بهذه السرعة الغريبة وهذا الإنجاز غير العادي في مواجهة الأزمة..
إذا كانت الحكومة في خمسة أيام قد اتخذت كل هذه الإجراءات من حيث تشكيل اللجنة واجتماعاتها ودراساتها,ثم إصدار قراراتها وبعد ذلك اجتماع عاجل لمجلس الوزراء لإنهاء القضية كلها.. إذا كان ذلك ممكنا فلماذا تتقاعس نفس الحكومة في قضايا أخري ربما كانت أهم وأخطر.. إذا كان الحسم ممكنا بهذه الصورة السريعة والعاجلة فلماذا لا يكون ذلك أسلوب عمل في معالجة القضايا الأخري..
< لماذا لا تتعامل الحكومة بهذا الحسم مع قضية الأسعار وهي تشاهد ملايين المواطنين الذين تحرقهم نيران الأسعار يوميا ويعانون شظف العيش وتلقي بهم الأسواق خارج أسوارها أمام ارتفاع مخيف في أسعار كل شيء.. إذا كانت الحكومة قادرة علي هذا الحسم فلماذا لا تفعل ذلك مع التجار والمهربين ومؤسساتها التي تتاجر في غذاء الشعب.. أين حملات التموين وأين أجهزة الرقابة وأين إنتاج مؤسسات الدولة, إذا كانت مازالت تنتج شيئـا.. أين موقفها من مافيا الاستيراد والتوزيع والأسواق. نحن أمام حكومة لا وجود لها علي الإطلاق في الشارع المصري باستثناء وجودها الأمني والضريبي فإذا كانت قادرة علي الحسم بهذه الصورة فما هي مبرراتها لتعذيب هذا الشعب الغلبان ما بين رغيف الخبز وأسعار اللحوم والكهرباء والخضراوات والفاكهة وماذا يفعل الفقراء في هذا الزمن الصعب..
< إذا كان الحسم ممكنـا فلماذا تقاعست الحكومة في مشروع تنمية سيناء ثلاثين عاما كاملة.. إن مشروع مدينتي في النهاية مشروع سكني لا يتجاوز مجموعة فيلات سكنية وشقق ويقال انه تجاوز100 مليار جنيه في حين أن استثمارات سيناء في30 عاما لم تصل إلي15 مليار جنيه.. ولنا أن نتصور لو أن حكومتنا الرشيدة انفقت جزءا ضئيلا مما أنفقته في بناء المنتجعات لتنمية سيناء.. كان من الممكن أن تقام دولة جديدة في هذه القطعة العزيزة من الأرض المصرية.. مئات المليارات من الجنيهات ألقتها الحكومة في بلاعات ضواحي القاهرة وسيناء الخالية تغري كل مغامر بأن يقتطع منها شيئـا.. من كان أولي بهذه البلايين الحائرة بين الفيلات والشقق وأحكام القضاء وقرارات الحكومة الجاهزة سيناء أم منتجعات الصفوة.. ولماذا لم تتعامل الحكومة بهذا الحسم مع مشروع تنمية سيناء الذي ولد ومات في مكاتب الوزراء وكبار المسئولين في الدولة..
< لماذا كان حرص الحكومة علي تنفيذ حكم الإدارية العليا في عقد مدينتي بصفة خاصة رغم أن أمام الحكومة نفسها آلاف الأحكام التي رفضت أن تنفذها وألقت بها جميعا في سلة المهملات الحكومية.. هناك آلاف الأحكام بتعويضات ملزمة.. وقرارات خاطئة ومواقف مريبة.. ومسئولون تجاوزوا حدود اختصاصاتهم وأدانتهم المحاكم.. في مجلس الشعب مئات الأحكام ضد عضوية العشرات من أعضاء المجلس سواء بتهمة التزوير أو عدم صحة العضوية.. ولم ينفذ منها حكم واحد.. هناك أحكام بتعويضات عن أراض صادرتها الحكومة للمنفعة العامة ولم تدفع مستحقات المواطنين عنها.. وأمام الحكومة أحكام لصالح حزب العمل وزعيمه الراحل إبراهيم شكري الذي مات كمدا.. وأحكام لجريدة الشعب لم تنفذ الحكومة حكما منها وأحكام بإنشاء أحزاب سياسية رفضتها الحكومة وأحكام بالإفراج عن معتقلين سياسيين مازالوا في السجون والمعتقلات.. وإذا كنا نتحدث عن مسلسل الجرائم في الأراضي فماذا عن عشرات المنتجعات المخالفة التي أقيمت في6 أكتوبر وعلي الطريق الصحراوي وفيها أيضا أحكام لم تنفذ.. لماذا سكتت الحكومة عن كل هذه التجاوزات وفي مقدمتها127 فدانـا ثمنها3 مليارات جنيه لجامعة النيل التي أقامتها جمعية أهلية يرأسها رئيس الحكومة شخصيا وأنفقت عليها الدولة مليار جنيه وهي لا تمتلك فيها شيئـا طبقـا للقانون..
< إذا كانت الحكومة قادرة علي التعامل مع قضايا المجتمع بهذا الحسم وهذه السرعة لماذا تركت ضحايا المعاش المبكر وشركات الخصخصة التي باعتها ولم تحسم موقف العاملين فيها, لماذا حاصرت قوات الأمن هؤلاء وهم يعتصمون أمام مجلس الشعب يطالبون بحقوقهم ولم يخرج لهم مسئول واحد.. هناك قضايا في المحاكم بين الحكومة وشركة عمر أفندي.. وقضايا مع شركات الغزل والنسيج.. ومصانع الزيوت والصابون في طنطا والقناطر الخيرية.. والمراجل البخارية وهناك أراض وزعتها الحكومة بآلاف الأفدنة ولم تسأل ماذا فعل المستثمرون بها.. أعطت للوليد بن طلال100 ألف فدان في توشكي بسعر50 جنيها للفدان استصلح منها1000 فدان فقط.. وأعطت للراجحي100 ألف فدان استصلح منها خمسة آلاف فدان في عشر سنوات.. وأعطت لخمسة من رجال الأعمال100 مليون متر في شرق التفريعة والعوينات منهم من باع ومنهم من يقوم بتسقيعها.. ماذا فعلت الحكومة في كل هذه التجاوزات..
ف إذا كان الحسم ممكنا فلماذا تركت الحكومة شباب الخريجين تائهين في الصحاري بلا ماء ولا زاد ولا حماية.. لقد تركتهم لبنك التسليف الزراعي يسجنهم حينا ويطاردهم أحيانـا.. ثم جاءت وزارة الزراعة لتجعل سعر فدان الأرض للخريج الغلبان22 ألف جنيه وهي التي باعته لأصحاب المنتجعات بمائتي جنيه للفدان ومن أين يأتي الخريج بهذا المبلغ وهو لا يملك شيئـا..
< إذا كان الحسم ممكنا فلماذا تركت الحكومة جهابذة الحزب الوطني يحتكرون أسواق الحديد والأسمنت والأسمدة والكيماويات.. آنهم يحددون أسعار كل شيء في الأسواق حسب مصالحهم وأهوائهم ولا يحاسبهم أحد.. في يوم من الأيام اقترب سعر طن الحديد من عشرة آلاف جنيه ولم يتكلم أحد.. وارتفعت أسعار الأسمدة وترك الفلاحون الأرض وهربوا منها ولم يتكلم أحد.. وزادت أسعار الأسمنت والكيماويات ولم تحاول الحكومة أن توقف طوفان الاحتكارات الذي اجتاح أسواق مصر كلها وماذا عن المصانع التي اشتراها رجال الأعمال من الحكومة بأبخس الأسعار ثم باعوها بالمليارات وربحوا فيها.. أين حق الشعب في هذه الأرباح.. لقد تركت الحكومة اقتصاد الدولة المصرية في يد مجموعة أشخاص أصبحوا أوصياء علي كل شيء فيه في ظل غياب كامل للحكومة بكل مؤسساتها..
< إذا كان الحسم ممكنا فلماذا لم تواجه الحكومة مأساة العشوائيات التي انتشرت كالألغام في ضواحي المدن.. لا أحد يعرف عدد العشوائيات في المحروسة حول القاهرة وحدها عشوائيات للخنازير وأخري للمخدرات وثالثة لأرباب السوابق والخارجين علي القانون... ورغم هذا لا يراها أحد.. كانت الحكومة تستطيع إذا أرادت أن تفرض علي كل رجل أعمال أقام منتجعا وكسب فيه مئات الملايين أن ينقذ سكان معسكر واحد من عشوائيات الخنازير والكلاب والقطط ويوفر لهم شيئـا من الإنسانية ولكن حكومتنا الرشيدة تغمض عينها عادة عن هموم الغلابة لأنها لا تفكر فيهم..
< إذا كانت الحكومة بالفعل جادة في أن تتخذ مواقف حاسمة فهناك ملفات كثيرة ليتها تتعامل معها بهذه الروح التي حسمت بها قضية أرض مدينتي.. ليتها تتعامل بنفس هذه الروح مع40% من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر.. ليتها تتعامل بنفس الروح مع أبنائنا في المدارس الذين لا يجدون مكانـا يجلسون فيه أو كتابا يتعلمون منه.. ليتها تتعامل بهذه الروح مع قضية الأسعار التي أرهقت كل بيت في مصر, ليتها تتعامل بهذه الروح مع20 مليون مصري لا يقرأون ولا يكتبون في مأساة عمرها خمسون عاما أسمها الأمية.. ليتها تتعامل بهذا الحسم في إجراء انتخابات برلمانية نزيهة ومحايدة بلا تزوير..
ملفات كثيرة في مصر تحتاج إلي حسم ولكن كلنا يؤذن في مالطة, ويبدو أن الحكومة سمعت أذانا واحدا جاء من مدينتي وليت كل مشاكل مصر وأزماتها تحوز شيئـا من حظ مدينتي وتسمع الحكومة هذا الأذان....

ويبقي الشعر
 
لا تسأليني الآن عن زمن جميل
أنا لا أحب الحزن
لكن كل أحزاني جراح
أرهقت قلبي العليل..
ما بين حلم خانني..
ضاعت أغاني الحب..
وانطفأت شموس العمر..
وانتحر الأصيل..
لكنه قدري
بأن أحيا علي الأطـلال
أرسم في سواد الليل
قنديلا.. وفجرا شاحبا
يتوكـآن علي بقايا العمر
والجسد الهزيل
إني أحبك
كلما تاهت خـيوط الضوء عن عيني
أري فيك الدليل
إني أحبـك..
لا تكوني ليلة عذراء
نامت في ضـلـوعي
ثم شردها الرحيل..
أني أحبـك...
لا تكـوني مثل كل النـاس
عهدا زائفـا
أو نجمة ضلت وتبحث عن سبيل
داويت أحزان القلوب
غرست في وجه الصحاري
ألف بستان ظليل
والآن جئتك خائفـا
نفس الوجوه
تعود مثل السوس
تنخر في عظام النيل..
نفـس الوجوه..
تـطل من خلف النـوافذ
تنعق الغربان.. يرتفع العويل..
نفس الوجوه
علي الموائد تأكل الجسد النـحيل..
نـفس الوجوه
تـطل فوق الشاشة السوداء
تنشر سمها..
ودماؤنـا في نشوة الأفـراح
من فمها تسيل..
نفس الوجوه..
الآن تقتحم العيون..
كأنها الكابوس في حلم ثقيل
نفس الوجوه..
تعود كالجرذان تـجري خلفنـا..
وأمامنا الجلاد.. والليل الطويل..
لا تسأليني الآن عن حلم جميل
أنا لا ألوم الصبح
إن ولــي وودع أرضنـا
فالصبح لا يرضي هوان العيش
في وطن ذليل
أنا لا ألوم النار إن هدأت
وصارت نخوة عرجاء
في جسد عليل..
أنا لا ألـوم النهر
إن جفت شواطئـه
وأجدب زرعه..
وتكسرت كالضوء في عينيه
أعناق النخيل..
مادامت الأشباح تسكر
من دماء النيل..
لا تسأليني الآن..
عن زمن جميل

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads