هل نستوعب الدرس

هوامش حرة

هل نستوعب الدرس

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة


بعد ثلاثين عاما أفاق المصريون علي حقيقة مؤلمة ومأساة نائمة‏,‏ أن سيناء بلا بشر وأن الشريط الأزرق الجميل الذي يتنزه فيه السياح من كل مكانا لا يستطيع أن يحمي زورق صيد أو فوجا سياحيا وأن سيناء قد تحررت علي الورق مثل الذي أشتري بيتـا ولا يستطيع أن يبيت فيه ليلة أو يضع أقدامه علي ترابه المقدس‏..‏ أكتشف المصريون فجأة دولة وحكومة وإعلاما وشعبا أن تراب سيناء مباح ومستباح وأننا أخذنا ورقة صغيرة‏,‏ وقع عليها بعض الأشخاص وقد رحلوا جميعا‏,‏ تثبت سيادتنا علي هذه الأرض رغم أن كل الشواهد قد أكدت أن الأرض عادت ولم تعد في الوقت نفسه‏..‏ ولأننا عادة نعالج أخطاءنا بأخطاء أكبر فقد ارتفعت نغمة شاردة في الشارع المصري تحذر من الغزو الفلسطيني لمصر وأن سيناء تتعرض لعدوان غزاوي شديد الضراوة وأن علينا أن نقف بقوة ضد احتلال أراضينا‏..‏ وأقول لمن كتبوا هذا الكلام‏:‏ إذا لم تستح فأفعل ما شئت لأن مثل هذا الكلام لا تنقصه الدقة فقط ولكن ينقصه الحياء‏..‏

لقد تعامل الرئيس مبارك مع الموقف بحكمة شديدة حينما أمر بفتح الحدود أمام شعب شقيق محاصر‏,‏ فيه من مات بسبب نقص الدواء ومن هرب من شبح الجوع ومن جاء يطلب الرحمة وهذا ما يليق بمصر وشعب مصر وقيادة مصر‏,‏ أما محاولات الوقيعة بين الشعب المصري وأهل غزة فهذه قضية لا محل لها من الاعراب وينبغي ألا نعالج أخطاءنا بأخطاء أكبر‏..‏

والغريب أننا حذرنا مما يحدث في سيناء الآن أكثر من مرة ولم أكن وحدي الذي حذرت ولكن هناك سلسلة طويلة من التحذيرات في فترات سابقة أو لاحقة وكلها تتحدث عن أطماع ما في سيناء وأن علينا أن نفيق قبل فوات الأوان لأن سيناء الخالية المحرومة الضائعة تغري كثيرين باقتحامها‏..‏

كتبت في‏16‏ يونيو‏2006‏ مقالا بعنوان‏'‏ تعقيب ساخر في قضية جادة‏'‏ معلقـا علي تصريحات جيورا ايلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق والتي أعلن فيها بصراحة إمكان إقامة دولة فلسطينية علي جزء من سيناء ويومها عقب وزير خارجيتنا السيد أحمد أبو الغيط بأن هذا كلام فارغ‏..‏ وقلت يومها ليس في السياسة كلام فارغ خاصة‏,‏ إذا جاء من إسرائيل‏..‏ وفي نفس المقال ذكرت ما جاء في مذكرات الملكة نور أرملة الملك الراحل حسين بن طلال ملك الأردن حين قالت إنها كانت في رحلة بحرية أمام شرم الشيخ مع زوجها والممثلة الشهيرة جين فوندا وزوجها تيد تيرنر صاحب قناة‏C.N.N‏ ودار بينهم حديث حول المساحات الشاسعة من الأراضي الخالية في سيناء وكان السؤال الذي تردد في هذه النزهه لماذا لا تقوم دولة فلسطينية في هذا الفراغ الرهيب‏..‏

وفي‏5‏ مايو‏2006‏ حذرت في مقال بعنوان‏'‏ سيناء بين التنمية والإرهاب‏'‏ من أن سيناء الخالية ستكون أرضا خصبة للإرهاب كما حدث في صعيد مصر في التسعينيات حين أهملنا التنمية فخرج علينا الإرهاب‏..‏

وفي‏12‏ يناير‏2007‏ كتبت مقالا بعنوان‏'‏ سيناء إلي أين‏'‏ تحدثت فيه عن المشروع القومي لتنمية سيناء والذي كان مقررا له‏72‏ مليار جنيه وتحاول أن تبحث عن المشروع ولا تجد منه شيئـا غير ترعة السلام التي لم يستثمرها أحد في شيء‏..‏ وعشرات المشروعات التي بقيت حبرا علي ورق‏..‏

اننا بالفعل أمام قضية خطيرة ومأساة حقيقية أن نترك سيناء خالية بهذه الصورة وبعد ذلك نشكو هنا وهناك‏..‏ لقد نجحت إسرائيل في شق الصف الفلسطيني ووصلت بالأخوة الأعداء أن يتقاتلوا علي أطلال وطن جريح‏..‏ وكان الخطأ الأساسي الذي وقعنا فيه أننا تصورنا أن فتح أفضل من حماس رغم أن الذي يعنينا في الدرجة الأولي هو قضية الشعب الفلسطيني بعيدا عن فصائله المتناحرة‏..‏ وهذا ما ينبغي أن نلتزم به وهو ما أكده الرئيس مبارك في موقفه الأخير من دخول أهالي غزة إلي سيناء ولا ينبغي أن تكون مصر طرفـا في صراع الأخوة الأعداء لأن مصر أكبر من ذلك‏..‏

أن إسرائيل ستكون أسعد حالا لو أن قوات الأمن المصرية قتلت الفلسطينيين الهاربين من الحصار في غزة علي أرض سيناء‏..‏ إن هذا الإجراء سيكون أكبر انتصار لإسرائيل بعد أن جعلت الفلسطينيين أبناء الأم الواحدة يقتلون بعضهم علي ترابها‏..‏ ولكن مصر أكبر من أن ترتكب مثل هذه الأخطاء‏..‏

إن الخطأ الأساسي في سيناء ليس من إسرائيل ولا من سكان غزة ولا من فتح أو حماس ولكن الخطأ خطأ مصري صميم وينبغي ألا نعلق فشلنا وسلبيتنا علي شماعات الآخرين‏..‏

*‏ نحن الذين قبلنا أن تصبح سيناء بلا حماية كافية وعلينا الآن أن نصحح هذا الخطأ التاريخي ونطالب بتعديل كل الاتفاقيات التي جعلتنا غير قادرين علي حماية أراضينا بما في ذلك توزيع القوات المصرية في سيناء عمقـا وحدودا وشواطيء حتي تعود السيادة كاملة علي الأرض المصرية فلا توجد سيادة بلا حماية‏..‏

*‏ نحن الذين أهملنا تنمية سيناء ووضعنا برامج من ورق واكتفينا بمشروعات سياحية علي شاطيء جميل وتركنا ثروات سيناء وما أكثرها تنتظر المغامرين والقادمين والباحثين عن حلول علي أشلاء الآخرين‏..‏ وعلينا الآن أن نضع خطة لا تتجاوز خمس سنوات لنقل خمسة ملايين مواطن مصري إلي سيناء ولفتح كل الأبواب أمام شبابنا للهجرة إلي سيناء وزراعتها بدلا من أن يموتوا غرقا علي شواطيء اليونان وإيطاليا وتركيا أو تسقط جثثهم من عجلات الطائرات علي ضواحي باريس‏..‏ إن الأفضل لشبابنا إذا كان الموت قدرا أن يموتوا وهم يزرعون صحاري سيناء ويحمون شواطئها‏..‏

*‏ نحن الذين أخطأنا خطأ فادحا حينما تركنا مستقبل سيناء في يد مجموعة من رجال الأعمال قسموها بينهم كمناطق نفوذ أو استثمار أو وصاية‏..‏ إن مسئولية وإمكانات رجال الأعمال أن يديروا مشروعات خاصة لا أن يديروا وطنـا وشئون دولة‏..‏

*‏ ينبغي أن يعود ملف سيناء بالكامل أمنا واستثمارا وتنمية وحماية إلي قواتنا المسلحة لأنها الوحيدة القادرة علي التعامل مع هذا الملف بحياد ونزاهة ومصداقية‏..‏ أن القوات المسلحة هي أكثر الجهات في الدولة المصرية التي تعرف كل شيء عن سيناء ابتداء بالبشر وانتهاء بالأرض والثروة‏,‏ وفي القوات المسلحة أجهزة كثيرة تمارس الأنشطة المدنية وتستطيع أن تشرف علي تنفيذ المشروعات وتسكين البشر واستقرار العمل بصورة أفضل

*‏ ينبغي أن نتوقف عن إشعال الحرائق الإعلامية بيننا وبين الفلسطينيين سواء كانوا من سكان غزة أو خارجها وأن يتوقف المحرضون لإشعال الفتنة بين المصريين والفلسطينيين‏..‏ ومن الخطأ الجسيم أن نفسد موقفـا كريما اتخذته مصر قيادة وشعبا تجاه الشعب الفلسطيني بهذه المهاترات المتسرعة التي تفتقد الإحساس بالمسئولية‏..‏ إن الشعب الفلسطيني ليس حماس وفتح فقط ولكنه الملايين الذين يعيشون في المخيمات والشهداء الذين ضحوا‏..‏ والأطفال الذين ماتوا في غزة جوعا ومصر مع هؤلاء جميعا‏..‏

إن تنمية سيناء واجب وطني وقومي وربما كانت الأحداث الأخيرة تحمل لنا انذارا أخيرا لعلنا نفيق بعد ثلاثين عاما من الغفلة‏..‏









ويبقي الشعر

من ألـف عام

كنـت أحـلم أن أعانق شهرزاد

وأموت في أحضانها‏..‏



ويعود يبعثني لـهيب الشوق

نارا كلـما خمد الرماد

أنـسي بها الأحزان والزمن الكريه



وسطـوة الـجلاد‏..‏

في كل يوم كان موج البحر

يلـقي للشواطيء وجه بحار غريق



وأنـا علي الأمواج يحملـني

شراع الحلم في اللـيـل السحيق

في آخر الـمشوار عاد السندباد



رماد بحار تناثـر في حريق

لاحت أمام العين لـؤلـؤة

بلـون الصبح تبكي



ضجت الأمواج‏..‏ وارتـجف البريق‏..‏

وأطل ضوء خافت خـلف الغـيوم

وظل يكـبر‏..‏ ثم يكـبر‏..‏



ثم أصبح نـجمة بيضاء في وجه رقيق‏..‏

حملت يدي مثــل الفراشة حـلــقـت بالقلـب

ضمت حزنـه الدامي العميق



ورأيت وجه حبيبتي

بستـان ضوء قد تنـاثـر في المدي

والـكون يرسم في سراب الـعمر



أضواء الطـريق

‏'‏ من قصيدة امرأة من ألف عام سنة‏1993'‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads