هيبة الدولة‏..‏ مرة أخري

هوامش حرة

هيبة الدولة‏..‏ مرة أخري

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




منذ شهور قليلة كتبت في هذا المكان عن قضية هامة وخطيرة وهي غياب هيبة الدولة وفي تقديري أننا يمكن أن نختلف في كل القضايا وأن يجنح البعض منا حتي آخر مدي قولا وكتابة ونقدا ولكن ينبغي أن تكون هناك منطقة نحرص عليها جميعا وهي هيبة الدولة لأنها صمام أمان لا بديل عنه‏..‏

وقد تبدو الكلمة واسعة جدا في مدلولها ولكن بقدر اتساع هذا المدلول بقدر ما يمكن لنا أن نضعها في سياق واضح ومحدد وصريح‏..‏ أن هيبة الدولة تعني قدرتها علي مواجهة المشاكل والأزمات في إطار من الحسم والعدل والمصداقية‏..‏ وأن غياب أحد هذه العناصر يعني بالضرورة خللا ما في هذا الدور‏..‏ أن قضية الحسم لها أكثر من جانب تبدأ بالإدارة والأمن وتنتهي بالقدرة علي تحقيق الاستقرار بكل أشكاله السياسية والاجتماعية‏..‏ أما جانب العدل فهو صمام الأمان لحصول كل مواطن علي حقه دون تجاوز في حقوق الآخرين ابتداء بحرية الرأي وانتهاء بتوفير مقومات الحياة الكريمة‏..‏ أما جانب المصداقية فيبدأ فيما تنشره الصحف من أخبار الدولة وينتهي في مقدار الشفافية التي تتمتع بها أجهزة الدولة في أداء مسئولياتها وخدماتها للمواطنين‏..‏ وفي تقديري أن هذه الثلاثية أصابتها ظواهر من العجز وعدم القدرة علي الأداء السليم وهنا أتوقف عند بعض الظواهر التي تؤكد ما أقول‏..‏


*‏ أن الدولة فقدت سيطرتها علي الطبقة الجديدة الثرية التي ملكت كل شيء وإنها بذلك تشبه الذي ربي في بيته وحشا يحرسه ولكن الوحش تجاوز حدود الحراسة وهجم علي أصحاب البيت بشراسة‏..‏ لقد أنشأت الدولة هذه الطبقة وفي تفكيرها أن تؤدي دورا اجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا‏..‏ أن توفر خدمات وأن تنجز مشروعات وأن توفر فرص عمل وأن تحقق في مسئولياتها قدرا من التوازن بين أبناء المجتمع الواحد‏..‏ وأن يتم ذلك كله في إطار من المصالحة الاجتماعية‏..‏ ولكن الذي حدث أن الطبقة الجديدة تجاوزت دورها فأساءت للاقتصاد بسلوكيات خاطئة وأساءت للحياة الاجتماعية بظواهر سلوكية استفزازية‏..‏ وأساءت للسياسة باقتحامها مجالات للعمل السياسي لا تتناسب مع قدراتها ولكنها مجرد لافتات براقة للحماية والمزيد من السلطة‏..‏ كان من الممكن أن يبقي دور الطبقة الجديدة دورا اقتصاديا ماليا في الربح والمكاسب ولكن اقتحام العمل السياسي بهذا المفهوم أفسد السياسة والاقتصاد معا‏..‏ ولم يكن غريبا أن نجد أشخاصا يملكون رأس المال‏..‏ وقوة السلطة‏..‏ والسطوة الاقتصادية التي وصلت إلي حدود الاحتكار دون أن يكون هناك انسجام أو تلاحم بين كل هذه الجوانب ولم تكتف هذه الطبقة بما حصلت عليه من مكاسب مادية ومواقع اجتماعية واقتراب من سلطة القرار ولكنها شاركت في تهميش طبقات اجتماعية أخري فقدت بريقها وتأثيرها وتراجعت قوي اجتماعية كان لها دورها وبريقها وإنجازاتها في حماية أمن المواطن واستقراره‏..‏ لقد تهمشت طبقة المثقفين فتراجع دورها وفقدت المصداقية والتأثير وتهمشت طبقة العمال أمام مصانع أغلقتها الدولة أو باعتها ومكاسب ضاعت في سراديب الضغوط الاقتصادية وتهمش دور الفلاحين أمام واقع اجتماعي بغيض وشرس وجلست هذه الطبقة الجديدة علي أطلال مجتمع فقد التوازن والعدالة والرحمة وكان أغرب ما في ذلك كله أن المناخ العام شجعها علي أن تفعل ذلك كله دون معارضة شعب أورفض حكومة‏..‏ وكبرت الطبقة الجديدة وسحبت من رصيد هام وخطير أسمه هيبة الدولة ولم تعد الدولة نفسها قادرة علي أن تعيد هذا التوازن المفقود‏..‏


*‏ مع الطبقة الجديدة ومظاهرها الاستفزازية جاء برنامج الخصخصة بعيدا عن السياق العام الذي حلمنا به جميعا‏..‏ كنا نتخيل أن الخصخصة تعني إنقاذ مشروعات خاسرة وإعادتها مرة أخري أكثر إنتاجا وتصديرا وفرص أوسع للعمالة مع مزيد من المكاسب للعاملين في هذه المشروعات يحقق لهم مزيدا من الاستقرار والكفاية‏..‏ كنا نتخيل أن الخصخصة استثمار لأموال الشعب في إطار من الحماية الوطنية بحيث نضمن أن تبقي هذه المشروعات درع أمان للوطن والمواطن وبحيث لا نجد أنفسنا فجأة في أيدي من لا يرحم‏..‏ وقد كنا جميعا متفقين علي هذا الهدف ولكن الذي حدث شيء آخر اختلف تماما عن كل أحلامنا البريئة‏..‏ أن المشروعات لم تعد تنتج شيئـا فقد تم بيعها بالمتر لتتحول إلي مباني ومنشآت‏..‏ ولم تعد وسيلة أمان للعاملين فيها بعد أن تم تسريحهم بنظام المعاش المبكر‏..‏ ووجدنا مضاربات رهيبة في بيع المصانع والمنشآت كأراضي بناء‏..‏ وهنا يمكن أن نقول أن برنامج الخصخصة فقد شفافيته في الأهداف والتنفيذ والنتائج واكتشفنا أننا أمام برنامج يبيع كل شيء‏..‏ ولاشك أن هذا البرنامج سحب الكثير من هيبة الدولة خاصة أمام صفقات مشبوهة في عمليات البيع ترتبت عليها أثار اجتماعية وأخلاقية غاية في السوء وكشفت الوجه القبيح لبرنامج كنا نتخيل أنه بداية عصر جديد مع الرخاء والرفاهية ولقد اهتزت جوانب الثقة والأمان بين الشعب وحكومته في ظل إجراءات اقتصادية افتقدت الشفافية والنزاهة في أحيان كثيرة‏..‏


*‏ أمام استفزازات الطبقة الجديدة والنتائج السيئة لبرنامج الخصخصة وغياب هيبة الدولة في الجانبين زادت الظواهر الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تطلبت تدخلا أكبر من المؤسسة الأمنية‏..‏ لقد تحولت هذه الظواهر الاجتماعية السيئة إلي سلوكيات جديدة وغريبة في الشارع المصري فقد زادت حدة الرفض السياسي والاستنكار والمعارضة من طوائف كثيرة ساخطة علي واقعها الاجتماعي والإنساني ووجدت نفسها في حالة صدام مباشر مع مجتمع اختلت موازين العدالة فيه ووجد المواطن نفسه أمام عبارة تغرق وقطار يحمله للآخرة‏..‏ ووجد العامل نفسه مطرودا في الشارع بلا عمل‏..‏ ووجد الفلاح نفسه مطاردا من لصوص بنك التسليف وتجار الأسمدة والمبيدات‏..‏ ووجدنا أنفسنا جميعا هذا يبحث عن شقة ولا يجد الحديد بعد أن باعت الدولة مصانعه لشخص واحد‏..‏ أو يبحث عن شيكاره أسمنت بعد أن باعته الدولة للأجانب ودخلنا أمام ذلك كله دائرة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تجد الدولة حلا لمواجهتها إلا بقوات الأمن وهنا ظهرت أنواع جديدة من الجرائم الاجتماعية داخل الأسرة المصرية واتسعت قضايا الفساد ودخل المجتمع في دائرة من الصراع الطائفي بسبب ضغوط الحياة والتزاماتها الضارية وارتفعت صرخات الصحافة وتجاوزت كل السقوف المهنية أمام صمت مريب وتجاهل مقصود من الدولة وأجهزتها‏..‏ ووجدنا أنفسنا أمام مجتمع آخر في سلوكياته وأخلاقياته فليست هذه هي مصر التي نعرفها وليس هذا الشعب هو نفس الشعب الذي عرفناه لقد تبدلت الأخلاق ولغة الكلام والحوار والسلوك‏..‏ وكان هذا كله علي حساب هيبة الدولة التي نسيت دورها في تحقيق العدالة‏..‏ وركزت دورها في المزيد من أساليب القمع‏..‏







ويبقي الشعر



البحر يحبـك أمواجا

وشواطيء ذابت فيها الشمس

والعمر يغرد حين تطل نجوم اليوم



وتنسانا أشباح الأمس

والنـاس تجيئــك أسرابا

تتلهف شوقـا وحنينـا لليالي الأنس



فاترك أحزانـك للأيـام ولا تعبـأ

بخيول ماتت‏..‏ أجهضها‏..‏ طغيان اليأس

فالليـل يعربد في الطـرقات



ويرصدنا بعيون البؤس

أطلق أيامك فوق الريح فما أقـسي‏..‏

أن تبــكي العمر إذا ولـي وانتحر الكأس



في ليـلة حزن وحشية

أبحث عن صدر يحميني

ويعيد دماء شراييني



فأنا مرتعد كالأطفال

طيور النـوم تـجافيني

أزرع أحلامي يدميها



سيف الجلاد ويدميني

أزرع في عيني بستانـا

يـأتي القنــاص ويرصدني



يحرق في الليـل بساتيني

مهزوم في عشق بلادي

في صرخة سخطي وعنادي‏..‏



حتــي الأحلام تـعاندني

وبكل طريق تـلقيني

ما أجمل أن أجد امرأة

 
في ساعة موتي‏..‏ تـحيينـي

‏'‏من قصيدة في ليلة عشق سنة‏2001'‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads