هوامش حرة : لماذا يسافر الوزراء؟

هوامش حرة



لماذا يسافر الوزراء؟



يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




في كل دول العالم توجد ضوابط صريحة وواضحة لسفر الوفود الرسمية في مهمات للخارج سواء كانوا وزراء أو مسئولين‏..‏ وهذه الضوابط تضع قواعد ملزمة‏,‏ فليس من حق أي مسئول أن يأخذ حقيبته ويرحل دون هدف أو غاية‏..‏ لا أجد مبررا لسفر السادة الوزراء للخارج بهذه الأعداد الرهيبة وبهذه الصورة المريبة والغريبة في وقت واحد‏..‏



لا يمضي الآن أسبوع واحد دون سفر وزير أو أكثر إلي أمريكا أو الدول الأوروبية‏..‏ وفي الوقت الذي يتنافس فيه السادة الوزراء علي السفر إلي هذه الدول غابت الوفود المصرية تماما لسنوات طويلة عن دول أهم بالنسبة لنا مثل السودان وباقي دول إفريقيا ودول شرق آسيا وحتي الدول العربية‏..‏ ولا أعتقد أن ذلك يعكس فكرا أو خططا أو مشروعـا لدي الحكومة لأن سفر السادة الوزراء أصبح الآن عملية عشوائية لا هدف لها ولا غاية إلا إذا كان الهدف هو تغيير الجو والحصول علي أجازة قصيرة من زحام القاهرة وأتربة الخماسين ومنغصات الصحف المستقلة وطوابير العاطلين عن العمل أو الواقفين أمام المخابز أو المطالبين بحل مشاكلهم مع التأمينات الاجتماعية أو الضرائب‏..‏



لا يمضي الآن أسبوع واحد دون أن نقرأ في الصحف عن سفر وزير أو عدد من الوزراء إلي الخارج‏..‏ وفي الفترة الأخيرة تركزت سفريات الوزراء علي انجلترا وفرنسا وقبل هذا كله أمريكا‏..‏ والمتبع عادة في سفر الوزراء أنهم يذهبون في مهمات رسمية للتفاوض أو توقيع اتفاقيات أو أهداف سريعة محددة‏,‏ لكن الغريب في الأمر أنهم يسافرون الآن بصورة عشوائية لا تتجاوز حدود لقاء هنا أو محاضرة هناك ولكن هناك جانبا أخطر يجب أن نتوقف عنده‏..‏ أن السادة الوزراء يقدمون تقارير ودراسات عن أحوال مصر الاقتصادية والسياسية أمام المسئولين في واشنطن سواء كان ذلك علي مستوي الإدارة الرسمية في البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكي‏..‏ وأنا لا أجد علاقة بين أن يعمل مسئول في الحكومة المصرية ويقدم تقاريره للإدارة الأمريكية إلا إذا كان ذلك أسلوبا جديدا في إدارة أحوال الدول والشعوب‏..‏ ما فائدة أن يذهب وزير مصري أو أكثر ليقدم صورة عن الاقتصاد المصري وما وصل إليه أمام الإدارة الأمريكية؟‏..‏



ومن هو الأولي بهذه التقارير مجلس الشعب المصري الذي يرفض السادة الوزراء الذهاب إليه ومناقشة أعضائه أم الكونجرس الأمريكي؟‏..‏ لم نسمع يوما أن وزيرا في الحكومة الهندية أو الصينية أو حتي حكومة زامبيا قد ذهب إلي واشنطن وتحدث أمام الكونجرس أو لجان الاستماع فيه عن اقتصاديات بلاده أو سياستها الخارجية أو حجم البطالة فيها أو نسبة التضخم وارتفاع الأسعار؟‏..‏ فلماذا يتبرع وزراؤنا دائما ويسافرون إلي أمريكا لهذا الغرض؟‏..‏



لقد حدث ذلك مع أكثر من وزير وأكثر من بعثة رسمية رغم أن أمريكا نفسها غارقة في أزماتها ومشكلاتها وليس لديها وقت لحل مشاكل الآخرين‏..‏ إذا كان الهدف طلب النصيحة فقد كان الاولي أن تحل أمريكا مشاكلها‏..‏ وإذا كان الهدف هو الدعم فلم يعد لدي أمريكا ما تقدمه وهي غارقة في مستنقع الديون والبورصات المنهارة والبنوك المفلسة‏..‏ فما الهدف من هذه الوفود وهذه السفريات‏:‏ هل هو الفائض الرهيب في ميزانية الحكومة المصرية وما لديها من بلايين الجنيهات والتي زادت عن حاجة شعبها ومتطلباته؟‏..‏ هل هو العجز الرهيب أم الديون التي تجاوزت كل الحدود ؟‏..‏



لماذا تسافر كل هذه الوفود ونحن أمام اقتصاد يواجه أزمة رهيبة في كل شيء‏..‏ وكيف تتحدث الحكومة عن ضغط النفقات وربط البطون والأيام السوداء القادمة كما قال أحد الوزراء وهي ترسل كل يوم وزيرا هنا وبعثة هناك‏..‏ وماذا عن عشرات الصحفيين المرافقين‏..‏ وأعضاء الوفود والمستشارين والفنادق وتذاكر الطائرات وبدلات السفر والولائم والعزائم والحفلات؟‏.‏ من أين تدفع الحكومة الرشيدة كل هذه النفقات وما الهدف منها وما النتائج التي تحققها لهذا الشعب المحبط الغلبان؟‏..‏



إن المفارقة العجيبة في ذلك كله أن تجد الوزراء المصريين يتحدثون في واشنطن عن مشكلة التضخم والعجز التجاري في مصر أمام الصحافة الأمريكية بينما يشتكي رئيس مجلس الشعب ونواب الشعب في مصر من غياب السادة الوزراء وعدم حضورهم جلسات المجلس رغم أنها كانت تضم‏11‏ استجوابا وأكثر من‏20‏ طلب إحاطة‏..‏ كانت هذه الاستجوابات تتناول قضايا الاحتكار وارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة والديون‏..‏ ولم يجد المجلس الذي غاب نصف أعضائه أحدا من وزراء الحكومة يرد عليهم كل في اختصاصه حسب القواعد البرلمانية‏..‏كيف نفهم التناقض بين وزراء غائبين دائما عن القاهرة وحاضرين دائما في واشنطن؟‏..‏



في سابقة أخطر لم يناقش مجلس الشعب تجاوزات الحكومة في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات‏..‏ فهل كان مطلوبا من د‏.‏ جودت الملط أن يحمل تقاريره ويقدمها أمام الكونجرس الأمريكي حتي يحضر السادة الوزراء في الحكومة المصرية ويناقشوا أحوال مصر وأزماتها ومعاناة شعبها؟‏..‏



إذا كان وزراء الحكومة يتسابقون علي السفر لتقديم تقاريرهم وإنجازاتهم أمام الشعب الأمريكي‏,‏ فلماذا نلوم نشطاء حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية المصرية التي تتسابق بل تتسول لجمع المعونات والتبرعات والبكاء علي أحوال المصريين‏..‏ وإذا كان لنا في كل أسبوع وزير أو أكثر في واشنطن فلماذا نغضب من أعضاء الأحزاب المصرية إذا سافروا وطلبوا البركة والقبول من الإعلام الأمريكي والدعم من الإدارة الأمريكية‏..‏ مازلت أعتقد أن سفر المسئولين المصريين يحتاج إلي ضوابط أكثر‏..‏


*‏ إنه يحتاج إلي ضوابط رسمية من حيث الهدف والغاية من هذه السفريات‏,‏ فليس من حق أي مسئول أن يأخذ حقيبته وتحمله طائرة وترحل لتهبط في عاصمة ما دون تخطيط أو تحديد لهدف أو مسئولية‏..‏ وإذا كان لابد من الحديث عن الأزمات والمشاكل التي يعاني منها المصريون فإن ذلك مكانه مجلس الشعب المصري أو مجلس الشوري وليس الكونجرس أو مجلس العموم في بريطانيا‏..‏


*‏ لا يعقل أن يسعي السادة الوزراء للسفر إلي أمريكا طلبا للبركات ويتخلفوا عن الذهاب إلي مجلس الشعب المصري‏,‏ وهو صاحب الحق في مساءلتهم وحسابهم واستجوابهم‏..‏


*‏ من أين تأتي حكومتنا الرشيدة بكل هذه الأموال التي تنفقها ببذخ علي سفريات الوفود الرسمية ؟‏..‏ من أحق بهذه الأموال‏:‏ المرضي في المستشفيات أم طلاب المدارس أم القري التي لا توجد فيها مياه صالحة للشرب‏..‏


*‏ وإذا كانت الحكومة تطالب المواطنين بتحمل آثار الأزمة الاقتصادية فالأولي بها أن تطبق ذلك علي وزرائها الذين يتنقلون بين دول العالم‏,‏ خاصة أوروبا ويقضون نصف العام في زيارات وتنقلات وأسفار هنا وهناك تحت مسميات طرق الأبواب أو لجان الاستماع أو حل أزمات الآخرين بينما نحن غارقون في أزماتنا‏..‏


*‏ هل مصالح مصر لا توجد إلا مع واشنطن ولندن وباريس وهذه العواصم الجميلة؟‏..‏ أين وفود مصر في قارة ضخمة يتسابق الغرب عليها اسمها قارة إفريقيا ؟‏..‏ أين وفود مصر في الدول العربية الشقيقة وهي الأحق بنا‏..‏ ونحن الأحق بها بل أين الوفود التي سافرت إلي الصين أو اليابان أو شرق آسيا وما نتائج كل هذه الزيارات علي الشعب المصري في دخله وإنتاجه وأزماته وصادراته ؟‏..‏


*‏ لابد من وضع ضوابط صارمة لتحديد أهداف سفر الوفود الرسمية طوال السنة بحيث تكون هناك أسباب مقنعة لسفر مسئول كبير سواء كان وزيرا أو غير وزير‏..‏ لكن الواضح أن الحكومة لا تضع خططـا لذلك وأنها تترك كل مسئول يفعل ما يراه ويسافر علي هواه وهنا يحق لمجلس الشعب أن يتدخل ويحق لنا أن نسأل الحكومة لماذا يسافر الوزراء ؟‏!.‏




..‏ ويبقي الشعر



ماذا سيبقـي بعد موت النـهر

غير شجيرة صفراء تبحث عن كفن

ماذا سيبقـي بعد قـتـل الفـجر



غير سحابة سوداء

تبكي فوق أطـلال الوطن

ماذا سيبقـي من رفات الصبح



غـير شراذم الليل القبيح

تـحوم في وجه الزمن

يا أيها اللــيل الطـويل



ماذا يضيرك إن تركت الصبح يلـهو

فـوق أعنـاق الحدائق‏..‏

ماذا يضيرك إن غرست القـمح في وطني



وحطـمت المشانق

في كـل بيت في مدينتنا سرادق

ماذا يضيرك أن يعود العدل



فينا شامخـا

ويطوف مرفوعا علـي ضوء البيارق

ماذا يضيرك أن يعود



النورس المقـهور

يصدح في السماء‏..‏

فلا تطارده البنـادق



ماذا يضيرك أن تعود قـوافل الأحلام

تسـكن في العيون

ماذا يضيرك أن يصير الحرف حرا

لا قيود‏..‏ ولاسياط‏..‏ ولا سجون‏..‏

‏'‏ من قصيدة أغنية للوطن سنة‏1996'‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads