هوامش حرة
الرقابة الغائبة بين الحكومة ومجلس الشعب
يكتبها: فاروق جـــويـدة
هناك قوانين تحكم العلاقة بين أجهزة الدولة.. وهذه القوانين هي مصدر الحماية للجميع حتي لا يطغي جهاز علي جهاز آخر.. أو أن ينفرد البعض بقرارات دون أن يحاسبهم أحد.. وتكون النتيجة حالة من الفوضي التي يصعب معها الحساب أو المساءلة.. وإذا كانت مسئولية الحكومة كسلطة تنفيذية أن تضع السياسات والبرامج وتنفذها, فإن مسئولية مجلس الشعب أن يضع القوانين ويشرعها وما بين هذا وذاك تقف أجهزة الرقابة علي أداء الحكومة ومن أهمها وأخطرها الجهاز المركزي للمحاسبات وهو يمثل عين السلطة التشريعية كمعاون لها علي أداء الحكومة سلبا وإيجابا..
وقد تلقيت ردا من د.جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات حول مقالي في الأسبوع الماضي وقد أشرت فيه إلي بعض القضايا التي أغفلها الجهاز في تقريره السنوي الأخير أمام مجلس الشعب وقلت ان هناك عددا من المشروعات الكبري التي لم يرد ذكرها في التقرير رغم أن الدولة أنفقت عليها أموالا طائلة مثل توشكي وتنمية سيناء وشرق العوينات..
ولابد أن أعترف أن رد الدكتور الملط وما ذكره من حقائق أصابني بحالة من الإحباط فقد أتضح أن الجهاز لم يترك قضية من هذه القضايا دون أن يتناولها بالبحث والدراسة.. وأن الجهاز يقدم تقارير سنوية عن أداء الحكومة تبلغ160 تقريرا سنويا تقع في20 ألف صفحة بمعدل تقرير كل48 ساعة.. هذه التقارير تقدم بصفة دورية إلي رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء كل في اختصاصه كما يقدمها الجهاز إلي الرقابة الإدارية.. والواضح أمامنا أن هناك حالة تجاهل تامة لهذه التقارير..
في جلسة مجلس الشعب التي قدم فيها د. الملط تقريره السنوي لم يشهد المجلس أو لجانه المختصة أي نقاش أو حوار حول التقرير وما جاء فيه وانتقل إلي جدول أعماله.. ولا أحد يعلم مصير آلاف الصفحات التي يقدمها الجهاز المركزي للمحاسبات حول أداء الحكومة فلا الحكومة قرأت هذه الصفحات ولا مجلس الشعب سأل الحكومة عنها وانضمت إلي أكوام وتلال من التقارير التي لا يستفيد منها أحد..
ان هذا التصرف من الحكومة والمجلس معا تبديد لجهد وطاقة وعمل جهاز خطير يصرخ في البرية دون أن يسمعه أحد.. ومثل هذا التصرف يعني أن المسئولين عندنا يديرون مشروعات خاصة ولسنا أمام دولة يحكمها الحساب والعقاب والمساءلة.. وإذا كانت الحكومة بذلك تخفي خطاياها وأخطاءها فماذا عن المجلس الموقر الذي يتستر علي ذلك كله دون أن يناقش أو يسأل.. ان الرد الذي بعثه د. الملط يمثل إدانة خطيرة ليس فقط في أداء الحكومة ولكن أيضا في سكوت مجلس الشعب علي ذلك..
ان في التقارير النائمة في ادراج المسئولين في الحكومة ومجلس الشعب معا أرقاما خطيرة عن حصيلة مشروعات الخصخصة وماذا بقي منها.. وأموال المعاشات وما حدث فيها وماذا حدث في توشكي وشرق العوينات وهناك أكثر من تقرير حول تنمية سيناء,وفي رد رئيس الجهاز دراسات مستفيضة حول أكثر من20 مشروعا لم ينظر إليها المسئولون في الدولة فما هي جدوي ذلك كله.. ولماذا لا نعطي أجهزة الدولة اجازة دائمة مادامت الحكومة لا تقبل أن يحاسبها أحد.. هنا أتوقف عند الرد الذي وصلني من د. جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات
الأستاذ/ فاروق جويدة:
بالإشارة إلي مقالكم القيم( هوامش حرة) المنشور بجريدة الأهرام يوم الجمعة13\3\2009.. أكون شاكرا لو تفضلتم بنشر هذا الإيضاح..
أولا ـ الشكر موصول لتلك الكلمات الطيبة التي وردت بمقالكم.
ثانيا ـ أشرتم سيادتكم إلي أنه للمرة الأولي كان رئيس الجهاز حريصا علي أن يذكر للحكومة ايجابياتها, وأن ينتقل بعد ذلك إلي مناقشة وطرح السلبيات. وأقول ان بيان رئيس الجهاز الذي ألقاه في العام الماضي( يوم13 يناير2008 تحديدا) بدأ في القسم الأول بالجوانب الايجابية في أداء الحكومة, وفي القسم الثاني تكلم عن الملاحظات علي أداء الحكومة, أي أن بيان رئيس الجهاز عن هذا العام( يوم الاثنين2\3\2009) هو ذات ما حدث في العام الماضي, وليس العكس..
ثالثا ـ أشرتم سيادتكم أن بيان رئيس الجهاز لم يذكر شيئـا عن حصيلة مشروعات الخصخصة التي باعتها الحكومة وأين تسربت هذه الحصيلة...الخ
وأقول ان الجهاز قدم تقريرا مفصلا إلي مجلس الشعب عن حصيلة الخصخصة, وأوجه التصرف فيها, منذ بدايتها, وتضمن التقرير إجابات شاملة عن كل التساؤلات المطروحة( يقع التقرير في64 أربعة وستين صفحة)
رابعا ـ أشرتم سيادتكم إلي أنه من الأشياء الغريبة ألا نجد في بيان رئيس الجهاز شيئـا علي الإطلاق عن عدد من مشروعات الهامة, وضربتم مثلا بمشروع توشكي, ومشروع تنمية شمال سيناء ومشروع شرق العوينات, وقلتم أن هذه المشروعات كان ينبغي أن تكون مجالا للبحث والمراجعة من جهاز المحاسبات..
وأقول أن هذه المشروعات وغيرها كانت ولازالت محل بحث ومراجعة جهاز المحاسبات طوال السنوات الماضية وحتي الآن, فقد قدم الجهاز إلي مجلس الشعب الموقر, وإلي رئيس مجلس الوزراء, وإلي الوزراء المختصين, وكذلك إلي هيئة الرقابة الإدارية, تقارير مفصلة عديدة منذ بداية هذه المشروعات وحتي الآن. نذكر منها علي سبيل المثال:
1- مشروع تنمية جنوب الوادي( توشكي)
2- مشروع تنمية شمال سيناء( المرحلتان الأولي والثانية لمشروع ترعة السلام)
3- مشروع شرق العوينات.
4- المشروعات الكبري المقامة علي نهر النيل وفرعيه.
5- المشروع القومي للصرف المغطي.
6- مشروع إحلال وتطوير محطات الري والصرف.
7- مشروع تطوير طرق الري.
8- مشروع فوسفات الوادي الجديد( أبو طرطور)
9- المشروعات الاستثمارية للهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي
10- مشروع وادي الصعايدة بمحافظة أسوان.
11- مشروع ترعة الصف بمحافظة الجيزة.
12- المنطقة الاقتصادية لشمال غرب خليج السويس.
13- شركة سيناء للفحم.
14,15,16,17,18,19,20 الخ
خامسا_ أشرتم سيادتكم إلي أن بيان رئيس الجهاز لم يتعرض إلي الأزمة العالمية التي تعاني منها دول العالم, وتأثيراتها علي الاقتصاد المصري.
واقول ان بيان رئيس الجهاز يقتصر علي حساب ختامي السنة المالية2008/2007, أي السنة المالية التي تنتهي في2008/6/30 ولم تكن الأزمة العالمية قد بدأت بعد, وبناء عليه فإن الحديث عن الازمة العالمية وتأثيراتها علي الاقتصاد المصري مجاله حساب ختامي السنة المالية2008\2009 وليس السنة المالية2008/2007.
سادسا ـ أشرتم سيادتكم إلي عدم وجود أية بيانات عن إنتاج مصر في الصناعة والزراعة, سواء ما تصدره للخارج, أو ما يكفي لتوفير احتياجات السوق.
وأحيل في هذا الشأن إلي تقارير جهاز المحاسبات التي أرسلت إلي مجلس الشعب, وإلي رئيس مجلس الوزراء, والوزراء المختصين,, منها علي سبيل المثال:
1- تقرير الجهاز عن نتائج المعاملات الاقتصادية مع العالم الخارجي من خلال ميزان المدفوعات ومن خلال الميزان التجاري السلعي..
2- تقرير الجهاز عن الصادرات المصرية من الحاصلات الزراعية التصديرية الرئيسية
3- تقرير الجهاز عن قطاع شركات القطن.
سابعا_ أشرتم سيادتكم إلي أموال التأمينات التي تمثل مدخرات الموظفين لدي الحكومة, وتساءلتم لماذا لم يذكر جهاز المحاسبات شيئـا عن هذا الموضوع.
وأقول ان الجهاز قدم تقارير مفصلة إلي كل الجهات التي نص عليها قانون الجهاز, اذكر منها:
- تقارير الجهاز عن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي( الهيئة العامة للتأمين والمعاشات وكذلك الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية)
ثامنـا_ أشرتم سيادتكم إلي أنكم كنتم تتمنون من رئيس الجهاز تفاصيل أكثر من موضوعات أخري ألمحتم إليها.
وأقول ان جهاز المحاسبات قدم(160) مائة وستين تقريرا إلي مجلس الشعب الموقر وإلي رئيس مجلس الوزراء وإلي الوزراء المختصين خلال العام الماضي, يزيد عدد صفحاتها علي عشرين ألف صفحة.
ولذلك قلت أمام مجلس الشعب الموقر يوم2009/3/2, أن بيان رئيس الجهاز يستحيل أن يشتمل علي كافة مرئيات وملاحظات الجهاز, بل أنه يقتصر فقط بحكم الضرورة علي بعض الملاحظات, أما بقية الملاحظات فقد تضمنتها تقارير الجهاز التي أرسلت إلي الجهات التي نص عليها قانون الجهاز المركزي للمحاسبات..
***
هذه هي ملامح الصورة كما رصدها د.جودت الملط في رده.. ماذا تفيد الكلمات إذا كانت تقارير متابعة نشاط الحكومة وأدائها مكانها مكاتب وأدراج مغلقة.. ماذا يفيد النقد إذا كان الوزراء المختصون لا يقرأون ما بين أيديهم من تقارير المتابعة بالأرقام والدراسات والحجج عن نشاط وزاراتهم.. وما هي ضرورة وجود الجهاز المركزي للمحاسبات كجهاز رقابي مسئول إذا كانت الحكومة لا تعترف بتقاريره ولا تريد رقابته وليس في حساباتها أن تسمع أحدا..
ان الأخطر من موقف الحكومة هو موقف مجلس الشعب الذي يتحمل المسئولية الأكبر في حماية أموال هذا الشعب.. انني أطالب رئيس مجلس الشعب د.أحمد فتحي سرور بالإفراج عن ألاف الصفحات التي أرسلها الجهاز المركزي للمحاسبات إلي المجلس وأن يخصص لها جلسات محددة يشارك فيها الوزراء سواء في المجلس مجتمعا أو في لجانه حسب اختصاصها لكي يناقشها ويكشف ما فيها أمام الرأي العام..
وإذا لم يخصص مجلس الشعب جلسات لمناقشتها فانني أعتقد أن من حق د. الملط بل من واجبه أن يقدم هذه التقارير لأجهزة الإعلام لكي تحاسب الحكومة ومجلس الشعب معا..
.. ويبقي الشعر
اذا تـبـقـي من ضياء الصبح
في عين الوطن
زمن الفوارس قد مضي..
قل للخيول تـمهـلي في السير
فالفرسان تسقط في الكمائن
قل للنـوارس حاذري في الطير
إن الريح تعصف بالسفائن
قـل للطيور بأن وجه الموت قناص
يطوف الآن في كل الأماكن
ويـل لماء النهر حين يجيء منكسرا
وفي فـزع يهادن
ماذا تـبـقي من ضياء الصبح
في عين الوطن
والنهر مسجون وطيف الحلم
بين ربوعه يجري ويصرخ في ألم
لم يبق شيء فوق أطـلال الشواطيء
غير عصفور كـسير كان يشدو بالنغـم
لـم يبق بين حدائق الأطفال
غير فـراشة بيضاء ماتت
حين حاصرها العدم
لـم يبق غير كتائب الجهـل العتيق
تطل في خبث.. وتـضحك في سام
من باع لليل الطـويل عيونـنـا
من أخرس الكـلمات فينا
من بحد السيف ينتهك القلم..