رجال الأعمال‏..‏ ما لهم وما عليهم

هوامش حرة

رجال الأعمال‏..‏ ما لهم وما عليهم

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة


أعرف عددا كبيرا من رجال الأعمال المصريين‏..‏ أعرف بداياتهم المتواضعة في منتصف السبعينيات عندما بدأت مصر سياسة الانفتاح الاقتصادي‏,‏ خاصة أن عددا منهم خرج من تجربة القطاع العام ليدخل تجربة أخري مع الاقتصاد الحر‏..‏ وكنا يومها نشجع هذا التوجه الجديد في سياسة الدولة علي أساس أن تجربتنا مع القطاع العام والاشتراكية وكل هذه الشعارات قد وصلت إلي طريق مسدود ولكننا وبنفس الدرجة من الحذر والخوف كنا نخشي أن يتحول الانفتاح إلي أعمال السمسرة والعمولات والأنشطة الاقتصادية الطفيلية التي لا تضيف للدخل القومي شيئـا‏..‏

بدأت تجربة رجال الأعمال المصريين بحذرشديد خاصة أن تاريخ التأميمات والمصادرات والحراسة كان يطل أحيانـا ويطرح الكثير من المخاوف والظنون‏..‏ ولكن سرعان ما تحركت السفينة وطوي الناس أشباح الماضي لتشهد مصر نشاطـا اقتصاديا جديدا‏.‏

وفي هذا الوقت ظهرت مواكب رجال الأعمال في الساحة‏,‏ البعض منهم جاء من الخارج بعد سنوات طالت مع الغربة‏..‏ والبعض الآخر خرج من دهاليز القطاع العام ليعلن استقلاله ويبدأ رحلته مع القطاع الخاص‏..‏ وهناك بعض البيوت التقليدية التي اختفت مع القوانين الاشتراكية وعادت تركب موجة الاقتصاد الحر‏..‏ ولابد أن نعترف أن الأحلام كانت كبيرة مع رجال الأعمال وكانت هناك أشياء كثيرة تشجع علي هذا الحلم‏..‏
*‏ أول هذه الأشياء أن مصر كانت قد حققت إنجازا عسكريا تاريخيا مع نصر أكتوبر وكان من ثماره عملية السلام التي تمت ومهما اختلفنا عليها سياسيا أو عسكريا إلا أنها حققت جانبا من الأمن والاستقرار كان من الممكن أن يكون بداية نهضة حقيقية في مصر في كل المجالات‏..‏

*‏ كانت طفرة البترول قد اجتاحت المنطقة كلها بعد الارتفاع الرهيب في أسعاره وكان من الضروري أن يصل لمصر شيء من الفوائض المالية الضخمة التي تدفقت علي العالم العربي في فترة زمنية قليلة‏..‏
*‏ كانت مصر قد تحررت من التزاماتها المالية الضخمة طوال سنوات الحرب ودخلت في مرحلة جديدة من الاستقرار الذي فتح لها أبوابا واسعة لتحقيق مرحلة من الرخاء المؤكد‏..‏
*‏ كانت هناك وعود كثيرة بمشروع مارشال مصري لإعادة بناء الاقتصاد المصري تشارك فيه القوي الاقتصادية الدولية الكبري‏..

واكب هذه الأحلام الوردية ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال رأت فيها الدولة أن تكون الكتيبة التي تحمل آمال التنمية والتغير الاجتماعي والاقتصادي في مصر‏..‏ وبدأت الدولة تفتح أمام الطبقة الجديدة من رجال الأعمال كل الأبواب‏..‏ بل إنها أسرفت في تدليل وتشجيع هذه الطبقة الوليدة‏..‏ وقد أخذ ذلك أشكالا كثيرة‏..‏
فتحت الدولة أبواب خزائن البنوك لرجال الأعمال وأخذوا منها ما أرادوا دون رقابة أو حساب‏..‏
قامت الدولة بتوزيع مساحات شاسعة من الاراضي علي امتداد الوطن لرجال الأعمال في كل المواقع‏..‏ وفي أحيان كثيرة قدمت الدولة هذه الاراضي بلا مقابل‏..‏ أو مقابل مبالغ هزيلة‏..‏
دفعت الدولة بالطبقة الجديدة إلي أول القائمة في الترتيب الاجتماعي والإنساني وضربت عرض الحائط بكل فئات المجتمع الأخري من المثقفين والمهنيين والسياسيين‏..‏ وانتهي ذلك كله بزواج باطل بين السلطة ورأس المال‏..‏ أي بين الطبقة الجديدة وأصحاب القرار‏..‏
كان من الممكن جدا ان تدفع الطبقة الجديدة قطار التنمية في مصر في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏..‏ ولكن للأسف الشديد أن هذه الفئة لم تستوعب الدرس ولا الحلم ولا الهدف وانزلقت إلي آفاق أحلام فردية هدفها تحقيق أكبر قدر من الثروة دون النظر إلي ظروف المجتمع وأحلامه وتفاعلاته علي كل المستويات‏..‏ لم تستطع الطبقة الجديدة من رجال الأعمال أن تتجاوز حدود حلم فردي ضيق في الثراء إلي آفاق أوسع لبناء مجتمع أفضل يضاف لذلك مظاهر الإسراف والبذخ التي اتسمت بها سلوكيات هذه الطبقة بحيث أساءت للمجتمع كله‏..‏

وهنا صغرت أحلام هذه الطبقة وتجسد ذلك في المزيد من فرص الثراء للأسرة والأبناء والأحفاد ولم تستطع أن تنظر إلي مدي أبعد في بناء الرخاء للمجتمع كله‏..‏ وقد ترتب علي هذه النظرة الفردية والضيقة مجموعة من النتائج الخطيرة والظواهر الشاذة‏..‏

كان من بين هذه النتائج ما حدث في قطاع البنوك والبلايين التي حصل عليها رجال الأعمال وهربوا بها أو دخلوا في سراديب التعثر ولاشك أن ما حدث في البنوك قصة طويلة غاب فيها الانتماء والأمانة والحرص علي أموال هذا الشعب حتي وإن وجدت الحكومة من استطاع أن يخرج بها من هذا المأزق الرهيب‏..‏
كان من هذه النتائج أيضا تكدس الملايين في جيوب هذه الطبقة الجديدة من وراء تجارة الأراضي وهي أسهل أنواع التربح ولا أقول الاستثمار خاصة أنهم حصلوا علي هذه الأراضي بطرق غير مشروعة أضافت الملايين من الجنيهات إلي حسابهم دون عمل أو جهد‏..‏ وقد شجع ذلك علي ظهور توجهات في هذه الطبقة لا تشجع العمل ولكنها تبحث عن الفرصة‏..‏ والفرصة كانت دائما في مكاتب المسئولين وأصحاب القرار‏,‏ إن أسوأ ما تركته هذه الطبقة أنها شجعت مبدأ الثراء بلا عمل أو جهد وهو أخطر أنواع الثراء وأكثرها دمارا وإغراء‏..
وكان من هذه النتائج أيضا ظهور تكتلات مالية بين أصحاب القرار ورجال الأعمال وقد أنعكس ذلك في علاقات تفتقد الشفافية زادت حدتها مع دخول رجال الأعمال مجالات العمل السياسي كنواب وممثلين للشعب أو من خلال مواقع حزبية خلطت بين مؤسسات الدولة سواء كانت تنفيذية أو تشريعية ولم يعد الفرق واضحا بين مجلس للشعب يسن القوانين وحكومة تنفذها أو حزب يراقبها أو رجال أعمال يسخرونها لمصالحهم‏..‏ ووجدت مصر نفسها فجأة وبلا مقدمات حكومة وشعبا في يد رجال الأعمال من الطبقة الجديدة وعندما اتسعت دائرة المشاكل والأزمات في المجتمع المصري وجدت الحكومة نفسها وحيدة في مرمي النيران وحاولت أن تبحث عن الطبقة التي صنعتها لكي تتحمل شيئـا من المسئولية أو تساعد علي الخروج من هذا المأزق الخطير ولكنها لم تجد أحدا‏..‏
وفي تقديري أن ما يحدث الآن فيه خسارة كبيرة لرجال الأعمال وعليهم أن يفيقوا قبل فوات الآوان خاصة أن الأحلام التي رسمها المجتمع المصري لدور ومسئولية هذه الطبقة قد تراجع تماما أمام مواقف كثيرة لبعض رموز هذه الطبقة فقدوا فيها الانتماء والإحساس بهموم الناس والمشاركة في صنع رخاء يشمل الجميع‏..‏
مع هذه الطبقة ظهرت الاحتكارات الضخمة التي أطاحت بأحلام البسطاء والفقراء وهم حتي الآن يمثلون الأغلبية في الشارع المصري‏..‏
مع هذه الطبقة تراجعت أحلام الاستقرار الاجتماعي والأمن الداخلي أمام الحلول الفردية وانتهاز الفرص والبحث عن الثروة بأي وسيلة وقد أفاقت الدولة أخيرا علي واقع شديد الضراوة والقسوة تجسد في هذا التفاوت الرهيب بين أبناء المجتمع الواحد‏..‏ ووجدت الدولة نفسها في حالة دفاع عن الأغلبية الصامتة بفقرها ومشاكلها أمام مجتمع فقد التوازن ودخل في مرحلة من التحلل أمام واقع اقتصادي وإنساني يتطلب حلولا عاجلة‏..‏
فهل تشارك الطبقة الجديدة في إخراج الدولة من هذا المأزق أم أنها ستكون أول الهاربين‏..‏




ويبقي الشعر

أنا نورس لا يحب الرحيــــــل

وحين انتشي ذاب شوقـا وطــــــار

ولـكنـه عاد يومــا حزينـــــــا



فقد أسكـرتـه الأماني‏..‏ فحـــــــار

وقد ظل يرقص حتـي تلاشـي

وما كان يدري جنـون البحـــــــار



أنـا نخـلـة طاردتـها الريـــاح

فكل الشـواطيء حولي قفـــــــــار

أنـا قصة من زمان جميـــــل



طواها مع الحزن صمت الستـــار

أنـا في كتابـك أبيات شعــــــر

وأيام زهو وذكـري فخــــــــــــار



أنـا في الحدائق أشجار فـــــل

وبين المحبين أهل وجـــــــــــــار

أنـا في ضميرك سر الحيـــــاة



وإن صرت بعدك طيف انكســـــار

من قصيدة تمنيت عمرا أحبك فيه سنة‏2000‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads