تجارة الأراضي‏..‏ والملف الشائك

هوامش حرة

تجارة الأراضي‏..‏ والملف الشائك

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




مازلت أعتقد أن نزيف بيع الأراضي في مصر هو أخطر وأسوأ نتائج برنامج الخصخصة‏..‏ وإذا كان بيع الأراضي أمرا مقبولا لإقامة مشروع صناعي أو زراعي فإن بيع المصانع وتفكيك معداتها وبيعها كخردة وتحويل المصنع إلي أرض بناء جريمة لا تغتفر بكل المقاييس‏..‏ ولا أدري مع من يكون الحساب هل مع حكومات رحلت بعد أن باعت وخربت أم مع حكومة حالية أري أن ثقافة البيع خاصة بيع الأراضي تسيطر علي فكرها وتري فيها موردا هاما يغطي أحيانـا العجز في الميزانية‏..‏

هناك فرق كبير بين أن أحاول استثمار بيت أملكه أو أن ألجأ لبيع البيت بالكامل‏..‏ وهذا هو خلافنا مع الحكومة التي تري أن بيع البيت هو الحل الأمثل بينما نري نحن أن استثمار البيت أفضل كثيرا‏..‏

المهم الآن أن الحكومة وزعت ما وزعت وخصصت ما خصصت من الأراضي التي وصلت للمحظوظين من رجال الأعمال والسلطة والمهنيين والقادرين علي الوصول إلي تأشيرة مسئول هنا ومسئول هناك‏,‏ لكن سيبقي هناك لغز أبدي‏..‏ كيف يحصل شخص واحد علي‏2000‏ فدان في مدينة‏6‏ أكتوبر وكيف يحصل شخص واحد علي ملايين الأمتار في شرم الشيخ‏..‏ وكيف يحصل قطيع من كبار المسئولين علي ملايين الأمتار يتاجرون فيها دون أن يسددوا سعرها وهو قروش قليلة‏..‏ كان أهم قرار تاريخي أصدرته ثورة يوليو هو تحديد الملكية الزراعية بمائة فدان‏..‏ وبعد خمسين عاما وجدنا من حصل علي ألف فدان بتأشيرة مسئول كأنه يقدم هدايا من ميراثه من السيد الوالد‏..‏

لا أعتقد أن صفحات الأمس قد طويت‏..‏ ومازلت علي يقين أن هناك حسابا قادما لأن الأحداث التي جرت خارج كل سياق لابد وأن تعود إلي النقطة الأولي حتي نعدل المسار‏..‏ مازلت أري أن حق هذا الشعب في أرضه قضية لابد لها من نهاية حتي وإن تسربت إلي حسابات هنا أو هناك ويبقي أن نحافظ علي ما بقي لدينا الآن وهنا ينبغي أن نضع مجموعة من الضوابط التي تحكم عمليات التصرف في الأراضي في الفترة القادمة‏..‏

لقد حذر الرئيس مبارك مرارا وتكرارا من عمليات تصقيع الأراضي والمضاربات التي أثري الكثيرون من ورائها دون أن يسددوا حق الشعب‏..‏

نقطة البداية أنه أصبح من الضروري الآن إنشاء جهاز مركزي لحماية أراضي الدولة تكون له سلطات أعلي من سلطة السادة الوزراء الذين كانوا يوزعون الأراضي هنا وهناك أو يقيمون المزادات‏,‏ إن لدينا أكثر من جهاز لبيع الأرض‏..‏ إن وزارة الإسكان تتولي بيع أراضي البناء والعقارات والمدن الجديدة‏..‏ ووزارة الزراعة تتولي بيع الأراضي المستصلحة والقابلة للزراعة‏..‏ ووزارة الاستثمار تبيع أراضي المشروعات الاستثمارية‏..‏ ووزارة الري تبيع أراضي توشكا وترعة السلام وتوابعها‏..‏ ووزارة الصناعة تبيع أراضي المصانع كما أن السادة المحافظين يبيعون الأراضي طبقـا لشروط محددة‏..‏ هذا بخلاف موافقات عليا وقرارات تخصيص من مجلس الوزراء وجهات سيادية أخري‏..‏

وهذا يعني أننا أمام سلسلة من المؤسسات تتنافس علي بيع الأراضي دون تنسيق بينها‏..‏ وعلي سبيل المثال فإن الشركة الكويتية للاستثمار تتعامل مع أكثر من جهة في‏26‏ ألف فدان مخصصة لها‏..‏ اشترتها أولا من وزارة الزراعة‏..‏ وحصلت علي موافقة من الآثار ثم اختلف الطرفان وتم إلغاء قرار التخصيص فلجأت الشركة إلي مجلس الوزراء وانتقلت إلي وزارة الإسكان لتغيير نشاطها من الزراعة إلي البناء والنشاط العقاري‏..‏ وهذا يؤكد حالة التخبط وعدم الشفافية في عمل أجهزة الدولة‏..‏ هناك أيضا عمليات تصفية المصانع التي باعتها الدولة لرجال الأعمال مثل شركة المراجل والضغط العالي علي نيل المعادي وشركة زيوت القناطر ومحالج شركة النيل وأراضي شركة البيبسي كولا والنحاس في الاسكندرية‏,‏ هذه مصانع باعتها الحكومة بشرط أن تكمل نشاطها بنفس الشروط ولكنها باعت الأراضي في مشروعات بناء دون أن يسألها أحد‏..‏

إن المطلوب الآن هو جهاز واحد مسئول عن بيع الأراضي ضمن سياسة واضحة تضعها الدولة طبقـا لما هو متاح‏..‏ أما أن تتحول الوزارات إلي عمليات السمسرة في بيع الأراضي فهذا لا يعتبر نشاطـا اقتصاديا بل هو نهب للمال العام‏..‏

نقطة أخري يجب أن تراجعها الحكومة وهي المشروعات الصناعية التي تم إخلاء أراضيها تمهيدا لبيعها وفي تقديري أن من حق الدولة أن تسترد هذه المشروعات وتحرم أصحابها المخالفين من فرصة تحويلها إلي أراضي بناء وتحقيق مكاسب خيالية من وراء ذلك وإذا كان الأمر سهلا فإن علي الدولة أن تبيعها لحسابها وتسدد للمشترين ما دفعوه‏..‏

وتبقي بعد ذلك نقطة أخيرة وهي رصد عمليات‏'‏ التخارج‏'‏ التي حدثت بين رجال الاعمال المصريين والشركات الأجنبية‏,‏ إن هناك قواعد وقوانين تحكم تملك الأجانب للأراضي المصرية وعلي سبيل المثال فإن هناك ضوابط صارمة لذلك في مناطق مثل شرم الشيخ والغردقة وسيناء بصفة خاصة وكل ما يتعلق بالأمن القومي ولكن بعض رجال الأعمال المصريين حصلوا علي مساحات ضخمة من الأراضي يعرفها المسئولون في شرم الشيخ والعلمين‏..‏ والمقطم والغردقة والقطامية بل حدث ذلك في استثمارات معروفة في القاهرة والاسكندرية وهذا موقف لابد وأن يخضع للحساب لأن فيه إخلالا بقواعد ملزمة وضعتها الدولة فيما يتعلق بملكية الأجانب للأرض المصرية خاصة أننا لا نعلم تماما من هم هؤلاء الأجانب ومن وراءهم‏..‏

يبقي بعد ذلك حق الشعب في حالة بيع الأراضي وهنا لابد أن تكون هناك ضريبة عادلة لأن من اشتري متر الأرض في شرم الشيخ بسعر دولار واحد وباعه بخمسة آلاف دولار لابد وأن يسدد حق الشعب من الأرباح التي حصل عليها وبدلا من أن تفتش الحكومة في جيوب الغلابة عن ملاليم قليلة في صورة ضرائب عقارية أو غير عقاريةعليها أن تمسك بقائمة مخصصات الأراضي في السنوات الأخيرة وما حققته من أرباح طائلة سقطت في جيوب عشرات الأشخاص تعرفهم أجهزة الدولة المسئولة لأن أسماءهم واحدة في كل قوائم توزيع الأراضي في كل أرجاء مصر ابتداء بمرسي علم وشرم الشيخ والغردقة وانتهاء بالطريق الصحراوي والإسماعيلية والصعيد‏..‏

وفي النهاية يجب مراجعة مسلسل بيع الأراضي وما حدث فيه في السنوات الماضية لأن هناك أشخاصا حصلوا علي مساحات كبيرة من الأراضي ولم يسددوا ثمنها حتي الآن وباعوها بأعلي الأسعار وهناك من حصل عليها للزراعة وقام ببيعها كقصور وفيلات وهناك من حصل علي ملايين الجنيهات بضمانها من البنوك وأخذ القروض وهرب وهناك من يسدد هذه القروض بمساحات من الأراضي حصل عليها من الدولة بملاليم ويبيعها الآن بالمليارات‏..‏

سجل الأراضي المصرية حافل بمخالفات وتجاوزات وفضائح كثيرة وليتنا نفتش فيه الآن حتي لا يأتي بعد ذلك من يدين هذه المرحلة إدانات مخجلة بسبب هذا الملف الشائك الخطير‏..‏




ويبقي الشعر

غدا يهدأ الشوق بين الضلــــوع

وتـرتـاح فينـا الأمــاني الصغــــــار



وتغدو الربوع التي عانـقـتـنــــا

رسوما من الصمت‏..‏ فوق الجـــدار



وبين المرايا التي كم رسمنـــــا

علـي وجنتيها عيـــــــون النـهـــــار



ستـجري الوجوه ظلالا ظلالا

وينساب حزنــــــــا أنين القطــــــار

وبين الكـؤوس التي أرقتــــها



دموع الرحيل وذكري انتظــــــــار

سيأتي المساء حزينـا خجــــولا

ونمضي كنجمين ضلا المســــــار



غدا يسأل الفجر أين الـبلابـــل

أين النـــــــوارس أيــن المحـــــار

وأين النـجوم التي رافقتنـــــــا



عـلي كـل درب وفــــــي كـــل دار

‏'‏من قصيدة تمنيت عمرا أحبك فــــيه ســــــنة‏2000'‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads