الإصلاح السياسي‏..‏ قضية مؤجلة

هوامش حرة

الإصلاح السياسي‏..‏ قضية مؤجلة

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




منذ سنوات قليلة تسرب إلي حياتنا وهم جميل يرتدي ثياب الإصلاح السياسي وعادت أطياف الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية تدق أبواب عمرنا من جديد‏..‏ وسرعان ما تبخر الوهم أمام واقع شديد الشراسة‏..‏ نسي المصريون تماما كل أحلام الديمقراطية والإصلاح السياسي الذي داعب خيالهم عندما كنا نتحدث عن أحزاب سياسية أكثر تواجدا وتأثيرا في الشارع المصري‏
حلمنا بأن يختفي إلي غير رجعه قانون كئيب اسمه قانون الطوارئ وسطوة لا مبرر لها من الحزب الوطني‏,‏ وحلول أمنية لكل القضايا بما في ذلك قضايا الرأي والفكر والحوار‏..‏ وكنا نتحدث عن عمليات التغيير ومجتمع أكثر إيمانـا بحقوق أفراده ودور أعمق واكبر للمجتمع المدني‏..‏ كانت قضية الإصلاح السياسي هي أهم قضايا مصر وخرجت تيارات كثيرة من الشارع المصري حيث شهد حركة غير عادية‏..‏

جاءت الصحف المستقلة بشبابها وحيويتها لكي تقلب موازين الصحافة المصرية وتعيد شبابها الضائع وجاءت الحركات السياسية مثل كفاية وغيرها تجتاح صمت الشارع المصري وخرج نادي القضاة ليقدم صورة جديدة للمعارضة الواعية‏..‏ ثم كان دور النقابات المهنية وأتساع تأثيرها‏,‏ ثم كانت مواقف العمال ونقاباتهم‏..‏ ثم كانت مفاجآت الانتخابات البرلمانية ومجلس الشعب وما حدث في منظومة المعارضة السياسية‏..‏
كل ذلك فتح أبوابا كثيرة للأمل رغم كل الظروف الصعبة والمناخ السياسي المتقلب ويبدو أن البعض في سراديب السلطة لم يكن سعيدا بكل هذه الإجراءات التي فتحت أبوابا حقيقية للتغيير فمازالت هناك خفافيش تأبي أن يملأ الضوء أرجاء هذا الوطن‏..‏ إن هذا البعض مازال يري أن الشعب المصري لم يصل بعد إلي سن الرشد حتي يتمتع بديمقراطية حقيقية وأن يعود له مرة أخري حقه في الاختيار والتعبير الواعي الحر‏..‏

لقد استطاع هذا البعض الذي لا يريد إصلاحا من أي نوع أن يدفع مصر كلها في منحنيات صعبة أفقدتها القدرة علي أن تستكمل طريق الإصلاح السياسي وان تغرق مرة أخري في بعض المشاكل والأزمات بحيث أصبح رغيف الخبز يتمتع بأولوية تسبق كل شيء وهنا انقلبت الموازين مرة أخري ووجدنا أنفسنا نعيش دوامة الحياة اليومية التي حملتنا إلي مكان بعيد ونسينا تقريبا ما كان يسمي الإصلاح السياسي وفي تقديري أن إغراق المصريين بهذه الصورة في هذا الكم الهائل من الأزمات كان شيئـا مقصودا حتي لا يتحدث أحد عن حلم قديم كان يسمي الإصلاح السياسي‏..‏
*‏ وبدلا من أن يجد المصريون أنفسهم أمام طوابير في لجان انتخابية حرة ونزيهة وجدوا أنفسهم يقفون بالملايين أمام المخابز للحصول علي رغيف خبز نظيف أو غير نظيف وبدلا من أن تكتب الصحافة عن مشاكل الأحزاب المصرية ما بين البقاء والرحيل وجدناها حائرة أمام قوانين‏'‏ مسلوقة‏'‏ وقرارات إجبارية تصدر في ساعات ابتداء برفع الأسعار وانتهاء بالضريبة العقارية‏,‏ وبدلا من أن يطالب الملايين من المصريين بشيء من الرخاء حاصرتهم القرارات بالأعباء التي اقتحمت حياتهم بضراوة‏..‏

*‏ بدلا من أن يحلم المواطن أن يملك في يوم من الأيام سيارة صغيرة حرمته الحكومة من هذا الحلم أمام ضرائب السيارات ورفع أسعار البنزين وقبل هذا كله عجز كامل عن مواجهة أزمة المرور والتكدس اللا أدمي في شوارع المحروسة‏..‏ وما بين قانون جديد للمرور يفرض أعباء جديدة وقرارات بزيادة ضرائب السيارات وأسعار البنزين غرق المواطن المصري في عشرات الإجراءات التي انتهي معها حلمه في سيارة صغيرة ومرور منضبط وشارع يمشي فيه‏..‏
*‏ وبدلا من أن تسعي الحكومة إلي توفير سكن مناسب للبسطاء دخلت الدولة مضاربات الأراضي ليرتفع سعرها بصورة مخيفة وهي تظن أنها تحقق أرباحا في حين أنها تدمر صناعة كاملة‏..‏ ومع ارتفاع أسعار الأراضي جاء ارتفاع أسعار الحديد والاسمنت واحتكارات الحيتان وما بين مضاربات رجال الأعمال أصبح الحصول علي مسكن حلما بعيد المنال لأن الدولة لا تستطيع توفير العدد الكافي من المساكن ولأن المواطن لا يستطيع أن يتحمل تكاليف البناء‏..‏
وفي الوقت الذي اتسعت فيه الأزمات في الخبز والسكن والأسعار جاءت مصاريف المدارس والجامعات ومعها الارتفاع المخيف في تكاليف المعيشة ووجد المواطن المصري نفسه غارقـا في هذا الكم الرهيب من المشاكل والأزمات‏..‏
إذا كانت الحكومة قد فعلت ذلك كله حتي ينسي المصريون حلما قديما ظهر في الأعوام الأخيرة أسمه الإصلاح السياسي فنحن علي استعداد أن ننسي هذا الحلم ولن نتحدث فيه مرة أخري بشرط أن تخفف الحكومة من هذا الكم الهائل من الضغوط والأعباء الاقتصادية التي يعاني منها كل مواطن مصري‏..‏
أما إذا كانت الحكومة قد فعلت ذلك أمام ضرورات استجدت فلماذا لم تدرس الأسواق ولم تعرف حركة الأسعار وهل يعقل أن تدفع بكل هذه القرارات مرة واحدة وهي تعلم تماما حجم معاناة المواطنين‏,‏ أين الحس السياسي والأمني والإنساني في ذلك كله‏..‏
إن الحكومة تقول ان الأسعار العالمية ارتفعت وأن ما يحدث في مصر الآن نتيجة طبيعية وكل العالم يعاني من ذلك‏..‏ ولكن العالم لا يحصل علي مرتبات ضئيلة كتلك التي يحصل عليها المصريون‏..‏ وحكومات العالم لا تنفق بهذا البذخ الذي تنفق به أجهزة الدولة المصرية وقبل هذا كله فإن الحكومات الرشيدة لا تفتش كل يوم في جيوب البسطاء والفقراء والمحتاجين‏..‏
إذا كان هدف الحكومة من كل هذا الصخب الذي تحاصرنا به من القرارات والإجراءات والقوانين أن نطوي صفحة الإصلاح السياسي وننساها فنحن علي استعداد لأن نطوي هذه الصفحة بشرط أن ترفع عنا قراراتها‏..‏ لا أجد الآن مبررا للحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر‏..‏ نعاهدكم أننا لن نتحدث مرة أخري عن الحريات ولن تكون لنا مطالب تسمي حقوق الإنسان‏..‏
لم يعد الوقت مناسبا للحديث عن إصلاح سياسي أو دستوري قادم فلا الحكومة تريد ذلك ولا الشعب قادر علي أن يستعيد مرة أخري حلمه في التغيير‏..‏ كل ما يقدر عليه المصريون الآن هو الصراخ من لعنة الأسعار‏..‏ وحصار الضرائب‏..‏ وفوضي القوانين‏..‏
مازالت أعتقد أن البعض في مصر يتآمر علي أمن هذا البلد واستقراره ولهذا يخرج علينا كل يوم بكارثة جديدة‏..‏




ويبقي الشعر


حجر عتيق فوق صدر النـيـل

يصرخ في العراء‏..‏

وقف الحزين علي ضفاف النـهر



يبكي في أسي

ويدور في فزع

ويشكو حزنـه للماء



كانت رياح العري تلفحه فيحني رأسه

ويئن في ألم وينظر للوراء‏..‏

يتذكـر المسكين أمجاد السنين العابرات



علي ضفـاف من ضياء

يبكي علي زمن تولي

كانت الأحجار تيجانـا وأوسمة



تزين قامة الشـرفاء

يدنـو قليلا من مياه النـهر

يلمسها تـعانق بؤسه



يترنح المسكين بين الخوف‏..‏ والإعياء

ويعود يسأل

فالسماء الآن في عينيه ما عادت سماء‏..‏



أين العصافير التي رحلت

وكانت كلـما هاجت بها الذكري

تحن إلي الغناء



أين النـخيل يعانق السحب البعيدة

كلـما عبرت علي وجه الفضاء

أين الشراع علي جناح الضوء



والسفر الطويل‏..‏ ووحشة الغرباء

أين الدموع تطل من بين المآقي

والربيع يودع الأزهار



يتـركـها لأحزان الشـتاء

أين المواويل الجميلة

فوق وجه النـيـل تشهد عرسه



والكون يرسم للضفـاف

ثيابها الخضراء‏..‏



‏'‏من قصيدة حتي الحجارة أعلنت عصيانها سنة‏1997'‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads