الإسكندرية‏..‏ الحلـــم‏..‏ والواقــــع

هوامش حرة



الإسكندرية‏..‏ الحلـــم‏..‏ والواقــــع


يكتبها‏:‏ فـــاروق جـــويـــدة






في سنوات قليلة استطاعت مدينة الاسكندرية ان ترتدي ثوبا جديدا وان تعود مرة اخري مزارا عزيزا لعشاقها القدامي وما اكثرهم‏..‏ ومن شاهد الاسكندرية منذ عشر سنوات مضت ويشاهدها اليوم لا يصدق ان هذه المدينة هي نفسها التي تخلصت من كل ظواهر القبح التي حاصرتها زمنا طويلا‏..‏ ان الاسكندرية الآن بشوارعها ونظافتها ومبانيها وحركة المرور فيها وشاطئها الجميل تحولت بالفعل الي مدينة عصرية‏.‏ وخلف هذا الانجاز يقف انسان مؤمن بقيمة العمل والمسئولية والانتماء اسمه محمد عبدالسلام المحجوب‏..‏


وفي الاسبوع الماضي دعانا اللواء المحجوب محافظ الاسكندرية الي جلسة حوار حول مستقبل المدينة العريقة وكيف يمكن ان نري الاسكندرية بعد خمس أو عشر سنوات‏..‏ كانت دائرة الحوار تضم د‏.‏علي السلمي‏..‏ د‏.‏صبري الشبراوي‏..‏ د‏.‏حسن عباس حلمي‏..‏ ود‏.‏طارق حجي‏..‏ ود‏.‏شريف دلاور والمهندس اسماعيل العدلي‏..‏ كان السؤال الذي طرحه المحافظ‏:‏ ماذا تريدون للإسكندرية في السنوات القادمة‏..‏ بعد خمس أو عشر سنوات‏..‏ وما هي الصورة التي ينبغي ان تكون عليها مدينة التاريخ ؟‏..‏






وقد توقفت امام هذه المبادرة الواعية لاكثر من سبب‏:‏


‏*‏ ان هناك مسئولا في موقع من مواقع السلطة التنفيذية يؤمن بضرورة الحوار والرأي الآخر حتي ولو كان الامر يتعلق بمستقبل مدينة عريقة هو في البداية والنهاية صاحب القرار فيها ويستطيع الاستغناء عن اي رأي آخر مهما تكن قيمته وهكذا يفعل الكثيرون‏.‏






‏*‏ ان هناك مسئولا يفكر في المستقبل ولا يكتفي بالنظر تحت قدميه بعيدا عن فترة بقائه في المنصب طالت أم قصرت لان المهم هو استمرار الإنجاز والمحافظة علي جوانب النجاح ايا كان المشاركون فيها حتي لو لم يكن هو نفسه واحدا منهم‏,‏






‏*‏ ان روح العمل الجماعي يجب ان تسبق كل شئ ابتداء بالمواطنين وانتهاء بأصحاب الخبرة وليس معني ذلك الغاء المبادرات الفردية‏,‏ ولكن المؤكد ان الحوار يمكن ان يصل بنا الي نتائج افضل وان المسئولية لا تعني ابدا تكريس السلطات أو التفرد برسم صورة المستقبل في غرف مكيفة‏..‏ ولهذا كانت مبادرة محافظ الاسكندرية سلوكا حضاريا بكل المقاييس‏..‏






وفي سلسلة طويلة من الاحلام حول مستقبل الثغر الجميل طافت العقول مابين الساحل الشمالي واحلام السياحة فيه والمدينة العريقة في مبانيها‏..‏ وخدماتها ونشاطها الاقتصادي والسياحي‏..‏ وما يتطلبه ذلك من خطط وبرامج‏..‏


وكان من الضروي ان اضع امام اللواء المحجوب مجموعة احلام ثقافية تتناسب مع حجم الاسكندرية وتاريخها ودورها الحضاري العظيم‏..‏






ان الاسكندرية كانت دائما الطرف المظلوم في تاريخ مصر الثقافي‏..‏ لقد ظهر في المدينة مئات المبدعين الكبار‏,‏ ولكن القاهرة كانت دائما تأخذ الصدارة سواء بالحق أو الباطل‏..‏


وفي الاسكندرية ظهر الشعراء والفنانون والرسامون واساتذة الجامعات والعلماء والمشايخ‏...‏ وكان ينبغي لكل واحد من هؤلاء ان يشق طريقه نحو القاهرة حيث الاضواء والبريق رغم مشقة الرحلة ومتاعب الانتظار‏.‏






ومن هنا ينبغي ان تقيم الاسكندرية عرسا ثقافيا سنويا تقدم فيه فنون المدينة العريقة من الغناء والمسرح والفنون التشكيلية والندوات بحيث تشهد المدينة كل عام موسما ثقافيا يعكس تراثها الحضاري وخصوصيتها التاريخية‏..‏ في هذا الموسم يجب ان تتجه كل الانظار الي ثغرنا الجميل حيث الندوات والامسيات واللقاءات التي تجري في كل جزء من اجزاء المدينة ابتداء بكوبري ستانلي الجديد وانتهاء بالاوبرا ومركز الابداع‏..‏


في الاسكندرية الآن عدة مراكز ثقافية مهمة‏..‏ مكتبة الاسكندرية‏..‏ وجامعة الاسكندرية‏..‏ وجامعة سنجور الفرنسية‏..‏ والاكاديمية العربية البحرية‏..‏ ومركز الابداع‏..‏ واوبرا محمد علي‏..‏ ومن هنا فإن توحيد الجهود واستثمار الامكانات يتطلب نوعا من انواع التنسيق في العمل والرسالة‏.‏






في جانب آخر لنا ان نتصور قصر المنتزه بعيدا عن قطاع الاعمال الذي جعل من القصر التاريخي العظيم مجموعة شاليهات وكبائن للايجار رغم ان المكان بسحره‏,‏ وحدائقه وتاريخه يمكن ان يتحول الي مشروع حضاري ضخم‏..‏ من الظلم ان يتوقف استثمار هذا القصر التاريخي علي مجموعة تذاكر للزائرين أو كبائن للمستأجرين أو فندق وحيد يعمل ثلاثة شهور في السنة‏..‏ ان قصر المنتزه يجب ان يتحول الي مركز إشعاع ثقافي وحضاري وهو لا يحتاج الي جهد أو مال‏..‏ بل يحتاج الي فكر متطور يقدر قيمة المكان‏..‏ ويحرص علي قدسية التاريخ‏..‏


ولا أقصد من ذلك ان نؤجر القصر لمجموعة من المستثمرين أو نقيم عمارات في حدائقه‏,‏ كما حاول البعض ان يفعل ذلك يوما في قصر محمد علي بالنيل‏..‏ ان معني استثمار قصر المنتزه هنا هو الاستثمار الحضاري والثقافي والفكري وليس بمنطق البيع والشراء‏.‏






وفي الاسكندرية ايضا مجموعة من الأماكن التاريخية في قلعة قايتباي وما حولها‏..‏ ومنطقة أبوقير وآثارها الغارقة‏..‏ والبحر الميت وما يمكن ان يشهده من محاولات تطوير وتهذيب ليكون مزارا سياحيا‏..‏


اننا نظلم الاسكندرية المدينة العريقة حينما نختصرها في شهرين هما يوليو واغسطس وموسم الصيف‏..‏ ان الاسكندرية جديرة الآن بأن تكون مزارا لكل المصريين طوال العام خاصة اننا امام شاطئ يمتد علي الساحل الشمالي عشرات الاميال‏,‏ ويجب ان يكون متنفسا لنا طوال العام وليس فقط في أشهر الصيف القليلة‏..‏






وفي الاسكندرية اماكن كثيرة تحكي قصصا من التاريخ سواء كانت بيوتا عاش فيها الشعراء والفنانون أو شوارع أو مقاهي أو حواري كانت يوما مراكز فن وابداع‏.‏


لقد استطاع محمد عبدالسلام المحجوب ان يدخل بالمدينة العريقة مرحلة جديدة من مراحل التطور الحضاري في خدماتها وشوارعها وطرقاتها ومبانيها ويجب ان يتحول هذا الكيان الحضاري الجديد القديم الي بؤرة اشعاع ثقافي يتناسب مع دور المدينة العريقة وتاريخها‏..‏






وتستطيع مكتبة الاسكندرية الوليدة بحماسها وبإمكاناتها ومشاركتها مع جامعة الاسكندرية ان تقوم بهذا الدور من خلال التنسيق والتكامل مع المراكز الثقافية الاخري التي تتبع وزارة الثقافة مثل اوبرا محمد علي ومركز الابداع‏.‏


وخلف هذا كله يجب ان نشجع مثقفي الاسكندرية ومبدعيها للمشاركة في هذا الحلم الكبير‏..‏ ان في الاسكندرية عشرات المبدعين الكبار في الفن والفكر والتنوير‏,‏ سواء كانوا كتابا أو شعراء أو اساتذة في الجامعات‏,‏ ويجب ان يتصدر هؤلاء في نسيج الانشطة المختلفة للمؤسسات الثقافية سواء كانت خاصة أو عامة أو دولية‏.‏






ان الاسكندرية تستحق عرسا ثقافيا وفنيا تقدم فيه ابداعات ابنائها بكل ما فيه من التميز والخصوصية‏..‏


والاسكندرية وهي تعيش الآن فترة من أزهي فتراتها يجب ان تستعيد دورها الثقافي وقد كان يوما علامة في تاريخ مصر الحضاري‏..‏






وامام البحر الممتد في الافق البعيد وقفت الاسكندرية يوما تستقبل كل حضارات العالم بكل الوانها واشكالها واصولها الحضارية واستطاعت ان تستوعب ذلك كله‏,‏ وان تحافظ علي خصوصيتها وتميزها‏..‏


ومن هنا ينبغي أن تتحول المدينة العريقة الي مركز اشعاع خاص والا تنتظر ضيوف القاهرة القادمين من هنا وهناك‏,‏ وألا ينتظر مبدعوها وكتابها فرمانا قاهريا بحقهم في الظهور أو الوصول للناس في زحام العاصمة الضيقة‏,‏ وبعد ذلك كله فإن الاسكندرية تستحق صحيفة تليق بها يقرؤها ابناء المدينة كل صباح بحيث لا تكون مجرد نشرة تصدرها المحافظة‏,‏ ولكن صحيفة بكل ما تعني الكلمة من المسئولية والرأي والحوار‏.‏






ان عبدالسلام المحجوب يريد ان يضع الاسكندرية بعد ان اكملت كل جوانب زينتها في مكانها المناسب علي خريطة الثقافة المصرية والعربية بل والعالمية‏..‏


هناك جوانب أخري دار حولها الحوار بين المحافظ وهذه النخبة حول المرافق والخدمات ومجالات الاستثمار وخطط التعليم‏..‏ والعشوائيات وكيفية القضاء عليها ومشكلات التوسع العمراني‏..‏ وعلي امتداد خمس ساعات كاملة كان الحوار واسعا وعميقا وشمل اكثر من مجال‏..‏ واذا كان الهدف هو رسم احلام لمستقبل مدينة فإن هناك اشياء كثيرة تدخل في نطاق الممكن‏..‏ وكان من ابرزها الساحل الشمالي‏..‏ بين الحلم‏..‏ والواقع‏..‏ وهذا حديث قادم‏.‏


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads