مصر إلي أين‏..‏ حوار في الإسكندرية

هوامش حرة

مصر إلي أين‏..‏ حوار في الإسكندرية

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



جمعية الإدارة العليا واحدة من أقدم وأعرق الجمعيات الأهلية في مصر ليس لأن عمرها الزمني تجاوز الخمسين عاما ولكن لان عمرها الفكري وقدرتها علي تشخيص أمراض المجتمع المصري تتجاوز أدوارا كثيرة لأجهزة مسئوله تحمل مسميات ضخمة‏..‏



وفي الأسبوع الماضي ذهبت إلي الأسكندرية مشاركا في مؤتمر الجمعية الثاني والأربعين‏..‏ كان عنوان المؤتمر‏'‏ مصر إلي أين‏..‏ استشراف المستقبل‏'..‏ ولابد أن اعترف أن مجلس إدارة الجمعية برئاسة د‏.‏ زكريا جاد ونخبة من المهتمين بهموم الوطن قدموا حلقة فكرية غاية في العمق والبحث والتأصيل حول قضايا كثيرة‏..‏



كان الحوار راقيا مترفعا حتي في أكثر لحظاته سخونة‏..‏ وكانت الأفكار صريحة وجريئة وواضحة‏..‏ وكان المتحدثون نخبة من أهم وأصدق رموز مصر في السياسة والاقتصاد والفكر‏..‏ لم يترك المؤتمر قضية إلا وأقترب منها كثيرا ابتداء بالأسباب وانتهاء بالحلول‏..‏



وقد توقفت عند الكثير من هذه القضايا طوال أيام المؤتمر‏..‏


-‏ كانت قضية تراجع الدور المصري في السياسة والثقافة والتأثير في القضايا الأساسية التي دار حولها جدل كثير‏..‏ تحدث فيها الأساتذة أحمد عبد الحليم ود‏.‏حسن نافعه‏..‏ وجميل مطر وكان هناك إجماع بينهم علي أن هناك مؤثرات كثيرة حدثت في دور مصر عالميا وعربيا وإقليميا وأن هذا الدور مستهدف لأسباب كثيرة‏..‏ وأن مصر في أحيان كثيرة قد تخلت عن دورها ومسئولياتها السياسية والثقافية‏..‏ وكانت هناك نماذج واضحة لهذا الغياب في احتلال العراق‏..‏ وحرب لبنان‏..‏ وما يحدث في الأراضي الفلسطينية‏..‏ كما أن دور الثقافة المصرية قد تراجع بشدة تأثيرا ومسئولية في محيطها العربي والإسلامي‏..‏ كانت هناك مساحات من الاختلاف بين المتحدثين حول درجة غياب مصر وأسباب هذا الغياب وهل هو تقصير من أجهزة مسئوله أم هو ضغوط دولية وإقليمية فرضت علي مصر أن تتخذ مواقف لا تتناسب مع حجمها وتأثيرها ومسئوليتها‏..‏


-‏ حول قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي وضرورة التغيير اشتدت سخونة الحوار بين الدكاترة يحيي الجمل‏..‏ وجودة عبد الخالق وأسامة الغزالي حرب وجمال زهران‏..‏ وأن جمع بينهم خيط أساسي واحد‏..‏ أن بداية الإصلاح في مصر لابد وأن تبدأ بالإصلاح السياسي وحرية تشكيل الأحزاب وتداول السلطة وتشجيع مبادرات المجتمع المدني وتغيير الدستور بما يسمح بمشاركة سياسية حقيقية‏..‏ واتفق المتحدثون علي أن السياسة هي الأزمة الاخطر والأهم في تحديد موقع مصر علي خريطة المنطقة والعالم‏..‏ وحول المشروع النووي المصري أكد الأستاذ مكرم محمد أحمد أن الدولة تحملت أكثر من‏300‏ مليون دولار لإنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعه في الساحل الشمالي وأن تغيير هذا الموقع خسارة كبيرة‏..‏ وأن المشروع النووي المصري قد تأخر سنوات طويلة وأنه يمثل ضرورة مستقبلية لا غني عنها علي الإطلاق‏..‏ في جانب آخر طرح الدكتور إبراهيم سعد الدين تصوره لمستقبل التنمية الاقتصادية في مصر في ظل متغيرات دولية صاخبة وحادة وقوي اقتصادية ناشئه حققت معدلات غير مسبوقة في التنمية‏..‏ وأشار إلي أن ما حققته مصر من نمو اقتصادي لا يتناسب مع إمكانيات وموارد الاقتصاد المصري‏..‏

ولم يبتعد الحوار كثيرا عن الشخصية المصرية وما أصابها من أمراض حيث قدم د‏.‏عبد الوهاب المسيري تصورا كاملا عن أهم المتغيرات في حياة المصريين في السنوات الأخيرة‏..‏



ورغم أن الحديث كان في معظمه عن المستقبل إلا أن الحاضر كان مثار نقد شديد من كل التيارات الفكرية المشاركة في المؤتمر خاصة البطء الشديد في عمليات الإصلاح السياسي‏..‏ ومشروعات الخصخصة‏..‏ ونهب المال العام‏..‏


-‏ جاء دور الحكومة في المؤتمر‏..‏ ودافع الدكتور مفيد شهاب دفاعا عميقا وجادا عن دور مصر الدولي والأقليمي مؤكدا أن هذا الدور قد تغير في ظل موازين دولية وإقليمية جديدة وأن هذا الدور لم يتراجع ولكنه أخذ أشكالا أخري تتناسب مع واقع سياسي ودولي مختلف‏..‏ وأن علي مصر أن تراجع بالفعل دورها الثقافي عربيا‏..‏ لم يتحدث د‏.‏ شهاب بصوت الحكومة في المؤتمر ولكنه تحدث بروح الأستاذ الجامعي والباحث والعالم ولذلك كان مقنعا ومؤثرا‏..‏ وقد ظهر فارق التاريخ والتجربة والخبرة عندما تحدث وزير التنمية الاقتصادية والتخطيط سابقا‏'‏ د‏.‏عثمان محمد عثمان الذي أعلن من البداية أنه يتحدث بأسم الحكومة‏..‏ وكان د‏.‏ عثمان عصبيا في أحيان كثيرة خاصة وهو يؤكد أنه يمثل الحكومة في المؤتمر ولأننا شعب يكره الحكومات أي حكومات فقد لقي حديث وزير التنمية الاقتصادية اعتراضات كثيرة ابتداء بتغيير أسم وزارته وانتهاء بأرقام كثيرة ذكرها‏..‏



كانت وجهة نظر الأستاذ سعد هجرس وهو يرد علي د‏.‏ عثمان أكثر أقناعا وهو يتحدث عن قضايا اقتصادية كثيرة‏..‏ وبينما كان د‏.‏ عثمان يري أن مصر اقتصاديا تعيش فترة نهضة‏..‏ كان سعد هجرس يري أننا نعيش أزمة اقتصادية حقيقية وأن هناك تفاوتا كبيرا بين ما تراه الدولة في أحوال الناس وما تراه المعارضة في هذه الظروف الحياتية القاسية التي يعاني منها المصريون‏..‏ ووسط هذه المواجهات جاء وزير الصحة السابق د‏.‏محمد عوض تاج الدين ليتحدث عن قضية هامه وخطيرة هي الاستثمار الصحي بمعني أن كل واحد فينا يستثمر أمواله في البورصة أو العقارات وينسي أن يعطي شيئا من ماله للاستثمار في صحته رغم أنها الأهم والأبقي والأفضل‏..‏



في المؤتمر أيضا كانت هناك نماذج من الشباب قدمت صورا كثيرة عن مشاركات فعاله في المجتمع المدني‏..‏ وكانوا مجموعة من الشباب المتميز في مجالات كثيرة‏..‏


-‏ وعندما جاء دوري في الحديث توقفت عند عدة قضايا لم تكن أبدا بعيدة عن سياق عام دار في المؤتمر‏..‏ أن أمام مصر مجموعة قضايا أساسية لابد من حسمها لكي تبدأ رحلتها نحو المستقبل‏:‏


-‏ أولا‏:‏ قضايا الفساد سواء في أجهزة الدولة أو في الشارع المصري‏..‏ أن هذه القضية مسئولية الحكومة والشعب معا لأن فساد الأجهزة الإدارية ونهب المال العالم والاعتداء علي حقوق المواطنين ليس أكثر خطرا من حالات التسيب والانفلات الأخلاقي في سلوكيات الشارع المصري‏..‏ أن الفساد الذي أصاب الضمائر وأعمي العيون وجعل المال سلطانا علي رقاب المصريين وغياب لغة الحوار الراقي واستباحة المال العام في مؤسسات الدولة‏..‏ كل هذه المظاهر لا تتناسب مع تاريخ شعب عريق ولا يمكن أن تكون بداية صحيحة لمستقبل آمن‏..‏ أن الإصلاح السياسي ضرورة والإصلاح الاقتصادي مسئولية ولكن محاربة الفساد هي نقطة البداية وهي تسبق كل القضايا الأخري‏..‏


-‏ ثانيا‏:‏ لابد من الاطمئنان علي مستقبل الحكم في مصر من خلال تداول حقيقي للسلطة ولابد من حسم هذه القضية لأنها تعطل كل الأشياء في مصر الآن وقد أدت إلي انقسام حاد بين المصريين وكانت سببا في تجاوزات كثيرة في لغة الحوار في الصحافة والإعلام بل أنها من الأسباب الرئيسية التي أدت إلي تجاوزات مرفوضة لا تليق بنا في حق رئيس الدولة وهو واحد من أهم رموزها‏..‏


-‏ ثالثا‏:‏ أن النخبة التي تقود المعارضة الآن مازالت بعيدة عن نبض الشارع المصري ولهذا فإن المطلوب هو إيجاد صيغة للتقارب والتلاحم بين هذه النخبة والشارع المصري‏..‏ لقد تخلت هذه النخبة عن دورها سنوات طويلة وجاءت الآن لتبحث عن هذا الدور‏..‏ أين كانت والفلاحون يطردون من أراضيهم‏..‏ والعمال من مصانعهم‏..‏ والبطالة تطارد ملايين الشباب والفقر يستبيح بسطاء هذا الوطن‏..‏ أن النخبة الموجودة فقط في القاهرة يجب أن تنزل إلي الناس في كل مكان حتي تستند إلي شرعية حقيقية‏..‏


-‏ رابعا‏:‏ لا يوجد الآن من يدافع عن فقراء مصر لأن الحكومة حكومة الأغنياء ولهذا ضاع مبدأ يسمي تكافؤ الفرص وقيمة تسمي العدالة الاجتماعية وطبقة تسمي فقراء مصر‏..‏ وإذا لم تحاول الدولة إعادة التوازن بين أبناء المجتمع الواحد فلن يكون هناك مستقبل لأحد سواء كانوا الأغنياء أم الفقراء‏..‏



شكرا للدكتور زكريا جاد رئيس المؤتمر ود‏.‏ عمرو موسي أمين عام المؤتمر ومجلس إدارة جمعية الإدارة العليا علي هذه الرحلة الجادة في هموم المجتمع المصري بحثا عن مستقبل أكثر أمنا واستقرارا
 
 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads