هوامش حرة : ولن يرضي الغرب عنا

هوامش حرة

ولن يرضي الغرب عنا

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة





اهتزت أركان المساجد والكنائس في مصر وترددت الصلوات في كل مكان والآلاف يودعون شهيدة الحجاب مروة الشربيني التي قتلها في قلب المحكمة وأمام رجال الشرطة مواطن ألماني بغيض ومتعصب‏,‏ ومازال زوجها بين الحياة والموت في أحد المستشفيات بولاية دريسدن الألمانية‏,‏ حيث وقعت الجريمة‏..‏ من أين جاء كل هذا الحقد الذي حمل‏18‏ طعنة في جسد امرأة مسالمة كل خطيئتها أنها مسلمة ترتدي الحجاب؟‏!..‏



من الخطأ أن ننظر إلي هذه الجريمة علي أساس أنها سلوك فردي فلم تكن الجريمة الوحيدة‏-‏ ولن تكون‏-‏ في سجل معاناة المسلمين في الغرب وفي كل مرة نجد أنفسنا أمام هذا السؤال‏..‏ لماذا يكرهنا الغرب بهذه الصورة القاسية‏..‏ ولماذا يرفضنا كل هذا الرفض ويتعامل معنا في أحيان كثيرة بكل هذا التوحش‏..‏ لقد قدمنا للغرب كل القرابين فكرا وخضوعـا وسلوكـا وانحطاطـا في أحيان كثيرة‏..‏ ورغم كل ما قدمنا لم يرض الغرب عنا‏..‏ ويبدو أنه لن يرضي‏..‏



كان الغرب يحترمنا كثيرا ونحن ندافع‏-‏ في زمان رحل‏-‏ عن أوطاننا التي استعمرها ونهب خيراتها‏..‏ كان الغرب يسعي إلينا وهو يستغل مواردنا‏..‏ ورغم أننا كنا نعاني الاستعمار ونقاسي مرارته‏..‏ لكن هذه الأرض الخاوية علي عروشها الآن أخرجت أبطالا اهتزت لهم عروش كثيرة‏..‏ إننا الآن نقدم للغرب كل القرابين ولا يرضي‏..‏


*‏ أول المعارك ضد الحجاب خاضتها حكومات إسلامية ضد مواطنيها وكأن هذا الحجاب عار ما بعده عار‏..‏ بعض الدول الإسلامية تحارب الحجاب بضراوة أكثر مما يحاربه الغرب‏..‏ لقد كان هناك ربط غريب ومريب بين الإسلام والإرهاب‏,‏ وبالضرورة بين الحجاب والإسلام والإرهاب ولم نستطع أن نفرق بين الإسلام العقيدة والإيمان والسلوك والقيم والإسلام السياسي بكل حساباته واخطاءه ولهذا لم يكن غريبا أن يصيح المواطن الألماني القاتل في وجه مروة الشربيني يتهمها بالإرهاب لأنها مسلمة‏..‏



أطلق الرئيس بوش هذه المهزلة ضد الشعوب الإسلامية متهمـا إياها بالإرهاب‏,‏ وسارت خلفه في مواكب الإدانة الحكومات الإسلامية‏..‏ وتسابقت في معاركها ضد الإسلام تاريخـا وفكرا وسلوكـا‏..‏ ولأول مرة في التاريخ تتبرأ أمة من دينها ولا تدافع عنه‏..‏ وتدين الحكومات شعوبها‏..‏ وهان الإسلام علي أهله وكان من السهل أن يهون علي أعدائه‏..‏



أن الغرب لن يرضي حتي ولو قدمنا له كل القرابين لأن مواكب المثقفين عندنا الآن يدينون الإسلام الفكر والعقيدة في كل مناسبة أكثر من كل الإدانات التي وجهها الغرب للإسلام‏..‏ هذه الكتيبة التي تسيطر علي الكثير من وسائل الإعلام في العالم الإسلامي وتحارب دينها جهارا نهارا وتأخذ الثمن مالا وأسفارا وجوائز ومنحا وعطايا‏..‏ أصبح في العالم الإسلامي الآن طابور خامس يؤدي مهمته بكفاءة عالية في خدمة أهداف واضحة تسعي لتدمير الإسلام الفكر والعقيدة‏..‏


*‏ لن يرضي الغرب عنا حتي ولو أخذ الأثرياء وأصحاب السلطة في بلاد المسلمين زوجاتهم لكي يلدن في أوروبا وأمريكا حتي يحصل الأبناء علي جنسية هذه الدول‏..‏ نتبرأ من أرضنا ونتخلص من انتماءاتنا ونسعي للحصول علي جواز سفر من هنا أو هناك‏..‏


*‏ أننا نسمح في بلادنا للأجانب بكل شيء وهم لا يسمحون لنا في بلادهم بأي شيء‏..‏ أنهم يسكرون عندنا ويمارسون شذوذهم علنـا بل إنهم يشجعون أبناءنا علي ذلك ولا يسمحون لامرأة مسلمة أن ترتدي حجابا‏..‏ لم يحدث يوما أن أدين مواطن أجنبي في دولة إسلامية لأنه يشرب الخمر أو يمارس الرذيلة‏..‏ وفي كل الشواطيء الإسلامية ينتشر العري الكامل والجنس الكامل‏..‏ والانحطاط الكامل‏..‏ ولم تحاسب حكومة إسلامية سلوكـا غريبا أو فعلا شاذآ يقوم به مواطن أجنبي‏..‏


*‏ لن يرضي الغرب عنا حتي ولو ترك الأثرياء والحكام المسلمون بنوك أوطانهم وهربوا إلي البنوك الغربية يخفون فيها جرائمهم وسرقاتهم وما نهبوه من أموال المساكين الغلابة‏..‏ هناك تقديرات تقول إن الأثرياء العرب خسروا في بنوك أوروبا وأمريكا وبورصاتها مئات البلايين من الدولارات خلال العام الماضي من كان الأحق بكل هذه الأموال الشعوب المغلوبة علي أمرها أم القتلة من أبناء هذه الدول؟‏!..‏



لن يرضي الغرب ونحن ننتظر التأشيرات من سفاراتهم ونجلس أمام مكاتبهم أياما طويلة حتي يأتي لنا السماح بالدخول‏..‏ أن طوابير المسلمين أمام السفارات الغربية في جميع العواصم الإسلامية مأساة إنسانية بكل المقاييس‏..‏ والغريب في الأمر أن المسلمين يهربون من الفقر في بلادهم ليواجهوا الموت في بلاد لا تحبهم‏..‏ الفقر هنا والموت هناك‏..‏ وماذا نفعل أمام مواكب الهاربين من شبابنا بحثا عن عمل أو أمل أو كرامة‏..‏ حيث لا كرامة لهم في أوطانهم‏..‏


*‏ أننا في بلادنا نتحدث كثيرا عن الحوار مع الآخر ونطالب كل يوم بفتح صفحة جديدة للحوار‏..‏ وفود تسافر‏..‏ وأقلام تكتب‏..‏ واجتماعات ولقاءات وندوات وبرامج‏..‏ ولكن ذلك كله لم يغير شيئـا في الفكر أو المواقف‏..‏ أنهم فقط يتحدثون عن جوانب التخلف والتراجع والفوضي عندنا‏..‏ أنهم لا يتحدثون عن ثروات سرقوها في عهود الاستعمار‏,‏ ولا يتحدثون عن موارد نهبوها في عصور العبودية‏..‏ أنهم لا يتحدثون عن حكام باعوا أوطانهم واستباحوا شعوبهم بين البطش والطغيان‏..‏ يتحدثون عن الحريات وحقوق الإنسان ويطالبون بها لأوطانهم ولكنهم يقتلون امرأة مسلمة مسالمة‏,‏ لأنها ترتدي زيا تحبه وتريده‏..‏ أن ذلك لا يدخل في إطار حقوق الإنسان عندهم‏..‏ فليس للمسلم حق لدي الغرب‏..‏



منذ سنوات كنا نشارك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ويومها دار حوار طويل حول لقاء الثقافات وصراع الحضارات وكان شيئـا غريبا أنهم لا يعرفون شيئـا عن ثقافتنا وأن آخر ما وصل إليهم بعض الكتابات العارية التي يحتفون بها أو بعض الكتابات المغرضة التي تهاجم الإسلام سعيا وراء منحة أو جائزة‏..‏



لا أعتقد أن امرأة مسالمة تلعب مع طفلها في الحديقة يمكن أن تضع لغما أو تهدد أمن الإمبراطورية الألمانية التي دمرت العالم كله في عهد النازي‏..‏



لا أعتقد أن ألمانيا التي مازالت حتي اليوم تعتذر لليهود عن جرائم النازي قد غرست في أعماق مواطنيها كل هذا الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين‏..‏ أن ألمانيا النازية هي التي فتحت أول مدارس التعذيب في سجلات الشعوب‏,‏ وهي أول من علم الدنيا أساليب القمع وهي أول من اخترع الأجهزة الحديثة في ذلك كله‏..‏ هذه الإمبراطورية التي تقود أوروبا الآن لم تتحمل ثوب امرأة مسلمة تحترم دينها‏..‏



إن ما حدث في ألمانيا كان امتدادا لجرائم أخري سبقت في رسوم كوبنهاجن وتشويه صورة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام‏..‏ وفي الهجوم الضاري الذي شنه الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو يرفض الحجاب في فرنسا‏..‏ وفي الآيات القرآنية التي كتبها المتعصبون المجرمون علي الأحذية الإيطالية‏..‏ وفي كتابات مئات الأقلام التي تهاجم الإسلام وتسخر من المسلمين بالفن والصحافة والإعلام‏..‏



منذ عشرات السنين أصدر بوش الجد كتابا هاجم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال إنه لم يكن نبيا ولا رسولا‏..‏ بل إنه شخص عادي أسس إمبراطورية دينية وأن القرآن نتاج بشري وليس كتابا سماويا نزل من الله وحيا علي نبيه عليه السلام‏..‏ مازالت هذه السموم تسري في عقول كثيرة في الغرب تحت دعاوي حرية الفكر والعقيدة‏..‏



أن اغتيال مروة الشربيني ليس حادث قتل عادي ولا ينبغي أن نضعه في سياق الجرائم العابرة‏..‏ وهو يعكس صراعا حقيقيا بين أفكار ترفض بعضها وثقافات لن تلتقي مهما كانت دعاوي الحوار لأن الغرب لا يريد هذا الحوار‏..‏



سوف يظل الغرب غربا في كراهيته للإسلام والمسلمين‏..‏ وسوف يبحث في كل يوم عن أسباب جديدة ومعارك جديدة وعداوات جديدة‏..‏ سوف يسخر من كل رموزنا‏..‏ وسوف يعتدي علي كل مقدساتنا وسوف يطاردنا في كل زمان ومكان إنه يستخدم في معاركه كل الأساليب ابتداء بحكومات تحارب دينها وانتهاء بمثقفين ومدعين باعوا أنفسهم للشيطان‏..‏



لن يرضي الغرب عنا حتي ولو غيرنا كل شيء في ملامحنا ومارسنا العري وشجعنا الشذوذ وغرسنا في أجيالنا الجديدة كل مظاهر السفه والانحطاط‏..‏



أن مروة الشربيني ليست فقط شهيدة الحجاب‏,‏ ولكنها شهيدة هذا الصراع الذي يبدو أنه لن ينتهي بين شعوب تحترم عقائدها ومقدساتها وشعوب أخري تنتهك كل المقدسات‏..‏



أن المطلوب الآن موقف إسلامي لإدانة هذه الجريمة ومطالبة الحكومة الألمانية بالتحقيق في كل ملابساتها وقبل هذا كله وضع ضمانات لحماية المسلمين في ألمانيا ودول أووربا والعالم الغربي بصفة عامة‏..‏ أن دماء مروة الشربيني ستظل وصمة عار في جبين مجتمعات تتغني بحقوق الإنسان والحريات الدينية وحوار الثقافات وهي تترك مواطنيها يمارسون أعمال القتل في دهاليز المحاكم وأمام رجال الشرطة‏..‏



وما بين الحجاب ودماء الشهيدة‏..‏ والمحكمة والقضاء والشرطة وهوان المسلمين علي أنفسهم وأوطانهم نصل إلي أبعاد القضية‏..‏ أنه الغرب الذي يرفضنا ولن يرضي عنا حتي ولو قدمنا له كل القرابين‏..‏

‏‏fgoweda@ahram.org.eg‏



..‏ ويبقي الشعر



تزيد المسافات بيني وبينك

تخبو الملامح شيئـا‏..‏ فشيئـا

وتغـدو مع الـبعد بعض الظلال‏..‏



وبعض التذكر‏..‏ بعض الشجن

ويغدو اللقاء بقايا من الضوء‏..‏

تبدو قليلا‏..‏ وتخـبو قليلا



وتصغـر في العين‏..‏

تسقط في الأفق‏..‏

ترحل كالعـطـر‏..‏



تغـدو خطوطـا بوجه الزمن

فـماذا سنـحكي؟

وكل الملامح صارت ظلالا



وكل الذي‏'‏ كان‏'‏ أضحي خيالا

وأصبحت أنت الزمان البعيد

أعود إليه‏..‏ فيبدو محالا



تزيد المسافات بيني وبينـك‏..‏ يخبو البريق

ويحملـني الشـوق‏..‏ ألقي بنفـسي علـي شاطئيك

فأرجع منك‏..‏ وبعضي حريق



وأسأل نفسي‏:‏ علي أي درب سألقاك يوما ؟

وقد صار وجهك في كل درب يطوف بعيني

طريق أشد الرحال إليه‏..‏ فيهرب مني



طريق أعود غـريبا عليه‏..‏ فيسأل عنـي‏..‏

طريق يداعبني من بعيد

فأجري إليه ويصرخ‏:‏ دعني‏..‏



علي أي درب سألقاك يوما

وفي أي درب ستصرخ حزنـا دماء البريء

فأنت الزمان الذي قد يجيء



وأنت الزمان الذي لن يجيء

وأنت الصباح الذي ضاع في العين‏..‏

بين الرحيل‏..‏ وبين المجيء



فحينـا يسافـر‏..‏ حينـا يغامر

ويسقـط عمري بين الرحيل‏..‏ وبين المجيء


'‏من قصيدة العدو خلف السراب سنة‏1985'‏

 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads