هوامش حرة
ليس دفاعا عن رجال الشرطة
يكتبها: فاروق جـــويـدة
لابد أن نعترف أن هناك حالة انفلات في الشارع المصري.. وللأسف الشديد أن الظاهرة تزداد كل يوم اتساعا وتنتقل من موقع إلي آخر ومن مكان إلي مكان.. هناك انفلات في بلاط صاحبة الجلالة فما أكثر الكتابات الشاردة التي لا تحترم مسئولية الصحافة وأمانة الكلمة.. وهناك انفلات في الأسعار رغم وجود الحكومة فلا توجد سلعة واحدة في الأسواق يمكن أن تشتريها في نفس اليوم بسعر واحد.. وهناك انفلات في تصريحات المسئولين فما أكثر الكلام وما أقل الأفعال.. وهناك انفلات في لغة الشارع وسلوكيات الناس أمام أساليب هابطة ودوامات من العنف تجتاحنا كل يوم.. ومهما اختلفنا حول مسئوليات الآمن وحدوده وسلطاته وحتي تجاوزاته أحيانـا فإن هيبة الدولة هي الضمان الوحيد للاستقرار والشعور بالأمن وهذه أولي مسئوليات جهاز الشرطة..
بداية أنا لا يمكن أن أقبل أنا أو غيري أي تجاوزات غير مسئولة من الشرطة.. في إهدار آدمية الناس فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بجرائم قتل واستخدام السلاح في غير موضعه.. وإن كنت علي يقين أن هذه التجاوزات يتم التعامل معها بحسم دون هوادة.. وفي السجون الآن وأمام المحاكم والنيابات يواجه عدد من ضباط الشرطة محاكمات وعقوبات صارمة بتعليمات واضحة من حبيب العادلي وزير الداخلية.. ولكن هذا لا يعني أن توجه الإدانة أو محاولات التشوية لكل العاملين في هذا الجهاز الخطير..
مثل كل المؤسسات يوجد الصالح والطالح.. في الصحافة أقلام شريفة وفيها أيضا أقلام مأجورة.. وهناك طبيب يتبرع بدمه لإنقاذ مريضه.. وطبيب آخر يبيع كلية مريضه.. وهناك قاض لا يخاف إلا العدل وقاض آخر لم يعرف غير الزور.. هذه النماذج جميعها نشاهدها في حياتنا.. هناك ضابط أهوج أطلق رصاصة قتل بها بريئـا.. وضابط آخر مات شهيدا وهو يدافع عن شرف امرأة تغتصب وقد عرفت المئات من رجال الشرطة كانوا علي مستوي المسئولية أداء للواجب وحرصا علي الوطن..
لقد زادت في الفترة الأخيرة تجاوزات بعض رجال الشرطة وأصبحت حديث الناس وبدأت الصحافة تتحدث عن هذه الحالات علي أساس أنها أصبحت ظاهرة تستحق التوقف عندها حتي لا تهدد أشياء كثيرة في حياتنا.. والواقع أننا في أحيان كثيرة نقبل التجاوزات في مكان ما ولا نقبلها في مكان آخر.. هناك أعمال يصعب التسامح معها لأنها رسالة قبل أن تكون وظيفة أو مصدر رزق..
وقبل أن ينتقد البعض جهاز الشرطة علينا أن نجيب عن بعض التساؤلات التي تبدو في ظاهرها دفاعـا عن رجال الشرطة ولكنها في الحقيقة تشخيص للحالة من حيث الأسباب والنتائج:
* لماذا تلقي الدولة المصرية كل مسئوليات أجهزتها المختلفة علي رجال الشرطة.. إن أبسط الأشياء الآن أن أي مشكلة أو أزمة تواجه وزيرا من الوزراء أمام قرار خاطيء أصدره أن يستنجد بوزارة الداخلية ويطلب قوات الأمن.. إذا اعتصم موظفو الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء كان الحل هو قوات الأمن وليس الحوار مع المسئولين عن الاعتصام.. وإذا احترق حزب من الأحزاب اختفت لجنة الأحزاب وجاءت قوات الأمن.. وإذا تظاهر أعضاء احدي النقابات المهنية ضد نقيبهم كان الحل هو الأمن.. وإذا أراد طلاب الجامعات التعبير عن رأيهم أو سخطهم كان الأمن هو صاحب القرار والكلمة.. كل هذه المهام ليست مسئولية أجهزة الأمن.. ان وزارة الداخلية لم تكن مسئولة عن قرارات وزارة الزراعة بتخصيص آلاف الأفدنة من الأراضي للنصابين والأفاقين واللصوص.. ولكن علي رجال الشرطة أن يطاردوا هؤلاء ويخرجوهم بالقوة ويتحملوا أمام الشعب مسئولية ذلك كله..
في أوقات كثيرة تبدو تجاوزات الشرطة أخطاء دولة قبل أن تكون تجاوزات جهاز.. إن أخطر ما يواجه جهاز الشرطة في مصر الآن أن كل مؤسسات الدولة تلقي عليه مسئولية علاج مشاكل وأزمات من صنع وتدبير هذه المؤسسات إن أهم جهاز في الجامعات المصرية وهي دور علم وحوار وفكر هي أجهزة الأمن رغم أن الجامعة مؤسسة لبناء عقول الشباب علي أسس من الفهم والوعي والحوار وليس المطاردات الأمنية..
لقد ترتب علي ذلك كله أن أصبح جهاز الأمن في الواجهة دائما بسبب وبدون سبب.. في الأحزاب والجامعات والنقابات لا ينبغي أن نلقي المسئولية علي رجال الأمن لأن مثل هذه المؤسسات تعالج أفكارا.. والفكر لغته الحوار.. وليس قوات الأمن المركزي.. من الخطأ الجسيم أن نقحم دور رجال الأمن في كل مشكلة أو أزمة..
* أصبح الأمن السياسي وتأمين المسئولين هو الدور الأهم لأجهزة الأمن وكان ذلك علي حساب أمن المواطنين أن تأمين موكب وزير مسئول ضرورة ولكن لا ينبغي أن نجد حول كل وزارة عشرون جنديا للمرور ولا نجد في شارع الهرم كله جنديا واحدا.. في القاهرة مناطق لا توجد فيها قوات أمن علي الإطلاق بينما توجد مناطق أخري تعاني تكدسا شديدا في قوات الأمن وهنا ينبغي أن يكون هناك توزيع عادل وتوازن بين أمن السلطة وأمن المواطن..
* إن حالة الانفلات في الشارع المصري أصبحت ظاهرة خطيرة وقد انعكس ذلك علي أداء رجال الأمن وهذا أمر طبيعي فليسوا أنبياء انهم يعانون مثل كل المواطنين.. لقد زاد حجم الجريمة وأعمال البلطجة وسلوكيات أبناء الطبقة الجديدة من الأثرياء وزيادة مساحة الفقر والتمرد في قطاعات كبيرة.. كل هذه الظواهر تركت أثارا عميقة علي رجال الأمن وقد دفعوا ثمن ذلك في السنوات الأخيرة أمام أعمال العنف والجرائم ماذا يفعل رجل الأمن أمام مظاهرات فقراء الدويقة إنه في النهاية مواطن يشعر بآلام هؤلاء لأنه واحد منهم..
* لا نستطيع أن نتجاهل أثر تجربة الإرهاب القاسية التي عاشتها مصر في السنوات الماضية وقد ترتب عليها في أحيان كثيرة أمام الصدامات الدامية وأعمال العنف والقتل والدمار أنها غيرت كثيرا في أسلوب وأداء رجل الشرطة في مصر وربما كان استخدام السلاح من أخطر نتائج هذه المرحلة فقد كانت مواجهات بين قاتل وقتيل ولاشك أن آثارها سوف تختفي مع الوقت مع نسيان هذه الصفحة السوداء في تاريخنا..
بقيت نقطة أخيرة.. يجب أن نعيد فتح ملف توريث الوظائف في قطاعات حساسة في مؤسسات الدولة خاصة الشرطة والقضاء فقد ظهرت الآثار السلبية لهذا الملف في الفترة الأخيرة أمام سوء الاختيار..
ليس من مصلحة أحد أن نشوه تاريخ مؤسسات عريقة في هذا البلد لأن صحفيا تجاوز أو ضابطـا أخطأ أو قاضيا أساء إن أخطاء قلة قليلة من رجال الشرطة ينبغي ألا تنسينا الدور العظيم الذي يقوم به هذا الجهاز في حماية أمن مصر واستقرارها..
.. ويبقي الشعر
في كـل عام..
تشرقين علي ضفاف العمر..
تـنبت في ظلام الكون شمس
يحتويني ألف وجه للقمر
في كـل عام..
تـشرقين علـي خريف القلب
يصدح في عيوني صوت عصفور..
ويسري في دمائي نـبض أغنية
ويغزل شوقـنا المجنون أوراق الشـجر
في كـل عام..
تـشرقين فراشة بيضاء
فوق براعم الأيام
تـلـهو فوق أجنحة الزهر
في كل عام..
أنت في قلبي حنين صاخب..
ودموع قـلب ذاب شوقـا.. وانـكـسر
في كـل عام..
أنت يا قدري طريق شائك
أمضي إليك علي جنـاح الريح
يسكرني عبيرك..
ثم يتركني وحيدا في متـاهات السفر
في كـل عام..
أنت في عمري شتاء زوابع
وربيع وصـل..
وارتعاشات.. يدنـدنـها وتر
في كـل عام..
أنت يا قدري مواسم فـرحة
تـهفـو الطـيور إلي الجداول..
تنتشي بالضوء أجفان النـخيل
وترتوي بالشوق أطـلال العمر
( من قصيدة ألف وجه للقمر سنة1997)