هوامش حرة
أخـــلاق المصــــريين
يكتبها: فاروق جـــويـدة
'أقدر أجيب العمر منين' كلمات عمنا أحمد رامي وألحان السنباطي وغناء سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. والعمر هنا ليس فقط عمرنا الزمني كأفراد ولكنه عمر الوطن الذي كان.. والإنسان الذي اختفي.. والقيم التي غابت.. ومصر التي تاهت ملامحها في الزحام.. مصر التي توقف التاريخ عندها وسجد.. مصر التي كانت لنا البيت والأمن والحلم والملاذ.. مصر التي تسربت في دمانا مع ماء النيل والعمر الجميل.. مصر التي عرفناها وصدقناها ومنحتنا المجد والكبرياء.. كلما سمعت أغنية أم كلثوم توقفت عند هذه الكلمات.. أقدر أجيب العمر منين.. ولو كان هناك سوق للسنين لاشتريت منها ساعات من هذا الزمن الذي مضي وغاب مقابل حاضر أصبحنا فيه أغرابا في أوطاننا.. مصر التي عرفناها ليست مصر التي نعيشها الآن..
* أستاذ بكلية الطب حقق أمجادا علمية كبيرة ولديه في البنك الملايين.. يمسك منشارا كهربائيا ويمزق جسد رجل في عيادته ويحمله ويلقي بأشلاعه في كل مكان لا يمكن أن يدخل هذا في نسيج مصر التي كانت..
* جمعية لتبادل الزوجات تجمع الرجال والنساء المتزوجين يمارسون الجنس مع بعضهم ويتبادلون زوجاتهم في الليالي السوداء وليست الحمراء.. أين الشهامة؟ وأين أبن البلد؟ وأين المصري الأصيل ؟الذي غنت له ياسمين الخيام المصريين أهمة من كلمات الراحل المقيم صلاح جاهين.. لا يمكن أن يكون أعضاء هذه الجمعية مواطنين مصريين شربوا ماءها شرفـا وكرامة..
* مدرس يضرب تلميذا عمره11 عاما بالشلوت فيقتله.. لم يتصور هذا المدرس أن يكون هذا التلميذ واحدا من أبنائه.. أين هذا القاتل من معلمي الأمس الذين أضاءوا عقول هذا الشعب علما وأدبا وسلوكـا رفيعا..
* جمعيات من الأطباء تسرق الأعضاء البشرية وتبيعها للراغبين من الأخوة والأشقاء العرب.. للكلية سعر.. وللكبد سعر آخر.. وليس للأمانة والكرامة أي سعر..
* في شارع جامعة الدول العربية يتحرش قطيع من الشباب في قلب المهندسين بعدد من الفتيات وحاولوا الاعتداء عليهن أمام الناس في مظاهرة جنسية قبيحة.. أو ابن البواب الذي حاول الاعتداء علي أستاذة جامعية في بيتها وقتلها لأنها رفضت ونهرته..
* شاب صغير عمره17 عاما دخل علي والدته في غرفة نومها فوجدها عارية في أحضان خاله.. أي في أحضان شقيقها.. أمسك الشاب الصغير السكين وغرسه في صدر خاله بينما هربت الأم بعد إصابتها بإصابات خفيفة عندما سألوا الزوج عن الواقعة قال أنها كانت دائما تفتعل الخلافات معي وتذهب لتنام بجوار شقيقها.. فهل قتل هذا الشاب ابيه الحقيقي..
وماذا عن الشاب الذي قتل أم صديقه لأنها اكتشفت علاقة زواج شاذة بين الشابين وحاولت إنقاذ ابنها فقتلها صديقه..
* عشرات من قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام وأساتذة جامعات وأطباء وصحفيون ولا تخلو صفحة الحوادث كل يوم من كارثة أو جريمة أطالب بحصر شامل لقضايا الفساد التي تورط فيها العاملون في مكاتب السادة الوزراء طوال العشرين عاما الماضية.. إنها قائمة مخيفة.. فهل هذه هي مصر التي عرفناها يوما.. وماذا جري لأخلاق المصريين..
أن معظم القضايا والجرائم تتعلق بالأخلاق.. بكل ما تحمله من معاني المروءة والكرامة والشرف والنزاهة والترفع والرحمة.. كلها كلمات كانت تضيء دائما في سجل الشخصية المصرية رغم كل الظروف الصعبة في كل الأوقات والعصور.. كان المصري فقيرا ولكنه يعرف الشرف.. وقويا ولكنه يعرف الرحمة.. وغنيا ولكنه يعرف الحلال من الحرام ويفرق بينهما.. ولكن هذه الأخلاق التي عشنا وتربينا عليها أصبحت الآن من سجلات الماضي البعيد إنها عملات غير قابلة للتداول وسط سوق يباع فيها كل شيء..
من يقرأ صفحات الحوادث في الصحف المصرية يشعر أننا نعيش في غابة كبيرة ونجد أمامنا هذا السؤال.. من المسئول عن هذه الظواهر ؟..
هل هو الجشع المادي الرهيب الذي جعل الإنسان يبيع كل شيء من أجل الحصول علي المال.. وكيف أصابت لعنة المال هذا المجتمع الذي كان يضع مكانة خاصة للجوانب الروحية والمعنوية.. وبماذا نفسر هذا التناقض الشديد بين ظاهر الدين وسلوكيات تتعارض تماما مع مبادئه.. بماذا نفسر هذه الأعداد المهولة من البشر التي تتجه إلي المساجد والكنائس وهذه السلوكيات التي تتعارض مع كل أخلاقيات الأديان ودعواتها هل هو الفقر الذي أنتج كل هذه الأمراض الاجتماعية ؟.. هل نشأت هذه النماذج المريضة في العشوائيات حيث يعيش عشرة أشخاص في حجرة واحدة.. ولكن ماذا عن جرائم يرتكبها الأثرياء القادرون.. إننا هنا أمام انحرافات مزدوجه تجمع بين سكان العشوائيات وسكان المنتجعات والجرائم واحدة أو متشابهة..
هل هي لعنة المخدرات التي انتشرت بين الأجيال الجديدة دون وعي منا وماذا عن قوات الأمن التي تطارد كل يوم المهربين والمتعاطين والتجار في كل مكان.. ماذا عن المصحات الحديثة التي يتوافد عليها المدمنون من كل لون ماذا عن الأسرة التي غاب دورها واختفي راعيها ففسد رعيتها؟..
هل هو التسيب الذي اجتاح حياتنا في كل شيء حيث لا حرمة لمال ولا قدسية لكلمة ولا أمانة في منصب ؟..
هل هو الجشع الذي جعل البعض يسيطر علي سلطة القرار ويفعل في الناس ما يريد دون ضوابط أو رادع أو حساب..
ما الذي جعل المجتمع الآمن المطمئن الواعي المستنير يقع فريسة كل هذه الظواهر الاجتماعية والإنسانية المخيفة ؟.. هل هي بحار الدم التي تتدفق علي الشاشات أمام أطفالنا صباحا ومساء دون رقابة من أحد؟ أم هو العري الذي ترخص معه كل شيء.. ؟هل هي الأسرة المصرية التي غاب دورها أمام أعباء الحياة وتراجعت مسئوليتها أمام واقع اقتصادي واجتماعي غاية في الشراسة؟..
هل هي لغة الشارع التي فسدت أمام سلوكيات شاذة ونماذج مريضة في كل شيء ابتداء بسلطة القرار وانتهاء بمؤسسات هامة نسيت دورها وتخلت عن مسئولياتها ؟.. نحن أمام ظواهر خطيرة لا يمكن أن نصدق أنها ظواهر عادية وتحدث في كل مكان كما يقال لنا, ولكن القضية تحتاج إلي دراسات عميقة حتي نضع أيدينا علي أسبابها..
فليست هذه مصر التي عرفناها وأحببناها.. ليست هذه أم الدنيا وكنانة الله في الأرض..
.. ويبقي الشعر
فأنا وأنت سحابتان تـحلـقان
علي ثـري وطن بخيل
من أين يأتي الحلـم
والأشباح ترتع حولنـا
وتغـوص في دمنا سهام البطـش
والقـهر الطـويل ؟!
من أين يأتي الصبح
والليل الكئيب علي نـزيف عيوننـا
يهوي التسكـع.. والرحيل ؟!
من أين يأتـي الفجر
والجلاد في غـرف الصغار
يعلـم الأطـفال من سيكون منـهم قاتل
ومن القتيل ؟!
لا تسأليني الآن عن زمن جميل
أنا لا أحب الحزن
لكن كل أحزاني جـراح
أرهقـت قـلبي العـليل
ما بين حلم خانـنـي..
ضاعت أغـاني الحب..
وانطفأت شموس العمر..
وانتحر الأصيل