نقص المناعة‏..‏

هوامش حرة

نقص المناعة‏..‏

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة


هناك سؤال ينبغي أن نبحث له عن إجابة‏..‏ من المستفيد من خروج مصر من عالمها العربي وتخليها عن دورها ومسئوليتها التاريخية‏..‏ وما هي الأطراف التي يهمها أن تحدث القطيعة بين مصر وعروبتها‏..‏ ولماذا خرجت هذه النغمة الآن وما هي أسباب ذلك‏..‏ لقد أصابتني حالة من الفزع من عدد كبير من الرسائل التي وصلتني هذا الأسبوع حول ما كتبت في الأسبوع الماضي عن عروبة مصر‏..‏ إنها تتحدث عن اللغة النوبية في جنوب مصر وأن هناك أمة تختلف عن كل المصريين‏..‏ وهناك لغة قبطية يتحدث بها الأخوة الأقباط‏..‏ وهناك طقوس فرعونية وموسيقي جنائزية وفنون غير عربية نحتاج لإخراجها من التوابيت‏..‏ أي أن هناك مصر أخري يريدها البعض بلا لغة عربية ولا انتماء عربي‏..‏ لن يكون غريبا في هذا السياق أن نسمع قريبا من يدعو إلي إقامة ولاية نوبية وأخري مسيحية وثالثة إسلامية ورابعة سيناوية مادام مسلسل التفتيت والتقسيم والتشرذم يمضي إلي غايته‏..‏



وفي تقديري أن وراء ذلك كله أهدافا أخري يروج لها البعض وهي تبدأ بقضية التشكيك في الهوية ثم إسقاط الانتماء‏,‏ ثم بعد ذلك ندخل دوائر التقسيم الديني والعرقي واللغوي والثقافي والجغرافي وهذا مخطط مشبوه بدأ بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فقد خرج البعض ليقول‏..‏ ماذا أخذنا من العرب‏..‏ وماذا دفعنا لفلسطين‏..‏ ولماذا لا نترك كل هذا ونبحث عن مصالحنا بعيدا عن كل هذه الألغام‏..‏ وقال هذا البعض أيضا ماذا ترك العرب لنا‏..‏ لقد أخذنا الأزياء والأفكار والفنون الهابطة هذا الكلام تردد همسا ثم أصبح الآن صراخا‏..‏



وأنا أقول ان عالمنا العربي لا يتحمل مسئولية ذلك كله وعندي ألف حجة ودليل‏..‏



لم تكن فلسطين هي السبب الرئيسي في الحروب التي تعرضت لها مصر في الخمسين عاما الماضية ولكن مصر كانت تدافع عن أمنها القومي أن انجلترا وفرنسا وإسرائيل هاجمت مصر بسبب تأميم قناة السويس في عام‏1956,‏ وليس بسبب اللاجئين الفلسطينيين‏..‏ ومع نكسة‏67‏ لم تكن قضية فلسطين هي السبب الرئيسي في الاجتياح الإسرائيلي لسيناء‏..‏ وفي حرب أكتوبر عام‏73‏ كانت مصر تحرر سيناء ولم تكن تحارب من أجل فلسطين فقط وهذا يعني أن إسرائيل من البداية تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر القومي منذ إنشائها في عام‏48,‏ ومازالت وستبقي مصدر تهديد حتي ولو وقعت مليون اتفاقية سلام‏..‏ إذا كانت لإسرائيل أحلام تحققت في فلسطين فمازالت لها أحلام أخري لم تتحقق في سيناء ويجب علينا أن ندرك ذلك‏..‏



وإذا كان البعض يسأل وماذا أخذنا من العرب‏..‏ فإن السؤال المقابل وماذا أخذنا من إسرائيل وبمعني آخر ماذا أخذنا من السلام مع إسرائيل‏..‏ وهل تحقق هذا السلام بالفعل وأين شواهده‏..‏ علي المستوي الاقتصادي استدانت مصر منذ كامب ديفيد وحتي الآن أكثر من‏730‏ بليون جنيه‏,‏ لم تترجم إلي واقع إنساني في حياة الغالبية العظمي من المواطنين ورغم مرور ثلاثين عاما علي أسطورة السلام مازالت الغالبية العظمي من المصريين تعاني ظروفا حياتية صعبة في كل شيء‏..‏ لقد تسربت ثمار هذا السلام المزعوم إلي حسابات أعداد قليلة جدا من أصحاب المصالح والمسئولين وعائلاتهم‏..‏ في الوقت الذي مازال فيه ملايين المصريين يعملون في الدول العربية في جميع التخصصات وكلنا يعلم الدعم الذي قدمته الدول العربية لمصر في سنوات الشدة وشواهد التاريخ كثيرة‏..‏



هناك حكاية تروي عن مؤتمر الخرطوم الذي حضره القادة والزعماء العرب بعد نكسة‏67‏ بحضور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يومها وفي الجلسة الختامية للمؤتمر‏..‏ بدأ الحديث بين القادة العرب عن الدعم الذي ستقدمه كل دولة عربية لمصر لما سمي في ذلك الوقت بإعادة بناء القوات المسلحة‏..‏ وقال الرئيس عبد الناصر ان ذلك أمر تحدده كل دولة حسب إمكانياتها ومشاركتها‏..‏ وكان رد الملك فيصل رحمة الله عليه أن مصر تأمر ولا تطلب وأن ما يقرره رئيس مصر قرار لن يناقش ولن يرد‏..‏



لا يستطيع إلا جاحد أن ينكر المساعدات والدعم الذي قدمته الدول العربية لمصر ابتداء بقرار قطع البترول في حرب‏73,‏ وانتهاء بأسراب الطيران التي أرسلها الرئيس الجزائري هواري بومدين أو الجيش السوري الذي قاتل ببسالة علي الجبهة السورية وجيش الأردن الشقيق‏..‏ أو الجنود المغاربة الذين لحقوا بقواتنا في سيناء أثناء المعارك أو سفن القمح التي غيرت مسارها في المحيط لتصل إلي المواني المصرية‏..‏ هناك تاريخ طويل ينبغي أن تكون لدينا الأمانة والشجاعة أن نذكره للأجيال الجديدة التي لم تشاهد هذه الأحداث ويحاول البعض الآن تخريب عقولها بمفاهيم خاطئة وأفكار مسمومة‏..‏



ان مصر لم تكن تدافع عن العرب فقط يوم أن حاربت بل كانت تدافع عن أمنها القومي الذي كان مهددا وسيبقي مهددا في كل الأحوال والظروف‏..‏ ولا يمكن لنا أن نتجاهل تاريخا طويلا من التعاون والمشاركة من عدد من الرموز العربية التي وقفت معنا حربا وسلاما‏,‏ هل ينسي المصريون الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله وما فعله من أجل مصر‏..‏ هل ينسي المصريون موقف السلطان قابوس بعد مؤتمر بغداد ورفضه قرار مقاطعة مصر‏..‏ هل يمكن أن ننسي ما فعله القذافي وما قدمته ليبيا‏..‏ هل ينسي المصريون ما فعله الملك الحسن رحمه الله في حرب أكتوبر‏..‏ وهل نسينا قرار الملك فيصل رحمه الله بوقف البترول عن الغرب في لحظة تاريخية نادرة‏..‏ هؤلاء القادة والزعماء كانت لهم مواقف مشهودة مع مصر العربية ولم يكن ذلك تفضلا بل كان واجبا تمليه المسئولية القومية لأن مصر كانت تدافع عن كيان عظيم اسمه الأمة العربية‏..‏



لقد تركنا ذلك كله وجلسنا نتحدث عن الفنون الهابطة التي جاءت إلينا من الفضائيات العربية والأزياء والذقون البيضاء والسوداء وخزعبلات الدين وشطط الفتاوي وكليبات العري‏..‏ والسؤال الأغرب وهل كانت مصر بعيدة عن ذلك كله لقد شاركنا ومازلنا نشارك في هذه المهازل‏..‏ ولماذا يحاول البعض إلقاء مسئولية ذلك كله علي الاخوة العرب‏..‏



إذا تحدثنا عن فضائيات العري فلدينا منها الكثير‏..‏ وإذا تحدثنا عن شطط المشايخ وفوضي الفتاوي فشيوخناهوامش حرة في أول القائمة‏..‏ وإذا جاء الحديث عن الخزعبلات والأرواح والابراج والعفاريت فنحن أول من روج لذلك كله علي شاشات الفضائيات وإذا تحدثنا عن أفلام المقاولات والسينما الهابطة والغناء الفج فهو صناعة مصرية‏..‏



ان الأزمة الحقيقية ليست في عروبة مصر ولكن الأزمة في مصر نفسها ويجب ألا نلقي علي الآخرين أزماتنا ومشاكلنا‏..‏



عندما كنا نقدم الفنون الراقية كنا أصحاب الدور والرسالة واستمع الجميع لنا بكل الاحترام والتقدير‏..‏ عندما كنا نقدم وسطية الإسلام وروحه سكتت خفافيش التطرف وانزوت مدارس التعصب والكراهية وعندما كنا نحارب وقف الجميع خلفنا بالمال والعرفان والتقدير‏..‏ وعندما نامت خيولنا واستكانت سار الجميع خلفنا وراء وهم كاذب اسمه السلام ماذا نريد من العرب بعد ذلك‏..‏ إذا كنا نريد الانغلاق علي أنفسنا لبناء بلدنا كما يري البعض فلن يرفض أحد ذلك‏..‏ وإذا قررنا أن نكتفي بمصر وطنـا وثقافة وأمنـا فهذا حقنا وإذا كنا قد قررنا سلاما لا يجيء فقد ترك الجميع لنا حرية القرار‏..‏ لم يفرض أحد علينا شيئـا‏..‏ ولهذا لا ينبغي أبدا أن نلقي الحجارة علي الآخرين ونتهمهم بالتخلف وأنهم كانوا سببا في كل ما أصابنا‏..‏ ان في العالم العربي الآن دولا ومدنـا ورجالا وعقولا من حقنا جميعا أن نفخر بها من أقصي المغرب إلي أقصي المشرق العربي‏..‏ وإذا كان البعض في مصر يريد الخروج من عروبته كافرا بها فليخرج غير مأسوف عليه فلن يضيف وجوده شيئـا ولن يكون غيابه خسارة لأحد‏..‏



ان أخطر أمراض العصر هي نقص المناعة بحيث يتحول الجسد إلي أرض خصبة تعبث فيها الجراثيم والفيروسات وكلما زادت درجة المناعة احتفظ الجسم بقوته ولياقته‏,‏ وفي تقديري أن البعض منا يعاني نقص المناعة وعلي هؤلاء أن يبحثوا عن طريق يستعيدون به لياقتهم الذهنية والعقلية حتي لا نفقد آخر ما بقي عندنا من مقومات الصمود والإرادة واحترام الذات‏..‏





‏fgoweda@ahram.org.eg‏







ويبقي الشعر





في حانة التـطـبيع

يسكر ألف دجال وبين كـئـوسهم

تنهار أوطان‏..‏ وتسقـط كبرياء



لم يتـركوا السمسار يعبث في الخفاء

حملوه بين النـاس

في البارات‏..‏ في الطـرقات‏..‏ في الشاشات



في الأوكار‏..‏ في دور العبادة في قـبور الأولياء

يتـسـللـون عـلي دروب العار

يـنكفئـون في صخب المزاد ويرفـعون الراية البيضاء‏..‏



ماذا سيبـقي من نواقيس النـفاق سوي المهانة والرياء

ماذا سيبقي من سيوف القهر

والزمن المدنـس بالخطايا غـير ألوان البلاء



ماذا سيبـقي من شعوب لم تعد أبدا تفرق

بين بيت للصـلاة‏..‏ وبين وكـر للبغـاء

النـجمة السوداء ألقت نارها فوق النخيل



فغـاب ضوء الشـمس‏..‏ جف العشب

واختنقت عيون الماء

ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء



وعلي بقايا مجدها المصـلـوب ترتع نجمة سوداء

فالعجز يحصد بالردي أشجارنا الخضراء

‏'‏من قصيدة ماذا تبقي من بلاد الأنبياء سنه‏2000'‏


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads