ماذا جري للوزراء

هوامش حرة

ماذا جري للوزراء

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



كثيرون غيري شعروا بحزن شديد لما حدث في مجلس الشعب أثناء مناقشة تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الموقف المالي والاقتصادي للدولة وما وصلت إليه أحوال الميزانية المصرية دخلا وإنفاقـا وديونـا وأعباء‏..‏ أن هذا التقرير أصبح مناسبة سنوية يذهب فيها رئيس الجهاز المستشار د‏.‏جودت الملط ويقول الرجل كلمته ويمضي وفي أحيان كثيرة كانت كلمات الرجل تتبخر مثل عشرات الاستجوابات التي طارت تحت قبة البرلمان وسرعان ما أخذت مكانها في أرشيف الذكريات في المبني العتيق‏..‏ ورغم ألاف الصفحات التي سهر عليها د‏.‏ الملط ورجاله طوال عشر سنوات ولم تجد استجابة إلا أن الرجل كان دائما حريصا علي ان يقول الحقيقة‏..‏ ومن أثقل الاشياء في مصر الآن أن تكشف حقيقة أو أن تعري قبحا كأننا أعتدنا أن نعيش مع الأكاذيب أو أن نداري القبح جتي وأن أصبح شيئـا دائما في حياتنا‏..‏
كان من الممكن أن يقول د‏.‏ الملط كما أعتاد كل عام كلمته ويمضي ولكن الغريب أن يقف وزراء الحكومة في وجه الرجل كما لو أن د‏.‏ الملط جاء من دولة أخري دون مراعاة لمنصب الرجل الذي كفله الدستور ومسئوليته الرقابية علي أداء الحكومة وتبعية جهازه إداريا وماليا لرئيس الجمهورية‏..‏
كان من الواجب أن تحضر الحكومة مناقشة هذا التقرير بكامل هيئتها وأن تناقش رئيس الجهاز في كل ما جاء فيه ابتداء بتجاوزات وأخطاء الميزانية العامة للدولة وانتهاء بالصحة والتعليم والإسكان والخدمات ومياه الشرب والمجاري التي طفحت والديون التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة وأن يرد كل وزير علي ما يخص وزارته في التقرير من إيجابيات وسلبيات‏..‏ لم يأت السادة الوزراء لسماع التقرير وجاء وزير المالية د‏.‏ يوسف بطرس غالي متأخرا عن بداية الجلسة مما جعل د‏.‏ أحمد فتحي سرور رئيس المجلس ينفعل مهددا بأنه سيرصد عدد مرات غياب السادة الوزراء لجلسات المجلس مؤكدا أن من لا يستطع أداء عمله في أكثر من موقع فليتركه لغيره‏..‏ وهو موقف يحسب لرئيس مجلس الشعب‏..‏


كان من المفروض أن يسمع الوزراء كل الوزراء ما جاء به د‏.‏ جودت الملط ولكن د‏.‏ يوسف بطرس غالي تصدي للدفاع عن الحكومة حتي وأن تجاوز في حق رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات‏..‏ وهنا ارتبكت جلسة مجلس الشعب عندما قال وزير المالية ان د‏.‏ الملط يتحدث كما لو كان رئيس البنك الدولي وهنا اعترض د‏.‏ الملط وطلب من وزير المالية الاعتذار‏..‏ ولم يعتذر واشتعلت الجلسة‏..‏ وهنا ينبغي أن نضع أمامنا بعض الملاحظات‏:‏

أولا‏:‏ أن وزير المالية بحكم المنصب والمسئولية والعمل الإداري ينبغي أن يسمع كل ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لأن مسئولية هذا الجهاز أن يسأل وزير المالية وأن يجيب هو علي هذه الأسئلة‏..‏ اي أنه في موقع المساءلة والحساب ويبدو أن د‏.‏غالي لا يعترف بذلك ولا يقبل مبدأ الحساب وهنا يجب أن يفرق كل وزير مسئول بين إدارته لشئون دولة وإدارته لشئون بيته أو مشروعاته الخاصة‏..‏ والمشكلة في مصر الآن أن بعض المسئولين خلطوا بين المال العام وأموالهم الخاصة فاختلطت عليهم الأشياء ولم يعد الكثيرون منهم يدركون مسئولية المنصب وأنه خدمة عامة وليس مشروعا خاصا‏..‏

ثانيا‏:‏ أن وزير المالية يحدثنا كل يوم عن أرقام البنك الدولي وصندوق النقد والمؤسسات المالية التي تتحدث عن إنجازات حكومتنا الرشيدة بحيث اختلطت علينا الأشياء بين واقع شديد القسوة يعيشه المواطن المصري وأوراق وردية تتحدث عن معدلات النمو والطفرة الاقتصادية ومعجزات الوزراء العظام رغم أن المواطن المصري لا يشعر بشيء من ذلك علي الإطلاق‏..‏


ثالثـا‏:‏ أن وزير المالية د‏.‏ يوسف بطرس غالي لا يتحكم بحكم منصبه في ميزانية مصر فقط بل أنه يدير كل مواردها الاقتصادية في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ مصر المالي والاقتصادي‏..‏ أنه مسئول عن موارد الدولة من الضرائب والجمارك والرسوم‏..‏ وهو مسئول عن مرتبات المواطنين وعن معاشاتهم بعد ضم أموال المعاشات لوزارة المالية‏..‏ وعنده تصب موارد مشروعات الخصخصة وبيع أصول الدولة ودخل قناة السويس والسياحة‏..‏ والبترول ومدخرات المصريين في الخارج‏..‏ وهو أيضا مسئول عن مسلسل الديون وما يحدث فيها والخدمة السنوية لهذه الديون‏..‏ بإختصار شديد فإن د‏.‏غالي الآن يتحمل مسئولية كل الجوانب المالية في الدولة المصرية‏..‏ وهنا كنت أتمني أن يجيب سيادته علي بعض الأرقام الخطيرة التي جاءت في تقرير د‏.‏ الملط وأختار منها‏..‏


*‏ كيف وصل حجم ديون مصر إلي مبلغ‏800‏ مليار جنيه بحيث أصبح كل طفل مدينا بمبلغ‏8679‏ جنيها فإذا كانت الاسرة تتكون من‏5‏ أشخاص فإن عليها ديونـا تزيد علي‏40‏ ألف جنيه‏..‏ يضاف لهذا أن أعباء هذا الدين سنويا تبلغ‏53‏ مليار جنيه وأن نصيب كل فرد‏700‏ جنيه سنويا أي أن علي كل مواطن‏2‏ جنيه يوميا فوائد لهذه الديون‏..‏


*‏ أن الحكومة أرجأت سداد مستحقات بلغت‏103‏ مليارات جنيه لسنوات قادمة‏..‏ فمتي نسددها ومن يتحمل مسئولية السداد‏..‏ وماذا تفعل الحكومة وما هي سياستها إذا كانت عاجزة عن سداد مستحقات مطلوبة وكل ما تفعله أنها تلقيها علي زمن قادم‏..‏

*‏ إن للحكومة متأخرات عجزت عن تحصيلها بلغت‏100‏ مليار جنيه منها‏37‏ مليار جنيه ضرائب مستحقة لدي الطبقة الجديدة من رجال الأعمال‏..‏ وهذا يعني أن الحكومة تقوم بتحصيل الضرائب من الموظفين والعاملين فيها فقط‏..‏


*‏ من أهم التساؤلات التي طرحها د‏.‏ الملط أيضا وكان ينبغي أن يجيب عليها وزير المالية هذا التضارب والتعارض في الأرقام التي تعلنها مؤسسات الدولة وهذه في الحقيقة تمثل فضيحة دولية فكثيرا ما أعلنت الحكومة أرقاما أمام مؤسسات دولية وأتضح أن لدي هذه المؤسسات الأرقام الحقيقية‏..‏ هناك تعارض في أرقام البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار بين الوزارات المختلفة سواء كانت المالية أو التنمية الاقتصادية أو البنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والسؤال من المسئول عن فوضي الأرقام في أجهزة الدولة ومؤسساتها‏..‏
*‏ إن عدم حضور السادة الوزراء مناقشة هذا التقرير استخفاف بجهاز رقابي مسئول‏..‏ وإهدار لمبدأ المساءلة والحساب‏..‏ وتجاهل لحقائق ينبغي الرد عليها‏..‏ وكان ينبغي أن يجيب د‏.‏ يوسف بطرس غالي علي هذه التساؤلات بلا انفعال أو رفض أو تجاهل ولكن يبدو أن بقاء المسئولين في مناصبهم فترات طويلة جعلهم يتصورون أن المناصب أصبحت حقـا وأنهم فوق الحساب حتي ولو كان هذا الحساب أمام أجهزة مسئولة مهمتها ان تحمي أموال الشعب وترعي مصالحه‏..‏




ويبقي الشعر

الصمت يحدق في وجهي

لا شيء أمامي‏..‏

غاب النـاس‏..‏ ومات الضوء‏..‏



وفي قلبـي جرح‏..‏ ونزيف

وأعود ألملم أشلائي فوق الطــرقات

وأحملـها‏..‏ أطلال خريف



والضوء كسير في العينين

خيول الغـربة تسحقـني‏..‏

والصمت مخيف‏..‏



هدأت في الأفق بقايا الضوء

وقد سكنـت أقـدام النـاس

وأنـا في حزني خلـف الباب



يحاصرني خوف‏..‏ ونـعاس

من أين أنـام ؟

وصوت الحزن علي رأسي



أجراس تسحق في أجراس

وأنا والغـربة والأحزان وعيناك

وبقايا الكـاس‏..‏



واللـيل وأوراقي الحيري‏..‏

والصمت العاصف‏..‏ والحراس

وأقول لنـفـسي‏..‏ لو جاءت‏..‏



يرتـعش الضوء‏..‏

وفي صمت‏..‏ تخـبو الأنـفاس‏..‏

مازلت أحدق في وجهي والقلب حزين‏..‏



أجمع أشلائي خـلـف الباب

يبعثـرها جرح‏..‏ وحنين‏..‏

والحلم الصامت في قلبـي



يبكي أحيانـا كالأطـفال‏..‏

ويسأل عنك‏..‏ متـي تأتين‏..‏

متـي‏..‏ تـأتين‏..‏



من قصيدة متي تأتين سنة‏1994‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads