مئوية جامعة القاهرة

هوامش حرة

مئوية جامعة القاهرة

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



بعض الأماكن يحتل في قلوبنا مكانة خاصة وتمضي سنوات العمر وكلما حملتنا أقدامنا إلي تلك الأماكن نشعر أن الزمان عاد بنا للوراء وأن ما كنا نراه بعيدا صار أقرب إلينا من أنفسنا‏..‏ وتتوحد المشاعر والأشياء لتصنع أحساسا عميقـا لا يفارقنا‏..‏ ولهذا كلما حملتني قدماي إلي جامعة القاهرة زائرا أو عابرا وجدت نفسي أطوف حول مبناها العتيق وتتوالي أمامي صور الأشياء والبشر‏..‏ هنا كنا نحلم وهنا كنا نقرأ وهنا رأينا مشايخنا العظام وتحاورنا معهم‏..‏ وهنا حاصرتنا قوات الأمن المركزي في مظاهرات النكسة‏..‏ وهنا رأينا جمال عبد الناصر في قاعة المحاضرات الكبري‏..‏



أيام وأحلام وذكريات وأماكن‏..‏ ولهذا أخذت جامعة القاهرة دائما مكانـا عزيزا في قلوبنا ليس فقط لأنها جزء عزيز من عمرنا ولكن لأنها ركن عظيم من أركان هذا الوطن‏..‏



وفي هذه الأيام بدأت احتفالية الجامعة بمناسبة مرور مائة عام علي إنشائها‏..‏ وتستعد الآن جامعتنا العريقة تحت رعاية د‏.‏علي عبد الرحمن رئيس الجامعة ود‏.‏عبد الله التطاوي نائب رئيس الجامعة لحشد احتفالية ضخمة تليق بهذا التاريخ العظيم‏..‏ كانت الصفحة الأولي من هذه الاحتفالية كتابا رائعا أعده وقدمه الصديق د‏.‏محمود المناوي أستاذ الطب وعاشق الكلمة الجميلة وصاحب الإنجازات المشرفة‏..‏ الكتاب سجل حافل بالصور والموضوعات والوثائق عن رحلة الجامعة طوال مائة عام منذ أن ظهرت حلما علي يد نخبة من مثقفي مصر كان في طليعتهم سعد زغلول وقاسم أمين والخديو عباس حلمي الثاني والامير أحمد فؤاد والأمير سعيد حليم وبدأت الرحلة بجمع التبرعات التي اقتربت من‏20‏ ألف جنيه وأكثر من‏17‏ ألف جنيه أطيانا موقوفة‏..‏



كانت المفاجأة الأكبر في سجل التبرعات لبناء الجامعة ما قامت به الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل فقد تبرعت بكل مجوهراتها وقد تجاوزت قيمتها‏70‏ ألف جنيه في ذلك الوقت بجانب‏660‏ فدانـا و‏6‏ أفدنة بضواحي القاهرة ومن القطع التي تبرعت بها الأميرة فاطمة كيردان فيه‏18‏ فصا من الألماس يزن‏70‏ قيراطـا‏..‏ وبخاتم من الألماس وزنه‏8‏ قراريط‏..‏ وسلسلة من الذهب بها ثلاثة فصوص يزن الواحد منها‏34‏ قيراطـا وأسورة من الماس فيها فص يزن‏18‏ قيراطـا وحوله‏10‏ فصوص أخري و‏74‏ فصا وبقلب من الألماس يزن‏70‏ قيراطـا‏..‏ والأجمل من ذلك كله أن الأميرة خصصت‏3357‏ فدانـا لأعمال البر والإحسان‏..‏



وكلما جاء ذكر جامعة القاهرة في أي مناسبة تاريخية أطل اسم الأميرة فاطمة ليتحدي الزمن ويؤكد معني المسئولية تجاه الوطن‏..‏ أن تتبرع امرأة بالمال أو الأراضي هذا شيء عادي‏,‏ أما أن تقدم كل حليها لكي تبني جامعة للشعب فهذا عمل من النادر أن يتكرر‏..‏



بدأت جامعة القاهرة رحلتها في تنوير العقل العربي‏..‏ والمصري‏..‏ لا يوجد بيت في عاصمة عربية إلا وبين جدرانه عقل تعلم في رحاب هذه الجامعة‏..‏ ولا يوجد تيار فكري واع إلا ونشأ وترعرع بين ربوع جامعتنا العريقة‏..‏ ولا يوجد مثقف كبير إلا واحتل مكانه ومكانته في سجل أبناء هذه الجامعة‏..‏ ولا توجد امرأة أضاءت بفكرها العقول إلا وكانت من خريجات جامعة القاهرة‏..‏ ولا أستطيع أن أضع الأسماء كلها في هذه المساحة ولكن يكفي إن أقول أن معظم كتاب مصر الكبار ومبدعيها وفنانيها وأساتذتها كانوا من أبناء جامعة القاهرة‏..‏



وعلي امتداد عام كامل سوف تكون الجامعة حديث مصر كلها ولهذا اتمني أن نقدم احتفالية تليق بجامعتنا العريقة وهنا أجد بعض الملاحظات التي أقدمها للمشرفين علي هذه الاحتفالية ربما يكون فيها ما يضيف‏..‏


*‏ أتمني ألا يكون الاحتفال بجامعة القاهرة احتفالا مصريا فقط لأن معظم المثقفين الكبار في العالم العربي من أبناء جامعة القاهرة وهناك الآلاف من أبناء الدول العربية من خريجي هذه الجامعة ولهذا أتصور أن يكون عرس جامعة القاهرة عرسا عربيا تشارك فيه هذه النخبة‏..‏


*‏ لا أتخيل أن نحتفل بجامعتنا العريقة دون أن يكون هناك مؤتمر علمي دولي كبير عن مستقبل التعليم الجامعي في مصر ندعو له كوكبة من العلماء والأساتذة الكبار في تخصصات عديدة لوضع تصور عن مستقبل الجامعات المصرية في السنوات القادمة‏..‏ لقد تغيرت أساليب التعليم وبرامجه وأهدافه وتخصصاته في دول العالم‏,‏ وينبغي أن نكون علي وعي بما يجري حولنا‏..‏ أن الجامعات في العالم كله الآن ترتبط باحتياجات المجتمعات من المهن والحرف والأعمال‏,‏ فقد أصبح من الصعب أن تبقي الجامعة في جزيرة بعيدة عن هموم المجتمع وأحلامه في البناء والتنمية‏..‏


*‏ أن تقام علي امتداد العام سلسلة من المهرجانات الفنية والأدبية وأن تشمل مسابقات لاكتشاف المواهب في كل ألوان الإبداع وأن تخصص لها جوائز مناسبة ترتبط بالاحتفالية بحيث تقدم لأصحاب المواهب الحقيقية باسم جامعة القاهرة في مئويتها‏..‏


*‏ تحتاج جامعة القاهرة إلي سجل ضخم يضم أبرز خريجيها في التخصصات المختلفة ومواقعهم في مجالات العمل والتميز بجانب سجل آخر عن أهم الرسائل الجامعية التي ناقشتها الجامعة طوال مائة عام‏..‏ قد يري البعض أن هذا الجهد يحتاج إلي وقت ونفقات كبيرة ولكن ليس من الضروري أن يشمل الجميع‏..‏ ولكن يبحث عن التميز من خلال لجنة علمية محايدة تضع قواعد موضوعية للاختيار‏..‏


*‏ ينبغي أن تقدم مجموعة من الدراسات حول دور جامعة القاهرة في المجتمع المصري والعربي وهنا لابد أن نضع رؤوس موضوعات تضم الدور السياسي للجامعة‏..‏ والجامعة وأثرها في الفكر العربي‏..‏ ودور الجامعة في قضايا تحرير المرأة‏..‏ والدور الثقافي للجامعة في حياتنا‏..‏ ودور الجامعة في مجالات الإبداع المختلفة فنـا وأدبا ونقدا‏..‏ وقبل ذلك كله الجامعة وهموم الإنسان المصري‏..‏


*‏ لا شيء في الدنيا يرد الجميل لجامعتنا العريقة‏..‏ مهما أقمنا من الاحتفالات‏,‏ فإن كل ركن فيها شارك في تشكيل وجداننا ورحلة أحلامنا وموقفنا من الحياة والبشر‏..‏ إن كل حجر في هذه الجامعة‏..‏ وكل شجرة وكل نقطة ضوء تسللت إلي عقولنا وحملت لنا العلم والمعرفة هي شهادة ميلاد جديدة لنا حتي وإن كان العمر قد رحل‏..‏









ويبقي الشعر


عيني تتأرجح خـلـف الباب

فلم تسمع ما كنت أقول‏..‏

أصوات الناس علي رأسي



أقدام خيول‏..‏

ورنين الضحكات السكري

أصداء طبول‏..‏



وسواد الليل علي وجهي

صمت وذهول‏..‏

وأقول لنفسي لو جاءت‏..!‏



فيطل اليأس ويصفعني

تنزف من قلبي أشياء

دمع‏..‏ ودماء‏..‏ وحنين



وبقايا حلم‏..‏ مقتول

ما كنت أظن بأن العهد

سراب يضحك في قلبين



ما كنت أظن بأن الفرحة

كالأيام إذا خانت‏..‏

ينطفيء الضوء علي العينين‏..‏



أنتظر مجيئك يشطرني قلبي نصفين‏..‏

نصف ينتظرك خلف الباب

وآخر يدمي في الجفنين‏..‏



حاولت كثيرا أن أجري‏..‏

أن أهرب منك‏..‏ فألقاني

قلبا يتشظـي في جسدين‏..‏



من قصيدة متي تأتين سنة‏1994‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads