تشويه مناهج التعليم‏..‏ لحساب من ؟

هوامش حرة

تشويه مناهج التعليم‏..‏ لحساب من ؟

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



منذ آلاف السنين عرفت مصر الجامعات ووسائل التعليم والبحث والدراسة‏..‏ عرفت في العصور القديمة علوم التشريح والألوان والكيمياء والطب‏..‏ وكانت فيها مدارس الرياضيات والفلك والنجوم والتقويم وعرفت الفلسفة والشعر والأدب والقوانين والتاريخ عندما سجل الفراعنة كل أحداث زمانهم علي جدران المعابد‏..‏ وقبل هذا كله عرفت مصر الفنون بكل أشكالها وكانت من أوائل من صاغ أبجديات الحرف في تاريخ العالم القديم‏..‏



بعد ذلك شهدت مصر بناء واحدة من كبري قلاع العلم في زمانها وهو الأزهر الشريف أول جامعة في تاريخ الإسلام علما وفقها وتاريخا وحضارة‏..‏ ثم كانت جامعة القاهرة بكل تأثيرها الحضاري والفكري علي مستوي العالم العربي والثقافة العربية‏..‏ ولم يشعر المصريون في يوم من الأيام أنهم يعانون قصورا في الفهم أو الوعي أو التعليم وكانت مفاجأة غير سارة لنا جميعا أن نقرأ أخيرا عن حالات تخبط وإفلاس وتشويه تسود مناهج التعليم تبدأ بالمرحلة الابتدائية والطفولة المعذبة في أرض الكنانة بين التوربيني والمدرسة وتنتهي عند مناهج التعليم في المدارس والجامعات وكل البرامج الدراسية‏..‏



والقصة لها خلفيات كثيرة تمثلت في دعوات خرجت علي استحياء بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل وبدأت تتسع حتي تجرأت علي المقدسات والآيات القرآنية والأحاديث الدينية المطلوب شطبها أو إخفاؤها‏..‏ كان المطلوب في لحظة من اللحظات حذف الآيات القرآنية التي تتعرض لليهود في القرآن الكريم‏..‏ وكان السؤال الملح وماذا عن الآيات التي تتعرض لليهود في الإنجيل‏..‏ وكان المطلوب أحيانا حذف بعض أحاديث فضيلة الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه حتي اختفي الرجل تماما من شاشات التلفزيونات العربية‏..‏



وكان الأخطر من ذلك هو محاولة إقحام دور اليهود في تاريخ مصر الفرعوني بمعني أن المطلوب إلغاء الحقائق الإلهية مجسدة في القرآن‏..‏ وفرض حقائق جديدة كاذبة من أجل عيون كامب ديفيد وبعد ذلك اتسعت دائرة المطالب خاصة بعد أحداث‏11‏ سبتمبر في أمريكا لأن هناك آيات قرآنية تدعو للجهاد والاستشهاد وهذه أمور غير مطلوبة الآن‏..‏ فلا ينبغي لأحد أن يموت فداء أرضه أو عرضه ولا مانع من أن يموت تحت أقدام المارينز في بغداد أو القوات الإسرائيلية في غزه أو جنود اثيوبيا في الصومال‏..‏



ومع ارتفاع صيحات العولمة بدأ الحديث عن ضرورة تغيير المناهج وأساليب الدراسة حتي تأتي أجيال جديدة تنتمي للحضارة الجديدة دون بحث عن جذور أو أصول أو هوية‏..‏ كان المطلوب أن تذوب ثقافات الشعوب لكي تنصهر في بوتقة التكنولوجيا الحديثة حيث لا انتماء لأرض أو دين أو ثقافة‏.‏ وسط هذا الغبار الكثيف‏,‏ حاصرتنا مطالب كثيرة أصبح مطلوبا منا أن نلغي كتب التربية الدينية‏..‏ ونضع مكانها مادة جديدة أسمها الأخلاق‏..‏ ورغم أن الأديان جميعها هي دعوة أخلاقية إلا أن المطلوب منا بصفة خاصة ألا ندرس ديننا وندرس مادة الأخلاق‏..‏ والأخلاق تشهد متغيرات كثيرة بين الشعوب وبعضها قد تصل إلي درجة الاختلاف التام‏..‏ فالزواج في بلادنا ضرورة مقدسة‏..‏ والصداقة في الغرب ليست عيبا‏..‏ والشذوذ في بلادنا عار‏..‏ وفي الغرب حق مشروع وهناك جمعيات تدافع عنه‏..‏ والأسرة في بلادنا كيان أساسي للمجتمع وهي في الغرب اختيار يقبله البعض ويرفضه البعض الأخر‏..‏ وهذا يعني أن الأخلاق بقيمها وأساليبها وسلوكياتها تتغير من مجتمع إلي آخر وأن كل مجتمع تحكمه مجموعة من الضوابط السلوكية التي تعارف عليها أفراده وارتضوها أسلوبا للحياة‏..‏



وكانت لدينا مادة تسمي التربية الوطنية تتحدث عن قضايا الوطن والانتماء والتضحية وتربط بين الماضي والحاضر وتحافظ علي قدسية التراب الوطني ابتداء بالعلم وانتهاء بالرموز وتسعي إلي تأكيد معني الانتماء لدي الأجيال الجديدة في الدفاع عن الوطن والموت في سبيله‏..‏ ثم كانت لدينا مادة التاريخ والمفروض أن التاريخ عندنا يختلف عن أي مكان آخر لأن التاريخ ولد في هذه المنطقة من العالم وكان قدرها أن تكون أقدم الحضارات‏..‏ ومهد الديانات السماوية‏..‏ وفي كل جزء منها تجد أثرا أو مكانا أو رموزا‏..‏ فهل يمكن لنا أن نتنكر لهذا التاريخ‏..‏ هل يمكن أن نقول أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لم يولد في مكة ولم يهاجر إلي المدينة‏..‏ هل يمكن أن نقول أن مريم عليها السلام لم تأت إلي مصر وأن المسيح عليه السلام لم يولد في فلسطين‏..‏ هل يمكن أن نقول ان سيدنا موسي عليه السلام لم يولد علي شاطيء النيل‏..‏ ولم يواجه فرعون مصر‏..‏ كيف نهرب من تاريخنا ولمصلحة من هذا الهروب‏..‏ وهل العولمة تعني إلغاء تاريخ الشعوب وحضاراتهم‏..‏



وبعد ذلك كله كيف نسمح بحذف الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود وكيف نسقط قيمة عظيمة في الإسلام اسمها الشهادة‏..‏ ومبدأ اسمه الجهاد‏..‏ وبماذا نسمي إنسانا يموت دفاعا عن وطنه وترابه وأمته‏..‏ وكيف نحرم شبابنا من شرف التضحية في سبيل الأوطان‏..‏ هل المطلوب أن نلقن أبناءنا دروسا في الاستسلام والعجز والمهانة‏..‏ هل المطلوب أن يكونوا عملاء لأجهزة الموساد و‏CIA‏ ويبيعوا كل شيء مقابل بضعة دولارات والرضا السامي من العم سام‏..‏ هل المطلوب أن يسبحوا صباحا ومساء لسلام لا يجيء واستقرار تحميه الدبابات الإسرائيلية وجنود المارينز وقوات التحالف‏..‏ هل المطلوب أن نحذف من مناهجنا أن الإنجليز احتلوا مصر‏..‏ وأن فرنسا احتلت الجزائر‏..‏ وأن إسرائيل اغتصبت وطنا‏..‏ هل نغير ملامح الأحداث ونقول إن أمريكا لم تحتل العراق ولم تدمر بغداد ولم تنهب البترول العربي‏..‏ ما هو المطلوب منا بعد ذلك كله‏..‏ هل نسقط من عقول أبناءنا ما حدث في فلسطين وما حدث في حرب‏56‏ و‏67‏ و‏73‏ ونصبح شعبا بلا ذاكرة‏..‏



أقول ذلك كله وقد قرأت أخيرا أن وزارة التربية والتعليم قد سمحت للخبراء الاجانب بوضع مناهج اللغة العربية وليس اللغة الإنجليزية أو الفرنسية في المدارس المصرية وأن هذا المشروع قد بدأ بالصف الأول والثاني والثالث بالمرحلة الإبتدائية‏...‏ والسؤال‏..‏ وما هي علاقة الخبراء الأجانب باللغة العربية التي لا يتكلمونها ولا يفهمونها ولم يتعاملوا معها في يوم من الأيام‏..‏ وبماذا نسمي مثل هذه الخطوات الغريبة التي تتسم بالشطط وعدم تقدير المسئولية‏..‏ ان مثل هذه التصرفات الغريبة لا تسيء فقط للعملية التعليمية ولكنها أساءه صارخة للكرامة الوطنية‏..‏ ان اللغة العربية ليست وسيلة اتصال أو أحاديث يومية ولكنها من مقدسات هذه الأمة لأنها لغة القرآن الكريم وهو دستور الإسلام الذي يدين به مليار ونصف إنسان علي ظهر الكرة الأرضية‏..‏ وإذا كان الخبراء الأجانب سيغيرون مناهج التاريخ‏..‏ ويحذفون الآيات القرآنية‏..‏ ويسقطون قيما مثل الشهادة والجهاد‏..‏ ويشوهون خرائط الجغرافيا‏..‏ ويسقطون التربية الدينية والتربية الوطنية وكل ما يبني فكر ووجدان الأجيال القادمة‏..‏ ما هي البدائل التي سيضعها هؤلاء في عقول أبنائنا‏..‏ ما هي الصورة المطلوبة لنا كشعب وما ه

و المستقبل الذي ينتظرنا بعد ذلك كله‏..‏




..‏ ويبقي الشعر





السقف ينزف فوق رأسي

والجدار يئن من هول المطر

وانا غريق بين أحزاني تطاردني



الشوارع للأزقة‏..‏ للحفر

في الوجه أطياف من الماضي

وفي العينين نامت كل أشباح السهر



والثوب يفضحني وحول يدي قيد

لست أذكر عمره

لكنه كل العمر‏..‏



لاشيء في بيتي سوي صمت الليالي

والأماني غائمات في البصر‏..‏

وهناك في الركن البعيد لفافة



فيها دعاء من ابي

تعويذة من قلب أمي لم يباركها القدر

دعواتها كانت بطول العمر والزمن



العنيد المنتصر‏..‏

أنا ماحزنت علي سنين العمر

طال العمر عندي‏..‏ أم قصر



لكن أحزاني علي الوطن الجريح

وصرخة الحلم البريء المنكسر






 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads