سمسار أراض

هوامش حرة

سمسار أراض

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




الأرض هي الثروة الباقية‏,‏ لأنها تعني استمرار الحياة‏,‏ وهي لا تخضع مثل غيرها من مصادر الثروة لمخاطر الاستثمار العادية‏,‏ وهي تمثل بكل المقاييس مصدر الأمن والأمان للأجيال القادمة‏,‏ فهي شيء مقدس تتوارثه الشعوب أجيالا بعد أجيال وفي الأرض عاش أباؤنا واحتواهم ترابها الطاهر‏..‏ ولهذا أشعر منذ فترة بخوف شديد من حمي بيع الأراضي التي تجتاح حكومتنا الرشيدة‏,‏ حيث لا يمضي يوم واحد دون أن يكون هناك مزاد لبيع مساحة من الأراضي خاصة أراضي البناء في المناطق الرئيسية‏..‏ وقد كانت الحكومة دائما تمثل عامل استقرار في أسعار بيع الأراضي حيث كانت تتدخل في الوقت المناسب وتبيع بعض ما تملك للمواطنين الراغبين في البناء بأسعار مناسبة‏..‏ ولكن الغريب في الأمر أن الحكومة الآن هي التي تقود عمليات المضاربة في أسعار الاراضي حتي وصلت بها إلي أرقام خيالية‏..‏ والأغرب أن هذه الأراضي التي تباع في المزادات تقع في مناطق مهمة وحساسة من قلب العاصمة المكدسة بملايين البشر والسيارات والمصالح‏..‏



لا أعتقد أن هناك دولة في العالم تقيم مزادات لبيع أراضيها بآلاف الأفدنة كما يحدث في مصر الآن‏..‏ إن العرف السائد أن الحكومات تقدم خرائط بما لديها من قطع الأراضي إلي أصحاب المشروعات من المستثمرين ورجال الأعمال بحيث يختار المستثمر مساحة الأراضي التي تتناسب مع طبيعة مشروعه‏,‏ وهنا يتم نوع من التنسيق بين المشروعات المختلفة وطبيعة كل منها‏,‏ لأن هناك اختلافا بين مصانع تقام في مناطق صناعية أو مساكن للمواطنين تحتاج للهدوء والسكينة أو مناطق خدمات أو ترفيه‏..‏ ولا يستطيع مستثمر أن يشتري مثلا مائتي فدان مبان في مدينة مثل لندن أو باريس دون أن يقدم مشروعا مدروسا واضحا للحكومة‏..‏ لأن الحكومات هناك لا تبيع الأراضي من أجل أن يضارب فيها أصحاب رؤوس الأموال‏,‏ أن المشروع الاستثماري لديهم يسبق رغبتهم في جمع الأموال خاصة أن مثل هذه الصفقات هي الطريق الطبيعي للمضاربات في سوق الأراضي‏,‏ والأغرب من ذلك أن الهدف من إنشاء المدن الجديدة كان التوسع لتوفير مساكن لمحدودي الدخل فكيف تحولت إلي صفقات لبيع الأراضي‏..‏ كانت المدن الجديدة هي الرئة التي يتنفس منها فقراء مصر ويحلمون فيها ببيت صغير آمن‏..‏ فأين يذهب هؤلاء الآن ؟‏.‏



إن الذي يحدث في مصر الآن شيء في منتهي الغرابة نحن أمام حكومة باعت في مزادين أراضي في قلب القاهرة قيمتها‏17‏ مليار و‏614‏ مليون جنيه شملت‏80‏ فدانـا في القاهرة الجديدة و‏210‏ أفدنة في مدينة‏6‏ أكتوبر و‏710‏ فدانـا في مدينة الشيخ زايد‏,‏ أي أننا أمام أكثر من ألف فدان من أراضي البناء أي أكثر من أربعة ملايين متر‏..‏ وهنا نجد أمامنا أكثر من سؤال‏..‏


*‏ هل حددت الحكومة صورة المشروعات التي ستقام علي هذه الأراضي؟ أم أنها تركت لأصحاب الأموال الحق في استخدامها كما يشاءون دون تخطيط أو دراسة؟ وكيف يحدث ذلك في عاصمة يقترب سكانها من‏20‏ مليون إنسان‏..‏ هل تتحول هذه الأفدنة إلي مساكن‏..‏ ولمن هذه المساكن؟ وإذا كانت مخصصة للمشروعات فما هي نوعية هذه المشروعات وهل تحول نشاط الحكومة الاقتصادي إلي مضاربات ومنشآت عقارية فقط‏..‏ ولماذا لم تعلن الحكومة عن هذه المشروعات قبل بيع الأراضي وتسليمها لأصحابها‏..‏


*‏ ما هو السر في هذا التفاوت الرهيب في أسعار الأراضي لقد باعت الحكومة‏7000‏ متر في ميدان التحرير بسعر‏10‏ آلاف جنيه للمتر في صفقة مريبة ثار حولها لغط شديد ثم باعت أخيرا‏80‏ فدانـا في القاهرة الجديدة بسعر‏4005‏ للمتر الواحد‏..‏ أي الأرقام أقرب للشفافية والنزاهة‏.‏


*‏ إذا كان سعر متر الأرض في القاهرة الجديدة قد وصل إلي‏4005‏ جنيه فكم سيصل سعر متر البناء أمام أسعار الحديد والأسمنت والمضاربات فيها؟ وبعد ذلك يقال أن هذه الأراضي سوف تخصص لمحدودي الدخل‏..‏ لو أننا أفترضنا أن سعر الأرض‏4005‏ جنيه للمتر فإن سعر متر البناء لن يقل عن خمسة آلاف جنيه أي أن سعر الشقة مساحة مائة متر سوف يصل إلي‏500‏ ألف جنيه‏..‏ فمن أين سيأتي محدودو الدخل بهذه الملايين‏..‏ وماذا يفعل فقراء مصر وشبابها الحائر أمام مضاربات الأراضي ومافيا الحديد والأسمنت‏..‏


*‏ تقول الحكومة إن هذه المناطق ستحتاج لمبلغ‏15‏ مليار جنيه لتوصيل الخدمات إليها‏,‏ وهذا يعني أن الحكومة ستدفع هذا المبلغ ويتبقي لها‏2‏ مليار جنيه من إجمالي المزاد‏..‏ فماذا أخذ الشعب من هذه الصفقة إذا كان عائدها كاملا سوف يستخدم لتوفير الخدمات لأصحاب هذه المشروعات إن المتبع في دنيا الاستثمار أن يتحمل أصحاب المشروعات قيمة تكاليف الخدمات في نطاق صفقات البيع أو الشراء‏..‏ ولكننا بذلك نقدم الأرض بلا مقابل لأصحاب الأموال إذا خصمنا منها تكاليف الخدمات والمرافق‏..‏


*‏ لا أحد يعرف لماذا هذا الإصرار الغريب من جانب الحكومة علي بيع مساحات كبيرة من الأراضي بهذه الصورة المريبة إن الحكومة تركز الآن كل نشاطها الاقتصادي في عمليات بيع أصول الدولة المصرية سواء كانت مصانع أو أراضي وهذا أمر يتعارض تماما مع الرغبة في زيادة الإنتاج والتوسع في إيجاد فرص أكبر للعمالة وزيادة موارد الدولة‏..‏

إن أهم الأحداث الاقتصادية في مصر الآن هي صفقات البيع‏..‏



بنك الاسكندرية‏16‏ مليار جنيه‏..‏ شبكة الاتصالات الثالثة‏16‏ مليار جنيه أرض العلمين بالساحل الشمالي‏6‏ مليارا جنيه‏,‏ أرض القاهرة الجديدة والشيخ زايد و‏6‏ أكتوبر‏17‏ مليار جنيه‏..‏ لماذا كل هذه السرعة في البيع مع البطء الشديد في مشروعات أخري مثل مشروع مصر النووي في منطقة الضبعة الذي أسدل عليه الستار‏..‏


*‏ هناك سؤال ينبغي أن نجد الإجابة عليه أين تذهب هذه الأموال؟‏..‏ هل تدخل في نطاق الأنفاق الحكومي ؟‏..‏ أم تسد عجز الميزانية‏..‏ أم تستخدم في سداد الديون‏..‏ وماذا يقال إذا كان الإنفاق الحكومي سردابا طويلا مظلما لا نهاية له‏..‏ والعجز في الميزانية يزداد عاما بعد عام والديون تتضخم‏..‏ فأين تذهب كل هذه المليارات‏..‏ لقد وصلت الديون إلي‏727‏ مليار جنيه بزيادة تصل إلي‏100‏ مليار جنيه سنويا منها‏61‏ مليار جنيه عجزا في الميزانية‏..‏ فهل نبيع الأراضي لشراء السيارات وتمويل مهرجانات الحزب الوطني وانتخاباته والوفود المسافرة للخارج؟‏.‏


*‏ ألم يفكر أحد في مخاطر بيع هذه المساحات الكبيرة من الأراضي لغير المصريين؟ وما هو السر في تدفق كل هذه البلايين لشراء الأراضي المصرية‏..‏ أن أسرع المشروعات الصناعية بيعا هي تلك التي تقع علي مساحات كبيرة من الأراضي‏..‏ وقد اشتري رجال الأعمال المصانع وفككوها وطردوا عمالها وباعوها أرضا خاليه لمشروعات عقارية كما حدث في شركة الزيوت وشركات أخري كثيرة دفعت في شراء المصانع مبالغ هزيلة وباعتها كأراض بأرقام خيالية‏..‏ إن هناك قصصا كثيرة عن أياد خفية وراء صفقات بيع الأراضي في الفترة الأخيرة‏..‏



لقد اتصل بي أخيرا المستشار د‏.‏ جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وأخبرني أن الجهاز يعد الآن تقريرا ينتهي منه خلال أيام حول عمليات بيع مشروعات القطاع العام في برنامج الخصخصة طوال‏15‏ عاما من حيث الحصيلة والمشروعات واستخدام هذه الموارد‏..‏ وأرجو من المستشار الملط أن يضع في حساباته صفقات بيع الأراضي التي تمت والمشروعات الصناعية الكبري التي باعتها الدولة وتحولت إلي أراضي بناء في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبري لأن ما حدث جريمة ينبغي عدم السكوت عليها‏..‏



أن موارد الدولة المصرية الآن تقوم علي ثلاثة محاور أساسية‏..‏ الأول هو الجباية التي تحصلها الدولة في صورة ضرائب‏..‏ والمصانع التي يتم بيعها‏..‏ ومساحات الأراضي التي تـقام لها كل يوم المزادات وإذا سألت وأين الإنتاج والتصنيع والعمل والنشاط الاقتصادي المؤثر والفعال فلن تجد من ذلك شيئـا وهذه كارثة أن تتحول الحكومة إلي سمسار أراض‏..‏


..‏ ويبقي الشعر

 

فـالماء أغرق غـرفتي

وأنـا غريب في بلاد الله

أدمنـت الشـواطيء والمنافي والسـفر

كم كـنت أبني كـل يوم ألف قصر فوق



أوراق الشجر‏..‏

كم كنت أزرع ألـف بستان علي وجه القمر‏..‏

كم كنت ألقـي فوق موج الريح أجـنحتي



وأرحل في أغـاريد السحر‏..‏

منذ انـشطـرت علي جدار الـحزن

ضاع القلب منـي‏..‏ وانـشـطر‏..‏

ورأيت أشلائي دموعا في عيون الشـمس



تسـقـط بين أحزان الـنـهر‏..‏

وغدوت أنـهارا من الكلمات

في صمت اللـيالي‏..‏ تـنـهمر

قد كـنـت في يوم بريء الوجه

زار الخوف قلبي‏..‏ فانتحر

وحدائقي الخضراء ما عادت تغنـي مثلما كـانت



وصوتي كان في يوم عنيدا وانـكـسر

ولدي من عمري وذكـري الأمس بعض من صور

فلتنظـري صوري فـإن الأمس أحيانـا

يكون عزاء يوم‏..‏ يحتضر‏..‏



هل تسمحين بأن ينام علي جـفـونك لحظة

طفـل يطارده الـخطـر‏..‏؟

هل تـسمحين لمن أضاع الـعمر أسـفـارا

بأن يرتاح يوما‏..‏ بين أحضان الزهر‏..‏؟



إني لأفزع كـلـما جاءت خيول اللـيـل نحوي‏..‏

يحتـويني الـهم يخنـقـني الضجر‏..‏

اعتدت أن تـعوي كلاب الصيد في قدمي‏..‏

تـحاصرني‏..‏ وتعبث في عيوني



كـلــما الجلاد‏_‏ في سفـه‏_‏ أمر‏..‏

إنـي أخاف علي ثيابك من ثيابي

كل ما أرجوه بعض الأمن‏..‏

عطـر‏..‏ دندنات من وتـر‏.‏






 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads