خطايا الحكومة‏..‏ بأثر رجعي

هوامش حرة

خطايا الحكومة‏..‏ بأثر رجعي

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



خسرت مصر هذا الأسبوع قضية خطيرة أمام القضاء الأمريكي ستدفع بمقتضاها‏50‏ مليون دولار‏'‏ أي نحو‏300‏ مليون جنيه‏'‏ لمجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين والقطريين والإيطاليين من أصل مصري بسبب إلغاء الحكومة المصرية صفقة لبيع‏40‏ ألف متر من الأراضي في شرم الشيخ لإقامة مجموعة من الفنادق‏..‏ وكانت القضية مرفوعة أمام مركز التحكيم الدولي في واشنطن وتولي مسئولية الدفاع عن الجانب المصري فيها مكتب‏'‏ ماكنز‏'‏ الإنجليزي الشهير للمحاماة ممثلا لوزارة السياحة المصرية‏..‏



وكانت هذه القضية هي نقطة البداية لاكتشاف مخطط إسرائيلي لشراء مساحات كبيرة من الأراضي في سيناء بالتعاون مع عدد من رجال الأعمال القطريين يساندهم مسئول قطري كبير ومجموعة من رجال الأعمال الإيطاليين من أصول مصرية‏..‏ وكان جهاز الأمن القومي المصري قد اكتشف جوانب الصفقة المريبة وتقرر الغاؤها بالكامل رغم أن مصر كانت قد وقعت بالفعل عقود الصفقة ومن هنا لجأ رجال الأعمال القطريين والإسرائيليين والإيطاليين‏'‏ المصريين‏'‏ إلي التحكيم الدولي‏..‏



كانت هذه القضية هي السبب الرئيسي وراء كل ما كتبت عن محاولات إسرائيل شراء الأراضي في مصر خاصة في سيناء كنت أعرف تفاصيل القصة وقررت عدم الكشف عن جوانبها إلا بعد صدور الحكم الدولي والذي جاء وللأسف الشديد إدانة قاسية للحكومة المصرية التي وقعت هذا الاتفاق في عهد رئيس الوزراء السابق د‏.‏ عاطف عبيد الذي كان وراء هذه الصفقة‏..‏



ولهذه القصة بداية‏..‏ فقد تقدم عدد من رجال الأعمال الإيطاليين من أصل مصري وإن كانوا يحملون ثلاث جنسيات في وقت واحد هي الإيطالية والمصرية واللبنانية وكان معهم عدد من رجال الأعمال القطريين إلي رئيس الحكومة في ذلك الوقت د‏.‏عاطف عبيد لشراء مساحة‏40‏ ألف متر مربع في قلب مدينة شرم الشيخ لإقامة سلسلة من الفنادق والقري السياحية وللأسف الشديد أن الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء قد وافق علي هذه الصفقة علي أساس أن باب الاستثمار مفتوح للجميع‏..‏ ولكن اتضحت لأجهزة الأمن القومي أبعاد كثيرة في هذا الموضوع‏..‏ وأصر د‏.‏ عاطف عبيد علي إتمام الصفقة وحدث خلاف شديد بين رئيس الحكومة ووزير السياحة في ذلك الوقت د‏.‏ممدوح البلتاجي الذي رفض الصفقة‏..‏ وهنا بدأت المعلومات تتوارد حيث أتضح أن المساحات الضخمة من الأراضي يتم شراؤها لحساب إسرائيل‏..‏ وللأسف الشديد أن الصفقة كانت قد تمت بالفعل ووقعت مصر اتفاقـا بذلك ولكنها تراجعت عن هذا الاتفاق بعد أن تأكدت أن التمويل إسرائيلي وأن رجال الأعمال القطريين والإيطاليين واللبنانيين من أصل مصري ليسوا أكثر من واجهة لجهات إسرائيلية تسعي لشراء مساحات كبيرة من الأراضي في سيناء‏..‏ وعندما علم الرئيس حسني مبارك بهذه القصة أصدر قراره التاريخي بحظر بيع الأراضي في سيناء لغير المصريين وكانت هذه القصة هي السبب الرئيسي في صدور هذا القرار‏..‏



ولم تنته القضية عند هذا الحد فقد رفع رجال الأعمال القطريون والإيطاليون من أصل مصري قضية أمام مركز التحكيم الدولي في واشنطن بصفتهم أجانب وطالبوا الحكومة المصرية بدفع‏50‏ مليون دولار تعويضا عن الأضرار التي لحقت بهم‏..‏ والحقيقة أن الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق هو الذي يتحمل نتيجة هذه الكارثة من بدايتها وحتي نهايتها الدامية التي كلفت الدولة المصرية أخيرا خمسين مليون دولار‏..‏



والآن حسم القضاء الأمريكي القضية وحكم بصرف التعويضات التي طلبها رجال الأعمال المتآمرون لحساب إسرائيل سواء الإيطاليون من أصل مصري أو القطريون ولكن المؤكد أن هناك أطرافا مصرية تتحمل مسئولية توقيع هذا الاتفاق وعلي رأسهم د‏.‏عاطف عبيد رئيس الحكومة الذي ساند هذا الاتفاق ودعمه ووافق عليه‏..‏



ولعل هذه القضية هي التي جعلتني أنبه أكثر من مرة إلي ضرورة كشف أبعاد الصفقات الضخمة في بيع الأراضي المصرية سواء في سيناء أو الوادي لأنني أشعر أن هناك مافيا إسرائيلية تحيط بنا وتريد شراء كل شيء وأي شيء وهي تتخفي وراء أسماء كثيرة عربية ومصرية وأجنبية‏..‏ وهنا ينبغي أن أنبه أن هناك حالات ينبغي أن نتوقف عندها خاصة بين مزدوجي الجنسية من الأجانب من أصل مصري وبعض الأشقاء العرب وبعض المصريين الذين يدخلون شركاء في المشروعات ويتم بيع الأراضي لهم علي أساس أنهم مصريون‏..‏ وبعد أن تنتهي المشروعات ويتم استكمالها‏'‏ يتخارج‏'‏ هؤلاء من المشروعات تماما وتصبح ملكـا للأجانب بالكامل بما في ذلك الأراضي التي تقام عليها المشروعات والتي لا يحق للأجانب تملكها بحكم القانون‏..‏



وقد حدثت كارثة مشابهة في الأسابيع الأخيرة عندما وقعت مصر اتفاقـا مع أحدي الشركات الفرنسية لشراء أراضي ميدان التحرير وتبلغ مساحتها‏7000‏ متر بسعر عشرة آلاف جنيه للمتر الواحد وقد تناولت هذه الصفقة في أكثر من مقال حتي تم وقفها‏..‏ ولكن الشركة الفرنسية رفعت قضية أخري علي الحكومة المصرية تطالب بالتعويض وتدخلت جهات عليا رسمية في فرنسا لعدم وقف هذه الصفقة رغم أن سعر بيع الأرض في ميدان التحرير لا يقل عن‏50‏ ألف جنيه للمتر أي خمسة أضعاف السعر الذي باعت به الحكومة الحالية الأرض للشركة الفرنسية‏..‏ وللأسف الشديد أن مصر خسرت في السنوات الأخيرة جميع قضايا التعويضات التي رفعتها شركات أجنبية علي الحكومة المصرية أمام القضاء الدولي رغم أنها عقود مشبوهة ومريبة ابتداء ببيع الأراضي في سيناء للإسرائيليين وانتهاء بصفقة أراضي ميدان التحرير ولكن لأن كل شيء يتم بسرعة مريبة فإن المسئولين في الدولة يوقعون العقود والاتفاقات دون النظر إلي نتائج ذلك كله‏..‏



والواضح الآن أننا أمام عملية اختراق كبيرة هدفها شراء الأراضي في مصر سواء من خلال الذين يتخفون وراء أسماء مصرية أو عربية أو من أصحاب الجنسيات المزدوجة‏..‏ أن أجهزة الأمن القومي في مصر تدرك خطورة ذلك وهي تسعي بكل الوسائل لكشف الحقائق ولكن هناك ظواهر غريبة تتجسد في الارتفاع الرهيب في أسعار الأراضي في مصر وهي تطرح سؤالا ضروريا من أين كل هذه الأموال‏..‏ ولماذا الأراضي بالذات ولحساب من يتم ذلك‏..‏ لقد أشتري عدد كبير من رجال الأعمال المصريين مصانع مصرية مهمة وخطيرة بشراكة أجنبية ثم انسحبوا منها وأصبحت ملكـا للأجانب فقط وقد حدث ذلك في صناعات أساسية تعرفها الحكومة ومنها مصانع الأسمنت‏..‏ وهي تعرف أيضا من أشتري ومن باع ومن تخارج متحايلا علي قانون ملكية الأراضي في الدولة ونسب المشاركة في المشروعات بين المصريين والأجانب كما تحددها القوانين‏..‏



والسؤال من الذي أشتري هذه المصانع ولماذا أنسحب المصريون منها تاركين كل شيء للأجانب وهل هذا أمر طبيعي خاصة مع زيادة نسبة تخارج المصريين وحلول الأجانب مكانهم‏..‏ أننا جميعا نشجع الاستثمار والإنتاج والتصدير وفتح فرص جديدة لشبابنا في العمل والاستقرار‏..‏ ولكن يجب أن نفتح عيوننا حتي لا نجد أنفسنا رهوامش حرةهينة في أيادي لا ترحم فهل تراجع الحكومة قوائم ما يباع في مصر الآن؟‏!..‏



أما قضية بيع الأراضي في سيناء التي تورط فيها رئيس الحكومة السابق د‏.‏عاطف عبيد فيجب أن نسأل أنفسنا بأمانة علي من تقع مسئولية دفع هذه التعويضات التي قررها التحكيم الدولي للإسرائيليين والقطريين والإيطاليين من أصل مصري وما هو نصيب رئيس الحكومة السابق في المسئولية‏..‏ هل يدفع د‏.‏عاطف عبيد هذه التعويضات من ماله الخاص‏..‏ وهو يتقاضي أكثر من مليون دولار راتبا سنويا في المصرف العربي الدولي‏..‏



مازلت أؤكد أن الجرائم لا تموت حتي وإن كانت بأثر رجعي‏..‏




..‏ ويبقي الشعر





لا تـخجـلي إن كـان عنـدك بعض أصحاب

وجئت بثـوبـي الـعاري ببابـك أنــتظر

لـكنـه حزن الصقيـع‏..‏



ووحشـة الغـرباء في لـيـل المطـر

فـالنـاس حولي يهرعون

وفي ثـيابـي نـهر ماء‏..‏



في عيوني بحر دمع

بين أعماقي حجر‏..‏

وأريد صدرا لا يساومني عـلـي عمري



ولا يـأسي عـلـي ماض عبر

فـالعري أعرفـه‏..‏ وأعرف أن مثــلـي

في زمان الرق مطــلـوب



وأن الحرص لـن يجدي

ولـن يغـنـي الحذر‏..‏






 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads