هوامش حرة
تصدير الأزمات
يكتبها: فاروق جـــويـدة
اهتزت أسواق المال في العالم طوال الأسابيع الماضية أمام الانهيارات المتلاحقة التي شهدها الاقتصاد الامريكي.. وهذه كلها نتائج طبيعية للخراب الذي الحقه الرئيس بوش بكل مؤسسات أمريكا طوال سنوات حكمه ابتداء بالسمعة الدولية وانتهاء بسعر الدولار والعجز في الميزانية والنفقات التي فرضتها حروبه الوهمية.. وليس هذا مجال الحديث عن مصائب أمريكا في عهد بوش, ولكن يجب أن نقف مع أنفسنا ونراجع حساباتنا لأننا شئنا أم أبينا أصبحنا جزءا من منظومة دولية نؤثر ونتأثر بكل ما يجري حولنا من مشاكل وأزمات.. ولعل جهابذة التبشير في مصر يدركون الآن نتائج دعواتهم العشوائية للسير في ركاب الاقتصاد الأمريكي الذي لا يقهر واعتبار أنه القبلة التي يجب أن تتجه إليها مواكب الحواريين ابتداء بالوجبات الجاهزة وانتهاء بإلغاء كل الضوابط.. لقد أصابنا صداع طويل من نصائح هؤلاء الجهابذة, وكانت أولي دعواتهم أن نلحق بركب العولمة الذي لن ينجو منه أحد.. واتضح لنا أن أولي النتائج كانت تصدير الأزمات وأن العولمة ليست كتابا مقدسا مفروضا علينا في كل شيء ابتداء بالثقافة وانتهاء بالاقتصاد.. أصابنا أيضا صداع طويل من نصائح صندوق النقد والبنك الدوليين وكيف أنه
ا تحولت إلي فرمانات مفروضه وليست مجرد نصائح تقبل الرفض أو القبول..
أصابنا صداع بأن دور الدولة قد انتهي وعلينا أن نسلم كل شيء لرجال الأعمال والقطاع الخاص, وعلي الدولة أن تطلق الفأر في الكرار, وتوحش الفأر ولم يعد فأرا..
أن ما حدث في أمريكا في الأسابيع الأخيرة يؤكد للعالم كله وليس لنا فقط أنه لا أحد فوق الأزمات.. وأن للعولمة أخطارها وأن دور الدولة وهيبتها يجب أن يصان لأنها في النهاية صمام أمان أمام أطماع البشر ونزعات التملك..
هذه مقدمة طالت ولكنها ضرورية وتجعلني أضع أمام المسئولين في الحكومة مجموعة تساؤلات حول ما يجري حولنا وما تركه من آثار:
أولا: ماذا حدث للإحتياطي المصري من النقد الأجنبي بعد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي شهدها الاقتصاد العالمي بصفة عامة والاقتصاد الأمريكي بصفة خاصة؟ وماذا عن سلة العملات التي وضعت فيها الدولة هذا الاحتياطي والذي أقترب كثيرا من35 مليار دولار؟.. وأين أودعت الحكومة هذا الاحتياطي وفي أي البنوك ؟وهل أدي إفلاس بعض البنوك الأمريكية إلي إلحاق أضرار بنا؟ وما هي حدود هذه الأضرار؟ وماذا عن الانخفاضات المتلاحقة في أسعار الفائدة العالمية؟ وما تركه ذلك من أثار علي الإحتياطي المصري ؟..
ثانيا: ماذا عن موقف البنوك المصرية من هذه الأزمات الدولية وإيداعاتها في البنوك العالمية وماذا عن التسهيلات والقروض والضمانات وما تأثير ذلك علي البنوك الأجنبية التي تعمل في مصر وتحتفظ بألاف الملايين من الجنيهات في صورة ودائع للمواطنين..
ثالثـا: هناك تقديرات أخيرة تؤكد زيادة حجم الدين الخارجي واقترابه من34 مليار دولار هذا بجانب الزيادة الكبيرة في الدين المحلي وقد تجاوز حجم الدين الإجمالي750 مليار جنيه.. وهذا يتطلب أيضا مراجعة ما يجري في بنك الاستثمار القومي وحدود الائتمان بينه وبين مؤسسات الدولة خاصة أن جزءا كبيرا منها دخل في نطاق الديون المعدومة أمام عدم السداد..
رابعا: إن النشاط العقاري في مصر وما شهده في العامين الآخيرين من طفرات في الأسعار سواء في الأراضي أو العقارات أو مواد البناء وما تركه ذلك كله من أثر علي حجم القروض التي قدمتها البنوك للقطاع الخاص يتطلب دراسة دقيقة حتي لا نجد أنفسنا أمام أزمة كبري.. لقد أخذ النشاط العقاري أولوية خاصة دون كل الأنشطة الاقتصادية في مصر, وأي مخاطر يتعرض لها هذا القطاع سوف تترك آثارا واسعة علي الاقتصاد المصري بصورة عامة..
خامسا: ينبغي ألا ننظر إلي ما حدث في البورصة المصرية علي انه أمر عادي فقد شهدت انخفاضات حادة هبطت بأسعار الأسهم فيها إلي معدلات غير مسبوقة.. ولاشك أن ذلك كان نتيجة لما حدث في دول الخليج خاصة السعودية والكويت والإمارات, هذا بجانب ما تعرضت له البورصات العالمية في أمريكا وأوروبا.. وينبغي أن نكون علي وعي بدور الأجانب في البورصة المصرية خاصة أن خروجهم المفاجيء أصبح ظاهرة تهدد عوامل الأمان والاستقرار في البورصة المصرية..
سادسا: هناك أموال يجب أن نسأل عنها ونتابعها بدقة, ومنها أموال التأمينات التي أصبحت لغزا محيرا بعد أن تداخلت موارد الدولة مع موارد التأمينات منذ حدث الاندماج بين وزارة التأمينات ووزارة المالية.. والذي يدعو للانزعاج الشديد هو استخدام أموال التأمينات في تنشيط أحوال البورصة المصرية بل وفي سداد بعض الالتزامات المطلوبة من الحكومة, والأخطر من كل هذا أن تختلط أموال الميزانية العامة للدولة وأموال التأمينات تحت أي دعاوي حتي ولو كانت مرتبات وأجور موظفي الدولة, ونحن نعلم أن بلاعة الإنفاق الحكومي بكل مظاهر الإسراف فيه يمكن أن تهدد أموال أصحاب المعاشات وهي آخر ما بقي لهم من مصادر الحماية والاستقرار..
إن تصدير الأزمات أصبح الآن أمرا طبيعيا أمام عالم مفتوح وعندما كنا نحذر من أخطار هذا الاخطبوط الوافد الذي يسمي العولمة بجوانبها السلبية كنا ندرك أن الكيانات الاقتصادية الورقية التي صنعتها العولمة يمكن أن تطيح بكل شيء.. وإذا كانت أمريكا قلعة الاقتصاد الحر بجلال قدرها تتكلم الآن عن دور الدولة وضرورة تدخلها للحفاظ علي مؤسساتها الكبري واستقرارها فإن علي حكومتنا أن تدرك أن الانسحاب الكامل لم يكن حلا وأن دور الدولة سيبقي ضرورة لا غني عنها ولعل هذا ما جعل الكونجرس الأمريكي يوافق علي تخصيص700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ الشركات والمؤسسات الخاصة..
لقد أكدت الأزمة الأخيرة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي أنه لا أحد فوق الأزمات وأننا لسنا بعيدين عنها, ويجب أن نكون علي وعي كامل بما يجري حولنا وأن الذين يطالبون بإلغاء دور الدولة لم يكونوا علي حق وأن العولمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب..
fgoweda@ahram.org.eg
.. ويبقي الشعر
مثــل النـوارس..
حين يـأتي اللـيـل يحملـني الأسي
وأحن للشـط البعيد
مثــل النـوارس..
أعشـق الشـطآن أحيانـا
وأعشق دنـدنـات الريح.. والموج العنيد
مثــل النـوارس.
أجمل اللــحظـات عنـدي
أن أنـام عـلي عيون الفـجر
أن ألـهو مع الأطـفـال في أيام عيـد
مثــل النـوارس..
لا أري شيـئـا أمامي
غـير هذا الأفـق..
لا أدري مداه.. ولا أريد
مثــل النـوارس..
لا أحب زوابع الشطـآن..
لا أرضي سجون القـهر..
لا أرتاح في خـبز العبيد
مثــل النـوارس..
لا أحب العيش في سفح الجبال..
ولا أحب العشق في صدر الظـلام
ولا أحب الموت في صمت الجليد