خاتمي‏..‏ بين الفكر والسياسة

هوامش حرة



خاتمي‏..‏ بين الفكر والسياسة



يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



شخصيات قليلة للغاية تلك التي جمعت سماحة العقيدة وموضوعية الفكر وحكمة السياسة والسبب في ذلك أن موازين العقيدة قد تختلف في الكثير من منطلقاتها عن مناهج الفكر لأن في العقائد مناطق كثيرة يصعب علي الفكر أن يخوض فيها أما السياسة فهي كثيرا ما افتقدت الحكمة وقليلا ما استعانت بالفكر وإن كانت قد استخدمت العقائد في حالات كثيرة وسيلة استبداد وطغيان وقمع‏..‏ ومنذ فترة طويلة وأنا لا أخفي تقديري الشديد للدكتور محمد خاتمي ليس فقط بصفته الرسمية كرئيس سابق لإيران ولكن لأنه قبل أن يصبح مسئولا سياسيا فهو مفكر صاحب رؤي ورجل دين من طراز فريد‏..‏



تابعت دور هذا الرجل وهو مسئول عن الثقافة في إيران سنوات طويلة ثم رئيسا منتخبا في انتخابات نزيهة شهد لها العالم كله‏..‏ وبعد ذلك فإن للرجل رصيدا فكريا عميقـا قدمه في مؤلفاته ومحاضراته وبين تلاميذه‏..‏



وفي تقديري أن زيارة خاتمي الأخيرة للقاهرة كانت حدثــا علي درجة كبيرة من الأهمية فهو أول مسئول إيراني رفيع يزور مصر منذ سنوات طويلة امتدت إلي ربع قرن من الزمان‏..‏ وهو يعرف عن مصر الكثير وتحدث كثيرا عن دور مصر الثقافي والحضاري‏..‏ وهو يجيد العربية مثل أهلها وقد حظيت زيارته بإهتمام كبير يليق بمكانة الرجل علي المستوي الرسمي والشعبي‏..‏ فقد استقبله الرئيس مبارك ودار بينهما حوار طويل‏..‏ وألقي أكثر من محاضرة في مكتبة الاسكندرية والأزهر الشريف‏..‏ وعلي غداء طويل استضاف كاتبنا الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل الرئيس خاتمي في بيته مع نخبة من المثقفين المصريين شملت كل الألوان الفكرية والأطياف السياسية‏..‏ وكان هناك حوار مثمر خلاق‏..‏



وقبل أن أطرح ما توقفت عنده في الحوار فأنا أريد أن اؤكد علي ثلاث نقاط‏:‏



أولا‏:‏ أن هناك طبيعة خاصة جدا للعلاقات بين مصر وإيران سواء علي المستوي الرسمي أو الشعبي‏..‏ كان هناك تاريخ رسمي طويل بين الأسر الحاكمة في مصر وإيران قبل ثورة يوليو وثورة الإمام الخميني‏..‏ وهذا العمق التاريخي في العلاقات وصل إلي درجة عميقة جدا في الزواج بين الأسرتين حيث تزوجت الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من شاه إيران في زواج تاريخي‏..‏ وبعد ذلك كانت العلاقات بين الشعبين علاقات فيها روافد كثيرة امتدت من حب عميق لآل البيت الذين سكنوا مصر واحتموا بها وانتهاء بالقاهرة والأزهر الشريف وكثير من عادات المصريين التي تشكلت طوال أربعة عقود كانت مصر فيها أول إمبراطورية شيعية في تاريخ الإسلام وكانت الدولة الفاطمية أطول فترة حكم في تاريخ مصر‏..‏



ثانيا‏:‏ أن مصر لم تعرف تاريخـا للصراع العقائدي والديني إلا في فترات التدهور والانحطاط‏..‏ وقد بقيت شيعية زمنـا طويلا ولم يختلف الأمر لدي الشعب المصري بين أن يكون سنيا أو شيعيا أو مسيحيا أو حتي يهوديا فقد عبر أنبياء اليهودية والمسيحية في مصر عيسي وموسي ويوسف عليهم السلام‏..‏ كانت الأديان دائما في مصر عامل توحيد وتقارب وألفة وقد خلت العلاقات المصرية الإيرانية من عقد الخلافات المذهبية ما بين السنة والشيعة ولهذا كانت الخلافات دائما ترجع لأسباب سياسية سواء في موقف ثورة يوليو من شاه إيران أو موقف ثورة الإمام الخميني من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات‏..‏ أما علي المستوي الشعبي فإن العلاقات المصرية الإيرانية كانت دائما طيبة للغاية ولهذا لقي خاتمي في مصر ترحيبا حارا من كل الطوائف والمذاهب والتوجهات‏.‏



ثالثــا‏:‏ أن الإدارة الأمريكية تدفع العلاقات المصرية الإيرانية إلي منطقة من مناطق المواجهة والصدام ليس لها ما يبررها علي الإطلاق فإذا كانت إيران تسعي إلي دور بعد سقوط بغداد فهذا تطور طبيعي يتناسب مع مصالحها أمام الغياب العربي المؤسف وإذا كان هناك خوف عربي له ما يبرره من القوة الإيرانية الصاعدة فلا ينبغي أن نلوم إيران لأنها كبرت ولكن اللوم علي من قبل أن يصبح صغيرا‏..‏



أعود إلي حوار د‏.‏خاتمي في ضيافة الأستاذ هيكل‏..‏ لقد بلغ عدد الأسئلة التي طرحت أمام خاتمي أربعين سؤالا‏,‏ وتركزت إجابة الرجل علي أربعة محاور أستطيع أن أوجزها في نقاط محددة‏:‏


*‏ أن العلاقة مع السلطة تقوم علي ثلاث جبهات أساسية‏..‏ الجبهة الأولي تيار يخدم أغراض السلطة ويحقق أهدافها‏..‏ وتيار آخر يعارضها ويرفض الانسياق معها وهناك تيار ثالث يراه خاتمي أكثر إيجابية وهو أن يسلك طريق الإصلاح من خلال ما هو قائم بمعني أن نكسب كل يوم أرضا جديدة ونحقق إنجازات تصب في النهاية في طريق الإصلاح‏..‏ ولن يكون غريبا أن يكون القرار يوما لهذا التيار مع اتساع دوائره وتأثيره وفكره‏..‏


*‏ أن الإصلاح لابد ان يقوم علي ثلاثة محاور أساسية هي الحرية‏..‏ والاستقلال والتقدم‏..‏ وان الحرية هي الأساس الذي يمكن أن تنطلق منه قضايا الاستقلال والتقدم وفي ظل غياب الحرية لا يمكن أن يتحقق ذلك لأن الاستبداد هو الأب الشرعي للتبعية والتخلف‏..‏



والحرية تعني أن يكون الشعب والشعب وحده صاحب الاختيار الحر علي المستوي السياسي أما استقلال الإرادة فينبغي أن يحقق أهداف الشعب وأول هذه الأهداف هو التقدم لأننا لا نستطيع أن نعيش بمعزل عن روح العصر الذي نعيش فيه الآن‏..‏ والعلم هو أداة هذا التقدم‏..‏


*‏ لا يوجد تعارض بين الإسلام والديمقراطية وفي البذور الأولي للخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كانت هناك أساسيات قوية يمكن أن نستعين بها في قضية الديمقراطية وقد جاءت قبل أن يعرف الغرب ذلك‏..‏ ولكن ينبغي أن تختار الشعوب طريقها للديمقراطية بشرط أن تحافظ علي أصولها الأولي وهي حق الشعب في اختيار ممثليه وحكامه وأصحاب القرار فيه‏.‏



ولكن لا يوجد للديمقراطية شكل واحد لأن لكل مجتمع مجموعة من القيم التي تحكم حياته ومنها الدين‏..‏ وهنا يأتي دور رجال الدين في تطوير الخطاب الديني بحيث يتناسب مع روح العصر لأننا لا يمكن أن نعيش بنفس المفاهيم التي عاشت عليها أجيال سبقتنا بمئات السنين‏..‏ إن ذلك لا يتعارض أبدا مع روح الدين الإسلامي الذي لا يرفض في نصوصه وثوابته التطور والعلم وأن واجبنا أن نقدم صيغة عصرية للدين لأن مجتمعاتنا بطبيعتها تقدس الدين ولا يمكن أن تقبل العلمانية الغربية التي يدعو لها البعض تحت ستار الديمقراطية‏..‏



هذا بجانب أن الديمقراطية الغربية أفرزت كوارث كثيرة لم تحدث في بلادنا ومنها مثلا العداء للسامية فهو ظاهرة غريبة ظهرت في ظل أكثر الدول الغربية تقدما وكان معها الحروب والتفكك والانهيار السلوكي‏..‏ هذا بجانب أن الابتعاد عن الدين تماما أفرز ظواهر خطيرة في حياة الغرب‏..‏ ولهذا فأنا أري أن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية وأنه ليس من الضروري أن نفرط في قيم مجتمعنا لتحقيق الديمقراطية ولكن ينبغي ألا يستخدم الدين وسيلة لفرض نظم سياسية مستبدة‏..‏ وهنا لابد أن نعترف أن بعض رجال الدين عندنا يساندون الاستبداد ويروجون له‏..‏ وهذا يتعارض تماما مع روح الإسلام وجوهره‏..‏ ولكن ينبغي أن نتعامل مع الدين بصورة تختلف عن موقف الغرب منه لأن الدين في شعوبنا منطقة أساسية وغاية في الحساسية والأهمية‏..‏


*‏ في سنوات حكمي في إيران أنجزت شيئـا مهما للغاية في قطاع التعليم فقد أرتفع عدد طلاب العلم من‏700‏ ألف إلي‏2‏ مليون وأنشأت قاعدة علمية جديدة قادرة علي التعامل مع روح العصر وكنت أري أن الإصلاح الحقيقي لابد وأن يبدأ بالتعليم وبين الشباب خاصة أن أعمار‏70%‏ من أبناء الشعب الإيراني أقل من‏35‏ عاما‏..‏ ومازلت أري أن مجتمعاتنا تحتاج إلي تعليم حديث قادر علي مجاراة العصر وعلينا أن نقدم صيغة للديمقراطية يشارك فيها الجميع بحيث نضمن من خلالها حرية الإنسان واستقلاله وتقدمه وبحيث تتناسب مع ظروف مجتمعاتنا فليست هناك ديمقراطية يمكن أن تتحقق علي جنازير الدبابات والمدافع‏..‏ الديمقراطية اختيارات شعوب وقرارات بشر‏..‏



كان اللقاء ممتعا مع واحد من الحكماء‏..‏ في زمن غاب فيه صوت العقل والحكمة‏..‏


..‏ ويبقي الشعر



لن أقبل صمتـك بعد اليوم

لن أقبل صمتي



عمري قد ضاع علـي قدميك

أتأمل فيك‏..‏ وأسمع منك‏..‏



ولا تنطق‏..‏

أطلالي تصرخ بين يديـك



حرك شـفـتــيـــك‏..‏

انطق كـي أنطق‏..‏



أصرخ كـي أصرخ‏..‏

مازال لساني مصلوبا بين الكلمات



عار أن تحيا مسجونـا فوق الطرقات

عار أن تبقـي تمثالا



وصخورا تحكي ما قد فـات

عبدوك زمانـا واتـحدث فيك الصـلوات



وغدوت مزارا للدنيا

خبرني ماذا قد يحـكي‏.‏ صمت الأموات





Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads