هوامش حرة
من ينهي هذا الزواج الباطل ؟
يكتبها: فاروق جـــويـدة
هل يمكن أن تكون لدينا الشجاعة الآن وليس غدا لأن نعترف بفشل تجربة الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال في مصر؟.. هل يمكن أن ينتهي هذا الزواج نهاية سلمية بحيث نخرج من هذا المأزق التاريخي دون خسائر أكبر مما تحمله الوطن وهل يمكن أن يقتنع رجال الأعمال بأن لحظة الاختيار قد حانت وأصبحت ضرورة يفرضها واقع شديد الضراوة ما بين العمل السياسي والحزبي وما بين النشاط الاقتصادي والعمل التجاري؟..
كل الدلائل تؤكد أن التجربة بعد أكثر من عشرين عاما من هذا الزواج قد تركت آثارا سلبية علي كل مظاهر الحياة في مصر.. وهذه النتائج السلبية لا تحتاج إلي شرح أو توضيح أو رصد ولكنها تحتاج إلي لحظة من الشجاعة والصدق مع النفس بحيث تكون لدينا القدرة علي أن يتم الطلاق بين السلطة والمال دون آثار سلبية أكبر..
والسؤال الذي يتطلب الإجابة عنه بصدق وأمانة: ماذا أخذت مصر من هذا الزواج وماذا خسرت؟..
باختصار شديد أستطيع أن أضع قائمة من السلبيات التي ترتبت علي هذا الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال..
* أولي هذه السلبيات أنه فتح بابا واسعا لمنظومة جديدة في واقع مصر الاجتماعي وهي الثراء بلا جهد أو عمل.. لقد استطاع مجموعة من الأشخاص الذين يمثلون الطبقة الجديدة في مصر الحصول علي أموال كثيرة وكثيرة جدا من خلال اتصالات وعلاقات شخصية مع السلطة حققت لهم مصادر ثراء لا حدود لها وفقدت منظومة العمل والإبداع والتميز قيمتها في حياة المصريين كان الحصول علي تأشيرة من مسئول كبير بقطعة أرض أو مشروع سياحي أو فرصة هنا أو هناك يكفي لتحويل الإنسان المعدم الفقير إلي مليونير بين يوم وليلة وكان في ذلك إخلال بكل قواعد النشاط الإنساني والعمل الاقتصادي.. لقد ظهرت أجيال جديدة تبحث عن الفرصة ولا تبحث عن العمل والمشوار ومعني العطاء الحقيقي..
* كان من سلبيات هذا الزواج أيضا ما حدث في قطاع البنوك منذ سنوات ومازالت الدولة حتي الآن تعالج آثار هذه الكارثة التي تحملت فيها مصر أضرارا اقتصادية بالغة السوء.. وقد تمثل ذلك في عشرات الهاربين بأموال البنوك وموافقات وملايين ضائعة تمت بعيدا عن أصول العمل المصرفي وضوابطه في الاقراض والائتمان وحماية المال العام.. كان هذا الزواج الباطل وراء مئات الملايين التي ضاعت لدي رجال الأعمال الذين حصلوا عليها بتأشيرات وموافقات تتنافي مع كل الأعراف الاقتصادية والمالية ومازالت مصر حتي الآن تدفع ثمن هذه الكارثة..
* كان من سلبيات هذا الزواج أيضا ما حدث في أراضي مصر التي تم توزيعها علي عدد محدود من الأشخاص مما يمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل الأجيال الجديدة التي لن تجد شبرا لها في تراب هذا الوطن ان جرائم توزيع الأراضي بصورة عشوائية مسلسل خطير في انتهاك حرمة المال العام.. وعندما يفتح يوما هذا الملف سوف تخرج منه روائح كريهة جدا تدين هذا الزواج الباطل وتلعن كل من شارك فيه..
* كان من سلبيات هذا الزواج أيضا ظهور طبقة جديدة أثرت علي حساب الشعب وتنكرت لكل مقوماته الاجتماعية والأخلاقية ومارست دورا شديد القبح في إفساد حياة المصريين في السلوك والتعامل ومنظومة القيم.. إن هذه الطبقة تتحمل مسئولية كل جوانب التراجع والانحدار التي أصابت الشارع المصري في تقاليده وعاداته ومكوناته الاجتماعية والإنسانية..
* كان من سلبيات هذا الزواج أيضا عملية الخلط التي تمت بلا وعي أو دراسة أو هدف بين النشاط السياسي ممثلا في سلطة الدولة وبين النشاط الاقتصادي ممثلا في نشاط رجال الأعمال.. وكان أمرا غريبا أن يصبح رأس المال هو القوة المسيطرة علي حزب الأغلبية الحزب الوطني وأن يكون هؤلاء هم القوة المحركة للنشاط السياسي بمختلف مجالاته في الشارع ومجلسي الشعب والشوري..
وكان أمرا غريبا أن يكون رجال الأعمال هم رؤساء اللجان الرئيسية في مجلس الشعب وأن يقوموا بإعداد القوانين وإصدارها رغم أن كل ذلك يتعارض مع طبيعة العمل السياسي والنشاط الحزبي والأعمال التجارية وقد ترتب علي ذلك تهميش فئات أخري كان لها دورها وتأثيرها في حياة المصريين منهم المثقفون والمهنيون والفلاحون والعمال ورموز الطبقة المتوسطة..
ولم يعد من المقبول في ظل هذه التركيبة الخاطئة أن يكون رأس المال هو صاحب القوانين.. وصاحب القرارات السياسية والرأي المفكر للنشاط الاقتصادي للدولة وبعد ذلك لا تتداخل كل هذه العناصر.. إن هناك تعارضا شديدا بين طبيعة كل هذه الأنشطة.
إن للقوانين حرمه.. وللقرارات السياسية رجالها ورموزها.. وللسياسة الاقتصادية جوانبها المتعددة, في حين تبقي مصالح رأس المال منطقة لها خصوصيتها الشديدة مع العاملين فيها.. وحين تداخلت هذه المنظومة فإن كل عنصر من عناصرها فقد تأثيره ودوره وأصبح من الصعب أن نفرق بين قانون يحكم وقرار سياسي أو اقتصادي تحدده ظروف المجتمع وأولوياته..
* كان من سلبيات هذا الزواج أيضا ظهور عشوائيات كثيرة في حياة المصريين, في السلوك ولغة الحوار ومنظومة القيم.. والأخطر من ذلك أنه وضع قواعد ثابتة للانتهازية والتسلق وغياب الضمير وقد تجسد ذلك كله في هذه الأنماط السلوكية المريضة بدءا من امتحانات الثانوية العامة وانتهاء بالهاربين بأموال البنوك مرورا علي مضاربات البورصة والتلاعب بأرزاق الناس في طوفان الارتفاع الرهيب في أسعار السلع دون رقابة من الحكومة أو ضمير من التجار..
إنني أعرف أن هذا الزواج الباطل قد ترتبت عليه مصالح وقامت عليه علاقات وحسابات وأن فض هذا الارتباط وانهاء هذه العلاقة يحتاج إلي عمليات استئصال حادة تحتاج قدرا من الشجاعة, فهل نفعل ذلك الآن أم يظل هذا الزواج شبحا يهدد حاضر مصر ومستقبلها ؟!..
ويبقي الشعر
وقف الحزين علـي ضفـاف النـهر يرقـب ماءه..
فرأي علـي النـهر المعذب
لوعة.. ودموع ماء..
وتساءل الحجر العتيق
وقال للنـهر الحزين أراك تبكي
كيف للنـهر البـكاء..
فأجابه النـهر الكسير:
علي ضفـافي يصرخ البؤساء
وفوق صدري يعبث الجهلاء
والآن ألعن كل من شربوا دماء الأبرياء
حتـي الدموع تحجرت بين المآقي
صارت الأحزان خبز الأشقياء
صوت المعاول يشطر الحجر العنيد
فيرتمي في الطـين تنـزف من مآقيه الدماء
ويظل يصرخ والمعاول فوقـه
والنـيـل يكتم صرخة خرساء
حجر عتيق
فوق صدر النـيـل يبكي في ألم
قد عاش يحفظ كل تاريخ الجدود وكم رأي
مجد اللــيالي فوق هامات الهرم
يبكي من الزمن القبيح ويشتكي عجز الهمم
يترنـح المسكين والأطلال تـدمي حوله
و يغوص في صمت التـراب
وفي جوانحه سأم
زمن بني منه الخلود وآخر
لم يبق منه سوي المهانـة والنـدم
كيف انـتهي الزمن الجميل
إلي فراغ.. كالعدم