هوامش حرة
جرائم لن تسقط بالتقادم
يكتبها: فاروق جـــويـدة
انتهت كل مشاكل الإسكان في مصر واختفت العشوائيات التي تنتشر في أكثر من12 ألف موقع ولم يجد مجلس الوزراء حلا غير أن يقرر بيع السجون بعد هدمها في6 محافظات وذلك لإنشاء سلسلة من السجون الجديدة ذات الخمسة نجوم والمجهزة بكل وسائل الراحة للمساجين.. علي جانب آخر قرر أيضا مجلس الوزراء هدم قصر ثقافة مدينة الأقصر المقام علي مساحة4000 متر علي النهر الخالد والمبني الإضافي الجديد الذي لم يفتتح حتي الآن وتكلف15 مليون جنيه وذلك لإقامة مشروع خدمات ترفيهية للسياح وبيع أرض قصر الثقافة.. وكما أقامت الدولة جراج رمسيس بطوابقه العديدة وصورته القبيحة وقررت هدمه فإن قصر ثقافة الأقصر ينتظر الآن نفس المصير رغم أنه من المعالم الجميلة للمدينة العتيقة قيمة وصورة ودورا..
يبدو أن مجلس الوزراء الموقر قد اكتفي الآن بمناقشة عمليات بيع الأراضي ولم يعد يفكر في قضايا الإنتاج والتصدير والتطوير والعلاقات الاقتصادية بيننا وبين دول العالم المختلفة.. ان أهم الأخبار التي تتصدر نشاط الحكومة الآن هي عمليات البيع سواء كانت بيع الأراضي الصحراوية في القاهرة الجديدة أو مدينة6 أكتوبر والشيخ زايد أو الاستيلاء علي500 فدان من الفلاحين الغلابة في الأقصر لبيعها أو بيع أراضي جامعة الاسكندرية.. أو بيع أراضي الساحل الشمالي وليس هناك أحد يعارض بيع الأراضي لإقامة مشروعات مدروسة ولكن الخطأ أن يكون البيع بهدف البيع فقط خاصة أن حصيلة ذلك كله لا تمثل أهمية كبيرة في سراديب الإنفاق الحكومي المتوحش..
ان الضجة التي قامت بها الحكومة لبيع الأراضي في المزاد الأخير لوزارة الإسكان في القاهرة الجديدة وأكتوبر والشيخ زايد لم تصل إلي200 مليون دولار.. كان حجم الصفقة17 مليار جنيه وكان مقدم المزاد10% والباقي يسدد علي10 سنوات وهذا يعني أن المبلغ الذي دفعه المشترون هو مليار و700 مليون جنيه أي أقل من200 مليون دولار وبعد ذلك سوف نقرأ الإعلانات في الصحف بعد تجزئة هذه المساحات وبيعها للمصريين وتغطية ثمنها بالكامل بقروض من البنوك المصرية كما حدث ذلك عشرات المرات من قبل.. كان رجل الأعمال يشتري الفندق ويدفع25% من ثمنه ويوقع العقد ويذهب به إلي بنك مصري ويقترض ثمنه كاملا ويتسلم الفندق ويبدأ في جني الثمار والأرباح..
ان هذا يعكس فلسفة الحكومة الحالية إنها تسعي دائما للمزيد من عمليات البيع خاصة الأراضي.. وإذا استمرت هذه السياسة فلن يكون غريبا أن نجد مساحات من الأراضي معروضة للبيع في مناطق أخري حيث لا يخضع أي شيء لضوابط أو سياسات مرسومة..
لقد مرت كارثة الأراضي بمراحل مختلفة بدأت بعمليات التخصيص التي حصل فيها عدد قليل معروف من رجال الأعمال والمسئولين والمحظوظين والمحاسيب علي مساحات خيالية من الأراضي بأسعار رمزية في أكتوبر وزايد والقاهرة الجديدة وسيناء والطريق الصحراوي, وكان متر الأرض يباع بقروش قليلة وبعد ذلك بدأت عمليات بيع المنشآت من الفيلات والقصور والشاليهات وخضعت أيضا لنظام التخصيص.. ثم كانت مرحلة المزادات الأخيرة التي وصلت بأسعار الأراضي إلي أرقام خيالية.. وفي كل هذه المراحل غاب المواطن المصري البسيط وتبخرت أحلامه في مسكن يأويه..
ومازال مسلسل الهلع نحو بيع الأراضي يجتاح حكومتنا الرشيدة, ولقد وجدت أمامي هذا الأسبوع ثلاثة صور فجة لقرارات بيع متسرعة لا أجد لها مبررا:
أولا: بناء علي موافقة مجلس الوزراء صدر القرار الجمهوري رقم165 لسنة2007 بإخلاء وبيع أراضي6 سجون وإنشاء سجون جديدة.. وهذه السجون تقام علي مساحات كبيرة من الأراضي داخل المدن تبلغ أكثر من170 ألف متر مربع سيتم بيعها علي النحو التالي.. سجن شبين الكوم ومساحته38 ألف متر مربع.. سجن المنصورة ومساحته18 ألف متر مربع.. سجن المنيا ومساحته28 ألف متر مربع سجن طنطا29 ألف متر مربع.. سجن الزقازيق8500 متر مربع.. سجن أسيوط46 ألف متر مربع..
فهل انتهت كل مشاكل اسكان المصريين ولم يبق غير السجون.. هل نقيم سجونـا خمسة نجوم لمواطنين بلا مأوي.. هل نحمل مطاريد قلعة الكبش لندخلهم سجونـا مكيفة.. وهل انتهت كل مشاكلنا الاقتصادية ولم يبق أمامنا غير إنشاء سجون جديدة وبيع السجون القديمة.. وإذا كانت هناك ضرورة لإصلاح السجون القديمة فما هي ضرورة بيعها أرضا للبناء لو قال لنا المسئولون ان هذه السجون سيتم هدمها لإنشاء ساحات رياضية وسط المدن المكدسة أو حدائق عامة أو مساكن للفقراء لكان الأمر معقولا.. ولكن هذه المساحات ستكون وليمة للكبار..
ثانيا: يحتل قصر ثقافة الأقصر موقعا فريدا علي النيل علي مساحة4000 متر وهو يمثل قلعة من قلاع الفكر في صعيد مصر وفيه مكتبه بها70 ألف مجلد ومسرح شتوي به1500 مقعد, ومسرح صيفي ودار عرض سينمائي وبه واحدة من أقدم فرق الفن الشعبي ويعمل به300 موظف وبجوار هذا المبني العتيق يوجد مرفق ثقافي آخر تحت الإنشاء أوشكت شركة المقاولون العرب علي الانتهاء منه وتسليمه يضم قاعات للترجمة الفورية وورشا للعمل الثقافي وقد تكلف15 مليون جنيه ولم يفتتح حتي الآن.. هل يعقل أن يتم هدم كل هذه المنشآت وبيع هذه المساحات علي نيل الأقصر لإنشاء مشروعات خدمات ترفيهية يقوم بها المستثمرون المصريون والعرب..
هل يعقل أن يقرر رئيس الوزراء تخصيص18 مليون جنيه لإنشاء قصر ثقافة جديد خارج المدينة يستغرق إنشاؤه ثلاث سنوات بعد هدم القصر الحالي الذي لم يفتتح بعد.. وهل هذا موقف يليق بالثقافة المصرية صاحبة التاريخ في معقل من معاقل التاريخ.. هل نهدم عقل الأمة لنقيم أماكن للترفية.. وهل يعقل أن تتعامل الحكومة مع المال العام بهذا الاستهتار وهذه اللامبالاة بحيث نبني ونهدم بلا قواعد أو حسابات أو أحساس بالمسئولية..
ثالثـا: في الاسبوع الماضي ذهب مسئول وزاري كبير إلي شركة الحاويات بالاسكندرية وأخبر العاملين فيها بأن الشركة سوف تباع.. وقالوا للمسئول الكبير ان الشركة تحقق أرباحا سنوية قدرها130 مليون جنيه.. فقال لن نؤجل قرار البيع.. وقالوا له ان قطاع الحاويات يحتوي علي أسرار كثيرة تخص أمن مصر القومي كالصادرات والواردات وبعض مخزون قواتنا المسلحة.. فأكد لهم أن الشركة معروضة للبيع ولن نتراجع.. وقالوا له ان فيها أكثر من ثلاثة آلاف عامل وموظف.. فقال لن نؤجل القرار.. ومازال مسلسل البيع يمضي..
هذه النماذج تسربت إلي أوراقي علي استحياء لكي تؤكد أن في الحكومة المصرية الآن فريقا يخطط لبيع كل شيء وأن هذا الفريق يحمل خطة جهنمية للإسراع في عمليات البيع, وأن هناك طابورا من المستفيدين في أجهزة الدولة بذلك كله..
وبعد ذلك تبقي لي كلمة..
انني أتمني أن يجيء اليوم الذي نفتح فيه ملف الأراضي في مصر وارجو أن يكون ذلك قريبا وليس معني ذلك أنني أطالب باسترداد هذه الأرض أو الاستيلاء عليها مرة أخري لأن ما ضاع ضاع ولكنني فقط أطالب بوقف هذا النزيف وبحق الشعب في هذه الأراضي من خلال نظام ضرائبي عادل.. وإذا كانت الدولة قد أعطت الفرص لبعض الأشخاص وخصصت لهم مساحات هائلة من الأراضي بأسعار زهيدة وقروش معدودة ثم باعوها بالملايين فليس أقل من أن يدفع هؤلاء ما عليهم من الضرائب للشعب وبدلا من أن تطارد الحكومة صغار الموظفين والفلاحين والعمال الغلابة في أرزاقهم بالضرائب, فإن عليها فقط أن تفتح ملف الأراضي لتكتشف الحقيقة وهي تعلم الكثير عن الأراضي التي حصل عليها كبار القوم دون وجه حق من كبار المسئولين والوزراء السابقين واللاحقين والحاليين والمهنيين والإعلاميين والصحفيين وأعضاء مجلس الشعب والشوري وأنصار الحزب الوطني والمقربون وأهل الثقة.. أنني علي يقين أن ملف الأراضي في مصر لن يكون مثل بقية ملفات الفساد لأن جريمة الأراضي لن تسقط بالتقادم وسوف تظل في رقاب هذا العصر حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا..
.. ويبقي الشعر
إنـي سأرحـل
عنـدما يأتي قطار اللـيــل
لا تــبكي لأجـلي..
لا تــــلـومي الحظ إن يوما غدر
فأنـا وحيد في ليالـي البرد
حتـي الحزن صادقني زمانـا
ثــم في سأم.. هجر..
إني أحبــك..
رغم أن الحب سـلـطان عظيم
عـاش مطـرودا وكـم داستـه أقدام البشـر..
إني أحبــك..
فاتـركيني الآن في عيـنـيــك أغـفـو
إن خـلـف الباب أحزانـا وعمرا يـنـتـحر
كــل العصافير الجمـيلة أعدموها
فوق أغصان الشـجر..
كـل الخـفـافيش الــكئيبة
تملأ الشـطـآن.. تعبث فـوق أشـلاء النـهر
لا تـحزني..
إن الزمان الراكع المهزوم لن يبـقـي
ولـن تـبـقـي خـفـافيش الحفـر..
فغدا تـصيح الأرض فالطـوفـان آت
والبراكين الـــتي سجنـت أراها تــنــفـجر..
والصبح هذا الزائـر المنـفي من وطني
يطل الآن.. يجري.. يـنــتـشر..
وغدا أحبـك مثـلـما يوما حلمت..
بدون خـوف.. أو سجون.. أو.. مطـر..