لقاء مع أحمد المغربي

هوامش حرة

لقاء مع أحمد المغربي

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة




المهندس أحمد المغربي رجل أعمال بدرجة وزير في الحكومة‏..‏ كان وزيرا للسياحة ثم وزيرا للإسكان ومن الخطأ أن نلوم الرجل إذا جنح بفكره وقراراته نحو ماضيه وتاريخه المهني كرجل أعمال ناجح‏..‏ ومن الخطأ أيضا أن نترك له الزمام إذا شعرنا أن هناك تعارضا بين رؤي رجل الأعمال ومسئوليات الوزير‏..‏ إذا كان فكر رجل الأعمال أن يحقق المزيد من الأرباح والمكاسب لشخصه فإن الوزير رجل يتحمل مسئولية شعب وتأمين مستقبل وطن‏..‏ أن رجل الأعمال يسبح في قارب صغير بينما يقود الوزير سفينة ضخمه فيها ألاف الأرواح والقرارات والمصائر‏..‏



دعاني المهندس أحمد المغربي إلي فنجان من الشاي في مكتبه والرجل إنسان مهذب وهادئ وإن كانت قراراته تفتقد هذا الهدوء فقد ثارت حوله عواصف كثيرة منذ جلس علي كرسي وزارة الإسكان ولا أدري هل ارتبطت هذه العواصف بالمكان أم بالأشخاص‏..‏



في البداية قررت أن أسمع المهندس المغربي حتي يوضح لنا وجهة نظره في قرارات كثيرة اتخذها لعل أخطرها هو المزادات التي اجتاحت مصر من الساحل الشمالي حتي القاهرة الجديدة وهذا الارتفاع الرهيب في أسعار الأراضي وكنت حريصا علي أن اكتشف ما وراء ذلك كله وهل هو فكر وزير أم سياسة حكومة أم توجه دولة‏..‏


*‏ قال وزير الإسكان‏..‏ هل إذا حققت كل هذا الموارد للدولة من أراض كانت توزع بلا حساب يلومني البعض أن المزادات ليست السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الأراضي ولكن هناك حالة انتعاش حققتها السياسة الاقتصادية للدولة وجعلتنا نحقق كل هذه الأرقام ابتداء بالشبكة الثالثة للمحمول وانتهاء ببنك الإسكندرية وأراضي الساحل الشمالي والقاهرة الجديدة‏..‏ في مزاد القاهرة الجديدة وزايد وأكتوبر كانت تقديرات الحكومة للصفقة عشرة بلايين جنيه واقتربنا من‏18‏ مليار جنيه‏..‏ وقد تساءلت في كتاباتك عن مصير هذه البلايين‏..‏ وأقول تم توزيعها علي الأسس التالية‏7,3‏ مليار جنيه للصرف الصحي في القري‏..‏ مليار جنيه لمرفق الإسعاف و‏500‏ مليون جنيه لتجديد‏2000‏ مدرسة و‏870‏ مليون جنيه غذاء لطلاب المدارس و‏1.5‏ مليار جنيه لإنشاء طريق وسط الدلتا لربط أطراف المحافظات‏..‏ وبجانب إنشاء كليات مجانية للطلبة المتميزين‏..‏



أن الأموال المخصصة للخدمات والمرافق في ميزانية الدولة لا تتجاوز مليار جنيه سنويا في حين أن المطلوب خلال عشر سنوات لا يقل عن‏30‏ مليار جنيه منها‏12‏ مليار جنيه لإنشاء شبكات نقل ومواصلات بين المدن الجديدة من أين تتوافر كل هذه البلايين لقد ارتفع سعر الأرض في قطعة واحدة في القاهرة الجديدة وهي إسكان تجاري وإداري‏,‏ أما الإسكان العادي فلم يتجاوز مبلغ‏750‏ جنيها للمتر وفي حدود‏1000‏ جنيه في الشيخ زايد و‏6‏أكتوبر‏..‏


*‏ قلت للوزير‏:‏ وهل نبيع الأرض لإنشاء المرافق والخدمات وأين المشروعات السابقة التي دفعت فيها الدولة مئات البلايين ولا أقول الملايين‏..‏ أين ذهبت‏727‏ مليار جنيه حصيلة ديون الدولة المصرية بالنقد الأجنبي والجنيه المصري‏..‏ وأين مشروعات المجاري والطرق والخدمات وكل هذه الأرقام‏..‏ أنت تتحدث وكأننا ننشيء دولة جديدة في الصحراء‏..‏ أين كل هذه البلايين وما هو نصيب فقراء مصر في ذلك كله‏..‏



*‏ قال المهندس المغربي‏..‏ أنت تتحدث عن مجتمع يزيد‏1.3‏ مليون إنسان كل سنة‏..‏ وتتحدث عن مشاكل إسكان مزمنة‏..‏ وتتحدث عن فرص عمل مطلوبة لقد زاد حجم السكان بنسبة‏20%‏ في عشر سنوات وكل هذه الملايين من البشر تحتاج لخدمات ومرافق جديدة سواء في شكل توسعات أو تجديد‏..‏



أما إسكان الفقراء فليس بعيدا عن فكر وسياسة الحكومة‏..‏ لدينا‏500‏ ألف وحدة سكنية في‏6‏ سنوات ولا أعتقد أن في العالم كله حكومة يمكن أن تلتزم ببناء مثل هذا الرقم من المساكن من بين هذه الوحدات‏100‏ ألف وحدة بالإيجار ولن يزيد عن‏30‏ جنيها في الشهر‏..‏ وهناك‏100‏ ألف قطعة في مشروع ابني بيتك ويجري الآن إنشاء المرافق الخاصة بهذا المشروع وهناك‏18‏ ألف فدان مخصصة للمشروع القومي للإسكان في جميع المدن الجديدة وعددها‏22‏ مدينة وهناك أيضا‏26‏ ألف قطعة أرض ستعرض بنظام القرعة للراغبين في بناء بيوت أو فيلات من أبناء الطبقة المتوسطة‏..‏ وهناك‏70‏ ألف وحدة سكنية لحساب رجال الأعمال ستباع بأسعار مدعمة من الدولة‏..‏


*‏ قلت للوزير‏:‏ وماذا عن الأراضي القديمة التي تم توزيعها‏..‏


*‏ قال‏..‏ لقد قامت الدولة باسترداد الأراضي التي احتفظ بها أصحابها‏'‏ لتسقيعها‏'‏ وبيعها والمضاربة فيها‏..‏ ونحن نعد الآن مشروع قانون الضريبة العقارية بحيث يحصل المجتمع علي حقه في الأراضي التي بيعت وتم استثمارها ولا ينبغي أن نبكي الآن علي اللبن المسكوب ولكن هناك ضمانات بأن تباع الأراضي بالسعر المناسب وقد نجحنا في ذلك حتي الآن‏..‏


*‏ قلت‏:‏ وما الذي يضمن ألا تدخل هذه البلايين في سراديب الإنفاق الحكومي الذي يبتلع كل شيء‏..‏ أن نجد أنفسنا نبيع الأراضي لشراء سيارات للسادة الوزراء أو إقامة مهرجانات أو بدلات وحوافز‏..‏ سيادة الوزير أنت فلاح مثلي وتدرك معني بيع الأرض ولو فتحنا هذا الباب فلن يغلقه أحد‏..‏


*‏ قال‏:‏ أنا لا أجد مبررا للمخاوف من بيع الأراضي‏,‏ لأن معظم دول العالم تفعل ذلك هل يمكن لأحد أن يحمل عمارة أو شقة أو قطعة أرض ويحاول تهريبها‏..‏ أنا لا أخاف ولن أخاف من بيع الأراضي‏..‏


*‏ قلت‏:‏ أخشي علي ذلك كله من بلاعات الأنفاق الحكومي والملايين الضائعة ما بين أموال الخصخصة‏..‏ والتأمينات‏..‏ والأجور وبيع البنوك‏..‏ والضرائب‏..‏ والأراضي‏..‏ والغريب أن العجز يزداد رغم ذلك كله‏..‏


*‏ قال وزير الإسكان‏..‏ نحن نسلم هذه البلايين لوزارة المالية وهناك رقابة علي ذلك كله‏..‏


*‏ قلت‏:‏ ولكن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات لا تجد من يسمع لها هناك تجاوزات مخيفة في الأرقام‏..‏


*‏ قال‏:‏ هذه مسئولية الحكومة أنا أحاول الآن أن أحقق أفضل الموارد للدولة في بيع هذه الأراضي التي كانت توزع بقروش ثم إن هذا جزء ضئيل من نشاط الوزارة سواء في الإسكان أو في الخدمات والمرافق‏..‏


*‏ قلت‏:‏ متي يجد الشاب المصري مسكنـا‏..‏


*‏ قال‏:‏ الضريبة العقارية الجديدة سوف تمنع الكثيرين من الاحتفاظ بملايين الشقق التي لا يسكنها أحد وإذا تم الإفراج عنها سوف تحل مشاكل كثيرة في الإسكان‏..‏ أن المشكلة الأخطر في السنوات القادمة في مصر والتي ينبغي البحث لها عن حلول هي المساكن القديمة الآيلة للسقوط وهي كثيرة جدا‏..‏



قلت‏:‏ وأين رجال الأعمال وقد كنت واحدا منهم‏..‏



قال‏:‏ أنا أفضل أن يقوم رجال الأعمال بتنفيذ المشروعات بتكاليف مناسبة أن ذلك أفضل كثيرا من التبرعات والخدمات العامة لأن فيه ألتزاما ورقابة وإن كنت أعتقد أن منهم من يؤدي دورا اجتماعيا ملموسا‏..‏ أن الحكومة الآن تعطي أولوية خاصة لمحدودي الدخل‏..‏ وهناك لجنة وزارية تم تشكيلها لهذا الهدف‏,‏ وأعتقد أننا في الفترة القادمة سوف نشهد تركيزا خاصا في نشاط الحكومة بكل أجهزتها علي البعد الاجتماعي ومشاكل المواطنين‏..‏


*‏ بقيت عندي بعض التساؤلات‏:‏

*‏ أن لدي الوزير أحلاما كثيرة فهل تبقي سطورا علي ورق وهل يمكن أن يجيء اليوم الذي يجد فيه المواطن المصري مسكنـا آمنا ؟


*‏ كيف يمكن لنا أن نناقش قضية ارتفاع أسعار الأراضي بعيدا عن ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت ومواد البناء وكيف تواجه الدولة توحش الاحتكارات في هذه القطاعات ؟


*‏ هل يقبل الشعب المصري أن تباع أراضية لكي تتسرب في بلاعات المجاري ومواسير المياه واسفلت الطرق


*‏ هل فشلت الحكومة في بيع مشروعات الخصخصة فاتجهت إلي بيع الأراضي الأكثر رواجا وربحا


*‏ وما هي آخر سياسة البيع أمام إنفاق حكومي لا يتوقف‏..‏ ويبدو أنه لن يتوقف؟


*‏ لماذا لا توجد سياسة واضحة ومدروسة للدولة في قضية بيع الأراضي



أن وزارة الزراعة تبيع الأراضي الصحراوية والأراضي المستصلحة‏..‏ ووزارة الإسكان تبيع أراضي البناء‏..‏ ووزارة الاستثمار تبيع الساحل الشمالي‏..‏ ووزارة السياحة تبيع طابا وشرم الشيخ والغردقة‏..‏ ووزارة الداخلية تبيع السجون‏..‏ ووزارة الثقافة تبيع قصور الثقافة‏..‏ ووزارة التعليم العالي تبيع جامعة الاسكندرية‏..‏ ووزارة الصحة تبيع المستشفيات‏..‏



فما هي نهاية هذا المسلسل الغريب مع تراب الوطن‏..‏





‏fgoweda@ahram.org.eg‏






..‏ ويبقي الشعر





ماذا تـبـقـي من بلاد الأنـبياء‏..‏

لا شيء غـير النــجمة السوداء تـرتـع في السماء‏..‏

لا شيء غير مواكب القـتــلـي وأنـات النـساء



لا شيء غـير سيوف داحس الــتي

غـرست سهام الموت في الغـبراء

لا شيء غير دماء آل البيت مازلت تـحاصر كربلاء



فالكـون تابوت‏..‏ وعين الشـمس مشـنـقـة

وتاريخ العروبة سيف بطش أو دماء

ماذا تـبقـي من بـلاد الأنـبياء



خمسون عاما

والحنـاجر تملأ الدنيا ضجيجا ثـم نبتلع الهواء‏..‏

خمسون عاما والفوارس تحت أقدام الخيول



تئن في كمد‏..‏ وتصرخ في استياء

خمسون عاما في المزاد

وكل جلاد يحدق في الغنيمة ثم ينهب ما يشاء



خمسون عاما والزمان يدور في سأم بنـا

فإذا تعثـرت الخطي

عدنا نهرول كالقطيع إلي الوراء‏..‏



خمسون عاما

نشرب الأنخاب من زمن الهزائم

نـغرق الدنيا دموعا بالتـعازي والرثـاء



حتـي السماء الآن تـغـــلق بابها

سئمت دعاء العاجزين وهل تــري

يجدي مع السـفه الدعاء‏..‏


'‏ من قصيدة ماذا تبقي من بلاد الأنبياء سنه‏2000'‏



Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads