هوامش حرة
أمريكا.. الوجه الحقيقي
يكتبها: فاروق جـــويـدة
بعيدا عن مصادر القوة التي تتمتع بها أمريكا الدولة العظمي اقتصاديا وعسكريا وسياسيا فلا شك أن النموذج الأمريكي الذي قدم للإنسانية مجتمعا حرا يؤمن بقيمة عظيمة اسمها حقوق الإنسان دون تمييز للون أو دين أو أصل أو ثقافة هذا النموذج هو الذي أعطي لأمريكا الدولة والشعب مكانة خاصة ومميزة في وجدان شعوب كثيرة تبحث عن العدل والحرية وقدسية الإنسان.. وعندما يتحدث الرئيس أوباما إلي المسلمين في العالم من قاهرة المعز فهو بكل تأكيد يستعيد وجها من وجوه التسامح بين الأديان حرصت عليه إدارات كثيرة سابقة في أمريكا قبل أن يأتي الرئيس بوش ويهدم المعبد علي كل من فيه.
ورغم أن البعض يري أن تاريخ أمريكا قبل بوش كان يضم صفحات كثيرة سوداء في قضايا الصراع الطبقي والتمييز العنصري ورفض الآخر وما حدث للهنود الحمر من تصفيات رغم أنهم السكان الأصليون وتجارة العبيد وما حدث فيها للمهاجرين السود وطغيان أصحاب رأس المال وجبروت المؤسسات المالية الكبري رغم كل هذه الانتقادات بقيت أمريكا تقدم صورة حية للديمقراطية فليس هناك شخص فوق الحساب ابتداء برئيس خرج من منصبه معزولا بسبب فضيحة ووترجيت وهو الرئيس نيكسون وانتهاء برئيس أدين علي شاشات التلفزيون وأمام الكونجرس في فضيحة أخلاقية وهو الرئيس بيل كلينتون ومازلت أعتقد أن هناك محاكمات تنتظر الرئيس بوش في القريب العاجل..
لاشك أن وصول الرئيس أوباما للبيت الأبيض كان تأكيدا لهذا الوجه الحضاري والإنساني الذي لا يمكن أن تراه إلا في أمريكا.. رجل أفريقي الأصل والده مسلم من كينيا نشأ في دولة إسلامية هي أندونيسيا وهو شاب في مقتبل العمر.. ويكتسح كل ثوابت وتناقضات وصراعات أكبر دولة في العالم ويجلس علي كرسي الحكم فيها..
منذ عشرين عاما مضت كان والد أوباما لا يستطيع دخول مطعم يأكل فيه مع المواطنين البيض لأنه أسود وها هو أبنه يصبح رئيسا لأمريكا.. هذه الصيغة وهذا الموقف لا يحدث إلا في أمريكا.. وأمريكا وحدها.. ورغم أنني واحد من هؤلاء الذين لم تبهرهم يوما تكنولوجيا العصر في هذه القارة الواسعة وهذا المجتمع الصاخب بكل تناقضاته.. إلا أنني كنت دائما أقدر الجانب الإنساني والفكري في قضايا الحريات في المجتمع الأمريكي.. وقد لمست ذلك عن قرب من خلال زيارة وحيدة قمت بها بدعوة من الحكومة الأمريكية في بداية الثمانينيات اتيح لي فيها أن أزور عدة جامعات أمريكية كان من بينها جامعة جورج تاون وكولمبيا وبيتسبرج وايوا.. لكن أخطر ما فعله الرئيس بوش أنه دمر الكثير من الثوابت التي حكمت صورة أمريكا بكل بريقها أمام العالم.
* كانت أمريكا دائما تتحدث عن الحرية الشخصية سواء كانت سلوكـا أو دينـا أو فكرا.. وجاء الرئيس بوش ليضع نظامـا جديدا يتيح لأجهزة الأمن في الدولة أن تراقب المواطنين في سلوكياتهم وتليفوناتهم وحساباتهم في البنوك وكان هذا الخطأ الأكبر في سياسة الرئيس بوش تجاه شعبه..
* كانت فضائح التعذيب التي قام بها الجنود الأمريكيون تحت عين ورقابة الحكومة الأمريكية وبموافقة أصحاب القرار فيها أسوأ صورة اهتزت بسببها كل الثوابت الأمريكية في السلوك والحريات.. ان وقائع التعذيب في سجن أبو غريب في العراق.. وسجن المئات بلا سؤال في سجن جوانتانامو.. ونشر صور إعدام الرئيس صدام حسين علي شاشات التلفزيون.. والتشهير برفات ابنيه عدي وقصي وجميعهم أسري حرب.. والاعتداء علي النساء وعمليات الاغتصاب التي قام بها الجنود الأمريكيون ونهب الثروة العراقية وسرقة البنوك والآثار والوثائق التاريخية.. وقتل الأطباء واغتيال الطيارين وأساتذة الجامعات وتدمير الثروة البشرية للدولة العراقية وقتل الأبرياء وهدم المساجد والأطفال في أفغانستان.. كل هذه الأحداث الدامية افتقدت أبسط قوانين الأخلاق والعدالة وكانت وثيقة إدانة دامغة لأمريكا الدولة والسياسة والقرار.
* مهما كان العداء الشخصي بين الرئيس بوش وأسرته والإسلام الدين والعقيدة إلا أن هذا لا يبرر علي الإطلاق هذه الحملات المجنونة التي خاضها الرئيس بوش ضد المسلمين.. كانت البداية هذا الربط الخاطيء بين الإسلام العقيدة والإرهاب.. ثم كان تدمير أفغانستان بحثـا عن شخص واحد يسمي بن لادن لم يعثروا عليه حتي الآن ثم كان احتلال العراق ثأرا من شخص واحد أسمه صدام حسين.. ثم كان ذبح القضية الفلسطينية انتقامـا من شخص واحد أسمه ياسر عرفات.. هذه السلوكيات الشاذة والغريبة لا تتناسب مع سياسة دولة عظمي تحكم العالم كله وتدرك قدسية العدالة.. كانت نتائج ذلك كله أخطاء فادحة بكل المقاييس.. لقد كانت هذه السياسات المتخبطة سببا في الكارثة الاقتصادية التي تواجهها أمريكا الآن وأدت إلي هذا الخراب الاقتصادي الذي لحق بالعالم كله.. هذه السياسات كانت سببا في سقوط آلاف القتلي من أبناء الشعب الأمريكي في معارك خاسرة في العراق وأفغانستان ومناطق أخري من العالم.. وهذه السياسات كانت سببا رئيسيا في موجات الفقر التي اجتاحت الشعب الامريكي أمام ارتفاع معدلات البطالة وخسائر البورصة والكساد وانهيار أسواق العقارات والدمار الذي لحق بالبنوك الأمريكية الكبري وارتفاع الدين الأمريكي إلي أرقام لم تحدث من قبل.. وقبل هذا كله فإن المواطن الأمريكي يتساءل الآن: ماذا جنينا من مسلسلات الحروب التي تورطت فيها أمريكا في كل بلاد الدنيا ؟..
الشيء المؤكد أن الرئيس بوش ترك وراءه في البيت الأبيض تركة ثقيلة من كراهية المسلمين في كل بلاد الدنيا.. ولا أعتقد أن هذه الكراهية كانت مقصورة علي المسلمين لأن المظاهرات التي اجتاحت مدن العالم ضد مذابح بغداد وكابول وغزه كانت صرخات احتجاج عنيفة ضد الوجه الأمريكي القبيح الذي تركه الرئيس بوش قبل أن يرحل.
* والآن ماذا يفعل الرئيس أوباما لكي يخرج بأمريكا الدولة والشعب والسياسة من هذا المستنقع الذي خلفه الرئيس بوش.. هناك عدة خطوات سوف تبدأ برسالة يوجهها إلي المسلمين في كل دول العالم من القاهرة.. وهذه الرسالة مجرد بداية ولكنها لا تكفي.. أن الرئيس أوباما مطالب الآن بعدة إجراءات حاسمة.
أولا: لابد أن يحسم الرئيس الأمريكي موقف القوات الأمريكية التي مازالت تحارب في العراق وأفغانستان وتحتل أرضا وتسرق ثروات وتهدر حقوقـا للشعوب.. لم تنتصر القوات الأمريكية في العراق ولم تحقق مكاسب في أفغانستان فمازالت طالبان تقاتل ومازال بن لادن حيا يرزق.. وعلي القوات الأمريكية أن تعود إلي ثكناتها وتترك الشعوب تقرر مصيرها كما تريد.
ثانيا: أن تعود الإدارة الأمريكية إلي ثوابتها القديمة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والحريات ومنع الاعتداء علي البشر وأن تغلق سجونها ومعتقلاتها وتحاكم بالقانون مئات الأشخاص المعتقلين في السجون.. وأن تعيد علاقاتها مع دول العالم علي أسس من التفاهم والاحترام المتبادل.
ثالثـا: طوال فترة حكم الرئيس بوش تغيرت منظومة العلاقات بين أمريكا ودول العالم وشعوبها وتخلت عن أفكارها وتقاليدها القديمة في الإقناع والحوار والمشاركة.. لم تعد أمريكا تريد أصدقاء حوار وفكر ومواقف ولكنها لجأت إلي أساليب بدائية في شراء العملاء وتجنيد ضعاف النفوس وكتبة التقارير من مارينز الثقافة في الدول الفقيرة.. وهذا لا يتناسب مع سياسة دولة عظمي تستطيع أن تصل إلي كل ما تريد بأساليبها المتقدمة ومراكز الأبحاث فيها..
رابعا: يجب أن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في علاقاتها بالدول النامية خاصة تلك التي تعاني من أساليب الاستبداد والتسلط خاصة أنها في مراحل كثيرة كانت تكيل بمكيالين في علاقاتها مع دول العالم من أجل مصالحها وكانت تتغاضي عن جرائم كثيرة ضد الحريات وحقوق الإنسان في هذه الدول لقد باعت أمريكا شعوبا كثيرة من اجل حكام مستبدين..
خامسا: إن بداية الرئيس أوباما فتحت أبوابا كثيرة للتفاؤل أمام شعوب العالم وسوف تكون كارثة كبري إذا خابت هذه الآمال في هذا الزعيم الشاب الذي جاء حاملا رسالة للتغيير والإصلاح ووجد أمامه فرصة تاريخية لإعادة الوجه الحقيقي لأمريكا دولة الحريات وحقوق الإنسان..
سادسا: من الخطأ الفادح أن يري الرئيس أوباما قضايا العرب والمسلمين من مرآة إسرائيل لأنها أبعد ما تكون عن الحقيقة والعدل وهو الآن أمام اختبار صعب للغاية وهو قضية الصراع العربي الإسرائيلي.. وإذا فشل في وضع نهاية عادلة لهذا الصراع فعلي العالم أن ينتظر ما هو أسوأ.. وعلي الرئيس الجديد أن يدرك أن إهدار حقوق الشعوب في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها هو الارض الخصبة التي ستخرج منها مواكب الإرهاب في كل زمان ومكان..
fgoweda@ahram.org.eg
الملائكة لا يموتون
أطفالنا ملائكة الرحمة نعيش بهم ومن أجلهم ونضحي بكل شيء في سبيلهم وكل بيت فيه طفل صغير فيه ملاك كبير إنهم قرة أعيننا يحبهم الله.. ويحبهم الناس.. وهم شموع تضيء لنا ظلمات الحياة..
وقد أدمت قلوبنا جميعا فاجعة الرئيس حسني مبارك وأسرته برحيل حفيده محمد أبن الاثني عشر عاما الذي لقي ربه ملاكـا طاهرا مازال يحلق في ثياب براءته والملائكة لا يموتون لأنهم يعيشون داخلنا ويسكنون عيوننا ونراهم في كل مكان حتي وإن فرقت بيننا الأيام والأقدار والمسافات والأحزان..
كانت الصدمة قاسية.. والمحنة عصيبة فما أقسي أن تسافر البراءة في رحيل طفل مقبل علي الحياة..
كان الفقيد أقرب الناس إلي قلب الرئيس مبارك وأحبهم إليه أعانه الله علي فقده..
لقد كان رحيل محمد علاء حسني مبارك فاجعة في كل بيت في مصر لأن الذي رحل ابن لكل أسرة مصرية.. توحدت مشاعر المصريين مع رئيسهم وأسرته في ساعة حزن عاصفة..
لقد شاركنا الرئيس مبارك دائما همومنا وواسانا كثيرا في أحزاننا.. ووقف معنا أبا وأخـا كريما في كل الأزمات.. ولا ندري كيف نشاركه الآن أحزانه والكلمات في مثل هذه الظروف تعجز عن التعبير فأمام الموت تصغر كل الكلمات وأمام إرادة الله لا نملك إلا أن نقول ما قاله سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وهو يودع أبنه إبراهيم' إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وأنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون'
إن المشاركة لا يمكن أن تبلغ درجة الألم والمواساة لا تصل لدرجة الحزن الذي شعر به المصريون كل المصريين أمام هذه الفاجعة التي ألمت باسرة الرئيس الصغيرة والأسرة المصرية الكبيرة..
إن الأطفال هم أحباب الله وهم كالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون تحيط بهم ملائكة السماء ويلفهم رضوان من الله وأمن أنهم يضيئون الحياة بالبراءة.. ويضيئون الآخرة بالغفران وهم وديعة في ميزان الحسنات نستظل بهم أمام الله يوم لا ظل إلا ظله..
وإذا كانت أرواحنا في الأرض وديعة الخالق سبحانه وتعالي فقد استرد الله وديعته لتعود إلي رحابه راضية مرضية ولا نملك إلا الرضا بقضائه ومشيئته..
للملاك الطاهر الجنة وهو في أطهر رحاب..
وللرئيس مبارك والسيدة الفاضلة قرينته وأسرته خالص عزائي وعزاء كل بيت في مصر حزن لهذا المصاب الأليم..
أما والده فهما الحزن الأكبر وأسأل الله أن يمن عليهما بالصبر وأن يحسبه في ميزان حسناتهما وأن يعوضهما عنه خيرا..
الأطفال أحباب الله وملائكة الرحمة بين الناس.. والملائكة لا يموتون..