هوامش حرة
فوضي الجامعات الإقليمية
يكتبها: فاروق جـــويـدة
في يوم من الأيام كانت جامعات مصر تنافس أكبر الجامعات العالمية في مستوي التعليم وأساليبه وقدراته.. ومستوي الخريجين في كل التخصصات.. وكانت لدينا كليات حققت سمعة دولية علي مستوي العالم مثل طب القصر العيني.. وكانت لدينا ثلاث أو أربع جامعات علي الأقل تحتل مكانة خاصة في سجلات الجامعات العالمية وهي جامعة القاهرة وعين شمس والاسكندرية وأسيوط.. وكان لدينا أساتذة يتمتعون بسمعة طيبة في الأوساط العلمية والأدبية.. وكانت جامعات مصر هي الزاد العلمي الذي عاشت عليه أمة العرب نصف قرن من الزمان قبل أن يهبط البترول ويغير حسابات كثيرة..
ولكن.. تغيرت أشياء كثيرة ولم تعد جامعات مصر علي نفس مستواها القديم.. فلا المنشآت هي المنشآت.. ولا الأساتذة هم الأساتذة.. ولا الخرجون هم الخرجون.. ولم يكن غريبا أن تصدر قائمة بأكبر500 جامعة في العالم وليس بينها جامعة مصرية واحدة رغم أننا في العام الماضي كنا نحتفل بمرور مائة عام علي إنشاء أعرق جامعاتنا وأقدمها وهي جامعة القاهرة.. ورغم كل مظاهر الخلل التي أصابت جامعات مصر فمازالت سياسة التوسع الأفقي في افتتاح الجامعات الإقليمية تمثل ظاهرة مرضية غريبة.. في كل محافظة في مصر الآن نقيم جامعة جديدة تضاف إلي سجلات وزارة التعليم العالي ويلتحق بها الالاف من الطلاب.. ولكن للأسف الشديد أن هذه الجامعات العشوائية لا تضيف شيئـا للعملية التعليمية في مصر.. أنها جامعات بلا منشآت حيث تقام في مجموعة من الغرف الصغيرة في أحدي المدارس أو المعاهد المتوسطة.. أنها جامعات بلا أساتذة حيث لا توجد قائمة بالأساتذة الذين يقومون بالعملية التعليمية.. وهي جامعات بلا معامل ولا مدن جامعية لسكن الطلاب.. ولا مواصلات تحملهم عشرات الأميال.. وقبل هذا كله هي جامعات بلا مدرجات أو مكتبات أو ملاعب.. أنها تشبه الأحزاب السياسية المصرية مجرد لافتة علي جدار وبعد ذلك لا شيء بعد الجدار..
لقد تلقيت هذه الرسالة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة محافظة البحيرة وهي آخر ما شهدته مصر من الجامعات الإقليمية.. وهي رسالة دامية لا أدري إلي من نتجه بها.. هل إلي رئيس الوزراء د. أحمد نظيف.. أم إلي د. هاني هلال وزير التعليم العالي أم إلي النائب العام المستشار عبد المجيد محمود.. لأنها ليست رسالة وليست شكوي.. ولكنها تصلح لأن تكون قرار اتهام لكل من شارك في هذه الجريمة..
السيد الأستاذ....
تعد محاولة إنشاء جامعة بمحافظة البحيرة مثالا صارخـا للعشوائية التي يتخبط فيها البعض من الذين يسعون سعيا حقيقيا من أجل إقامة الجامعات الإقليمية.. ونحن كأعضاء بهيئة تدريس فرع جامعة الاسكندرية بدمنهور لا نري بأسا من إنشاء جامعة بالإقليم ولكن لابد أن يتم هذا الإنشاء وفقـا لأسس وقواعد مدروسة وليس وفقـا للأهواء الشخصية وشهوة تولي المناصب الجامعية أن واقع الحال في فرع جامعة الاسكندرية بدمنهور يؤيد ما نقول بشدة وذلك اعتمادا علي العناصر الآتية:
أولا: الكليات الجديدة وأماكنها:
تم الإعلان عن إنشاء كليات جديدة دون أن تكون هناك أبنية قائمة علي أرض الواقع وتتمثل هذه الكليات في الآتي:
1- كلية الطب 2- كلية الصيدلة 3- كلية رياض الأطفال
4- كلية الحقوق 5 - كلية التمريض 6- كلية الطب البيطري
ولما كانت هذه الكليات تفتقر إلي منشآت مستقلة بذاتها فقد حدث ما يلي:
* تم اقحام كليتي الصيدلة ورياض الأطفال في مبني كلية العلوم الكائن خلف مباني ديوان محافظة البحيرة..
* تشغل كلية التمريض جزءا صغيرا من مدرسة دمنهور الثانوية العسكرية حيث تمثل هذا الجزء في غرفة لعميدة الكلية وقاعة واحدة للمحاضرات..
* لم يتوفر حتي الآن مبنيان لكليتي الطب والحقوق رغم الإعلان عن إقامتهما..
* يدرس طلاب كلية الطب البيطري في المبني الخاص بكلية الزراعة والموجود في منطقة البستان بمركز الدلنجات مما يعيق الدراسة بالكليتين معا..
* مما سبق نجد أن الكليات تتوزع عشوائيا دون سابق دراسة مما يتنافي مع أحد الأغراض الأساسية الواجب توفرها عند التفكير في إنشاء جامعة جديدة..
* من الأمور العجيبة أنه يجري الآن البناء في أحد المناور بكلية التربية بغرض شغله بإحدي الكليات المزعومة وهو ما يخالف كل الأسس الهندسية والصحية..
ثانيا: أعضاء هيئة التدريس بالكليات الجديدة:
* كلية الطب: لا يوجد أعضاء لهيئة التدريس..
* كلية الصيدلة: لا يوجد أعضاء لهيئة التدريس..
* كلية رياض الأطفال: لا يوجد أعضاء لهيئة التدريس..
* كلية الحقوق: لا يوجد أعضاء لهيئة التدريس..
* كلية التمريض: يتمثل أعضاء هيئة التدريس في عميدة الكلية فقط..
* كلية الطب البيطري: لا يتناسب عدد أعضاء هيئة التدريس مع أعداد الطلاب حيث لا يزيد عدد القائمين بالتدريس علي عشرة أعضاء..
ثالثا: المعامل الخاصة بالكليات الجديدة والقديمة:
* لا توجد معامل بكلية العلوم وهذا مما يثير التعجب, ومن ثم يذهب الطلاب للدراسة بمعامل كلية التربية وهي غير مجهزة بالشكل اللائق أو المناسب..
* لا توجد معامل بكلية الصيدلة ولذلك يذهب طلاب هذه الكلية مثل زملائهم من طلاب كلية العلوم لدراسة المقررات العلمية بمعامل كلية التربية..
* لا توجد معامل بكلية التمريض..
* لا توجد معامل أو مشرحة خاصة بكلية الطب( الكلية بدون مبان أصلا)
* معامل كلية التربية لا تصلح لتعليم طلاب المرحلة الإعدادية..
* لا توجد تجهيزات معملية بمعامل كلية الزراعة بمنطقة البستان بالدلنجات..
* لا توجد تجهيزات معملية بمعامل كلية الطب البيطري بمنطقة البستان بالدلنجات..
* لا يوجد غاز ولا مياه صالحة بمعامل كليتي الزراعة والطب البيطري بمنطقة البستان..
رابعا: أحوال الطلاب وأعضاء هيئة التدريس:
* عدد طلاب كلية التجارة أكثر من ستة ألاف طالب بينما لا يزيد عدد أعضاء هيئة التدريس عن ستة مما ينعكس سلبا علي العملية التعليمية.
* طلاب كلية الصيدلة بدمنهور تم تحويلهم إليها عنوة من كلية الصيدلة بالاسكندرية وذلك علي الرغم من أن مكاتب التنسيق هي التي ألحقتهم أساسا بكليتهم الأصلية, وكما سبقت الإشارة يعاني هؤلاء الطلاب من صعوبات دراسية بالغة حيث يتنقلون بين أكثر من مبني..
* لا توجد مدينة جامعية بمنطقة البستان النائية رغم معاناة الطلاب اليومية في الوصول إلي كليتي الزراعة والطب البيطري بهذه المنطقة..
* انعكس عدم توفير الإمكانيات علي نسب النجاح في الكليات المختلفة حيث انخفضت هذه النسب بشكل واضح..
* زادت نسبة تغيب الطلاب في كليتي الزراعة والطب البيطري بمنطقة البستان بسبب عدم توفير وسائل المواصلات..
* لا توجد أماكن تليق بأعضاء هيئة التدريس في الكليات المختلفة..
* لا تتوفر الوسائل التعليمية الحديثة في كافة كليات الفرع مما يؤثر علي جودة العملية التعليمية..
إننا الآن نتوجه إلي السادة المسئولين بسؤال نراه في غاية الأهمية:
الكيف أهم في إنشاء الجامعات أم الكم ؟..
لقد حصلنا منذ فترة ليست بالبعيدة علي صفر أشد مرارة من صفر المونديال الشهير ونعني بذلك عدم ورود اسم جامعة مصرية واحدة ضمن خمسمائة جامعة علي مستوي العالم, منها جامعات في مدغشقر وزامبيا وموزمبيق.. لقد تألمنا كثيرا من صفر المونديال ولكن صفر الجامعات سيؤدي إلي كارثة لا تبقي ولا تذر.. لماذا العجلة أيها السادة في إنشاء جامعات تولد ميتة أو مصابة بأمراض وأسقام لا يرجي لها شفاء.. وفروا الإمكانيات ثم أقيموا الجامعات, يرحمنا ويرحكم الله..
أعضاء هيئة التدريس بفرع جامعة الاسكندرية بمدينة دمنهور
وبعد..
هذه شهادة الأساتذة الذين يعملون في هذه الجامعة العشوائية وهي تطرح أمامنا مجموعة تساؤلات أرجو أن أجد الإجابة عليها:
* علي أي أساس يتم إنشاء جامعة إقليمية وما هي الجهة صاحبة القرار في ذلك وهل تناقش مثل هذه القرارات في مجلس الوزراء أم وزارة التعليم العالي أم المجلس الأعلي للجامعات أم أنها تدخل في نطاق الخطة العامة للدولة وما هي المعايير المطلوبة لإنشاء جامعة في محافظة ما هل هو تعداد السكان أم خطة التنمية أمام ضرورات اقتصادية أم هو مجرد ملأ للفراغ بلا هدف أو غاية..
* كيف يتم التخطيط لإقامة جامعة من الجامعات وهل يخضع ذلك لدراسات متكاملة من حيث المنشآت الهندسية وهيئة التدريس والقدرات العلمية والخطة الزمنية المطلوبة لإنشاء جامعة متكاملة ومن الذي يقوم بذلك كله وهل حدث ذلك في الجامعات الإقليمية التي أقامتها الدولة في السنوات الماضية..
* كيف يتم إقامة مثل هذه الجامعات وما هي ضمانات التمويل وما هي مصادرها هل هي تمويل من وزارة التعليم العالي أم تمويل في نطاق خطة الدولة أم هو تمويل أهلي أم أنه لا توجد مصادر تمويل علي الإطلاق..
* نحن أمام هذا النموذج الصارخ حيث تقرر إنشاء جامعة في دمنهور دون أن تكون هناك منشآت أو معامل أو هيئة تدريس, فعلي أي أساس التحق آلاف الطلاب بهذه الجامعة إن العملية التعليمية تقوم علي عدة محاور أساسية هي المنشآت.. والمناهج الدراسية وهيئة التدريس من الأساتذة والمعيدي,ن فأين ذلك كله في هذه الجامعة إن كل هذه الأشياء لا وجود لها فما هو مصير الطلاب الذين يدرسون في هذه الجامعة وهم بالالاف وعلي أي أساس يتم إنشاء6 كليات دفعة واحدة.. هي كليات الطب والصيدلة ورياض الأطفال والحقوق والتمريض والطب البيطري.. ولماذا لم يتم إنشاء هذه الكليات علي مراحل حتي تتوافر لها مقومات النجاح والاستمرار..
* هذه الكليات موزعة في أكثر من مكان علي امتداد محافظة البحيرة ما بين مراكز المحافظة وقراها البعيدة وهي تحتل غرفـا صغيرة في مدرسة أو معهد من المعاهد.. إن بعضها أقيم في جزء من مدرسة عسكرية والبعض الآخر أقيم في قري بعيدة.. حيث لا رابط بينها إداريا أو علميا أو حتي جغرافيـا, وهنا يمكن أن تغيب الرقابة بكل أشكالها..
* كيف يتخرج أطباء وصيادلة من كليات لا يوجد بها أساتذة ولا يتوافر بها معامل, وما هو مصير مهنة كالطب أو الصيدلة في ظل هذه المنظومة العشوائية الخاطئة.. سوف نجد أطباء لم يدرسوا الطب وصيادلة لم يدخلوا معملا.. أو ممرضات لم يعرفن شيئـا عن مهنة اسمها التمريض.. هذه الصورة التي جسدتها رسالة أعضاء هيئة التدريس بجامعة دمنهور وثيقة إدانة للتعليم الجامعي في مصر..
أن هذه الرسالة التي أضعها أمام السادة المسئولين تعكس صورة فجه من صور الارتجال والعشوائية في سياسة وزارة التعليم العالي وبعد ذلك نتحدث عن ضحالة التعليم وسطحية الخريجين والجهل الذي يجتاح عقول أبناءنا..
fgoweda@ahram.org.eg
.. ويبقي الشعر
وقالت: سوف تنساني
وتنسي أنني يوما
وهبتـك نبض وجداني
وتعشق موجة أخري
وتهجر دفء شطآني
وتجلس مثلما كنا
لتسمع بعض ألحاني
ولا تعنيك أحزاني
ويسقط كالـمني اسمي
وسوف يتوه عنواني
تـري.. ستقول يا عمري
بأنك كنت تهواني ؟!
فقلت: هواك إيماني
ومغفرتي وعصياني
أتيك والمنـي عندي
بقايا بين أحضاني
ربيع مات طائره
علي أنقاض بستان
رياح الحزن تعصرني
وتسخر بين وجداني
أحبك واحة هدأت
عليها كل أحزاني
أحبك نسمة تروي
لصمت الناس.. ألحاني
أحبك نشوة تسري
وتشعل نار بركاني
أحبك أنت يا أملا
كضوء الصبح يلقاني
أمات الحب عشاقـا
وحبك أنت أحياني
فلو خيرت في وطن
لقلت هواك أوطاني
ولو أنساك يا عمري
حنايا القلب.. تنساني
إذا ما ضعت في درب
ففي عينيك.. عنواني