هوامش حرة
بين الدولة وصاحبة الجلالة
يكتبها: فاروق جـــويـدة
بدأ العام يستعد للرحيل ويجمع أوراقه وسط أحداث وأزمات كثيرة.. كان عام2008 حاشدا بالكثير من الأزمات ابتداء بالحوادث الضخمة وانتهاء بأزمات مالية عالمية بدأت تدق أبوابنا بعنف.. وما بين انهيارات الدويقة وانهيارات البورصة وحرائق الشوري والمسرح القومي والضريبة العقارية وقرارات كثيرة متسرعة تنقصها الدراسة والدقة.. أطل علينا وسط هذه الهموم الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني بهدية رائعة الجمال قدمها الرجل لهذا الوطن بكل الإخلاص والصدق والتفاني, لعلها تخفف أحزان عام من الأزمات..
كان افتتاح مطار القاهرة الجديد الذي أطلق عليه صالة'3' إنجازا رائعا بكل المقاييس.. نحن بالفعل أمام مطار جديد وليس مجرد صالة ركاب أضيفت إلي المطار القديم.. قضيت أكثر من ثلاث ساعات مع مئات الضيوف نطوف بهذا المبني الجديد.. للحظة الأولي شعرت بأنني خارج مصر وأن الزمن انتقل بنا فجأة إلي أحد المطارات الحديثة في أكثر دول العالم تقدما, وأن هذه المنظومة الفنية والعلمية والجمالية والإدارية لا يمكن إلا أن تخرج من عقل وفكر رجل يحمل رؤية واسعة وخيالا عميقـا وقدرة نادرة في الإنجاز وهذا هو أحمد شفيق..
الفريق أحمد شفيق- لمن لا يعرفون الرجل لأنه قليل الظهور إعلاميا وقليل الكلام- أبن من أبناء الجيش المصري العظيم صاحب أكتوبر وصانع النصر, وهو أحد فروع هذه الشجرة الأصيلة التي تدرك معني المسئولية وأمانة المنصب وشفافية القرار..
في سنوات قليلة استطاع أحمد شفيق أن ينقل مطارات مصر من مجموعة من المنشآت المتهالكة المزدحمة والمكدسة بالمواطنين والآلات القديمة والطائرات المحنطة لنجد أنفسنا أمام واقع جديد فقد تغيرت تماما شركة مصر للطيران في طائراتها ومواعيدها وحرصها علي راحة المسافرين.. وتغيرت المطارات القديمة ووجدناها أكثر نظافة وأكثر انضباطـا وأكثر رقيا.. في السنوات الماضية استطاع أحمد شفيق أن يعيد تشكيل مطارات مصر وأن يدخل بها إلي مرحلة جديدة تماما في الانضباط والإدارة..
وكلما كنت أسافر من المطار الجديد أو القديم كنت أشاهد أكواما من الحديد وتلالا من الأسمنت وأنا لا أعلم ما يجري وما يدور في هذه المنطقة.. وفي الأسبوع الماضي افتتح الرئيس مبارك المطار الجديد وشاهدته لبضع دقائق علي شاشة التليفزيون في عرض متواضع وكان ينبغي أن تطوف كاميرات التليفزيون لترصد هذا الحدث الكبير وأن تتسع زيارة الرئيس لهذا الإنجاز الفريد, وقد شاهدت الإنجاز بنفسي خلال ثلاث ساعات وأشهد- بأنني شعرت بفخر شديد أن هناك قطعة من مصر أصبحت مزارا يليق بنا..
إن أهم ما في هذا المطار الجديد مجموعة أشياء خرجت بها.. إذا كان النجاح ممكنا بهذه الصورة وبهذا الأداء وبهذه الدقة في التنفيذ فلماذا كل هذه الإخفاقات التي تحيط بنا من كل جانب.. وأين يكمن الخطأ.. هل هو سوء اختيار الأشخاص.. أم غياب الشفافية أم هي الدراسة والفهم.. في مصر مشروعات ضخمة أقيمت بآلاف الملايين ولكنها فشلت فشلا ذريعا ولا أريد أن أذكر شيئـا منها فنحن نعرفها.. هل هو صاحب القرار عندما يخلص لعمله ومسئولياته أم هي الإمكانيات المادية أم هو فريق العمل وهو أيضا مسئولية صاحب القرار..
إن أخطر وأهم ما في المطار الجديد أنه دخل بنا إلي العصر الذي نعيش فيه بنفس الإمكانات التي تتمتع بها أكثر الدول تقدما وأكثر الشعوب فهما لروح هذا العصر.. لقد اختار أحمد شفيق قطعة من مصر ليؤكد لنا فيها أن المستقبل يمكن أن يكون بهذه الصورة.. وأن مصر تستحق أن يكون لها مثل هذا المطار وأن النجاح أمر سهل وبسيط إذا صدقت النيات وأخلصت القلوب لهذا البلد..
أن المطار الجديد تكلف3 مليارات جنيه قام بتمويلها البنك الدولي وسوف يتم سدادها من دخل المطار دون أن تدفع الدولة مليما واحدا.. ولنا أن نتصور لو أن كل إنجاز في مصر تم بهذه الدقة وهذه المسئولية وهذه الطريقة في تمويل المشروعات.. هناك وزارات في مصر أنفقت أضعاف هذا المبلغ في مشروعات وهميه وهناك قروض حصل عليها بعض رجال الأعمال أكبر من هذا المبلغ وضاعت علي الدولة..
لقد تم إنشاء مئات المدارس الجديدة بالاف الملايين وسقطت علي رؤوس التلاميذ.. وتم إنشاء مئات الكباري التي تهدمت بعد شهرين من افتتاحها وتم رصف عشرات الطرق التي تآكلت وأعيد رصفها.. وتم إنشاء ألاف الوحدات السكنية التي تصدعت وهرب سكانها.. وهذا هو الفرق بين مشروعات تدخل بنا العصر وتحملنا إلي المستقبل ومشروعات أخري تحمل الناس إلي الدار الآخرة..
وأنا أشاهد المطار الجديد سألت نفسي أن ديون مصر بلغت650 مليار جنيه, فكم من المنشآت التي يمكن أن تنجزها كل هذه الأموال في الطرق والمواصلات والجامعات والمستشفيات والمدارس؟ وأين ذهبت كل هذه المليارات ؟.. لماذا لاتقام جامعات عصرية علي نفس مستوي المطار الجديد.. لماذا لا تقام مدارس بهذه الصورة المتقدمة؟ وأين أختفت البلايين التي تسربت في مباني متصدعة ومدارس بلا دورات مياه ومساجد علمت الشعب الارهاب؟..
لقد اكتشفت أن في مصر أكثر من فريق يلعب وان القضية الأساسية هي عدم التجانس وتعدد جهة القرار, وأن كل فريق يلعب لحساب نفسه ولا توجد إلا قلة قليلة تلعب لحساب هذا الوطن مثل أحمد شفيق.. هناك من يروج للخصخصة ويبيع كل شيء.. وهناك من يروج للجباية ويصدر أي قرار.. وهناك من يبحث عن مصالحه ومشروعاته, وهناك أيضا من اخذ أموال البنوك وخلع.. ولنا أن نتصور لو أن هؤلاء جميعا عملوا لحساب هذا الوطن, وأقام كل واحد منهم مشروعا واحدا لحساب مصر وليس لحساباته الشخصية أو مصالحه الخاصة.. أنا لا أقول ذلك اتهاما لأحد ولكن أقول ذلك بحثـا عن صيغة أفضل للعمل الوطني والإنجاز والسير نحو المستقبل بروح الفريق.. لو أن نموذج المطار الجديد بروحه وإمكاناته وإيقاع العصر فيه تحقق في جوانب أخري من حياتنا لكانت هناك مصر أخري غير التي نعيشها الآن.. كان من الممكن أن تكون لدينا جامعات تنافس أكبر جامعات العالم, ولدينا مدارس بلا دروس خصوصية وامتحانات للمدرسين, ولدينا مستشفيات تعالج الفقراء والأغنياء معا.. وقبل هذا كله لدينا مواطن أكثر إحساسا بالمسئولية.. ولكن المشكلة الأساسية في مصر الآن- خاصة في إدارة شئون البلد- أن روح الفريق انتهت وأن مشاعر الانتماء غابت, فما أكثر الأفكار الجميلة والرائعة ولكن من هو الشخص القادر علي الإنجاز.. ولعل هذا ما امتازت به تجربة نجاح أحمد شفيق فهو يتحدث عن رفاقه في هذا الإنجاز الرائع بكل العرفان والتقدير..
إن الرئيس مبارك شخصيا كان وراء أحمد شفيق ويسانده بقوة, وأن شفيق كان علي مستوي الثقة والمسئولية فلم يخذل الرئيس ولم يخيب ثقته فيه.. فكان هذا النجاح صورة للرجل المناسب في المكان المناسب..
باسم ملايين المصريين وأنا واحد منهم أقدم للفريق أحمد شفيق المواطن المصري الأصيل والنبيل باقة شكر مع نهاية هذا العام لأنه استطاع أن يقدم لمصر شيئـا جميلا ورائعا. إنه مطار القاهرة الجديد.. شيء يليق بنا وينبغي أن نحافظ عليه..
.. ويبقي الشعر
نـجيء الحياة علـي موعــــــــد
وتبقـي المنـايــا لـنــــا موعــــدا
دفاتر عمرك هيا احرقـــيـــهــا
فقد ضاع عمرك مثلي ســــدي
وماذا سيفـعل قـــلب جـــريــــح
رمته عيونـك.. فـاستـشهــــــدا
تـحب العصافير دفء الغصون
كـما يعشق الزهر همس النـدي
فكيف الربيع أتـي في الخريـف
وبيت الخطـايا غـدا مسجــــــدا
غدا يأكـل الصمت أحلامنـــــــا
تـعالـي أعانق فيك الــــــــردي
أراك ابتسامة عمر قـصـــيـــــر
فمهما ضحكـنـا.. سنـبـكي غـدا
أريدك عمري ولـو ساعــــــــة
فلن ينـفـع العمر طول المــدي
ولو أن إبليــس يومـــــــا رآك
لقبــل عينيـك.. ثم اهـــتـــدي