سيناء‏..‏ بين التنمية والإرهاب

هوامش حرة

سيناء‏..‏ بين التنمية والإرهاب

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



هناك فرق كبير بين سيناء الثكنات العسكرية والمطارات الحربية وجنود قواتنا المسلحة البواسل الذين احتضنهم تراب سيناء بكل الحب والتقدير‏..‏ وبين سيناء المنتجعات السياحية والشريط الأزرق المبهر علي الشواطئ الفيروزية‏,‏ كان ينبغي ان ندرك هذه الحقيقة ونحن ندرس أحوال هذه المنطقة العزيزة من أرضنا‏..‏ ولكن لأننا عادة ندرك الازمات بأثر رجعي فقد تأخرنا كثيرا في فهم ما يحدث في سيناء ولعل هذا هو ما حدث في صعيد مصر عندما تأخرت التنمية الاقتصادية والبشرية ووجد الارهاب الاعمي فرصته بين جموع الشباب الفقير العاطل والمحبط وكانت فترة التسعينيات من اكثر الفترات في تاريخ صعيد مصر اضطرابا وعنفا‏..‏فهل يمكن ان نقرأ ما حدث في سيناء قراءة صحيحة ولايشطح بنا الخيال ونتهم أهلها بغياب الولاء أو الإحساس الحقيقي بالوطن كما يدعي الآن عدد من جهابذة الجهل والسطحية‏..‏



يجب ان نسأل أنفسنا أولا أين سيناء علي خريطة اهتمامات الدولة المصرية وشعب الوادي وما هي آخر زيارة قام بها مسئول كبير لصحاري سيناء الشاسعة‏..‏ ان هذا الاهتمام لايتجاوز حدود الشريط الازرق ومشروعاته السياحية البراقة ومؤتمرات شرم الشيخ وبعض الاغاني المكررة التي نستعيدها كل عام في عيد تحرير سيناء‏.‏



منذ فترة تناولت قضية تنمية سيناء في هذا المكان وقلت يومها ان مصر في حاجة لأن تقيم حياة جديدة ومجتمعا عصريا في سيناء وان ملايين الشباب في الوادي ينتظرون هذه الفرصة وان مئات الآلاف من الشباب العاطل سوف يذهب الي هناك ليزرع الأرض ويقيم المشروعات المهم ان نفتح له الابواب ونعطيه الفرصة‏.‏



لقد اقامت الدولة مشروعات البنية الاساسية ودفعت فيها مئات الملايين‏,‏ من الكهرباء والطرق والكباري الضخمة ووصلت مياه النيل عبر ترعة السلام وتوقف كل شيء بعد ذلك فلا الدولة استصلحت الاراضي ولا القطاع الخاص استغل مياه النيل‏,‏ ولا الشباب وجد فرصته في هذه المساحات الشاسعة‏,‏ ولا سكان سيناء شعروا بتغير حقيقي في حياتهم‏.‏


..‏ يومها قلت أيضا ان تنمية سيناء قضية تتعلق بأمن مصر القومي وإن الصحراء الخالية تغري بالعدوان وان أمان الأوطان في سكانها وليس في أوراق اتفاقياتها‏..‏ وان سيناء الخالية عبء كبير علي مصر حاضرا ومستقبلا‏.‏



وللأسف الشديد لم يتحرك احد واكتفينا بهذه المشروعات السياحية المبهرة التي لا تتناسب من حيث القيمة والاهمية والدخل مع مساحة تمثل ثلث الاراضي المصرية‏.‏



وفي العام الأخير شهدت سيناء اكثر من عملية ارهابية ولم يستطع أحد حتي الآن أن يضع يده علي هذا اللغم الذي ينفجر من حين لآخر‏..‏ عندما حدثت تفجيرات طابا اشارت اياد كثيرة إلي شباب في سيناء من ابناء القبائل‏..‏ وجاءت انفجارات شرم الشيخ لتؤكد هذا الاستنتاج وتدعم هذا التوجه‏..‏ وأخيرا جاءت احداث دهب الدامية ووقفنا عند نقطة البداية للمرة الثالثة‏..‏ والسؤال هنا‏:‏ ما هي الدراسات التي حاولنا فيها أن نضع أيدينا علي ما حدث في سيناء وتلك الأجيال التي نشأت في ظل الاحتلال الاسرائيلي؟‏..‏ وما هي الآثار النفسية والاجتماعية التي تركها المحتل بعد رحيله؟‏..‏ وما هي الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الشريحة الاجتماعية الوافدة التي جاءت من الوادي لتجني ثمار المعاناه والحرمان والاحتلال علي الشواطئ الزرقاء بينما التخلف والفقر يعصف بالقبائل التي عاشت الحرمان بكل اشكاله؟‏..‏ وكان السؤال الأهم‏:‏ ماذا قدم اصحاب هذه المشروعات الضخمة لأهالي سيناء؟ لقد هبطوا علي الأرض والشواطئ بطائراتهم وحملوا ثروات المنطقة ولم يحاول واحد منهم أن ينظر إلي قبيلة أو يبحث احوال شبابها العاطل‏..‏ حتي العمالة التي استعانت بها مناطق الشواطئ الزرقاء كانت من خارج سيناء‏.‏



لقد مرت سيناء بثلاث فترات غريبة طوال خمسين عاما‏..‏ كانت الفترة الأولي مجرد ثكنات ومطارات وقواعد للجيش المصري وهو يدافع عن الوطن ويسترد الكرامة‏..‏ ثم سقطت في يد المحتل سنوات ستا وعادت الي الوطن الأم بعد أن ارتوي ترابها بدماء الشهداء‏..‏ وكانت هناك مرحلة رابعة واخيرة حينما حلت المنتجعات بدل الثكنات ونزل السياح بعد ان خلعوا زيهم العسكري‏..‏ في كل هذه الاحوال لم يتغير شيء في سيناء لا التعليم تطور‏..‏ ولا اقيمت جامعة متقدمة أو مدارس حديثة‏,‏ وبقي سكانها ما بين الزراعات التقليدية والتجارة العابرة‏..‏ وبعض الانشطة غير المشروعة‏..‏ لم ينظر أحد إلي سيناء البشر والمكان والتاريخ والتقاليد والقبائل والعلاقات الانسانية المتشابكة بينها وبقيت سيناء اللغز في كل هذه المراحل حتي انفجرت الفنادق وتناثرت اشلاء الضحايا وتقدمت قوات الأمن وكأننا أمام مواجهة حربية‏..‏ كان ينبغي ان نضع أيدينا علي مجموعة حقائق أساسية فيما حدث في سيناء أوجزها في نقاط قليلة‏:‏



أولا‏:‏ ليست هذه دعوة حرب ولكنها دعوة أمن واستقرار وحماية لامننا الداخلي قبل الخارجي‏,‏ ان غياب الجيش المصري عن أرض سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد قضية في غاية الخطورة وعلينا ان نقارن بين مكان تحميه قوات حربية نظامية بكل أساليبها وقدراتها ومكان تحميه مجموعات من الامن المركزي‏..‏ إن تحميل مسئولية حماية سيناء علي الأمن المصري ظلم كبير لهذا الجهاز أمام مسئوليات وأعباء أخري يقوم بها الامن داخل الوادي كبرت واتسعت وتجاوزت كل حدود المسئولية‏..‏ ان قواتنا المسلحة هي اكثر أجهزة الدولة قدرة علي التعامل أمنيا واجتماعيا وسياسيا مع هذه المنطقة بحكم التجربة والتاريخ ان قواتنا المسلحة لابد ان تعود الي سيناء وعلينا ان نسأل أنفسنا هل ما يحدث في سيناء بعيد عن اهداف اسرائيل والموساد والاحلام التوسعية المقهورة؟ وهل من العدل ان نقنع انفسنا بالباطل بأن اسرائيل تريد لنا الأمن والاستقرار والرخاء بعد أن اخترقت المجتمع المصري حتي آخر نقطة فيه؟ ويجب ان تعود مؤسسات قواتنا المسلحة الي هذه المنطقة لان هذا هو الضمان الوحيد‏.‏



ثانيا‏:‏ لا يمكن ان تقتصر كل مشروعات التنمية الاقتصادية والبشرية في سيناء علي منتجعات شرم الشيخ وطابا ودهب‏,‏ ويجب ان ينتقل ثلاثة ملايين مصري علي الاقل الي أرض سيناء‏,‏ وعلي الدولة ان تضع المشروعات التي تحقق هذا الهدف خلال سنوات قليلة‏..‏ ان المساحات الشاسعة من الاراضي التي تتدفق فيها مياه النيل في سيناء الآن يمكن ان تتحول الي مصادر دخل تفوق كثيرا مشروعات أخري دفعنا فيها المليارات ولم تنتج شيئا حتي الآن‏.‏ ان سيناء لم تدخل جدول اعمال مجلس الوزراء المصري إلافي السنة الاخيرة بعد ان اصبحت مصدرا للارهاب فهل يمكن ان يصل التجاهل والجحود وغياب الرؤية الي هذه الدرجة من السلبية؟



ثالثا‏:‏ من حق قوات الامن ان تطارد الجناة في كل مكان وان تقدمهم للعدالة‏,‏ ولكن ينبغي ان تكون هناك درجة من درجات الحرص والحساسية في هذه المواجهة حتي لا يختلط الامر بين مجرم وبريء‏,‏ لأن دم سجين واحد مظلوم إهدار لكل قوانين العدالة‏.‏ ويجب أيضا أن نراعي العلاقات المتشابكة بين قبائل أهالي سيناء في القرابة والمصاهرة والمصالح والجوار‏..‏ وهذا دور ينبغي ان تقوم به اللجان الشعبية والمجتمع المدني وأعضاء مجلسي الشعب والشوري والاحزاب‏..‏ هناك جانب أهلي وشعبي في قضية التعامل مع سكان سيناء يجب ألا تهمله الدولة‏,‏ وأين حزب الاغلبية وقياداته من هذا كله؟



رابعا‏:‏ بعد ربع قرن من رحيل الاحتلال وتحرير سيناء يجب ان نعيد شعب سيناء الي نسيج الوطن الام وهذا حقه علينا‏,‏ فقد غاب سنوات طويلة ما بين الحروب والاحتلال والتهميش‏,‏ ولن تتحقق هذه العودة بالاغاني‏,‏ ولكنها ستعود بالتواصل ودراسة أحوال الناس في هذه المناطق وان يخرج أصحاب المنتجعات الزرقاء علي شواطيء سيناء من مغاراتهم السرية ولياليهم الزرقاء والخضراء ويتجهوا الي المناطق القريبة منهم في قلب الصحراء حتي يشعر سكان سيناء بأنهم مازالوا أصحاب حق في هذه الارض وانهم ليسوا غرباء في بيوتهم وان هذا الوطن بالفعل وطن للجميع‏.‏



ويبقي الشعر

باعوك بخسا‏..‏ فهل أدركت ياوطني

في مأتم الحلم قلبي فيك كم عاني؟‏!‏

سفينة أبحرت في الليل تائهة



والموج يرسم في الاعماق شطآنا

شراعها اليأس‏..‏ تجري كلما غرقت

حتي تلاشت‏..‏ ولاح الموت ربانا



ياضيعة العمر‏..‏ ساد العمر في سفه

بطش الطغاة‏..‏ وصار الحق شيطانا

كم كنت أهرب‏..‏ والجلاد يصرخ بي‏:‏



يكفيك ماقد مضي سخطا‏..‏ وعصيانا

ارجع لرشدك‏..‏ فالاحلام دانية

واسأل حماة الحمي صفحا‏..‏ وغفرانا



هل أطلب الصفح من لص يطاردني؟

ام أطلب الحلم ممن باع أوطانا؟‏!‏



Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads