هوامش حرة
هل تشتري إسرائيل الجامعة الأمريكية؟
يكتبها: فاروق جـــويـــدة
توقفت يوم السبت الماضي عند خبر نشرته صحيفة الجمهورية في صدر صفحتها الأولي تحت عنوان هل تشتري إسرائيل مبني الجامعة الأمريكية بالتحرير..؟! وقالت الصحيفة ان اسرائيل تكثف جهودها الآن لشراء مبني الجامعة الأمريكية بعد انتقالها إلي مقرها الجديد في القاهرة الجديدة وأن مجلس أوصياء الجامعة كلف عددا من اساتذة ادارة الاعمال والهندسة لإعداد مناقصة لتحديد قيمة الشراء دون النظر لجنسية أو ديانة المشتري.
ولا أحد يعلم لماذا تفكر اسرائيل في شراء هذا المكان التاريخي وفي هذا الموقع البالغ الاهمية امام مبني المجمع والمبني القديم لوزارة الخارجية المصرية.. ومقر جامعة الدول العربية والمتحف المصري العريق.. والمعروف ان هناك مناطق تاريخية ملحقة بمبني الجامعة الأمريكية ومنها قاعة ايوارت الأثرية بجانب المكتبة الرئيسية..
ومن حق اسرائيل ان تفكر في شراء هذا المبني العريق.. ومن حق الادارة الامريكية ان تبيعه لمن تريد بالسعر الذي تريد.. ولكن من حقنا كشعب ان نعلن من الان وقبل ان تبدأ المفاوضات رفضنا لهذه الصفقة..
فهل يمكن ان يجيء يوم ونجد فيه جامعة عبرية صهيونية في قلب ميدان التحرير.. وهل يمكن ان نجد العلم الاسرائيلي مرفوعا بجوار اعلام الدول العربية في قلب قاهرة المعز.. وهل انتهت كل مشاكل وازمات الصراع العربي الاسرائيلي ولم يبق غير ان نبيع جزءا عزيزا من ميدان التحرير لاسرائيل..
لقد سلبت اسرائيل وطنا عربيا كاملا.. واحتلت جزءا عزيزا من مقدساتنا.. فهل جاء الدور علينا لكي نبيع ما بقي بين ايدينا.. كنت اتمني ان يصدر بيان من مجلس الوزراء بعد نشر هذا الخبر ينكر الخبر من اساسه أو ان يتبرع احد كبار المسئولين في الدولة بنفي الواقعة أو يوضح لنا الهدف من ذلك.. ولكن لا أحد حاول الرد ولا الحكومة اجابت عن السؤال رغم ان وراء كل وزير الآن متحدثا رسميا بلا عمل..
سوف نسمع من يقول ان مقر الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير ملك لامريكا وان من حق المالك ان يبيع لمن يريد وليس من حق مصر ان تعترض علي من يعرض افضل الاسعار... وفي تقديري ان الادارة الامريكية سوف تسعي بكل الوسائل لاتمام هذه الصفقة لصالح اسرائيل وان اسرائيل سوف تمارس كل الضغوط من أجل الحصول علي هذا المكان في قلب القاهرة.. ولن يكون غريبا أن تهدي أمريكا المبني للدولة العبرية بلا مقابل. وعلينا من الآن ان نستعد لضغوط كثيرة سوف يمارسها الطرفان امريكا واسرائيل من أجل اقناع حكومتنا بهذه الصفقة لأنها تحمل الكثير من الدلائل والمعاني في مسيرة العلاقات بين مصر واسرائيل.
ان اسرائيل تلف وتدور منذ فترة بعيدة لوضع اقدامها فوق التراب المصري وكان خروجها من سيناء من اكثر الايام سوادا في تاريخها وإن احتفظت في اعماقها الخبيثة بأحلام كثيرة مؤجلة..
لقد سعت اسرائيل إلي الحصول علي بعض الامتيازات في سيناء ولم تنجح بل انها حاولت ان تقوم بأعمال كشفية في قطاع الاثار في منطقة سيناء.. وكان الامر الغريب ان مصر اوشكت ان تمنح موافقة لإحدي الشركات القطرية للتنقيب عن الآثار في سيناء.. وتوقف القرار في اللحظة الأخيرة أمام سؤال ملح, وما علاقة القطريين بالتنقيب عن الآثار؟..
وفي محاولة أخري تقدم عدد من المستثمرين العرب لشراء مساحات كبيرة من الاراضي لاستصلاحها في سيناء وصدر قرار بوقف الصفقة ورفض مبدأ بيع أي شبر من اراضي سيناء لغير المصريين وفي محاولة ثالثة حاولت اسرائيل بكل الوسائل الاشتراك في عمليات التنقيب عن الاثار في تل العمارنة ومنطقة الاهرامات جريا وراء استنتاج ساذج ان اليهود شاركوا في بناء اهرامات الجيزة.
وفي صفقات بيع مشروعات القطاع العام تظهر أحيانا وجوه غامضة بعضها عربي وبعضها مصري وهي في كل الحالات تخفي اغراضا مشبوهة لانها مجرد واجهات لآياد خفية ولقد كانت هناك معارضة شديدة في الشارع المصري لبيع الغاز لاسرائيل.. كانت المعارضة من حيث المبدأ.. والاخطر من المبدأ هو إبرام عقد مدته15 عاما بسعر ثابت للغاز رغم ان اسعار البترول ترتفع كل دقيقة وليس كل يوم.. وقد مرت الصفقة وكان ما كان..
ان هناك اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل ولكن لا أحد يضمن النوايا الاسرائيلية خاصة ان السلام في المنطقة مازال متأرجحا بين رغبات اسرائيلية لم تتغير في التوسع والوصاية وفرض سياسة الأمر الواقع.. وسوف نخطئ كثيرا اذا تصورنا ان اسرائيل قد نسيت احلامها في سيناء أو ان اسرائيل تحلم لمصر بمستقبل آمن واقتصاد قوي واستقرار يحقق لها الرخاء والرفاهية.. من هنا يصبح مجرد التفكير في بيع اي موقع مهم او مؤسسة خطيرة لاسرائيل جريمة كبري.. إن رءوس الاموال اليهودية في العالم لديها استعداد لشراء أي شيء يحقق الاستقرار لاسرائيل ويضمن لها التفوق والقوة وفي نفس الوقت فإن اهم عناصر هذه القوة هو السيطرة الاقتصادية لأنها العمود الفقري الذي يقوم عليه النفوذ السياسي والعسكري والبشري. لو فتحنا الباب لرأس المال اليهودي في العالم فسوف يشتري كل شيء خاصة ان لدينا الآن من يؤمن بسياسة بيع كل شيء.. لقد اشترت رءوس الاموال اليهودية آلاف العقارات في القدس بأضعاف اضعاف قيمتها الحقيقية وهناك تبرعات بآلاف الملايين ترسلها الجاليات اليهودية في العالم لبناء المستوطنات وشراء أي شيء في مدينة القدس.. ومن قال إن الاحلام التوسعية لاسرائيل سوف تتوقف عند القدس او لن تتجاوز حدود فلسطين؟!..
يجب ان نراجع كل الصفقات التي يتم بيعها في الأراضي والمصانع والمؤسسات خاصة ان هناك علاقات وطيدة بين مستثمرين عرب ومصريين ورجال اعمال يهود ينفذون خططا مدروسة ومشروعات واضحة للسيطرة والهيمنة وفرض سياسة الأمر الواقع..
من حق الادارة الامريكية ان تبحث عن مشتر يدفع لها اعلي الاسعار وهي تبيع مقر الجامعة الأمريكية في القاهرة ولكن من حق الشعب المصري وليس الحكومة فقط ان ترفض ان تكون اسرائيل هي المالك الجديد.. ان الشارع المصري ليس في حاجة إلي المزيد من الضغوط النفسية والعصبية ويجب ان تكون الحكومة علي وعي كامل بذلك وإذا كانت الادارة الأمريكية ترغب في بيع الجامعة فإن واجب الدولة المصرية ان تشتري هذا المكان بأي صورة من الصور.. وإذا تعذر ذلك علي الحكومة فإن واجب رجال الاعمال الشرفاء ان يحرصوا علي شراء هذا المبني حتي لايقع في يد اسرائيل.. وإذا تعذر هذا أو ذاك فإن واجب السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية ان يفتح اكتتابا باسم الجامعة العربية علي المستوي الشعبي والرسمي في العالم العربي لشراء هذا المبني من الادارة الأمريكية وإلحاقه بالمبني الرئيسي لجامعة الدول العربية بحيث ترتفع عليه اعلام الدول العربية وليس علم اسرائيل.. فمن يعلم ربما افاقت هذه الأمة من غفوتها واستعادت كرامتها وجددت شبابها وعاد للقاهرة رونقها القديم وبريقها الخابي وعادت الجامعة العربية تجمع شمل هذه الأمة.
المهم في كل الحالات ألا يرتفع علم اسرائيل في قلب ميدان التحرير حتي لو دفعت أموال العالم كله.. شيء من الكرامة ياناس.
ويبقي الشعر
بين الهموم أنام الآن في ضجر..
قد هدني اليأس.. فاستسلمت حيرانا
حتي الأحبة ساروا في غوايتهم
وضيعوا عمرنا شوقا.. وحرمانا
خانوا عهودا لنا.. قد عشت أحفظها
فكيف نحفظ يوما عهد من خانا؟
إني لأعجب.. عيني كيف تجهلني
ويقطع القلب في جنبي شريانا؟!
كم عربد الشوق عمرا في جوانحنا
وقد شقينا به فرحا.. وأشجانا
ما سافر الحب.. ما غابت هواجسه
ولا الزمان يطول البعد أنسانا
إن حلقت في سماء الحب أغنية
عادت لياليه تشجي القلب ألحانا
لم يبق شيء سوي صمت يسامرنا
وطيف ذكري يزور القلب أحيانا
