قضايا عاجلة

هوامش حرة

قضايا عاجلة

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



اقترب الصيف ودرجة الحرارة في الشارع المصري ترتفع كل يوم والمواجهات العنيفة في لغة الحوار والصدام المباشر تدعو للقلق والخوف الشديد وما بين أزمة القضاة‏'‏ والجماعة المحظورة‏'‏ وأزمة الصحفيين وعودة الوجه القبيح لقانون الطوارئ و التشرذم الواضح في أداء الحكومة يبدو أمامنا هذا السؤال وما هو الحل‏..‏ أننا جميعا نطرح عشرات الأسئلة ولا نجد الإجابة‏..‏ ونكتب عشرات المقالات ولا نسمع الصدي و كأن كل طرف اكتفي بما عنده فالشارع اكتفي بالصراخ والحكومة اكتفت بالصمت‏..‏ والصحافة حائرة بين الاثنين سواء كانت في خندق مع الشارع أو في خندق أخر مع الحكومة وللأسف الشديد أن الكلام الآن هو سيد الساحة رغم أننا أحوج ما نكون لصوت الحكمة والعقل حتي نتدبر أحوالنا ونواجه مشاكلنا ونحسم قضايانا المؤجلة‏..‏



وفي تقديري أن هناك ثلاث قضايا يمكن أن نتخذ فيها مواقف وإجراءات واضحة ولكن المهم أن يكون هناك قدر كبير من الحسم وقدر أكبر من المراجعة والجدية‏.‏



أولا‏:‏ مازلت أعتقد أن قضية الخصخصة وبعد مرور سنوات طويلة من بدء برنامجها مازالت تطرح أكثر من سؤال‏..‏ أول هذه الأسئلة هل حققت أهدافها وما هي هذه الأهداف وأين حصيلة مبيعات مشروعات القطاع العام وهل يجري استثمارها مرة أخري أم أنها تتسرب في بلاعة الأنفاق الحكومي وهو في مصر ظاهرة من أخطر ظواهر التسيب في التعامل مع المال العام‏..‏



لقد طرحت الحكومات المتعاقبة كل المشروعات للبيع مرة واحدة دون إعداد أو دراسة أو حسابات دقيقة وكانت النتيجة أن عمليات البيع تعثرت في أحيان كثيرة وأصبحنا‏'‏ ندلل‏'‏ علي مشروعاتنا وكأننا نقف في مزاد لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تهييء المناخ المناسب لأفضل الأسعار وأحسن العروض أمام الهرولة الشديدة والرغبة في التخلص من الأصول‏..‏ ومازال هذا الأسلوب يقدم المشروعات المصرية في صورة لا تليق ولا تتناسب مع قيمتها الحقيقية‏..‏



لقد كانت المنافسة بين الحكومات تقوم علي فكرة من يبيع أكثر وليس من يحقق أفضل النتائج وأعلي الأسعار‏..‏ ولهذا ينبغي أن يعاد النظر في سياسة الهرولة في البيع وألا نعرض كل شيء مرة واحدة وأن نفرق بين المستثمر الجاد ومجموعة السماسرة والمغامرين‏..‏ وبجانب هذا يجب أن نضع ضوابط تحمي حق الشعب في الأصول العقارية من المباني والأراضي حتي لا نجد أنفسنا يوما وقد بعنا كل شيء‏..‏ والأهم من ذلك أن نضع الضمانات بحيث لا تتسرب أموال الخصخصة إلي خزانة الدولة واحتفالياتها وسفريات مسئوليها وتمويل أنشطتها



بإختصار شديد‏..‏ برنامج الخصخصة وبيع القطاع العام قضية تحتاج إلي مراجعة أمينة وصادقة‏..‏



ثانيا‏:‏ أمامنا قضية الأنفاق الحكومي والتجاوزات الخطيرة في أنفاق المال العام وفي الأسبوع الماضي قدم د‏/‏جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لمجلس الشعب والحكومة لأول مرة مراجعة كاملة للحسابات الختامية للدولة عن عام‏2005/2004‏ وهو العام الأول في حكومة د‏/‏ أحمد نظيف رئيس الوزراء الحالي تقع الحسابات في‏6‏ مجلدات شملت موازنات الجهاز الإداري ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والهيئات الاقتصادية والخزانة العامة ويقع التقرير في‏1249‏ صفحة‏..‏ وفي حديث مع د‏/‏ الملط أكد لي الرجل أن الجهاز المركزي للمحاسبات سيراقب الحكومة في خطة تنفيذها للبرنامج الأنتخابي للرئيس مبارك لأن هذا البرنامج أصبح التزاما علي الحكومة وحقا للشعب وإنه لن ينتظر‏6‏ سنوات حتي تعلن الحكومة أولا تعلن ما نفذته من هذه الالتزامات‏..‏ وهذا يعني أن الحكومة مطالبة الآن بدراسة هذا التقرير وينبغي أن يحدد مجلس الشعب ميعادا قريبا حتي يعرف الشعب الحقيقة‏..‏



أن المتبع أن تناقش هذه التقارير بعد سنوات و تكون الحكومة قد رحلت حيث لا يجدي الحساب أو العقاب ولهذا فإن علي الحكومة الحالية أن تعجل بدراسة هذا التقرير وان ترد عليه‏.‏



أن هناك تجاوزات خطيرة هذا العام في حجم الأنفاق الحكومي في ميزانية‏2007/2006‏ وهذه الأرقام معروضة حاليا علي مجلس الشعب‏..‏ هناك أكثر من رقم تحت بند البدلات وفيها بدلات الملابس والسكن والتمثيل للمسئولين في الدولة‏..‏ الرقم الأول في البدلات يقول إنها‏818‏ مليون جنيه فمن الذي يحصل علي هذه الأموال‏..‏ وأين تذهب‏..‏ أما الرقم الثاني فهو‏811‏ مليون جنيه أخري تحت بند البدلات أيضا أي أن الدولة تنفق أكثر من مليار ونصف مليار جنيه في صورة بدلات فقط‏..‏ وبعد ذلك نطالب المواطنين بالتقشف ونتحدث عن أحوال الدعم وسعر رغيف الخبز‏..‏



هناك أكثر من‏2‏ مليار جنيه تحصل عليها طبقة المستشارين في مكاتب المسئولين وهي مناصب شرفيه لا يقدم أصحابها شيئا‏..‏ وهناك مبالغ أخري في الميزانية أيضا منها مصروفات سرية لبعض الأجهزة والوزارات وهناك ما يسمي جهود غير عاديه لأجهزة لا تعمل‏..‏ وبعد ذلك كله وبعد كل هذه البلايين نجد‏200‏ ألف جنيه فقط في الميزانية لدفن المصريين القادمين من الخارج فماذا عن ميزانية دفن المصريين الأحياء المقيمين في الداخل‏..‏



أن حكومتنا الرشيدة تتصرف بإزدواجية غريبة فهي تنفق المال علي أساس أننا دولة غنية وعندما تتحدث مع الشعب تدعي الفقر والحاجة‏..‏ وعندما تقيم الحفلات والمناسبات السعيدة تنفق ببذخ شديد ولا أعرف سببا لهذا التناقض‏..‏ أننا في حاجة لأن نعيد النظر في حجم الأنفاق الحكومي خاصة مؤسسات الدولة وهيئاتها ولا يعقل أبدا أن نبيع أصول البلد لكي ننفق قيمتها علي الحفلات والمناسبات غير السعيدة‏..‏ لابد ان تعلن الحكومة سياسة واضحة للتقشف في أجهزتها لأن الشعب وصل إلي أقصي درجات التقشف ولا يستطيع أن يتقشف أكثر من هذا وعلي الحكومة أن توقف برنامجها الترفيهي في شراء السيارات وتأثيث المكاتب وإقامة الحفلات والتنقل بين العواصم العالمية‏.‏



ثالثا‏:‏ أن قضية الخصخصة وقضية الإنفاق العام تحملنا بالضرورة إلي قضية أهم وأخطر وهي قضية الديون‏..‏ إن الواضح في سياسة الحكومات المتتالية أن كل واحدة منها تلقي كل الأعباء علي من سيجيء بعدها ولهذا فإن حجم الدين العام يزداد من حكومة لأخري‏..‏ لقد أعلن د‏/‏ نظيف رئيس الوزراء أخيرا أن حجم الدين العام قد وصل إلي‏650‏ مليار جنية وهو رقم مخيف إذا تصورنا حجم فوائده السنوية والذي يصل إلي أكثر من‏45‏ مليار جنيه أي أن خدمة الديون وحدها ستصل إلي أكثر من‏250‏ مليار جنيه في أقل من خمس سنوات‏..‏ وفي تقديري أن نزيف الدين العام ينبغي أن يتوقف في ظل سياسة واعية وحاسمة وسريعة‏..‏ لقد قرأت أخيرا أن الدولة تفكر في سداد جزء من الديون بأصول عينية ولا أدري كيف سيتم ذلك خاصة أن الديون منها الخارجي وهو‏32‏ مليار دولار ومنها أموال التأمينات التي اقترضتها الحكومة ومنها ديون بنك الاستثمار القومي‏..‏ والواضح أن أسرع الطرق وأسهلها لدي الحكومة في أي أزمة من الأزمات أن تقترض سواء من الداخل أو من الخارج ولعل ذلك هو السبب أن الزيادة في حجم الديون قد تجاوزت في أقل من عامين‏150‏ مليار جنيه‏..‏ وهذا يتطلب قرارات حاسمة بوقف عمليات الاقتراض الخارجي

والداخلي وأن توازن مؤسسات الدولة مواقفها المالية تحت أي ظرف من الظروف‏..‏



ولا يعقل أن نترك هذه المؤسسات تقترض مئات الملايين ثم نعرضها بديونها للبيع في نطاق برنامج الخصخصة‏..‏ أن بقاء المشروعات بلا ديون وبلا بيع أفضل كثيرا من عرضها وهي مكبلة بالديون‏.‏



هذه القضايا الثلاث في تقديري أهم وأخطر ما يواجه مصر الآن ليس فقط لأنها تهدد الحاضر ولكن لأنها نزيف دائم للمستقبل وكيف نضمن هذا المستقبل لمجتمع يتعثر ما بين الخصخصة والإسراف في الإنفاق وتزايد حجم الدين العام في ظل غياب كامل لدورالأجهزة الرقابية التي لا يسمعها أحد‏..‏



ويبقي الشعر



اغضب‏..‏ فإن الله لم يخلق شعوبا تستكين

اغضب‏..‏ فإن الأرض تحني رأسها للغاضبين



اغضب‏..‏ فإن الريح تذبح سنبلات القمح‏..‏

تعصف كيفما شاءت‏..‏ بغصن الياسمين



اغضب‏..‏ ستلقي الأرض بركانا‏..‏

ويغدو صوتك الدامي نشيد المتعبين



اغضب فإن حدائق الزيتون‏..‏

لا تؤوي كلاب الصيد‏..‏



لا تنسي دماء الراحلين

الأرض تحزن‏..‏حين ترتجف النسور‏..‏



ويحتويها الخوف‏..‏ والحزن الدفين

الأرض تحزن حين يسترخي الرجال‏..‏

مع النهاية‏..‏ عاجزين



اغضب فإن قوافل الزمن الملوث‏..‏حرق الأحلام‏.‏

في عين الصغار الضائعين


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads