من الأولي بالحوار ؟

هوامش حرة

من الأولي بالحوار ؟

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



سألت نفسي وأنا أتابع ما يجري في مؤتمر دافوس في شرم الشيخ من مناقشات وحوارات بين كل ألوان الطيف السياسي والاقتصادي والفكري في العالم وبيننا‏..‏ إذا كان الحوار ممكنا وإذا كنا نسعي إليه بالفعل مع ما نسميه الأخر‏..‏ فلماذا نتجاهل الحوار مع أنفسنا‏..‏ إذا كنا دعونا كل من هب ودب من بلاد العالم لكي نسمعه في بلادنا‏..‏ فكيف لا نسمع شعوبنا وهي الأحق والأولي بأن نسمع كل ما يدور في عقلها‏..‏



أليس غريبا أن يكون الحوار في شرم الشيخ في مؤتمر المنتدي الاقتصادي



الدولي بهذه الصورة الحضارية بينما كانت قوات الأمن المصري وفي نفس اللحظة تحاصر القضاة والصحفيين والمعارضين أمام دار القضاء العالي‏..‏ ولماذا لا يكون الحوار هنا وهناك‏..‏ ولماذا نحرم المواطن صاحب الأرض والحق والحرية أن يعبر عن رأيه حتي لو اختلف معنا شعبا وحكومة‏..‏ ولماذا يكون من حق الأخرين أن نسمعهم بينما نغلق عقولنا عن سماع أنفسنا‏.‏



لا أدري لماذا نستخدم الأشياء دائما في المكان الخطأ‏..‏ والزمان الخطأ ونجد أنفسنا نمسك الهراول والمواقف تكفيها الكلمات ونحجب الكلمة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للحسم‏..‏ إن هذه الظاهرة تعكس خللا في طريقة التفكير وأسلوب التعامل مع القضايا والمشكلات‏..‏ لقد ألقت كل أجهزة الدولة أحمالها علي وزارة الداخلية ووزيرها حبيب العدلي وكادت بقية الوزارات أن تصفي أعمالها وتسرح وزرائها وتكتفي جميعا بوزارة الداخلية لتحل لها كل المشاكل وكل الأخطاء وهذا شيء لا يحدث في أي مكان في العالم لأن المسئولية تعني ان يقوم كل جهاز بدوره وأعماله ولا يتخفي وراء العجز والهروب‏.‏



‏-‏ عندما حدثت مأساة حزب الوفد بين أبناء الحزب العريق من كان الأولي بمواجهة هذه الأزمة وكيف تلقيها الحكومة مرة واحدة علي مائدة أجهزة الأمن‏..‏ ألم تكن هناك خطوات أخري يمكن أن نلجأ إليها‏..‏



أين لجنة الأحزاب في مجلس الشوري ولماذا تركت النيران تشتعل بهذه الضراوة ولماذا لم تحسم المواقف من اللحظة الأولي وإذا كانت هذه اللجنة لا تفعل شيئا فلماذا الإصرار علي بقائها‏..‏ ولماذا استطاعت أن تحسم قضايا أخري قبل ذلك بمنتهي السرعة لقد ألغت حزب العمل في لحظات وأغلقت صحيفته في دقائق‏..‏ وغيرت ملامح حزب الغد فأين كانت لجنة الأحزاب والوفد يحترق ثم في النهاية تلقي كل شيء علي جهاز الأمن للتعامل مع نشاط حزبي الأساس فيه هو الحوار والإقناع والسياسة‏..‏



‏-‏ في كل يوم نجد أمامنا أزمة صحفية جديدة سواء في الصحف القومية أو الصحف المستقلة‏..‏ ما بين أحكام بالسجن‏..‏ أو تجاوزات في لغة الخطاب‏..‏ أو جرائم فساد الأحق بها النائب العام وتسأل عن شيء يسمي المجلس الأعلي للصحافة ولا تعرف له مكانا ولا دورا ولا مسئولية‏..‏ وتكون النتيجة أن تدفع الحكومة بقوات الأمن إذا تنفس أحد المحررين في مبني النقابة أو علي صدر الصحيفة‏.‏ وتحاول أن تسأل ما هي الأزمة التي واجهها المجلس الأعلي للصحافة منذ إنشاءه وماذا يفعل فيه كبار المسئولين والكتاب‏..‏ وما هي الخدمات التي قدمها لصاحبة الجلالة ابتداء بقوانين الحبس وانتهاء بالتجاوزات الصارخة في لغة الخطاب الصحفي ولا تجد الإجابة‏..‏



‏-‏ إذا انتقلنا إلي الاسكندرية ووقفنا علي بقايا ما نسميه الفتنة الطائفية التي تظهر لنا كالشبح بين الحين والأخر‏..‏ وكيف اعتدنا أن نلقي كل شيء علي أجهزة الأمن وتحاول أن تعرف أين المؤسسات الدينية والشعبية وأين رجال الدين وأين المساجد والكنائس؟ وهل يكفي أن يهبط جنود الأمن المركزي علي أي أزمة ونتصور أن هذا هو الحل؟‏..‏ إننا نلجأ عادة لأبسط الحلول وأسوأها في نفس الوقت لأن القوة لا تحل مشاكل‏..‏ ولا تقضي علي تراكمات‏.‏ كان الأولي بمواجهة ما حدث في الاسكندرية هو الأحزاب وحكماء المدينة وقطاعات النشاط المدني قبل الأمن والحكومة‏.‏



‏-‏ وفي أزمة القضاة زادت حدة المواجهة واتسعت دائرة الخلاف وكل مسئول في الدولة يعرف أسبابها منذ نشأ الخلاف بين المجلس الأعلي للقضاء ونادي القضاة حول قضايا أساسية تستطيع الحكومة أن تحسمها ولكن التأجيل والتسويف وكسب الوقت أضاع كل فرص التقارب ووجدنا أنفسنا أمام أزمة أكبر وخلافات أعمق‏..‏ وعدنا مرة أخري لاستخدام عصي الأمن في ظرف يحتاج إلي صوت الحكمة ونداء العقول المستنيرة‏.‏



‏-‏ وعندما غرقت عبارة السلام‏98‏ نزلت قوات الأمن تحاصر أهالي المنكوبين في سفاجة‏..‏ وتنكر الجميع لمسئولياتهم ابتداء بكوادر الحزب الحاكم وانتهاء بالمسئولين في الأجهزة المختلفة المحلية والشعبية‏..‏ وكانت صورة الصدام بين أجهزة الأمن وأهالي الضحايا صورة مؤسفة ومؤلمة وحزينة‏..‏ والغريب أن العالم الخارجي لا يلتقط وسط كل هذه الأحداث إلا صور القضاة وحولهم الأمن المركزي وأهالي العبارة وخلفهم رجال الشرطة‏..‏ ومبني حزب الوفد وهو يحترق‏..‏ يحدث كل هذا بينما بقية أجهزة الدولة نائمة في العسل الأسود‏..‏



‏-‏ وليست هذه هي آخر المآسي التي عجزت أجهزة مسئولة عن مواجهتها وهي تدخل في صميم عملها واختصاصاتها‏..‏ إن ما حدث في ميدان مصطفي محمود مع الأخوة السودانيين كان صورة من صور هذا العجز‏..‏ لقد كان اللاجئون يزدادون كل يوم عددا‏..‏ وكانت هناك أطراف دولية لها علاقة بالقضية‏..‏ وكان ينبغي أن يكون حلها لدي الأمم المتحدة ووزارة الخارجية وشئون اللاجئين ولكننا أجلنا كل شيء حتي وصلنا إلي مواجهة كانت علي حساب سمعة مصر وعلاقة أخوة أزلية بيننا وبين السودان‏.‏



‏-‏ وفي الأسبوع الماضي خسر المصريون بلايين الجنيهات في بورصة الأوراق المالية‏..‏ وكان الأجدر بالحكومة أن تحتوي ثورة الغاضبين الذين خسروا أموالهم وتدفع بخبراء البورصة ورجال الاقتصاد ليوضحوا للناس حقيقة ما حدث وتوجه الإعلام بكثافة وشفافية لكشف الحقائق ومحاسبة المسئولين‏..‏ ولكن الحكومة دفعت بقوات الأمن لتحترق السيارات وترتفع الصرخات في موقف يحتاج للإقناع والعقل والحكمة وليس للأمن المركزي‏.‏



‏-‏والأغرب من ذلك كله أن هناك قضايا كثيرة تحتاج بالفعل إلي الحسم الأمني والمواجهة الجادة من قوات الأمن وهي قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام في كل يوم تنتشر علي صفحات الجرائد القومية والمستقلة جرائم نهب المال العام ونقرأ عن المحاكمات والجلسات والمناقشات ولا تصل الأمور إلي شيء‏..‏ إن هذه المجالات هي الأولي والأحق بقوات الأمن حتي تستعيد الدولة حقوقها وهيبتها أمام الهاربين والأفاقين‏..‏ ولكن في زحمة الأحداث يسافر من يسافر ويهرب من يهرب وكل هذا تحت أعين المسئولين‏..‏ ويكون من السهل جدا أن تنام القضايا‏..‏ ويتسلل اللصوص‏..‏ وتحفظ الملفات رغم أن الأمن هو الأحق بهذه النوعية من القضايا أما قضايا الفكر والسياسة وخلافات الرأي فمجالها الحوار‏.‏



وأعود إلي نقطة البداية أننا كثيرا ما نلجأ للقوة في حين كان يكفينا الحوار وقليلا ما نلجأ للأمن في قضايا تدخل في صميم عمله‏..‏ ولهذا تختل في أيدينا الموازين ونجد أجهزة مسئولة لا تقوم بدورها ولا تؤدي مسئولياتها ونجد أنفسنا عاجزين في مواقف تفاقمت فيها الأزمات وكان من السهل جدا حصارها لو أن ذلك حدث في الوقت المناسب‏.‏



يجب أن نحفظ لجهاز الأمن هيبته ومسئوليته في حماية الشعب المصري ولا ينبغي أن ندفع به في كل صغيرة وكبيرة ونشوه صورته أمام مواطنيه ويتحول إلي أداة قمع تتعارض تماما مع دوره ورسالته‏.‏



وإذا كانت الحكومة تنزعج من المظاهرات فلماذا لا نفعل ما تفعله الدول المتقدمة ونخصص ساحة للتظاهر والتعبير عن الأراء بعيدا عن الزحام وتكدس السيارات‏..‏ وحصار الأمن‏.‏



وإذا كانت الدولة جادة فيما يسمي الإصلاح السياسي فهذا الإصلاح له طريق واحد هو الحوار ولهذا لا ينبغي عليها أن تخلط الأوراق بين مسئوليات أجهزة سياسية يجب أن تقوم بدورها وأجهزة أمنية هي بكل المقاييس لن تكون بديلا عن الحوار‏..‏



ويبقي الشعر

 
اغضب‏..‏ فإن العار يسكننا

ويسرق من عيون الناس لون الفرح‏..‏

يقتل في جوانحنا الحنين

ارفض زمان العهر‏..‏

والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين‏..‏

اغضب‏..‏ ففي جثث الصغار

سنابل تنمو‏..‏ وفي الأحشاء ينتفض الجنين

اغضب‏..‏ فإنك إن ركعت اليوم‏..‏

سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads