لماذا يكرهنا الغرب

هوامش حرة

لماذا يكرهنا الغرب

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



أسأل نفسي أحيانا لماذا يرفضنا الغرب‏..‏ ولماذا كانت درجة الرفض في السنوات الأخيرة عنيفة وحادة‏..‏ هل هي لغة المصالح التي زادت بها حدة الأطماع والأهداف‏..‏ هل هو التوحش المادي الرهيب الذي أفقد الإنسان قدرته علي أن يمارس إنسانيته بالعدل والرحمة‏..‏ هل هو خلاف الثقافات والأفكار والمشاعر‏..‏



كثيرا ما دارت هذه التساؤلات في رأسي وأنا أتابع هجوما هنا ضد رمز عظيم من رموزنا كما حدث في كوبنهاجن مع رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أو في استهزاء واضح وصريح بقيم نعتز بها أو طقوس نمارسها‏..‏ وفي أحيان كثيرة تطفو خلافات السياسة ومصالحها فنجد من يستبيح حقوقنا ويسخر من أفكارنا‏..‏ وهنا يطرح هذا السؤال نفسه‏..‏ هل يكرهنا الغرب‏..‏ وما أسباب هذه الكراهية وهل هناك جذور تاريخية كانت وراء هذه المشاعر المريضة‏..‏ ؟



إذا كان للكراهية أسباب ومبررات فإن لدينا أسبابا أكثر لكي نكره الغرب‏..‏ وهنا تصبح الكراهية من جانب الغرب لنا تجاوزا لا مبرر له‏..‏ إن الغرب هو الذي احتل أراضينا وأضاع منا فرص النمو والتطور والرفاهية وهو الذي استولي علي مواردنا وأقام بها مشروعاته الكبري‏..‏ وهو الذي سخر قدراتنا البشرية والإنسانية لكي يشيد صرح حضارته الحديثة‏..‏ إن عبيد الدول الفقيرة هم الذين شيدوا مترو الأنفاق في انجلترا منذ عشرات السنين بالدم والعرق‏..‏ وعبيد الدول النامية هم الذين أقاموا الطرق الكبري في أمريكا واكتشفوا مناجم الفحم والذهب وهذه العبودية وتجارة الرقيق مبرر يكفي لأن يكره الإنسان العالم كله‏..‏



أن أول دروس العبودية نشأت وترعرعت في بلاد الديمقراطيات العظمي التي تتغني الآن بحقوق الإنسان‏..‏ وإذا كانت للكراهية مبررات فإن الغرب هو الذي حارب الدول النامية ووقف أمام تطورها عندما نشر الجهل والتخلف وجعل منها حقول تجارب واستولي علي أفضل عناصرها البشرية ونهب عن قصد كل ثرواتها الفكرية والإبداعية ممثلة في هجرة أفضل العقول فيها‏..‏



والغرب هو الذي استولي علي موارد هذه الشعوب وسخرها لمصالحه وإنجازاته‏,‏ ما أكثر المبررات التي يمكن أن تدفعنا لكي نكره الغرب ولكننا في الواقع تجاوزنا كل هذه المشاعر السلبية وتعلمنا في جامعاته وتأثرنا باسلوب حياته ونقلنا عنه أفضل ما فيه من أفكار حول الحريات وقوانين تسعي للعدالة‏..‏ وسلوكيات تجعلنا نعيش روح العصر الذي يعيش فيه‏..‏ والغريب أن الغرب بعد ذلك كله يشعرنا في كل لحظة بأنه لا يرفضنا فقط ولكنه يكرهنا بالفعل ولا يحترم قدرتنا ويشكك دائما في إمكاناتنا كشعوب وأمم‏..‏



إن هناك أسبابا موضوعية يمكن أن نعترف بها كمبررات لهذا الرفض تأتي في مقدمتها‏..‏ أن العرب أصيبوا في السنوات الأخيرة بحالة من الجمود في الفكر والسلوك والتفاعل مع الحياة وقد انعكس ذلك علي مدي قبولهم أفكار الآخرين وكانت أهم مظاهر هذا الجمود حالة التخلف السياسي التي أعقبت مرحلة من الفوران شهدتها حركات الاستقلال الوطني ومقاومة الاحتلال الأجنبي‏..‏ لقد دخل العرب في حالة استرخاء غريبة أقرب للغيبوبة علي كل مستويات التفاعل ورد الفعل وقبلوا منظومة سياسية متخلفة وتنازلوا عن بديهيات الحقوق بل إنهم قبلوا التعامل مع ألوان مختلفة من ألوان البطش والتسلط لا تقبلها شعوب أخري في كل الظروف والأحوال‏..‏



في جانب آخر فإن منظومة القيم السلوكية التي كانت تميز الإنسان العربي في نموذج الأسرة والعلاقات الإنسانية والسلوكيات الأصيلة مثل الكرم والوفاء والنخوة سقطت أمام منظومات أخري مثل الانتهازية والعنف وسطوة المال وغياب العدالة‏..‏ وهنا كان لظهور البترول وتضخم الثروة لدي الأفراد والحكومات أثر كبير في اختلال السلوكيات وقد انعكس ذلك علي صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي في سفه الانفاق والجري وراء الغرائز وعدم احترام قيم مثل العمل والتميز والتفوق‏..‏ في جانب آخر سادت في الساحة العربية أنماط ثقافية عادت بنا قرونا للوراء تحت دعاوي الدين حينا والجذور في أحيان أخري وإن افتقدت في كل الحالات روح العصر ومؤثراته‏..‏



وإذا كانت لدينا القدرة كعرب ومسلمين علي أن نعترف بما فينا من عيوب فإن عنصرية الغرب وأنانيته جعلته دائما يرفض مبدأ الحوار اما تعاليا أو غرورا وإذا كان البعض منا يدعي أننا كشعوب نرفض الحوار مع الآخر فإن الحقائق تؤكد أن الآخر هو الذي يرفض الحوار‏..‏ ومن هنا كان سعي الغرب دائما إلي تجنيد بعض العناصر فكريا وسياسيا وسلوكيا حتي تكون أدواته للتغيير وهذا مفهوم خاطيء يقوم علي سوء النيات وليس نبل الأهداف‏..‏ ومن هنا وجدنا جماعات صغيرة تسبح باسم الغرب ليس بدافع الإيمان بالفكر والرؤي ولكن لارتباط بمصالح وأغراض كانت أبعد ما تكون عن أهداف الإصلاح أو التغيير‏..‏ والغريب أن يكون الرفض الثقافي والحضاري والديني والسلوكي هو الأساس الذي يقوم عليه موقف الغرب منا في حين نجد ثقافات أخري كانت لديها قدرة أوسع علي الحوار والتفاعل وقبول الآخر‏..‏



إن وسط آسيا وقد جمع حضارات مختلفة منها الصينية والهندية والفارسية استطاعت هذه الحضارات أن تستوعب الحضارة الإسلامية والعربية وأن تفرز رموزا تحمل هذا التنوع الكبير بين الثقافات برغم اختلاف اللغات والأجناس والعقائد فأخرجت طاغور وغاندي البوذيين كما أخرجت اقبال والخيام المسلمين‏..‏ وفي الوقت الذي عاشت فيه أقليات مسيحية ويهودية في قلب العالم الإسلامي فإن الغرب كان دائما ومازال يرفض الأقليات المسلمة في بلاده‏..‏ وهنا يمكن أن نقول ان العنصرية الغربية هي التي جعلت الغرب من حين لآخر يهاجم الإسلام العقيدة ويهاجم محمدا عليه الصلاة والسلام النبي ويهاجم العرب والمسلمين كأجناس بشرية أي أن العنصرية داء غربي وإن حاول الغرب الحاقه بالعرب والمسلمين‏..‏



ولكي نصل إلي صيغة للحوار لابد أن تكون نقطة البداية إيمانا حقيقيا من كل الأطراف بجدوي وضرورة هذا الحوار وأن يتخلص العرب والمسلمون من حساسيتهم القديمة تجاه الآخر وأن يتخلص الغرب من عنصريته وتعاليه وغروره واعتقاده بأنه الجنس الأفضل والفكر الأكثر تقدما وحضارة‏..‏ ولكي يقبل كل منا الآخر لابد أن يحترم جوانب تكوينه ومقومات ثقافته يدخل في ذلك احترام مقدسات الآخرين وسلوكياتهم وجذورهم الحضارية‏..‏ من الخطأ أن نتصور يوما أن يصير الغرب شرقا ومن الخطأ أيضا أن يتصور الغرب أن يصير الشرق غربا ولهذا ينبغي أن نلتقي في منتصف الطريق بين حضارة معاصرة لا يمكن الخروج منها أو الاستغناء عنها ومكونات ثقافية تاريخية لا ينبغي التفريط فيها‏..‏ وقبل هذا كله يجب أن ينزع كل طرف من الأطراف تلك المخالب التي حملها الزمن وأكدتها الأحداث فلا يطمع الغرب في مواردنا ولا نستعيد معه أحاديث الأمس وما فيها من خطايا الاستعمار والاحتلال والتبعية‏..‏ وقبل هذا كله أن تتسم العلاقات بين الشعوب بقدر من العدالة لأن الظلم الذي يمارسه الغرب علينا سواء في الماضي أو الحاضر يمثل وصمة في التاريخ الإنساني وما يحدث الآن في المنطقة العربية والعالم الإسلامي من عدوان سافر أكبر دليل علي العنصرية الغربية القبيحة التي لا تؤمن بالحوار‏..‏



ويبقي الشعر




لن تسمعوا صوتي‏..‏ ولا صرخاتي

ما عـاد يجدي النصح في الأموات



من منجدي في الحرب‏..‏ سيف عاجز

أم أمــــة ركـــــعت لقــــهـــــر غــــــزاة



من سامـــعي في الأســـر‏..‏ ليل حالك

أم أمــــــة سكـرت علــي مأســــــــاتي



من منقـــذي في الموت‏..‏ عـهد خائن

أم موكـــب للشـجب والصــيــحـــات



من أرتـــجي والعـــــــار يســــكن أمـــــــة

كفنتــــــهـــــا في القلب مــن سنوات



من منقــــــــذي والدم بــين عروقنـــــــا

يغـــلي بــنـار الحـــــقـــــد واللعـــنات



إني سئــمــت النصح من كـــهـــانـــهــا

مــــا بـين عــــهـــد كـاذب‏..‏ وعظات
 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads