السلام ومواكب المنتفعين

هوامش حرة

السلام ومواكب المنتفعين

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة

 

لم أقتنع يوما بأن إسرائيل يمكن أن تكون داعية سلام أو دولة أمن أو حكومة تسعي للاستقرار‏..‏ ولم يكن ذلك موقفا عدائيا مسبقا بقدر ما كان نتيجة لمواقف وتاريخ طويل حدد شكل العلاقة بيننا وبين إسرائيل خاصة أننا جيل عاش تجارب كثيرة قاسية ومؤلمة في قصة الصراع العربي الإسرائيلي فمازلنا نذكر شبابنا من الشهداء الأبرار‏..‏ ومازلنا نذكر أطفال مدارسنا الذين قتلتهم يد البغي والعدوان ومازلنا نذكرعشرات السنين التي ضاعت منا بين الأمل والانكسار والهزيمة والنصر‏..‏ولهذا لم أكن يوما من الأيام علي قناعه بأن السلام أصبح حقيقة وأن الوصول إليه أصبح أمرا سهلا وممكنا رغم إنه لا يوجد عاقل لا يؤمن بالسلام ولا يسعي للأمن والاستقرار‏..‏ وفي فترة من الفترات تصور البعض منا أن الطريق إلي السلام والأمن أصبح حقيقة لا جدال فيها وهنا بدأت مواكب التطبيع وتسربت بيننا أشكال غريبة من البشر من أصحاب الأغراض والمصالح ووجدنا طابورا خامسا لا يخجل من أن يكشف عوراته للناس وهو يدافع عن إسرائيل الفكرة والوطن والقضية‏..‏



وبدأت الوفود تتدفق إلي تل أبيب تحت ستار السياحة أو الثقافة أو السياسة‏..‏ أو بحثا عن عمل ودخلنا في سرداب طويل مظلم من العلاقات المشبوهة ما بين الكويز وصادراتنا الحائرة‏..‏ والغاز وأسعاره الغريبة والغموض الشديد في الأدوار والمسئوليات والعلاقات‏..‏



وبدأ البعض يتحدث عن ثقافة السلام بينما يتحدث البعض الآخر عن أدوار جديدة وعلاقات أكثر تطورا‏..‏ وتسرب مع هذا عدد كبير من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بعلاقات خاصة مع إسرائيل في مجالات متعددة‏..‏ وبدأت مواكب السياح تدخل سيناء بدون تأشيرة دخول‏..‏ ومع السياح كان عملاء الموساد يتسللون إلي مواقع كثيرة في عملية اختراق شملت كل جوانب حياتنا‏..‏ ومع هذا كان هناك دور أخر يتسم بالغموض وعدم الشفافية في بيع مشروعات كثيرة لأسماء الظاهر فيها أنها عربية أو أجنبية وهي في حقيقتها إسرائيلية الأصل والهوي والمصالح‏..‏



وفي سنوات قليلة استطاعت إسرائيل أن تعرف عنا كل شيء خاصة أنها وجدت طابورا طويلا من المتبرعين من أصحاب المصالح لديه استعداد كامل لأن يقدم خدماته من كل لون ونوع والغريب أن هذه الكتيبة من أصحاب المصالح كانت تشغل مواقع هامه في الاقتصاد والسياسة والفكر والإعلام‏..‏



علي جانب آخر كان هناك إهمال واضح وصريح لقضية الأمن القومي المصري خاصة في بعض مناطقه الحساسة التي كانت تتسم دائما بالحذر والحسابات الدقيقة والمواقف الواضحة‏..‏ وكان من أخطر مظاهر إهمال الأمن القومي المصري ما حدث في سيناء وهي تمثل أهمية خاصة في جغرافيا الوطن وأمنه واستقراره لقد عادت سيناء منذ أكثر من ربع قرن من الزمان وحتي الآن لم تدخل نسيج المجتمع المصري لأنها كانت دائما ساحة للصراع العربي الإسرائيلي‏..‏ احتلتها إسرائيل في عام‏56‏ واحتلتها مرة ثانية في عام‏67‏ وظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي حتي عادت في بداية الثمانينيات وكانت مشكلة سيناء في النصف قرن الأخير أنها قليلا ما شعرت بالانتماء الحقيقي لمصر وعندما عادت اكتشفت أنها خارج سياق قضايا الوطن وهمومه ومشروعاته وطموحاته نحو المستقبل‏..‏ وفي تقديري أن سيناء أخطر قضايا الأمن القومي المصري وتمثل نقطة ضعف أساسية ينبغي إعادة النظر فيها‏..‏



الجانب الثاني في قضية الأمن القومي هي قضية الانتماء لدي الأجيال الجديدة في ظل مفاهيم عن السلام ونهاية الحروب وكل هذه القصص التي امتلأت بها مفاهيم التعليم والإعلام والثقافة ابتداء بتشويه كل رموزنا التاريخية في البطولة وانتهاء بالتشكيك في كل شيء ابتداء بمعني الاستشهاد والوطن والعقيدة‏..‏ وقد انعكس ذلك علي الأجيال الجديدة خاصة في مواقع هامة تقع عليها مسئولية الدفاع عن الوطن إن هناك ما يسمي العقيدة القتالية التي ينبغي أن نغرسها في نفوس شبابنا وهو يدافع عن وطنه وقد ارتبطت هذه العقيدة بقضايا الاستقلال والدفاع عن الوطن والموت في سبيله وفي السنوات الأخيرة اختلف معني الأمن وتغيرت صورة وتدخلت ما بين أعداء الخارج وأعداء الداخل وأيهما أحق بالمواجهة‏..‏



وفي الوقت الذي أغرقنا فيه شبابنا في مناهج تعليمية مزيفة وكاذبة تجاهلت التاريخ وشوهت الجغرافيا‏..‏ واعتدت علي قدسية الدين وجدنا مهرجانات للعري الثقافي والفني والغنائي‏..‏ وتراجعت قيمة الفنون الجادة وسادت لغة الشذوذ والانحراف تحت شعار الحريات الكاذبة وسقط تاريخ البطولة وطغت علي السطح نماذج متهاوية في السلوك والأخلاق والقيم‏..‏ وما حدث في التعليم والثقافة والفنون حدث في الإعلام الذي اندفع بأجيال مصر إلي ساحات واسعة من الضحالة والسطحية والتفاهة المقصودة وكان الهدف من ذلك كله أن تنسي هذه الأجيال أن هناك أوطانا يمكن أن نموت من أجلها وأن هناك أمنا يجب أن نحرص عليه‏..‏ وأن هناك جذورا يجب أن تمتد في دمائنا جيلا بعد جيل‏..‏ والآن حدث زلزال لبنان الذي كشف عن عورات هذه الأمة وما أكثرها‏..‏ لقد كشف كل ألوان التواطؤ‏..‏ وكل أشكال التردي التي حدثت في حياتنا في السنوات الماضية في ظل أكذوبة السلام التي صدقناها‏..‏ وكان السؤال بعد الزلزال وماذا بعد؟‏..‏ وإذا كان ما حدث في لبنان في الأيام الأخيرة نقطة تحول فما هو المسار الجديد؟‏..‏ هناك حقائق جديدة ينبغي أن نتوقف عندها‏:‏



‏-‏ أن حزب الله انتصر في معركته لأن الحرب كانت بين عقيدتين قتاليتين كل واحدة منها تري أنها علي حق‏..‏ أن إسرائيل تري أن الوطن لها‏..‏ وحزب الله يري أن الوطن يستحق الشهادة‏..‏ وعندما يموت الإنسان في سبيل الوطن‏..‏ فليس لديه شيء أغلي منه‏..‏ فهل أجيالنا الجديدة وجدت هذا المعني طوال الربع قرن الأخير في ظل السلام الواهي‏..‏



‏-‏ ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم والعاقل من وضع في حساباته متغيرات الزمن والمواقف و المصالح والأشياء‏..‏ ولا شك أن إسرائيل لم تكن يوما صديقه لنا‏..‏ وستبقي الأقرب دائما إلي منطقة العداء‏..‏



‏-‏ يجب أن نراجع بأمانة وصدق مواكب المنتفعين الذين استفادوا بخيرات السلام الكاذب اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وإعلاميا وأن نراجع القوائم بدقة وأمانه حرصا علي أمن هذا الوطن واستقراره وحتي لا نترك أنفسنا رهائن لطابور خامس يفعل فينا ما يشاء‏..‏



ويبقي الشعر





مالي أري الخوف فينا ساكنا أبدا

ممن نخاف ألم نعرف أعادينا ؟



أعداؤنا من أضاعوا السيف من يدنا

وأودعونا سجون الليل تطوينا



أعداؤنا من تواري صوتهم فزعا

والأرض تـسبي وبيروت تنادينا



أعداؤنا أوهمونا آه كم زعموا

وكم خدعنا بوعد عاش يشـقينا



قد خدرونا بصبح كاذب زمنـا‏..‏

فكيف نأمل في يأس يمنـينا



أي الحكايا ستـروي عارنا جلل

نحن الهوان وذل القـدس يكفينا



من باعنا خبروني كلـهم صمتـوا

والأرض صارت مزادا للمرابينا



هل من زمان نقي في ضمائرنا

يحيي الشموخ الذي ولـي‏..‏ فيحيينا



يا ساقي الحزن دعني إنني ثمل

إنا شربناه قهرا ما بأيدينا




Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads