هوامش حرة
زلزال لبنان.. فرصة أخيرة
يكتبها: فاروق جـــويـــدة
فاجأت المقاومة اللبنانية الشعوب العربية وهي غارقة في متاهات الإحساس بالعجز والمهانة وانتظار النهايات الحزينة.. وجاءت وقفة لبنان زلزالا اهتزت به كل الثوابت التي اعتدنا عليها في السنوات الأخيرة بين الاستسلام والضعف والتخاذل.. وسط ظلام عربي حالك أطل خلف الأفق ضوء غريب أعاد لنا ذكريات ماض بعيد عندما كان لدينا إحساس بالانتماء وشعور بالكرامة ورغبة حقيقية في الحياة.. كانت الشعوب العربية غارقة حتي النخاع في قضايا غريبة تبدأ بالفضائيات العارية طوال الليل وتنتهي بمساجلات غريبة عن السحر والزواج بالعفاريت وألاف الفتاوي التي تحرم كل شيء أو تبيح كل شيء.. وما بين اللحم العاري والدين المشوه والفساد السياسي والاقتصادي والسلوكي كانت سنوات العمر تمضي ولا أحد يسأل نفسه وماذا بعد كل هذا الضياع وهو ليس ضياع أفراد بل ضياع أمة.
كانت عاصمة الرشيد قد سقطت أمام القوات الأمريكية الباغية.. وكان الرئيس بوش يعد احتفالا كبيرا بإنتصاره.. ولكن الحسابات تغيرت أمام بركان صاخب أطاح بكل أحلام الإدارة الأمريكية في العراق وغرق بوش وعصابته في مستنقع الدم ويبدو أنهم لن يخرجوا منه أبدا..
في جانب آخر كانت المقاومة الفلسطينية تحاصرها المؤامرات من كل جانب فلا مفاوضات السلام وصلت إلي شيء.. ولا أعمال المقاومة وجدت من يساندها وترنحت القضية الفلسطينية وزعيمها قابع في سجنه في رام الله حتي أكملت المؤامرة فصولها برحيله.. ومات عرفات وانتهي معه عصر وتاريخ وزعامة..
وما بين خرائط الطريق ومئات اللقاءات والاجتماعات تاهت القضايا الحقيقية وبدأت رحلة جديدة من الصراعات تهدف إلي تهميش دور المقاومة والسعي نحو سلام لا يجيء.. وكانت المفاجأة الكبري وصول حماس إلي السلطة في فلسطين وثارت الإدارة الأمريكية والإدارة الإسرائيلية والكثير من الإدارات العربية وحتي السلطة الفلسطينية نفسها أصابتها حالة من الشلل والارتباك..
ووقفت الحكومات العربية حائرة امام رغبة أمريكية إسرائيلية في تصفية حماس.. ورغبة أخري في القضاء علي حزب الله ورغبة ثالثة في شرق أوسط جديد.. وزاد عدد الرغبات.. وهنا عاد الحديث عن السنة والشيعة والصراعات القديمة وحاولت أمريكا إخراج هذه الفتن من جحورها لعلها تكون مخرجا لها من أزمتها.. وأمام فشل أمريكا في العراق.. وفشل إسرائيل في فرض صورة السلام الذي تريده.. والخلاف الرهيب بين أمريكا وإيران حول مشروعها النووي كانت المغامرة الإسرائيلية الأمريكية باجتياح لبنان..
كانت إسرائيل تتصور كما تصور الرئيس بوش وهو يحتل بغداد أن الرحلة سهلة وأن الانتصار أمر محسوم وأن المغامرة تحتاج أياما معدودة لتحسم كل شيء.. ولقيت إسرائيل في لبنان أكثر مما لقيه بوش في بغداد وهنا كانت بداية الزلزال..
استطاعت قوات حزب الله أن تصمد امام الآلة العسكرية الصهيونية وأن تكبدها خسائر فادحة لم تحدث من قبل.. ووصلت صواريخ حزب الله إلي أماكن لم تتعرض للقصف منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي.. وبدأت الآلة العسكرية الإسرائيلية تتخبط لتوجه ضرباتها العشوائية المجنونة إلي المدنيين في كل جزء من التراب اللبناني.. كانت إسرائيل تحاول أن تزرع نفس البذور التي زرعتها الإدارة الأمريكية في العراق ما بين السنة والشيعة.. وكانت هذه هي أول خسائر إسرائيل في المعركة لقد تجمع الشعب اللبناني كله حول حزب الله ابتداء برئيس الدولة المسيحي وانتهاء برئيس الحكومة السني ورئيس مجلس النواب الشيعي.. وقف لبنان بكل طوائفه يقدم نموذجا رائعا في الوحدة والمقاومة بين أبناء الشعب الواحد..
ووصلت الضربات الموجعة إلي قلب إسرائيل ومنها لي القرار الأمريكي في واشنطن التي رفضت وقف العدوان الإسرائيلي في مجلس الأمن وأرسلت قنابلها الذكية لتحصد بها إسرائيل أرواح أطفال لبنان من السنة والشيعة والمسيحيين..
ووقف الشارع العربي وراء المقاومة اللبنانية وتراجعت الحكومات العربية عن مواقف متسرعة أدانت فيها بلا مبرر المقاومة اللبنانية.. ومازالت أصداء الزلزال تهز أرجاء المنطقة كلها بل تهز أرجاء العالم..
وما حدث في لبنان درس يجب أن يستوعبه الجميع شعوبا وحكومات..* أن إسرائيل كائن وحشي لا يمكن أن يقبل السلام وأن التعايش مع هذا الكيان السرطاني أمر غاية في الصعوبة بل أمر مستحيل.. وعلي كل الذين راهنوا علي معادلة سلام واستقرار في المنطقة أن يراجعوا حساباتهم لأن الوحشية الإسرائيلية لا تؤمن بمنطق السلام..
* أن العرب أسرفوا كثيرا في الخضوع للإدارة الأمريكية وأن أمريكا لم تضع في حساباتها يوما مصالح هذه المنطقة وأحلام شعوبها في حياة مستقرة كريمة.. أن أمريكا تحمل نفس السمات التي حملها يوما الاستعمار الغربي القبيح في فرض الهيمنة ونهب ثروات الشعوب وإزلال شعوبها.. ومن الخطأ الجسيم أن تقبل الدول العربية شعوبا وحكومات كل ما تريده أمريكا فإذا رفضت حماس علينا أن نرفضها وإذا أدانت حزب الله علينا أن ندينه وإذا تركت إسرائيل تعربد في المنطقة علينا أن نصمت وإذا أرادت شرق أوسط جديد فلا شيء غير السمع والطاعة.. لقد اكتشفنا أخيرا نتائج هذا الصمت وأدركنا أن الخلافات التي حدثت بين السلطة الفلسطينية وحماس كانت بسبب إسرائيل وأمريكا وأن محاولات الوقيعة بين حزب الله والشعب اللبناني كانت بإيعاز من أمريكا وأن أدانه الحزب عربيا وإسلاميا كانت رغبة أمريكية.. وأن إشعال الفتن بين السنة والشيعة هدف أمريكي.. ما الذي ننتظره بعد ذلك حتي نتأكد أن هناك تعارضا أساسيا بين مصالح أمريكا ومصالح الشعوب العربية ما الذي نريده أكثر من القنابل الذكية التي حصدت أطفال قانا حتي نتأكد أن أمريكا تريد هدم كل مقومات هذه الأمة.. ما الذي نريده أكثر من رفض أمريكا وقف الحرب في لبنان حتي تكمل إسرائيل مهمتها في تدميره.. وما الذي ننتظره بعد سقوط بغداد وانهيار الدولة العراقية وتشريد شعبها وتدمير كل ما فيها حتي لا نضع أمريكا في مكانها الصحيح كعدو لهذه الأمة.. ماذا بعد تدمير لبنان.. وتدمير الضفة.. وتدمير غزة وما لحق بهذه الأمة من الخراب والدمار علي يد القوات الأمريكية والإسرائيلية..
هل من المنطق أن نتحدث عن سلام متخاذل عاجز ضعيف هل من العقل أن ننتظر دعما أمريكيا يعيننا علي بناء مستقبل أفضل لشعوبنا.. هل ننتظر مشاركة إسرائيلية في صنع حياة كريمة لهذه الأمة.. أن زلزال لبنان كشف أمامنا كل الحقائق.. أن أمريكا وإسرائيل مشروع واحد وليس لنا مستقبل أو مكان في هذا المشروع الاستعماري القبيح.. أن كل من يساند هذا المشروع ويدعو له يعمل ضد مصالح هذه الأمة وعلي كل واحد منا أن يتحسس رأسه لأن الدور عليه.. لقد مرت علينا تجارب كثيرة سابقة لم نتعلم منها ضاعت فلسطين ونحن نتصارع.. وخسرنا الحرب أمام إسرائيل أكثر من مرة ولم نتعلم.. وجاءتنا يوما فرصة لاستعادة الكرامة في حرب73 وأجهضها مشروع أمريكي مغرض حيث خدعتنا مقولة أن في يدها كل أوراق اللعبة..
لقد فشلت كل مساعي السلام لأن إسرائيل لا تريده.. وسقطت بغداد تحت نيران الأمريكي القبيح.. وهاهو لبنان يواجه الطاغوت وحده. فهل يمكن أن يكون زلزال لبنان بداية صحوة لأمة أهانت نفسها في كل شيء.. لقد جاءتنا فرصا كثيرة لكي نستعيد كرامتنا وإرادتنا ونحرر قرارنا وللأسف فقد فرطنا فيها جميعا.. وربما يكون زلزال لبنان آخر فرصة لاستعادة ما ضاع واسترداد شيء أسمه الكرامة..
ويبقي الشعر
في صورتـين..
تـسلـم القـدس العريقة للذئاب
ويسكر المتآمرون
شهداؤنـا في كـل شبر يصرخون
بيروت تسبح في الدماء
وفوقـها الطـاغوت يهدر في جنون
بيروت تسألكـم أليس لعرضها
حق عليكـم ؟!.. أين فر الرافضون ؟!
وأين غاب البائعون؟!
وأين راح.. الهاربون
الصامتون.. الغافلـون.. الكاذبون ؟!
صمتوا جميعا..
والرصاص الآن يخترق العيون
وإذا سألت سمعتهم يتصايحون
هذا الزمان زمانـهم
في كـل شيء في الوري يتحكـمون!!
لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنـكم
في كـل شيء خاسرون
لن يترك الطـوفان شيئـا.. كلـكم
في اليم يوما غارقون
تجرون خـلف الموت..
والنخـاس يجري خلفـكـم
وغدا بأسواق النـخاسة تـعرضون
لن يرحم التـاريخ يوما
من يفرط.. أو يخون
كـهانـنا يترنـحون
فوق الكراسي هائمون
في نـشوة السلطان.. والطـغيان...
راحوا يسكرون
وشعوبنا ارتاحت.. ونامت
في غيابات السجون
نام الجميع وكلـهم يتثاءبون
فمتي يفيق النـائمون ؟!
متي يفيق النـائمون ؟!
