لبنان‏..‏ درس للتاريخ

هوامش حرة

لبنان‏..‏ درس للتاريخ

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



أختار لبنان منذ زمان بعيد طريق الأمن والاستقرار والبحث عن الرخاء وسيلة عمل وأسلوب حياة وكانت الثقافة والفن والجمال هي الورقة الرابحة دائما للشعب اللبناني خاصة إنه من أكثر الشعوب العربية نجاحا في السفر والتجارة‏..‏ وفي كل مكان في العالم تجد مهاجرا لبنانيا أختار الغربة طريقا ومن أكثر الجاليات نجاحا في العالم الجالية اللبنانية ومن يذهب إلي أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو حتي أوربا يكتشف أن في كل شارع يسكن لبناني تحدي كل الصعاب وعاش غريبا‏..‏



ولهذا فإن الشعب اللبناني شعب عاشق للحياة وكان من الصعب جدا أن يدمر هذه الحياة‏..‏ ولعل أكبر مفاجأة في تاريخ العرب في السنوات الأخيرة أن تنطلق أكبر وأعنف عواصف المقاومة ضد الكيان الصهيوني المغتصب من بلاد الفن والأرز والجمال‏.‏ وفي تقديري أن هذا ليس أمرا غريبا علي الشعب اللبناني لأن عشاق الحياة هم عادة أكثر الناس دفاعا عنها‏..‏



ولهذا كانت المعارك الشرسة الضارية التي خاضها شباب لبنان في حزب الله شهادة ميلاد جديدة للمقاومة العربية تضاف إلي سجل حافل من ألاف الشهداء الذين ماتوا في سبيل الدفاع عن هذه الأمة‏..‏ أن عشرة ألاف مقاتل وربما أقل من شباب حزب الله لقنوا القوات الإرهابية الصهيونية درسا في الدفاع عن الوطن إن القضية ليست ترسانات أسلحة تتكدس ولكن القضية أن أصحاب الحق دائما هم الأكثر إيمانا بقضايا أوطانهم‏..‏



ولهذا فإن تجربة حزب الله مع إسرائيل تجربة فريدة في كل شيء‏..‏ إنهم المقاومة الوحيدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي استطاعت أن تفرض شروطها بقوة السلاح وليس في كواليس المفاوضات‏..‏ لقد انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد معارك طاحنه استمرت سنوات الجانب الثاني أن حزب الله ليس جيشا تقليديا ولكنهم ألاف من الشباب المؤمن بقضيته ولدي كل واحد منهم رغبة حميمة في أن يستشهد ألف مرة‏..‏ ولهذا واجهوا الطاغوت ببسالة ويقين‏..‏ أما الجانب الثالث فإن علي رأس هذه الكتيبة العظيمة قائد آمن بقضيته وسخر كل ما لديه من أجلها ابتداء باستشهاد ابنه وانتهاء بحياة بسيطة بين رجاله‏..‏ أنه حسن نصر الله هذا النموذج الإنساني الرفيع لقائد حقيقي يدرك رسالته ومسئولياته ودورة في الحياة‏..‏



أما الجانب الرابع فهو وقوف الشعب اللبناني بكل طوائفه خلف حزب الله حتي هؤلاء الذين يختلفون فكريا ودينيا وسياسيا مع هذا الحزب إلا إنهم يدركون حجم الثمن الذي دفعه والدور الذي قام به‏..‏ والصورة المشرقة التي يمثلها هذا الحزب أمام العالم كله لقد كان اللبنانيون دائما نموذجا للتوحد والتفاهم بين أبناء الشعب الواحد وأن اختلفوا دينا وعقيدة‏..‏



ولهذا لم يكن غريبا أن يصمد حزب الله أمام الطاغوت الإسرائيلي أسبوعين كاملين في مواجهة عسكرية علي كل الجبهات‏..‏ لقد استخدمت إسرائيل ذراعها الطويلة في سلاح الطيران‏..‏ واستخدمت البحرية‏..‏ واستخدمت المدرعات والمدفعية والمروحيات وكانت هناك خسائر في كل هذه المجالات‏..‏ أسقطت المقاومة اللبنانية طائرات إسرائيلية ودمرت الدبابات وأصابت واحدة من أهم البوارج في البحرية الإسرائيلية‏..‏ وصمدت قوات حزب الله أمام العدوان الإسرائيلي صمود الأبطال وقبل ذلك كله كان حديث الصواريخ أروع ملحمة في تاريخ المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني‏..‏ فلأول مرة تصل صواريخ حزب الله إلي قلب إسرائيل وتصيب أهدافها بدقه بالغة‏..‏ ولعل ذلك كله جعل أطرافا كثيرة تعيد حساباتها فيما حدث‏.‏



لقد تصورت الإدارة الأمريكية أن إسرائيل سوف تقضي علي حزب الله خلال ساعات قليلة ولهذا أمهلتها أسبوعا‏..‏ ثم أسبوعين وقدمت لها القنابل الذكية التي تعمل بالليزر‏..‏ وقادت حملة إعلامية ضخمة لتشويه صورة حزب الله في كل بلاد الدنيا‏..‏ ثم سمحت أمريكا لإسرائيل بضرب كل شيء في لبنان ابتداء بالبيوت وانتهاء بالمدارس والمستشفيات‏..‏ ورغم ذلك كله صمدت المقاومة اللبنانية واستطاع حزب الله أن يفوت الفرصة علي كل من راهن علي هزيمته خلال ساعات قليلة‏..‏



أن المؤكد الآن أن إسرائيل قد فشلت في تصفية حزب الله‏..‏ ولا تستطيع القوات الإسرائيلية الآن أن تقول إنها انتصرت علي شباب المقاومة اللبنانية ولهذا عليها أن تعيد حساباتها أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي ساندها في هذه المهمة القذرة أو أمام أصدقائها الذين أغمضوا عيونهم عن الجريمة وانتظروا فرصة نصر لن يجيء‏..‏ أو أمام الإدارة الأمريكية التي وضعت أمالا كثيرة علي إسرائيل لتخلصها من حزب الله‏..‏



أن ما حدث أخيرا علي الساحة اللبنانية شهادة ميلاد جديدة للشعب اللبناني وكأن قدره أن يتصدر كتائب المقاومة العربية في ظرف تاريخي غاية في الصعوبة‏..‏ إنه قدر لبنان العظيم وطن الفن والإبداع والجمال أن يكون اليد القوية التي لقنت العدو درسا لن ينساه في الدفاع عن كرامة أمة مهانة‏..‏ أنه قدر الشعب اللبناني أن يقف وحيدا أمام الطاغوت ليؤكد لشعوب هذه الأمة إنها لن تموت وإنها بعثت مرة أخري علي أطلال وطن عظيم أسمه لبنان دفع فاتورة استرداد الكرامة لهذه الأمة المنكوبة‏..‏



أن ما حدث في لبنان في الأيام الأخيرة درس بالغ الدلالة لمن أراد أن يعرف‏..‏ أنه درس في الإيمان‏..‏ عندما يصبح في ضمير الإنسان أقوي من كل أساليب البطش والموت والدمار‏..‏ وهو درس للشعوب فليست هناك شعوب كبيرة وأخري صغيرة ولكن الشعوب بأدوارها وليست بأحجامها أو ثرواتها ومساحتها والساكنين فيها‏..‏ وهو درس للعالم حينما يناصرالباطل ويكتشف في لحظة أن للحق رجالا حتي ولو كانوا فئة قليلة من الناس ولكنهم الغالبون‏.‏



وسوف يتوقف التاريخ يوما عند شعب عظيم دفع ثمنا غاليا ليمحو عار أمة هانت علي نفسها فكانت علي الناس أهون‏..‏ أن لبنان المقاتل يسكن الآن قلب كل عربي ومهما حدث بعد ذلك فيكفي أن الأسطورة قد سقطت وعلينا جميعا أن نعيد حساباتنا فليس من الحكمة أن يأمن القطيع والذئاب تحاصره‏..‏



ويكفي لبنان أنه في لحظة مضيئة خارج السياق العربي المظلم والكئيب قد محيا عار أمة استسلمت للعجز ورضيت بالهوان‏..‏



ويبقي الشعر

شهداؤنا‏..‏ بين المقـابر يهمسون‏:‏

والله إنـا قـادمون

أحياؤنـا الموتـي علي الشـاشـات

في صخب النـهاية يسكرون

من أجهض الوطن العريق

وكبـل الأحلام في كـل العيون ؟‏!‏



يا أيـها المتـشرذمون

سنخلص الموتي من الأحياء‏..‏

من سفه الزمان العابث المجنون

والله إنـا قادمون

‏'‏ولا تحسبن الذين قـتلوا في سبيل الله

أمواتـا‏..‏ بل أحياء عنـد ربهم يرزقون‏'‏



شهداؤنـا في كـل شبر‏..‏

في البـلاد يزمجرون

جاءوا صفـوفـا يسألون‏:‏

يا أيـها الأحياء ماذا تفعلون ؟‏!‏

في كـل يوم كالقـطيع علي المذابح تصلبون‏!!‏

تتسربون علي جناح اللـيل

كالفئران‏..‏ سرا للذئاب تـهرولون

وأمام أمريكـا‏..‏

تـقام صلاتـكم فتـسبحون

وتطـوف أعينكـم علي الدولار‏..‏

فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدون



صور علي الشـاشات‏..‏

جرذان تـصافح بعضها

والنـاس من ألم الفـجيعة يضحكون

في صورتين تباع أوطان‏..‏ وتسقـط أمة

ورءوسكم تحت النـعال‏..‏ وتركعون‏!!‏

 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads