هوامش حرة
إرهاب الدول والسلام المستحيل..
يكتبها: فاروق جـــويـــدة
اعترف وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة أن السلام مات ولم يبق إلا أن نكفن الفقيد وأن علينا أن نبدأ من جديد في كواليس مجلس الأمن والأمم المتحدة للبحث عن خلاص..
ولم يكن غريبا أن ترفض الإدارة الأمريكية إدانه العدوان الإسرائيلي علي لبنان وتستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن رغم اجماع العالم علي جرائم إسرائيل.. ولم يكن غريبا أن تتفق آراء أمريكا مع دول غربية كثيرة بما فيها الثماني الكبار حول موقفها المؤيد لعدوان إسرائيل علي الشعب الفلسطيني واجتياح غزة وتدمير لبنان.. أن ذلك هو المنطق الطبيعي في عصر فقد كل مقومات الاتزان والتوازن والعدالة والحكمة.. لقد اختلفت المفاهيم وسقطت المرجعيات وأصبح من حق أي طرف دولي أن يفعل ما يشاء ويجد من يسانده حتي ولو كان ذلك ضد كل الأعراف والقيم.. ان انتهاك حرمات الشعوب وتدمير مقوماتها البشرية والاقتصادية والحياتية أصبح أمرا مشروعا تحت ستار محاربة الإرهاب.. وإذا دافعت الشعوب عن حقها في الحياة فما أسهل أن تلصق بها تهمة الإرهاب أما الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه الدول والحكومات وتستخدم فيه كل أساليب القتل والدمار فهو سلوك مشروع في عالم لا يتحدث إلا لغة القوة..
لا أعتقد أن هناك فرقا أو اختلافا بين ما تفعله الآن الترسانة العسكرية الأمريكية في تدمير الشعب العراقي وما تفعله القوات الإرهابية الإسرائيلية في غزة ولبنان أن العدو يستمد شرعيته من منطلق واحد هو أنه محتل وغاصب ويستمد قوته من واقع واحد وهو عجز عربي مهين.. ويستمد مبرراته من أكذوبة واحدة هي مواجهة الإرهاب.. ويستمد أطماعه من مصدر واحد هو استنزاف ثروات الشعوب ونهب مواردها..
ولهذا فإن إسرائيل التي قامت منذ خمسين عاما علي أشلاء الشعب الفلسطيني هي الوجه الآخر لأمريكا التي احتلت العراق منذ عامين ودمرت كل شيء فيه.. اننا في الحقيقة أمام مؤامرة استعمارية رهيبة لا أدري كيف تعاملنا معها و قبلناها أو حتي قبلنا مبدأ التفاهم معها رغم أنها تتعارض في مصالحها وأهدافها وأفكارها مع كل مصالح هذه الأمة.. كيف اختلطت الأوراق أمامنا وتصورنا أننا نتعامل في ظل علاقات ومصالح رغم أن حقيقة ما نراه أننا أمام مؤامرة تكمل فصولها كل يوم لأن احتلال فلسطين بالأمس كان حلقة متصلة مع احتلال العراق اليوم ولا ندري علي من ستدور الدوائر في الغد القريب أو البعيد..
لقد اعتقد البعض أن الظلال الكاذبة أو العلاقات المشبوهة يمكن أن تخفي حقيقة ما يجري لأن ما يحدث الآن هو صراع واضح وصريح بين قوي استعمارية سخرت كل شيء من أجل مصالحها.. لقد استخدمت الحكومات والشركات والمؤسسات والعقول واشترت الضمائر والأقلام في صفقة مشبوهة دمرت فيها مقومات أمة بالكامل ثقافيا واقتصاديا وحضاريا..
كانت إسرائيل تعلم انها ستصبح يوما الشرطي القادر علي إنجاز ما يريد.. ولأننا خبراء في تضييع الوقت..واستنزاف الفرص فقد خسر العرب كل شيء ابتداء بمفاوضات أوسلو ومدريد مرورا علي اتفاقيات سلام لا محل لها من الاعراب وسعت إسرائيل طوال هذه الرحلة إلي زعزعة كل وسائل التقارب العربي وتسللت إلي كل العواصم العربية ولعبت دورا خطيرا في ضرب الصف العربي بدعم أمريكي كامل..
كانت إسرائيل تدرك أن الوقت لصالحها أمام فشل المفاوضات وأمام عمليات تأجيل لا تنتهي وأمام تصفيات جسدية لكل رموز المقاومة الحقيقية وأمام تواطؤ عربي يزداد مع الأيام قوة وتأثيرا لصالح الكيان الصهيوني.. من هنا لم يكن غريبا أن نجد هذا الانقسام علي الساحة العربية.. دول أبرمت اتفاقات سلام.. ودول أقامت علاقات اقتصادية قوية جدا.. ودول تعمل من الباطن وتستورد كل شيء من إسرائيل وحتي الشعب الفلسطيني انقسم علي نفسه بين فريق يتفاوض علي لا شيء.. وفريق يواجه الطاغوت.. وما حدث في فلسطين حدث في لبنان.. حزب الله يقاوم وهناك من يدعو للتفاوض.. والأغرب من ذلك كله أن تواجه المقاومة الحقيقية من رجال يحملون السلاح ادانات رسمية باسم الحكومات كما حدث مع حزب الله.. هذا الوجه الاستعماري القبيح الذي يطل علينا منذ خمسين عاما والحق بهذه المنطقة كل المصائب التي حلت بها مازال يمارس دوره في تحطيم هذه الأمة واستباحة مستقبلها ولا مستقبل لنا جميعا أمام مشروع إرهابي تفرضه القوة ويحميه السلاح..
في الجانب الآخر تقف الإدارة الأمريكية تمارس نفس الدور في العراق بعد أن حطمت كل مقومات الدولة العراقية.. ولا أحد يعلم كم نهبت القوات الأمريكية من موارد وثروات الشعب العراقي ولكن الصورة واضحة وصريحة.. فهل يمكن أن نخدع أنفسنا أكثر من هذا وهل يمكن أن نتصور يوما أن أمريكا جاءت إلي العراق بحثا عن الحريات وحقوق الإنسان أو أن تتحول إسرائيل يوما إلي واحة للأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.. ان هذه القوي الجبارة التي تحشد ترساناتها العسكرية لتخيف بها شعوب المنطقة لا يمكن أن تسمح بعلاقات متوازنة خاصة في ظل سقوط كامل لمنظومة العلاقات الدولية حيث لاهيبة لأحد ولا احترام لقوانين ولا قدسية لاتفاقات..
فهل يمكن أن تفيق هذه الأمة وتدرك أن القطيع يمضي إلي مصير واحد وأن الآلة الحربية الأمريكية أو الإسرائيلية لن تفرق بين عاصمة عربية وأخري وهل يمكن أن تسترجع شعوب هذه المنطقة كلمات قديمة نسيتها عن تحرير الأرض واستقلال الشعوب وشيء قديم اسمه الكرامة.. للأسف الشديد علي العرب أن يبدأوا من جديد حرب تحرير لأوطانهم.. قبل أن يكتبوا ما كتبه السابقون علي آخر معاقل قرطبة قبل أن تسقط.. تبكي بكاء النساء علي ملك لم تحافظ عليه مثل الرجال.
فهل يمكن أن نترك للرجال الشرفاء فرصة حوار أخيره يختارون فيها وسيلتهم في هذا الصراع.. وهل يمكن أن نعطي المقاومة فرصة وسط ضجيج المفاوضات وصخب المزايدات وأوهام السلام الكاذب.. لقد وصلت صواريخ حزب الله إلي المدن الإسرائيلية لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فهل أصبحت الشهادة خطيئة وأصبح الموت في سبيل الأوطان عارا وأصبح السلام العاجز وساما يتباهي به الضعفاء والعاجزون.. أي زمان هذا الذي نعيش الآن فيه..
ويبقي الشعر
شهداؤنا.. بين المقـابر يهمسون:
والله إنـا قـادمون
في الأرض تـرتفع الأيادي..
تنبت الأصوات في صمت السكون
تتساقط الأحجار يرتفع الغبار..
تـضيء كالشـمس العيون
شهداؤنا خرجوا من الأكفان
وانتفضوا صفوفـا.. ثم راحوا يصرخون:
عار عليكـم أيها المستسلمون
وطن يباع.. وأمة تنساق قـطعانـا.. وأنتم نائمون!!
شهداؤنا فوق المنابـر يخطـبون
قاموا إلي لـبنان صلـوا في كنائسها
وزاروا المسجد الأقـصي..
وطـافـوا في رحاب القـدس.. واقتحموا السجون
في كـل شبر.. من ثري الوطن المكبل ينبتـون
من كـل ركـن في ربوع الأمة الثـكـلي أراهم يخرجون
شهداؤنا وسط المجازر يهتفـون
الله أكبر منك يا زمن الجنون
شهداؤنا يتقدمون
أصواتـهم تـعلـو علي أسوار بيروت الحزينـة
في الشـوارع.. في المفـارق.. يهدرون
إني أراهم في الظـلام يحاربون
رغم انكسار الضوء..
في الوطن المكـبل بالمهانة.. والدمامة.. والمجون
والله إنـا عائدون
أكفـانـنا.. ستـضيء يوما في رحاب القـدس
سوف تـعود تقتحم المعاقل.. والحصون
شهداؤنا في كل شبر يصرخون:
يا أيها المتنطـعون
كيف ارتضيتـم أن ينام الذئب في وسط القطيع.. وتأمنون ؟!
وطن بعرض الكون يعرض في المزاد وطـغمة الجرذان..
في الوطن الجريح يـتاجـرون!!
