الرئيس وحرية الصحافة

هوامش حرة

الرئيس وحرية الصحافة

يكتبها‏:‏ فاروق جويدة




انحاز الرئيس حسني مبارك لحرية الصحافة وأعطي توجيهات للحكومة ومجلس الشعب بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا الذمة المالية للمسئولين‏..‏ وليس هذا غريبا علي الرئيس مبارك فكثيرا ما حسم مناطق خلافية بين الصحافة والحكومة وكثيراما اتصل بالكتاب والصحفيين وناقش معهم ما يكتبون بكل الصراحة والوضوح وأقنع وأقتنع وما أكثر الأزمات التي حسمها الرئيس في لحظاتها الأخيرة‏..‏ ولا شك أننا في مصر نعاني من ازدواجية غريبة بين مواقف الرئيس أحيانا ومواقف مؤسسات الدولة وقد اتضح هذا أثناء مناقشة قانون النشر في مجلس الشعب حيث تؤمن القيادة السياسية بدور الصحافة ومسئوليتها وحرياتها‏,‏ بينما تقف أطراف أخري لها بالمرصاد‏..‏ تجسد في هذا الهجوم الضاري علي الصحافة من بعض نواب الأمة‏..‏



لقد وعد الرئيس الصحفيين منذ اكثر من عامين بأن الدولة ستلغي عقوبة حبس الصحفيين وجاءت الحكومة ومجلس الشعب بقانون يتعارض تماما مع ما وعد به الرئيس حيث تضمن إجراءات أكثر ضراوة في التعامل مع الصحافة‏..‏ وبماذا نفسر هذه المادة التي ألغاها الرئيس التي تحبس الصحفي إذا تناول قضية الذمة المالية للمسئولين أيا كانت مواقعهم صغيرا كان أم كبيرا إن المسئولية لا تعني فقط أن يقوم المسئول بأداء وظيفة أو مهمة عمل ولكنها تعني أولا أن يلتزم بالأمانة والشفافية فهل نلوم الصحافة ونعاقبها إذا حاولت حماية أموال الشعب أو سعت إلي كشف أوكار الفساد ومطاردة الفاسدين‏..‏ أن هذه المهمة تدخل في صميم العمل الصحفي‏..‏



إن الجانب المالي هو أخطر وأهم مجالات العمل في نشاط الدولة وأجهزتها ابتداء بالبنوك وانتهاء ببرامج الخصخصة وكلها أنشطة مالية تتطلب رقابة حاسمة من كل مؤسسات الدولة بما فيها الصحافة‏,‏ ولهذا ليس من المنطقي أن نحرم الصحافة من أن تراقب أموال الشعب لأنه لا يمكن الفصل بين الذمة المالية للمسئول وطبيعة عمله الذي يقوم به‏..‏



وهناك شواهد كثيرة تجعل الذمة المالية جزء أساسيامن العمل العام بل إنها في بعض الأحيان تكون الأساس الأصيل لهذا العمل‏..‏



‏*‏ أن كارثة البنوك المصرية وما حدث فيها من مآسي في السنوات الأخيرة كانت زواجا غير شرعي بين بعض المسئولين في هذه البنوك ورجال الأعمال‏..‏ وعندما يحصل رجل أعمال علي مليار جنيه بدون ضمانات كافية أو رقابة من البنك الدائن لنشاطه‏,‏ فهذا إخلال بمسئولية العمل المصرفي‏..‏ وإذا اتضح للأجهزة المسئولة أن هناك شكلا من أشكال التواطؤ بين مسئول في بنك ورجل أعمال من أجل الحصول علي قرض بلا ضمانات أو تمويل صفقة وهمية أليس من حقنا أن نسأل مسئول البنك عن المقابل الذي حصل عليه ونبحث عن ذمته المالية وما أضيف لها من أرقام ؟‏..‏



إن عمل الصحافة هنا ليس اعتداء علي شرف مواطن ولكنه كشف لحقيقة مهمة وهي الاعتداء علي حرمة المال العام‏,‏ هل يستطيع أحد أن يلوم الصحافة لأنها كشفت هذه المأساة‏..‏ إن قضايا الهاربين بأموال البنوك مازالت سرا غامضا وحتي الآن لم يقدم لنا بنك واحد حجم هذه الديون المهدرة‏..‏ أليس من حق الصحافة أن تسأل كل يوم عن الأموال الضائعة‏..‏ لقد تغيرت قيادات البنوك وتغير قانون البنوك وتغيرت تبعية البنك المركزي‏,‏ كل ذلك تم بسرعة غريبة من أجل إخفاء معالم الجريمة وهي بلايين الجنيهات التي ضاعت من أموال الناس في البنوك ولم يحاسب عليها أحد‏..‏ أليس من حق الصحافة أن تناقش الذمة المالية لكل من شارك في هذه الجريمة‏..‏


*‏ إن كارثة توزيع الأراضي في مصر واحدة من كبري الجرائم التي ارتكبها عدد من المسئولين في حق الأجيال القادمة‏..‏ ماذا يعني أن يحصل شخص ما مهما يكن قدرة علي ألف فدان قطعة واحدة بسعر رمزي‏..‏ أو يحصل شخص ما علي مائة فدان علي امتداد شاطيء أو بحيرة بقروش قليلة أو أن يحصل مسئول ما علي عدد من الفيلات بسعر رمزي لأبنائه وأحفاده أو أقاربه‏..‏ هذه الثروات التي وزعت علي المحاسيب والقريبين من السلطة من يسأل عنها ؟‏..‏ أليس من حق الصحافة أن تسأل كيف صنع أشخاص عاديون لا يملكون شيئا مئات الملايين من عمليات تخصيص مشبوهة وغير قانونية ؟‏..‏ هل يستطيع أحد أن يطالب الحكومة بتقديم قائمة عن الأراضي التي تم توزيعها في السنوات الماضية علي الطرق الصحراوية أو الشواطيء أو المدن الصناعية؟‏..‏ وهل هذه التوزيعات عمل اقتصادي مشروع أم إنه تجاوز مرفوض وجريمة يعاقب عليها القانون؟‏..‏ كيف يصبح توقيع مسئول علي ورقة صغيرة شيكا بملايين الجنيهات في لحظة من الزمن ؟‏..‏ هل إذا سألت الصحافة عن ذلك كله تعاقب بالسجن ؟‏..‏ وهل من حق أحد أن يطلب من أي جهاز في الدولة صورة توزيع هذه الأراضي ومن الذي حصل عليها وبأي وجه حق ؟



‏*‏ عندما يدخل مسئول في الوزارة وليس لديه شيء ويخرج منها بعشرات الملايين والقصور والفيلات والأرصدة وليس هناك قانون يسمح بمحاكمة الوزراء‏,‏ أليس من حق الصحافة أن تسأل معالي الوزير من أين لك هذا؟‏.‏ وعندما نجد مسئولا في أي منصب ما صغيرا كان أم كبيرا وقد تضخمت ثروته وأمواله وحساباته في البنوك ونحن نعرف كل تاريخه أليس من حق الصحافة أن تسأل من أين كل هذه الثروات‏..‏ ؟ أن هذا لا ينطبق فقط علي المسئولين في السلطة ولكن ينبغي أن يطبق أيضا علي كل اللصوص الذين نهبوا أموال الشعب سواء كانوا في السلطة أو خارجها‏..‏



لا يستطيع أحد أن يمس من قريب أو بعيد مواطناشريفا عاش ومات بالحلال ولكن الإنسان الذي استباح منصبا ونهب مالا واستحل شعبا يجب أن يأخذ عقابه‏..‏



إننا نطالب البنوك منذ سنوات طويلة بأن تقدم قائمة بأموالها المهدرة مع رجال الأعمال الهاربين ولم تفعل‏..‏ ولم تكشف لنا يوما عن تسوياتها التي تمت أو التسويات التي رفضت إتمامها‏..‏



إننا نطالب منذ سنوات بكشف جرائم توزيع الأراضي الزراعية والسياحية والمدن الجديدة ومن حصل عليها وباعها وربح منها مئات الملايين‏..‏ ولم يخبرنا أحد‏..‏



إننا نطالب بقائمة واضحة وصادقة لما حدث في بيع مشروعات القطاع العام ضمن برنامج الخصخصة وكيف استخدمت الحكومة هذه الحصيلة ولم نعرف الحقيقة‏..‏



إننا نطالب بكشف واضح وصريح عن أموال التأمينات والخسائر التي لحقت بها في مضاربات البورصة وما بقي من أموال الناس‏..‏ ولم يخبرنا احد‏..‏



إننا نطالب بكشف حقيقة ما حدث في عدد كبير من المشروعات الكبري وما هو مصير الأموال التي أنفقت فيها ابتداء بمشروع توشكي وانتهاء بديون مدينة الإنتاج الإعلامي والمؤسسات الصحفية مرورا علي مشروعات أخري كثيرة من حق الشعب أن يعرف مصيرها‏..‏



أننا نطالب بكشف حقيقة ما حدث في البورصة في الشهور الأخيرة من تحايل وتلاعب ولم يسمعنا أحد‏.‏



هل إذا طلبت الصحافة مناقشة هذه القضايا تكون قد أخطأت‏..‏ أو تجاوزات؟‏..‏ أن آخر خلافات الصحافة مع الحكومة كانت في صفقة عمر أفندي التي ارتفعت بقدرة قادر من‏405‏ إلي‏905‏ ملايين بزيادة‏500‏ مليون جنيه أي بنسبة أكثر من‏100%‏ فهل كان من الخطأ أن طرحت الصحافة هذه القضية علي الرأي العام‏..‏ ؟ إن هناك مشروعات كثيرة تمت دون أن يقترب منها أحد لأنها تتمتع بالشفافية المطلوبة ؟‏..‏ لماذا لم يتناول أحد مثلا بالنقد أو التشكيك الصفقة الأخيرة للشبكة الثالثة للمحمول ؟‏..‏



أن ذلك يؤكد أن الصحافة لا تسعي للتشهير أو التشكيك أو الإساءة ولكنها تطرح تساؤلات تهدف إلي الصالح العام وحماية أموال هذا الشعب؟‏..‏ ولهذا ليس من المنطقي أبدا أن يدان كل صحفي يحاول أن يقترب من الذمة المالية لمسئول ما سواء كان في موقع السلطة أو خارجها وفي ظل ظرف تاريخي تباع فيه مشروعات بالملايين وتعقد فيه صفقات وتقام فيه بنوك ومؤسسات ويمثل النشاط الاقتصادي والمالي العمود الفقري لكل أنشطة مؤسسات الدولة يصبح من الضروري أن نطرح هذا السؤال من أين لك هذا ؟‏.‏



أن ذلك لا يدخل في باب التشكيك ولكنه سؤال مشروع يمكن أن يوجه لكل من يتولي منصبا عاما لأن هذا المال مال الشعب وما حدث انتصار لحرية الصحافة‏..‏



ويبقي الشعر

فـاتسألوا التـاريخ عني

كل مجد تحت أقدامي ابتدا

أنا صانع المجد العريق ولم أزل



في كـل ركـن في الوجود مخلـدا

أنا صحوة الإنسان في ركـب الخلود

فكيف ضاعت كـل أمجادي سدي ؟‏!‏



زالت شعوب‏..‏ وانطـوت أخبارها

وبقيت في الزمن المكابـر سيدا

سأعود فوق مياه هذا النـهر طيرا منشدا

سأعود يوما حين يغتسل الصباح البكـر في عين النـدي



قـولوا لهم‏:‏

بين الحجارة عاشق

عرف اليقـين علي ضفاف النـيل يوما فاهتدي وأحبه حتـي تلاشي فيه

لم يعرف لهذا الحب عمرا‏..‏ أو مدي

 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads