سيناء‏..‏ إلي أين ؟

هوامش حرة

سيناء‏..‏ إلي أين ؟

يكتبها‏:‏ فاروق جـويـدة



هناك غموض شديد يحيط بموقف الدولة طوال السنوات الماضية من مشروعات تنمية سيناء فما أكثر القصص التي تروي وما أكثر التصريحات والوعود‏..‏ ولكن الحقائق تبدو حزينة مخجلة إذا استعرضنا مظاهر التنمية في هذا الجزء العزيز من الوطن‏..‏ ومن أكثر الأشياء غرابة في هذه الظاهرة هو التعارض الشديد بين الأقوال والأفعال حتي أصبحت القضية تثير الكثير من الشك والتساؤل حول الهدف من إبقاء سيناء خالية من التنمية الحقيقية والسكان برغم مرور ربع قرن علي تحريرها والأغرب من ذلك هو الأحاديث الطويلة عن أهميتها بالنسبة لأمن مصر القومي رغم أن كل ما يحدث فيها الآن يمثل خطرا حقيقيا علي هذا الأمن‏..‏



هناك مسلسل طويل من الأحداث والوقائع التي شهدتها سيناء ابتداء باحتلال صهيوني دام سنوات وانتهاء بعودة لم تتجاوز في طقوسها احتفالية هنا أو عيد هناك‏..‏ وبقيت سيناء تعاني الكثير من الإهمال وتواجه العديد من المشاكل وما أكثر حلقات هذا المسلسل السخيف‏..‏



لقد وصلتني رسائل كثيرة من عدد كبير من أبناء سيناء أذكر منهم د‏.‏ حسام الكاشف‏..‏ وصلاح البلك‏..‏ ومحمد الكاشف وعدد من أسر المعتقلين وكلها تحكي قصصا دامية‏..‏



كان المشروع القومي لتنمية سيناء يحتاج تنفيذه كما كان مقررا في سياسة الدولة إلي‏72‏ مليار جنيه وشمل ذلك صناعات تعدينية واستصلاح أكثر من نصف مليون فدان وتوسعات في المشروعات السياحية والغريب أن يقال الآن أن الدولة أنفقت من هذا المبلغ‏30‏ مليار جنيه بالفعل تم استثمارها في مشروعات للتنمية‏..‏ وإذا بحثت عن هذه المشروعات فلن تجد منها شيئا باستثناء الشريط الفيروزي الأزرق في طابا وشرم الشيخ‏..‏



كان من أهداف هذا المشروع القومي أيضا خطة لتهجير‏2‏ مليون مواطن مصري إلي أرض سيناء ودخول سكانها من البدو في نسيج حضاري واجتماعي وإنساني مع سكان الوادي‏..‏ وفتح أفاق للعمل والإنتاج لملايين البشر الذين لا يجدون عملا‏..‏ وللأسف الشديد أن هذا الهدف لم يتحقق شيء منه‏..‏ بل ان سيناء الآن تعاني أزمة حقيقية تتمثل في الهجرة العكسية التي شهدتها في الفترة الأخيرة أمام الاضطهاد الأمني وانتشار أساليب التعسف والعنف في التعامل مع المواطنين‏..‏



إن هناك تقارير دولية ومصرية تؤكد أن وسط سيناء وهي أكثر مناطقها ثراء بالخامات والفحم والأسمنت وخامات تصنيع السيراميك والرخام ورمال الزجاج والرمال السوداء هي أكثر المناطق فقرا ليس في سيناء وحدها ولكن علي مستوي مصر الدولة‏..‏



كان شيئا غريبا أن تمتد ترعة السلام تحمل مياه النيل إلي صحاري سيناء وكانت هناك خطة لزراعة‏450‏ ألف فدان من الأراضي وكانت المفاجأة أن هذه الترعة التي تكلفت مئات الملايين من الجنيهات قد تحولت الآن إلي مزارع سمكية وأن التقاوي التي أرسلتها الحكومة لتزرع بها الأراضي قد تحولت إلي أعلاف وهكذا تحولت ترعة السلام من مشروع إنتاجي وزراعي ضخم إلي مزرعة لإنتاج الأسماك‏..‏



كانت هناك أيضا خطة لإقامة منطقة صناعية في بئر العبد وقالت الحكومة يومها إن هذه المشروعات ستوفر‏250‏ ألف فرصة عمل‏..‏ وتمت عمليات تقسيم الأراضي ومد الطرق والمرافق وبعد ذلك تم تجميد كل شيء‏..‏



وحتي الآن فإن مدينة العريش مازالت تعاني نقصا في مياة الشرب والخدمات وكأنها تعيش في العصور الوسطي بينما تنعم شرم الشيخ بكل الرعاية والاهتمام وفي الوقت الذي تقام فيه الاحتفالات والاستقبالات في شرم الشيخ فإن العريش لم تشهد زيارة مسئول كبير واحد طوال السنوات الماضية‏..‏



وإذا اقتربنا أكثر من مشاكل البدو في سيناء فإن الهاجس الأمني يضع الآن ستارا كبيرا بين أجهزة الأمن والمواطنين في سيناء بعد أحداث طابا وشرم الشيخ وكأن الجميع مدان في هذه الجرائم‏..‏ لقد وقف سكان سيناء بلا استثناء مع قوات الأمن وشاركوا في مطاردة الإرهابيين ولكن بعد أن لقي المجرمون عقابهم أمام القضاء العادل ومازال هناك العشرات من الطلاب والموظفين والأباء معتقلون في ايدي أجهزة الأمن رغم أنهم لم يدانوا في شيء‏..‏ والأسوأ من ذلك كله أن أشكال العقاب الجماعي قد امتدت إلي مقدسات المجتمعات البدوية في اعتقال النساء‏..‏ وهذا أمر في غاية الخطورة‏..‏



لقد عاني سكان سيناء سنوات الاحتلال الإسرائيلي بين الظلم والتعسف والمقاومة ولا يعقل أن يكون جزاء هؤلاء هو ما يعانون منه الآن‏..‏



وإذا كان البدو في سيناء قد تحملوا هذا كله فإن الحكومة قد كافأتهم أخيرا بقرار غريب من رئيس الوزراء د‏.‏ أحمد نظيف حمل رقم‏2041‏ لسنة‏2006‏ وفي القرار قصص وحكايات عجيبة‏..‏ إننا نعرف أن ملكية الأراضي في سيناء ليست أكثر من حجج عرفية بمعني أن الحكومة لم تنشأ مكاتب للشهر العقاري في هذه المناطق النائية وكلنا نعرف أن‏90%‏ من ملكيات الأراضي في مصر عقود عرفية غير موثقة‏..‏ ولكن فجأة وبلا مقدمات وطبقا لهذا القرار ألغت الحكومة جميع الملكيات السابقة المستقرة وطالبت الأهالي بسداد قيمة الأراضي التي يملكونها منذ سنوات بعيدة وذلك علي أساس أن كل أراضي سيناء ملك للدولة ولم تعترف الحكومة بما لديهم من عقود عرفية أو ملكية ثابتة‏..‏



وهذا يعني أن يعاد تقييم سعر هذه الأراضي مرة أخري‏..‏ ويتحمل أصحابها مسئولية سداد قيمة أرض يملكونها منذ سنوات‏..‏ وما حدث في الأراضي حدث أيضا في البيوت حيث يجري الآن حصر بيوت المواطنين في سيناء التي عاشوا فيها كل سنوات عمرهم وورثوها عن أجدادهم وأصبحوا الآن مطالبون بشرائها من الحكومة مرة أخري وبشروط قاسية أقلها ضررا ألا تملك الأسرة أكثر من بيت واحد حسب القرار وأن يتم تقدير أسعار الأراضي والبيوت طبقا لما هو سائد الآن‏..‏



هذا القرار الغريب الذي أصدره رئيس الحكومة يلغي قرارات قديمة سبقت حددت مبلغ خمسين جنيها لشراء الفدان في الأراضي الصحراوية لسكان سيناء في عام‏89‏ وحددت سعر متر الأرض للبناء بجنيهين فقط للمتر‏..‏ وأشتري الناس الأراضي وأقاموا البيوت في الصحراء حتي أتت حكومتنا الرشيدة أخيرا لتعيد تقدير سعر الأراضي والبيوت ومن لا يدفع يطرد من أرضه وداره‏..‏ ولا أدري ما هو السر في مثل هذا القرار المريب هل تريد الحكومة تغطية العجز في الميزانية والديون ونفقاتها الضخمة من دماء المساكين والغلابة من بدو سيناء‏,‏ إن منطق الجباية ظاهرة خطيرة للغاية في سلوك الحكومة وموقفها من الناس‏..‏



إن كل قبيلة في سيناء تعرف حدود أراضيها منذ عشرات السنين وتقوم علي زراعتها بالقمح والشعير علي مياه المطر وليس مياه ترعة السلام التي خصصتها الحكومة لإنتاج الأسماك وأغراض أخري لا يعرفها أحد‏..‏ كما أن ملكيات هذه الأراضي قامت علي تقاليد وأعراف ومواريث وعقود عرفية وملكية ثابتة امتدت عشرات السنين أمام غياب مؤسسات الحكومة عن هذه المناطق النائية‏..‏



وعندما فتشت الحكومة في أوراقها القديمة وجدت أنها تستطيع أن تهبط علي هؤلاء الغلابة وتعيد تسعير هذه الأراضي وتجمع منهم بعض الأموال أو تقوم بالاستيلاء عليها وبيعها لكبار المستثمرين الذين يتربصون كالوحوش بكل شاردة في الصحراء‏..‏ لقد وصلتني عشرات الرسائل من رؤساء القبائل في سيناء ولديهم شكاوي كثيرة والسؤال الآن ما هو الهدف من تفريغ سيناء من السكان بهذه الصورة الوحشية‏..‏



ومن يتحمل مسئولية طرد المواطنين من أراضيهم وبيوتهم ومن أين يدفع هؤلاء ثمن أرض ورثوها أو قاموا بشرائها في عهد حكومات سابقة‏..‏ وهل هذا هو رد الجميل لأهالي سيناء الذين صانوا الأرض وحافظوا عليها وإذا كانت الحكومة لم تنفذ ما وعدت به في سنوات سابقة من مشروعات لتنمية سيناء فهل جاءت الآن للتضييق علي سكانها أمنيا ومعيشيا وإنسانيا حتي يرحلوا عنها فتقيم المزادات والمناقصات لبيع أراضيهم‏..‏ وما هو الهدف النهائي من هذا الرحيل هل يعقل أن نطالب الآن البدو في سيناء بعد أكثر من سبعين عاما من الملكية الثابتة لبيوتهم أن يتقدموا للمسئولين فيها للتعامل بالإيجار أو البيع أو حق الانتفاع في بيوت ورثوها عن أبائهم‏..‏



أن القضية أخطر بكثير من كل ما نراه علي السطح لأننا أمام مجموعة قضايا في وقت واحد نحن أمام إهمال متعمد للتنمية في سيناء‏..‏ وأمام خطة واضحة لمنع المواطنين في الوادي من الانتقال إليها‏..‏ وأمام مطاردات مقصودة لسكانها بهدف النزوح عنها وكلها مؤشرات تثير الشك والدهشة والتساؤل‏..‏ فهل أجد الشجاعة لدي أحد من المسئولين في الحكومة ليكشف لنا حقيقة ما يجري تجاه سيناء‏..‏ أم أننا سنفتح يوما عيوننا في الصباح لنجد الكارثة‏..‏



إنني أعلم أن الرئيس مبارك شخصيا يحمل إعزازا خاصا لأهالينا في سيناء وكثيرا ما طالب الحكومات المتلاحقة بالسعي لتمليك الأراضي في سيناء لأبنائها ولا يعقل بعد ذلك كله أن تقيم الحكومة الحالية مزادات ومناقصات لبيع ممتلكات هؤلاء الناس ولا تعترف بملكيات ثابتة عرفيا وتاريخيا وبالوراثة‏..‏ القضية تحتاج إلي قرار حكيم يحفظ للناس حقوقهم‏..‏ ويحفظ لسيناء سكانها‏.‏


..‏ ويبقي الشعر

أي أرض تـرغبون وأي لون تعشقـون

وأي دين ترفضون

قل لي بربـك أي ثأر تطــلـبون‏..‏

إن كـان ثأرا من صلاح الدين في حطـين لا تغـضب

فأنـتـم في رحاب القـدس جهرا ترتـعون‏..‏

إن كـان ثأرا من قـلوب آمنت

فالله يهدي من يشاء ولن يضل المهتـدون‏..‏


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads