بين المال‏..‏ والسلطة

هوامش حرة

بين المال‏..‏ والسلطة

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



كلما ظهرت علي السطح قضية فساد خطيرة عادت إلي الأذهان صورة الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال‏..‏ هذا الزواج الذي كان سببا في مظاهر خلل رهيبة أصابت حياتنا في السنوات الأخيرة‏..‏ لقد أنجب هذا الزواج أخطاء فادحة وسلوكيات مشبوهة واعتداءات صارخة علي المال العام بلا رحمة أو ضمير‏..‏



إن التداخل الشديد بين سلطة المال وسلطة القرار بكل توجهاته السياسية والاقتصادية والشعبية وباء خطير لا أدري متي تبرأ منه الدولة المصرية‏..‏



إن الغريب حقا في الأمر هو هذا السعي الشديد لدي كل رجل أعمال لكي يجد لنفسه مكانا في قطار السياسة سواء كان ذلك ممثلا في سلطة القرار في الحكومة أو في السلطة الشعبية في مجلس الشعب أو الشوري وصولا إلي المحليات والوحدات الفرعية في الأقاليم‏..‏ إن في كل منطقة من هذه المناطق مكاسب كثيرة توفر الكثير من المال بلا جهد وتوفر الكثير من العمر بلا تعب حتي أصبحت بؤر فساد لا يمكن ولا ينبغي تجاهلها‏..‏



وكنا في كل دورة برلمانية أو انتخابات محلية نقول ان الظاهرة سوف تختفي مع كل مؤسسة جديدة قادمة‏..‏ واننا سوف نتعلم من دروس الماضي وننسي نواب الكيف ونواب السياحة ونواب التأشيرات ونواب سميحة ونبدأ صفحة جديدة أكثر شفافية‏..‏ ولكن الواضح أن كل فترة تحمل لنا شبحا جديدا يمثل عدوانـا علي قدسية المال العام أو صحة المواطنين أو أراضي الدولة أو ينقل لنا فيروسات الفساد من مجلس إلي مجلس ومن دائرة إلي أخري‏..‏



كنا نتساءل دائما لماذا يتقاتل المواطنون للوصول إلي الحصانة‏..‏ هل هي شرف يرغبون فيه أو حماية يطلبونها أو لقب يحلمون به‏..‏ ولماذا يدفع الإنسان ملايين الجنيهات لكي يحمل هذا اللقب‏..‏ وكانت الحقيقة دائما تحمل إلينا هما ثقيلا يدمي قلوب الناس‏..‏ أن السعي إلي الحصانة وسيلة للإثراء وجمع المال والسلطة‏..‏ وهذا الثراء يأتي من توقيع مسئول كبير علي قطعة أرض أو تخصيص مكان لإقامة مصنع أو موافقة تعلية أبراج سكنية أو إبرام صفقة أو استيراد سلعة‏..‏ أن هذه الحصانة تفتح أبوابا كثيرة بين السلطة ممثلة في القرار والشعب ممثلا في نوابه ولكن للأسف الشديد أن هذه الأبواب السرية التي تؤكد هذه العلاقة تملؤها الشوائب والمحاذير والتجاوزات‏..‏



ولم يكن غريبا أن يصبح حلم كل مواطن في مصر أن يحمل لقب رجل أعمال حتي ولو كان يملك كشكا صغيرا‏..‏ وأن يتسع هذا الحلم ويكبر ليحمل لقب عضو بالبرلمان‏..‏ وأن يضع في جيبه تعويذة تفتح له جميع الأبواب تسمي الحصانة‏..‏ وهنا تقفز الأرقام في عينيه وفي دفاتر شيكاته وتعاملاته‏..‏ ولم يكن غريبا أن يتجه كل رجال الأعمال في مصر بكل نوعياتهم إلي الحصول علي الحصانة‏..‏ أنهاباب واسع نحو السلطة‏..‏ وباب أوسع نحو الثراء‏..‏ وباب أمن إذا جاء وقت للحساب‏..‏ وهذا يعني أن كل من حصل علي هذه التعويذة المقدسة يستطيع أن يجمع الأموال ويهادن السلطة أو يصادقها ويظل بعيدا عن أي مخاطر تهدد نشاطه وماله وعمله‏..‏



وما أكثر قضايا الفساد التي حفظت بسبب الحصانة‏..‏ وما أكثر الملفات التي أغلقت بسبب الحماية السياسية‏..‏ ما أكثر الذين هربوا بالأموال وخرجوا من المطارات تحميهم السلطة وما أكثر الذين ظلوا في مواقعهم لأنهم أكبر من الاتهامات وأقوي من القرارات ولهذا كان من الطبيعي في ظل هذا المناخ أن نقرأ كل يوم قضية فساد جديدة إذا لم تكن في طعام المواطنين أصابت صحتهم‏..‏ وإذا هربت من الاثنين أصابت عقولهم وإذا هربت من ذلك كله دمرت مستقبلهم‏..‏ وهو مستقبل أجيال من حقها أن تحلم وأن تعيش وتنعم في وطن آمن مستقر يحفظ حقوق أبنائه‏.‏



كم من القضايا شاهدنا علي صفحات الجرائد وفي ملفات المحاكم ومحاضر الشرطة وكم من التجاوزات والخطايا التي اختفت أمام هذا التداخل الشديد بين سلطة القرار وسلطة المال‏..‏ أليس غريبا أن يكون معظم رؤساء اللجان في مجلس الشعب والشوري من رجال الأعمال وأصحاب المشروعات الكبري في مصر وكلهم تقريبا من الحزب الوطني‏..‏ كيف نعالج التعارض الشديد بين أن يكون الشخص نفسه صاحب المال ومقررا لسياسة‏..‏ وقاضيا عن الشعب‏..‏ إن للمال لغته وللسياسة رجالها وللشعب حقوقه‏..‏ وإذا تداخلت كل هذه العناصر في بعضها فإن الفساد يفتح أبوابه علي مصراعيها‏..‏ كيف أكون صاحب مشروع ملزما بدفع الضرائب أو إنتاج سلعة وتقديم دفتر حسابات بكل أنشطتي وفي الوقت نفسه أشارك في وضع السياسة الضريبية والسياسة الإنتاجية والتصديرية وأضيف لها ما أريد وألغي منها ما أحب‏..‏ وإذا حدث بعد ذلك تجاوز أو خلاف فأنا القاضي وأنا المتهم وأنا الدفاع وأنا كل شيء في هذا البلد‏..‏



إن ذلك كله فتح الأبواب لكل ما نراه من ألوان التربيطات بين سلطة المال وسلطة القرار وسلطة الشعب‏..‏ ولا ينبغي أبدا أن يبقي هذا التداخل الرهيب في العلاقات بين مؤسسات الدولة‏..‏ أن يكون الحزب مسئولا عن الحكومة صاحبة القرار وأن يكون أعضاؤه في مجلس الشعب ممثلين لسلطة الشعب وأن يكون صاحب رأس المال الذي يدير شئون الدولة‏..‏ وإذا كان هناك حساب هل أحاسب صاحب رأس المال أم صاحب السلطة الشعبية أم صاحب سلطة القرار السياسية وماذا أفعل إذا وجدت نفسي أمام شخص يحمل كل هذه الصفات ويمثل هؤلاء جميعا في وقت واحد‏..‏ وإذا أردت أن أحاسب سلطة المال ممثلا للسلطة السياسية فماذا أفعل وإذا أردت أن أحاسب الاثنين كسلطة شعبية فماذا أفعل‏..‏ إن هذا التداخل المربك والمرتبك تترتب عليه نتائج في غاية الخطورة‏..‏ إن مجلس الشعب يواجه كل يوم قضية فساد بين أحد أعضاءه‏..‏ ما بين اعتداء علي مال عام أوشيكات مضروبة أو عمليات تزوير‏..‏ وتجتمع اللجان ويتساءل الجميع تـرفع الحصانة أم تبقي‏..‏ وللأسف الشديد فإن الكثير من الحصانات رفعت لأسباب غير موضوعية والكثير منها بقي رغم أنف القانون‏..‏



أقول ذلك والقضاء يتابع الآن قضية خطيرة حول صحة المواطنين لا أريد أن أتحدث فيها احتراما للقضاء ولكن هناك قضايا أخري مشابهة في مجلس الشوري حول العبارة وضحايا الفساد‏..‏ وكانت هناك تجاوزات كثيرة صمت الجميع عنها فهل كان قدرنا أن يأتي كل مجلس نيابي جديد بمسلسل جديد من الأخطاء والتجاوزات وهل كان قدرنا أن ندفع كشعب ثمن هذا الزواج الباطل ما بين السلطة ورأس المال ونواب الشعب وكيف يمكن لنا إنهاء هذه العلاقة غير المشروعه علي كل المستويات‏..‏



ما يحدث في مصر الآن ليس فقط زواجا باطلا ولكنه اغتصاب لحقوق المواطنين واعتداء علي شرف الوطن وامتهان لكل مقدساته‏..‏



يجب أن يبقي الحزب الوطني حزبا سياسيا بلا تجار‏..‏ وأن تبقي الحكومة حكومة للشعب بلا سماسرة‏..‏ وأن يظل مجلس الشعب والشوري حصنـا للشعب ضد كل من يعتدي علي حقوقه‏..‏ ما نراه الآن تجاوز مرفوض في حق الوطن وحق الشعب وحق المواطنين‏..‏



إن المطلوب الآن كما قرر رئيس مجلس الشعب د‏.‏فتحي سرور أن يفتح المجلس ملف علاقة نواب المجلس مع الحكومة طبقـا للمادة‏95‏ من الدستور التي تحظر علي عضو مجلس الشعب التعامل مع الحكومة بيعا وشراء وتوريدا‏..‏ ماذا نقول وفي كل يوم تظهر أمامنا كارثة جديدة عن حالات زواج غير مشروع بين سلطة القرار بكل أنواعها الشعبية والحكومية‏,‏ ورأس المال‏..‏ فمتي ينتهي هذا الزواج الباطل وتضع الدولة نهاية لهذه الظاهرة المؤسفة التي تهدد العلاقة بين كل مؤسسات الدولة‏..‏



..‏ ويبقي الشعر

الطــقس هذا العام ينـبئـني بأن الجوع قــاتل‏..‏

وبأن أشباح الظـلام تـطل من بين الخـمائل

والنـهر يبكي والطـيور تـفر من هول الزلازل

فـزواج عصر القـهر بالشرفاء باطل

ما بين مخبول‏..‏ ودجال‏..‏ وجاهل



الصبح في عينـيك تـحصده المنـاجـل

والفـجر يهرب كـلـما لاحت

علـي الأفق السلاسل

لا تــتـركي النـيران تــلتــهم الربيع

وتــرتــوي بدم السـنابـل



فـالقـهر حين يطيــش في زمن الخطـايا

لـن يفـرق‏..‏ بين مقـتـول‏..‏ وقـاتل





Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads