حمي‏..‏ شراء الأراضي

هوامش حرة

حمي‏..‏ شراء الأراضي

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة



اتصلت بي في الأسبوع الماضي إعلامية فاضلة من جيل ترك علامات بارزة في حياتنا الثقافية كانت من أزهي وأعمق مراحل العطاء المصري الأصيل‏..‏ ولم تحدثني الصديقة العزيزة عن قضية إعلامية ولكنها حدثتني في موضوع شائك ومعقد للغاية وأريد أن أطرحه بكل الصدق والأمانة علي القاريء أولا وعلي المسئولين وجهات الاختصاص بعد ذلك‏..‏



قالت محدثتي‏:‏ أملك قطعة أرض زراعية في إحدي المناطق بمحافظة الفيوم ورثتها عن والدي وكان قد اشتراها من أحد الرعايا اليهود في مصر قبل رحيلهم عنها‏..‏ أن سعر الفدان في هذه الأراضي كان يتراوح بين‏35,30‏ ألف جنيه وهذا أقصي ما وصلت إليه أسعار الأراضي الزراعية في هذه المناطق في الفيوم حتي شهور قليلة مضت‏..‏ وفوجئنا في الفترة الاخيرة بعمليات شراء واسعة للأراضي الزراعية خاصة الأراضي الطينية وليست الرملية أو المستصلحة‏..‏ وبدأت عمليات مضاربات وصلت بسعر الفدان خلال شهور قليلة إلي‏120‏ ألف جنيه بزيادة‏400%‏ تقريبا‏..‏ ويتردد أن وراء عمليات الشراء أسماء مصرية وعربية للمشترين‏,‏ بينما هناك من يؤكد أن الأموال إسرائيلية وأن اليهود عادوا مرة أخري لشراء الأراضي في مصر خاصة في دلتا مصر والأراضي الطينية بصفة خاصة وقالت السيدة الفاضلة ألا قد بلغت اللهم فاشهد وعلي أجهزة الدولة التي تهتم بقضايا الأمن القومي أن ترصد مثل هذه الظواهر‏..‏



وأنا من جانبي أطرح هذا السؤال ما مدي صحة هذه التوجهات الغريبة خاصة أن أسعار الأراضي الزراعية في مصر قد زادت بصورة مخيفة‏..‏ في محافظة البحيرة ارتفعت من‏50‏ ألف جنيه للفدان إلي مائة وعشرين ألف جنيه‏..‏ وفي الغربية من‏80‏ ألف جنيه إلي‏220‏ ألفا‏..‏ وفي محافظة كفر الشيخ زاد سعر الفدان عن‏200‏ ألف جنيه‏..‏ والغريب في الأمر بالفعل أن عمليات البيع والشراء تتركز في الاراضي الطينية النيلية بعيدا عن الصحاري والأراضي المستصلحة‏..‏



وربما تكون قصة بيع الأراضي في محافظة الفيوم لها علاقة وطيدة بتاريخ اليهود في مصر‏,‏ فهناك اعتقاد بل هناك شواهد تاريخية أن سيدنا يعقوب عاش في الفيوم وان سيدنا يوسف دفن فيها‏..‏ وهناك أيضا بحيرة قارون بكل ظلالها التاريخية‏..‏ وهذا كله قريب من تل العمارنة في الجيزة حيث يعتقد المؤرخون اليهود بأن بناة الأهرامات من العمال اليهود دفنوا في هذه المنطقة‏..‏ ومازالت إسرائيل توهم العالم كل يوم بالأكاذيب التي تدعي فيها أن اليهود هم بناة الأهرامات ولم يتردد بيجين أن يدعي ذلك أمام الرئيس السادات بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد‏..‏ وفي إحدي الفضائيات الإسرائيلية تشاهد أحد الأهرامات علي جانب من الشاشة كرمز من رموز القناة‏..‏ وفي كثير من النشرات الدعائية للسياحة في إسرائيل تجد أبو الهول وأهرامات الجيزة علي أساس إنها جزء من الآثار الإسرائيلية‏..‏ وقد كتبت منذ فترة عن الشركة القطرية التي حاولت التنقيب عن الاثار في مصر واتضح أن وراءها شركة إسرائيلية فلا توجد علاقة بين قطر والآثار وتم وقف هذه العملية‏..‏ ولكن قضية بيع الأراضي في مصر وانتقال الملكية تحتاج إلي دراسة ووقفة تشارك فيها أطراف كثيرة‏..‏



‏*‏ أول هذه الاطراف هي أجهزة الأمن القومي في مصر وهي قادرة علي تتبع مثل هذه الخيوط وملاحقتها بصورة دقيقة وهل هناك بالفعل عمليات شراء لحساب جهات أخري أو إنها أمر طبيعي يخص مواطنين مصريين يشترون هذه الأراضي؟‏!..‏



‏*‏ من الأطراف الرئيسية في هذه القضية أيضا وزارة الزراعة وأجهزتها التي ترصد حيازات الأراضي الزراعية وهل يتم الشراء بطريقة طبيعية وفي مساحات محدودة أم أن هناك تركيزا علي تجميع مساحات كبيرة من الأراضي وهل هناك أسماء معينة تتردد في هذه الصفقات وما هي توجهاتها وهل هناك أسماء غير مصرية تقوم بعمليات الشراء وماذا تقول سجلات الشهر العقاري والجمعيات التعاونية بشأن حائزي هذه الأراضي؟‏!..‏



‏*‏ أن تتابع أجهزة الدولة ما يحدث في بعض المناطق الحساسة في بيع وشراء الأرضي ومنها علي سبيل المثال الجيزة والفيوم والبحيرة‏..‏ ولا أحد يعلم لماذا يتركز اهتمام إسرائيل منذ فترات بعيدة بمثل هذه المناطق‏..‏ وفي جانب آخر لابد من التدقيق الشديد في بعثات التنقيب علي الآثار الفرعونية حتي لا تتحول إلي بعثات مشبوهة خاصة أن التسلل في مثل هذه البعثات من الأمور العادية وقد نكتشف كوارث كثيرة فيها‏..‏



‏*‏ تبقي بعد ذلك قضية أكدها الرئيس مبارك أكثر من مرة وهي تمليك الأراضي المستصلحة في سيناء بصفة خاصة للشباب المصري‏,‏ أن هناك قرارا يمنع امتلاك الأراضي الصحراوية في سيناء لغير المصريين‏..‏



وعندما سألت المهندس أمين أباظة وزير الزراعة حول هذه القضية أكد الوزير أن القانون يحرم بيع الأراضي السمراء لغير المصريين ولا يجوز بيعها للعرب أو الأجانب وفي حالات خاصة جدا يجوز الاستثناء لبعض الأشقاء العرب بالشراء بقرار جمهوري وهذا ينطبق أيضا علي الأراضي المخصصة للبناء‏..‏ وحول ظاهرة ارتفاع أسعار الأراضي الطينية بصورة مخيفة قال وزير الزراعة‏:‏ إن السبب في هذه الزيادة هم العائدون من الدول الأوروبية بصفة خاصة فهم يشترون مساحات صغيرة جدا بهدف الملكية والشكل الاجتماعي وبأسعار مذهلة وصلت إلي‏250‏ ألف جنيه للفدان‏..‏ ولكن لا يجوز للأجانب تملك الأراضي الطينية‏..‏



والسؤال ومن يستطيع أن يرصد ذلك كله ويؤكد لنا أن الأراضي الزراعية لا تباع للأجانب وهل هناك ما يمنع أن تتسلل أسماء أجنبية أو عربية وراء أسماء مصرية؟‏!..‏ القضية تحتاج إلي متابعة أكثر حتي لا نجد ما بقي لدينا من الأراضي الزراعية في أياد لا نعرفها‏..‏ وهل يمكن لمجموعة أفراد عائدين من الخارج أن يرفعوا أسعار الأراضي الزراعية بهذه الصورة خاصة أننا نعرف حجم مدخراتهم ولماذا يحدث ذلك في مناطق معينة ولا يحدث في مناطق أخري‏.‏



‏*‏ لقد حذرت أكثر من مرة من مخاطر أن نترك سيناء خالية وقد وجدت من بين أوراقي رسالة بعث بها المستشار تهامي يعقوب عبد الشافي وهو من أبناء العريش حكي فيها قصة غريبة قال فيها‏'‏ كان والدي عمدة العريش منذ الأربعينيات وحتي وفاته في الستينيات عن‏85‏ عاما قال لي وهو يحكي عن احتلال سيناء في عام‏56‏ أرسل لي الحاكم الإسرائيلي مندوبا يخبرني بأن موسي ديان سيتناول الغداء معي في منزلي فاعتذرت بأن الظروف والإمكانيات لا تسمح فقال سوف نحضر كل شيء المهم أن يحضر اللقاء كبار العائلات والقبائل والمشايخ من أبناء سيناء ولم يكن لنا خيار في الرفض أو القبول



وجاء موسي ديان مع رجاله إلي بيتنا وبعد الغداء همس موسي ديان وكان يتحدث العربية وقال لوالدي أسمع يا عمده أحنا أخذنا فلسطين وأصبحت لنا دولة قوية بس أحنا مستعدين نسيب فلسطين كلها ونأخذ سيناء فقلت معقول تأخذوا سيناء وتسيبوا البيارات والمزارع والبساتين‏:‏ فقال ديان يا عمدة أنا أتعلمت في مصر وعرفت أن قدماء المصريين طلعوا من سيناء الذهب والأحجار الكريمة والنحاس والألماس والمنجنيز وماكنتش عارف أيامها يعني إيه منجنيز دي سيناء كنز كبير وأحنا زمان كنا فيها وأن كنتم لا تعلمون فإن فيها ثروات معدنية وبترولية وبحرية ولها شواطيء علي البحرين الأحمر والمتوسط وبها عيون موسي والجديرات كما أن سيناء حدود آمنة‏..‏



وأضاف المستشار عبد الشافي في رسالته وسألت والدي هل أبلغت المسئولين في مصر بما قاله لك ديان قال نعم وكانت النتيجة استضافتي من زوار الفجر ومعي ستون شيخا من مشايخ سيناء لمدة شهرين كاملين في سجون القاهرة‏..‏



وصلتني هذه الرسالة يوم أن كتبت مطالبا الحكومة بوضع خطة سريعة لاستكمال تنمية سيناء‏,‏لقد طالب الرئيس مبارك الحكومة في أكثر من مناسبة بأن تعطي سيناء أهمية خاصة في استصلاح الأراضي وتسهيل ملكية المواطنين للمشروعات فيها وتشجيع الشباب علي الذهاب إليها‏..‏ وما بين سيناء الخالية‏..‏ والأراضي الزراعية التي تباع لأسماء لا يعرفها أحد تبقي قضايا أمن مصر القومي قبل كل شيء وأهم من أي شيء‏..‏ أننا نفتح كل يوم عشرات القضايا التي يناقشها المسئولون والكتاب والإعلام والصحافة لكن يبدو أن هناك قضايا أهم واخطر لا تجد من يتابعها أو يتوقف عندها رغم أنها تتعلق بمستقبلنا ومستقبل ابنائنا‏..‏



متي نضع أولويات لقضايانا الحقيقية التي تتعلق بأمننا واستقرارنا ومواردنا وموقعنا علي خريطة الزمن والحياة‏..‏ متي نتخلص من تلك التفاهات اليومية والمعارك الوهمية التي استنزفت أعمارنا وحياتنا وشبابنا في حوارات لا جدوي منها ومعارك لا أساس لها‏..‏ وخلافات لن تضيف لنا شيئا؟‏!..‏



إننا في حاجة لأن نفيق من هذه الكوابيس الثقيلة وننظر للمستقبل لأنة كما قلت أكثر من مرة‏..‏ لن ينتظرنا كثيرا‏..‏



أمام حمي البيع التي تجتاج كل شيء في مصر الآن يجب أن نراجع أنفسنا بأمانه‏..‏ حتي لا نرتكب اليوم أخطاء يصعب علينا إصلاحها غدا‏..‏



‏ ويبقي الشعر..

أشتاق يا بغداد تمرك في فمي

من قال إن النفط أغلي من دمي؟‏!‏

مهما تعالت صيحة البهتان

في الزمن العمي



فهناك في الأفق البعيد صهيل فجر قادم

في الأفق يبدو سرب أحلام

يعانق أنجمي

مهما تواري الحلم عن عينيك

قومي‏..‏ واحلمي

ولتنثري في ماء دجلة أعظمي



فالصبح سوف يطل يوما

في مواكب مأتمي

الله أكبر من جنون الموت

والزمن البغيض الظالم




Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads