رسالتان‏..‏ وتعقيب

هوامش حرة

رسالتان‏..‏ وتعقيب

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة




عندما كتبت عن قصر العيني الفرنساوي منذ شهرين تقريبا لم يكن هدفي الإساءة إلي هذا الصرح الطبي الكبير‏..‏ لأن قصر العيني تاريخ عزيز علي المصريين فهو أعرق مدارس الطب في الساحة العربية وهو الجامعة التي تخرجت فيها أجيال من الأطباء العظام الذين نعتز بهم تاريخا وعطاء‏..‏ وكان هدفي من تناول هذه القضية أن ننظر بعين الاهتمام والرعاية إلي مؤسسات تضيع منا رغم أننا نستطيع بقليل من الإمكانات والاهتمام وحسن الإدارة أن نحافظ عليها‏..‏ وقد وصلتني عشرات الرسائل حول ما كتبت عن قصر العيني الفرنساوي وتلقيت دعوة كريمة من الدكتوره مها مراد رئيسة قصر العيني الجديدة وقمت بزيارة المستشفي واستمعت إلي شكاوي الأساتذة وشاهدت المرضي‏..‏ وتمنيت أن يبدأ المستشفي العريق مرحلة جديدة في ظل نظم أكثر انضباطا وحرصا علي حياة المواطنين‏..‏



علي جانب آخر وصلتني أخيرا رسالة من رئيس جامعة القاهرة د‏.‏ علي عبد الرحمن يوسف رسالة من الدكتور شريف عزب أستاذ جراحة قلب الأطفال بجامعة عين شمس وسوف أنشر الرسالتين رغم التفاوت الشديد في الرأي والتشخيص والواقع‏..‏ وفي النهاية تبقي لي كلمة‏..‏



يقول د‏.‏ علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة في رسالته‏:‏



أتشرف بأن أنهي إلي سيادتكم أنه ورد إلينا كتاب السيدة الأستاذة الدكتورة مدير مستشفي قصر العيني التعليمي الجديد متضمنا‏:‏

‏1-‏ بإن قسم الطواريء بمستشفي قصر العيني التعليم الجديد يقوم باستقبال المرضي لتحديد التخصصات التي يتم علي أساسها الكشف عليهم وتوجيههم للقسم المختص حيث يتم فحصهم في غرفة مخصصة معده بالتجهيزات الحديثة وبواسطة أعضاء هيئة التدريس الموجودين علي مدي اليوم ولا يوجد ما ذكره الكاتب من أن عشرات المرضي يفترشون مدخل المستشفي‏.‏



‏2-‏ إن مستشفي قصر العيني الجديد أحد المستشفيات التعليمية التي لها استقلالها المالي والإداري تابع لكلية الطب جامعة القاهرة ووزارة التعليم العالي وتخضع للإشراف الطبي الكامل بكل الأقسام العلاجية من مدير المستشفي والأساتذة روؤساء الأقسام الطبية والإكلينيكية بكلية الطب وعميد الكلية‏.‏



‏3-‏ إن المستشفي يقوم بدوره التعليمي والتدريبي للأطباء في صورة محاضرات وندوات وورش عمل ومؤتمرات علمية وعقد امتحانات عالمية وليس التعليم الطبي علي المرضي‏.‏



‏4-‏ إن الأسعار التي يقدمها مستشفي قصر العيني للمرضي نظير الكشف والعلاج تعتبر مقارنه بمثيلاتها علي مستوي الدولة هي الأقل من ناحية الأتعاب والأطباء والخدمات التي تقدم للمرضي من تحاليل وأشعات وعلاج طبيعي وغسيل الكلي وقسطرة القلب‏,‏ حيث تتم المحاسبة بسعر تكلفة المستلزمات الطبية والأدوية‏.‏



‏5-‏ قبول المرضي بالمستشفي يتم بدفع مبلغ تأمين زهيد‏,‏ وفي حالات الحوادث يتم قبول الحالة بالمبلغ المتاح لدي المريض طبقا لتعليمات وزارة الصحة في خلال الـ‏24‏ ساعة الأولي كان هذا رد رئيس جامعة القاهرة‏..‏ في الجانب الآخر رسالة د‏.‏ شريف عزب حول ما تعانيه المستشفيات الجامعية من جوانب القصور والإهمال يقول في رسالته‏:‏



قلت في مقالك إنك شكوت للسيد وزير الصحة لبعض مظاهر التسيب والفوضي التي شاهدتها في قصر العيني ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة‏:‏ هل ذهبت إلي مستشفيات تابعة لجامعات أخري في الأقاليم أو لوزارة الصحة في مدن الجمهورية الأخري ؟ هل ساقتك الأقدار يوما لدخول أي من هذه المستشفيات ؟ ولست في حاجة إلي جواب لأنني أعلم الجواب لأنه ببساطة إذا كنت لم تستطع أن تستوعب ما شاهدته في قصر العيني الذي هو أكبر مستشفي جامعي في الجمهورية وفي قلب القاهرة‏,‏ فماذا تقول لو ذهبت بالمصادفة إلي أحد هذه المستشفيات؟‏!.‏ فلن تصدق كم الفوضي والإهمال والقذارة وضعف الإمكانات الطبية والتمريضية ولن تصدق كم هي رخيصة جدا حياة المريض في مصر وأنها لا تساوي شيئا علي الإطلاق لأنها لو كانت تساوي شيئا لكان من العدل والإنصاف أن توجه الدولة جزءا من الأموال التي تنفق ببذخ شديد علي كل ما هو تافه في مجالات الفن والإعلام والرياضة والبنود الأخري التي لا تناقش في ميزانية الدولة العامة ثم نترك الفتات منها لميزانية الصحة ثم نزرع الوهم في قلوب المواطنين البسطاء أن مجرد تغيير الوزير السابق بوزير صحة جديد كان ناجحا في القطاع الخاص سوف يعدل الحال المايل في مجال الصحة ؟ كيف ومن أين ينفق الرجل وهو الذي قالها بصراحة‏:‏ لا تتوقعوا أي انفراج في الوضع الصحي في مصر دون زيادة بند الصحة في الميزانية العامة إنني سوف أقصر كلامي فقط علي قطاع الصحة والمستشفيات الذي أعيش في قلبه علي مدي الـ‏25‏ عاما‏..‏ وإليك المشكلة من جذورها‏:‏



أولا‏:‏ لا يوجد في مصر علي الإطلاق أي عجز في أعداد المستشفيات ولا في أعداد الأطباء بل يمكن تقليل الأعداد التي تقبل في كليات الطب كل عام إلي نحو‏50%‏ من الأعداد التي تلحق بها كل عام‏..‏



ثانيا‏:‏ لن تتحسن الخدمة الطبية في كل المستشفيات الجامعية والحكومية في مصر إلا من خلال الإنفاق الواسع في اتجاهين لا ثالث لهما‏:‏



الأول‏:‏ إنفاق علي المستلزمات والمستهلكات الطبية وتحديث وصيانة الأجهزة الطبية وتوفير كل الأدوية والخيوط الجراحية وكل بنود العلاج الأخري وكذلك التغذية والنظافة وصيانة المباني والحمامات وغيرها‏..‏



الثاني‏:‏ إنفاق علي الأطباء والتمريض والعاملين في المستشفيات‏,‏ وهذا هو الأساس في كل الفوضي التي نشاهدها في مصر‏..‏



إن وهذا التناقض الشديد بين ما تدفعه الدولة من رواتب لأساتذة الجامعات في كلية الطب وغيرها وبين أعباء الحياة التي لا ترحم هو ما أوصل المستشفيات الجامعية الكبري إلي هذا الحال المتدني‏,‏ فأصبح الأساتذة العاملون بهذه الكلية والمستشفيات ينقسمون إلي مجموعات‏:‏

‏*‏ أساتذة لا تدخل الأقسام التي تعمل بها بالأسابيع والشهور وحتي بالسنوات‏.‏


*‏ أساتذة تدخل الأقسام وتجري بعض الجراحات وتقوم ببعض الأعمال مرة في الأسبوع‏.‏


*‏ وهناك مجموعة أخري تذهب علي فترات لا للعمل ولكن لمجرد الظهور في المكاتب‏.‏



وما يحدث في الجامعات يحدث لكل الأطباء في وزارة الصحة ولكن بوضع مأساوي‏,‏ مراتب مدير المستشفي في وزارة الصحة لا يصل إلي الألف جنيه‏..‏ ولن أتحدث عن باقي عناصر الخدمة الطبية في مصر وهي التمريض والموظفون لأنها تحتاج إلي مجلدات ولك أن تعلم أن أكثر من نصف ممرضات مصر مصابات بالإنيميا وفقر الدم الناتج عن سوء التغذية‏..‏



أما أن تقول الدولة إن مظلة التأمين الصحي سوف تمتد وتمتد عبر الصحراء والجبال لتشمل الجميع من الوزير إلي الخفير‏,‏ فهذا هو منتهي النفاق الحكومي والحزبي وإلي سيادتكم‏:‏


*‏ يقوم التأمين الصحي بتحويل الأطفال لإجراء عمليات القلب إلي مستشفي الدمرداش‏(‏ علي سبيل المثال‏)‏ وإمكانية المستشفي هي القيام بإجراء نحو‏300‏ عملية لهؤلاء الأطفال بينما تقوم لجان التأمين بتحويل نحو‏(2000)‏ طفل وتكون النتيجة قائمة انتظار ازدادت حتي وصلت إلي عام ونصف العام‏.‏


*‏ مرضي الحمي الروماتزمية الذين في حاجة إلي تغيير صمامين مرة واحدة وليس صماما واحدا أصبحت معظم المستشفيات ترفض استقبالهم لأن تكلفة علاج المريض تصل إلي عشرين ألف جنيه والتامين الصحي أو القومسيون الطبي العام يدفع من‏5‏ إلي‏6‏ آلاف جنيه لهذه المستشفيات‏..‏ والسؤال‏..‏ إذا لم يكن المريض لديه القدرة لعلاج نفسه والدولة تنفض يديها أين يذهب هذا المريض وأين يجد من يساعده ؟‏!.‏



وتبقي لي بعد ذلك كلمة أخيرة‏:‏ إذا كانت هناك أولويات في الحياة للطعام والشراب وما يسمي الدعم والخدمات والطرق والكباري وشبكات المحمول فإن صحة المواطنين ينبغي أن تسبق ذلك كله‏..‏ وعندما نجد صرحا مثل القصر العيني يعاني قلة الموارد والنفقات ونجد فيه أجهزة معطلة واطباء كبار يحصلون علي أجور ضئيلة فلا يمكن أن ننتظر خدمة صحية جيدة‏..‏ أن الأستاذ الطبيب الذي يحصل علي راتب ألف جنيه شهريا لابد وأن يبحث عن مصدر رزق أخر‏..‏ ولا يعقل في ظل المسئولية الحكومية ألا يكون من حق وزارة الصحة ووزيرها مراقبة النواحي الصحية في أداء المستشفيات الجامعية لأن هذا يخالف كل الأعراف والتقاليد‏..‏ ولا أتصور أن يكون راتب خريج كليه الطب‏150‏ جنيها أي أقل من‏18‏ دولارا في الشهر‏..‏ ولا أتصور أن يجد المريض نفسه مطالبا بدفع آلاف الجنيهات وهو عاطل لا يعمل أو يأخذ راتبا من هذه الرواتب الهزيلة‏..‏ القضية تحتاج إلي نظرة أشمل وعلاج حقيقي بعيدا عن المسكنات التي أعتدناها ووصلت بنا إلي ما نحن فيه الآن ليس في الطب وحده ولكن في كل المجالات‏..‏



..‏ ويبقي الشعر





من ألـف عام

عشت أرسم في خيالي

صورة امرأة يخـبـئــها القــدر



كـانـت تـطـوف مع الليــالي كـلـما

سقــطــت طـيور العمر

وانــدثــرت كــأوراق الشــجر‏..‏



تـبدو بلــون الفـجر أحيانـا

بـلـون الـحزن أحيانــا

وحين تغـيب يخـتـنق القـمر‏..‏



فـيهـا لـهيب الشـمس‏..‏

فــيها سكـرة الأمواج

فـيهـا لـهفـة الأرض الحزينـة



لارتعاشـات المطـر‏..‏

فـيهـا حنين العاشقين إذا بدا

طـيف الفراق وعاد يدمـينـا السـفـر


هوامش حرة 29/12/2006


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads