جيش مصر

هوامش حرة

جيش مصر

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



اليوم هو يوم‏6‏ أكتوبر‏..‏ ليس ككل الأيام‏.‏ من قال إن العمر مثل العمر والناس مثل الناس والأيام مثل الأيام‏..‏ في مثل هذا اليوم سطر جيش مصر العظيم ملحمة من ملاحم الرجولة والشرف والدفاع عن تراب وطن كسير وكرامة أمة مستباحة‏..‏ في مثل هذا اليوم خرجت أمة مهزومة محطمة من قيود اليأس والعجز والهوان إلي أفاق النصر والقدرة والإرادة‏..‏ وفي مثل هذا اليوم استردت مصر قناة السويس بتاريخها وثروتها ومواردها‏..‏ وأعادت سيناء إلي الوطن بعد فترة غياب وضياع طالت‏..‏ ولم تتحقق كل هذه الأشياء إلا بدماء شهداء قدموا لمصر أغلي ما يقدمه إنسان لوطنه‏..‏ ومن حق هؤلاء الشهداء أن يكونوا أوسمة علي جبين مصر وأن تبقي ذكراهم صورة للعطاء الفريد والانتماء الصادق لهذا الوطن‏..‏



إن أبناءنا لا يتذكرون كثيرا يوم‏6‏ أكتوبر فقد مضي عليه الآن ثلاثة وثلاثون عاما وأصبح صفحة باهتة من صفحات أيامنا التي امتلات عن آخرها بحكايات وتفاهات وصفقات ومؤامرات أخفت وجه الحقيقة وحجبت ضوء الشمس ليتسلل شعاع كاذب في عيون أبنائنا جيلا بعد جيل‏..‏



ورغم محاولات الطمس والتزييف وإخفاء الحقيقة مازال عطر رفات شهدائنا الأبرار يسكن قلب هذا الوطن في سيناء وعلي ضفاف قناتنا الخالدة وفي وجدان ملايين الشرفاء من أبناء مصر‏..‏



مازلت أذكر يوم‏6‏ أكتوبر‏..‏ ولي معه أكثر من ذكري‏..‏ كنت واحدا من أبناء جيل شرب كأس الهزيمة في يونيه‏67..‏ وخرجنا ونحن نفتح عيوننا مع الأمل في مظاهرات‏68‏ تحاصرنا قوات الأمن من كل جانب‏..‏ كانت أخر سنوات الدراسة الجامعية بالنسبة لنا‏..‏ وأول سنوات الرفض والتمرد أمام واقع مهزوم‏..‏



وأصابتني كما أصابت جيلي كله حالة من اليأس ولم أكتب بيتا واحدا من الشعر ست سنوات كاملة ما بين‏67‏ و‏73..‏ وحدثت معجزة النصر وعبر جيش مصر قناة السويس وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر‏..‏ وكان النصر ميلادا لجيل ذاق مرارة الهزيمة‏..‏ حملت يومها بعض قصائدي الشعرية التي كتبتها عن أكتوبر إلي كاتبنا وأستاذنا الراحل توفيق الحكيم ليكون ميلادي الحقيقي كشاعر مع ديوان أوراق من حديقة أكتوبر أول أعمالي الشعرية‏..‏ وقدمني يومها توفيق الحكيم بسطور جميلة قال فيها‏..'‏ إن التتويج الذي تطلبه لكلماتك تملكه أنت بهذا التاج المتألق بحب بلادك‏'..‏ وكان نصر أكتوبر أول صفحة أكتبها في مسيرتي مع الكلمة الشاعرة‏..‏



ومرت علينا سنوات عجاف وبدأت صورة مصر أكتوبر فيها تخبو وتزداد شحوبا أمام من تاجر بالنصر‏..‏ ومن جني ثمار السلام‏..‏ وبقيت جموع مصر تتساءل لماذا لم يكن الوطن عادلا وهو يوزع ثمار نصره بينما كان أكثر من عادل وهو يوزع مرارة هزيمته‏..‏



أفضل دائما كلمة جيش مصر‏..‏ أشعر أمام الكلمة بروح الحشد والإرادة والقوة وأشعر دائما كلما زادت في السماء سحابات اليأس والإحباط وسوء الأحوال أن في مصر جيشا قادرا علي أن يعيد للحياة تناسقها‏..‏ و للأشياء توازنها وللقيمة مكانتها‏..‏ والجيش عندي ليس مجرد قوة تحمي أرضنا ولكنه يمثل إرادة شعب حريص علي أن يصنع حياة تليق به دفاعا وأمنا واستقرارا‏..‏ ومن هنا فإن العواصف التي تعبر علي رؤوسنا أحيانا وتعصف بالأحلام والأماني تترك داخلنا أحساسا بالمرارة وسرعان ما نشعر بالأمن حينما نتذكر أن بين ربوعنا رجال شرفاء دفعوا حياتهم ثمنا للكرامة وهم علي استعداد لأن يدفعوا هذا الثمن في كل وقت وحين إذا نادي نداء الوطن‏..‏



إن مصر أكتوبر ليست هي مصر التي نراها الآن‏..‏ لأن مصر أكتوبر هي هؤلاء الشهداء الأبرار الذين قدموا للوطن أغلي ما يملكون ودافعوا بشرف عن ترابها المقدس ونيلها الخالد وشعبها الطيب الأمين‏..‏ إن مصر أكتوبر ليست مصر السماسرة والتجار والهاربين بأموال البنوك وأثرياء دماء الشعب الذين بنوا القصور علي رفات الشهداء والضحايا وملكوا الطائرات والسفن وتاجروا في كل شيء بما في ذلك دماء رجال صدقوا ما عاهدو الله عليه‏..‏ إن مصر أكتوبر ليست مصر التي أخذت هامشا حزينا في ذاكرة المصريين أمام عمليات تعتيم دامية لإسقاط كل رمز وإهدار كل قيمة واستباحة كل شيء‏,‏ لأن مصر قادرة علي أن تكتسح كل هذا الركام لتطهر النيل العظيم من كل الشوائب الفاسدة‏..‏



تطل ذكريات أكتوبر هذه الأيام وشباب مصر يومها ينطلق كالأسود يعبر خط بارليف ويحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر‏,‏ وشتان بين شباب صنع المعجزة وشباب أخر هائم في الطرقات والشوارع بلا عمل أو أمل أو قضية‏..‏



قلت كان ميلادي كشاعر مع نصر أكتوبر وبعدها بسنوات اتصل بي مسئول كبير بالقوات المسلحة وقال لي إن المشير محمد حسين طنطاوي قرر أن يكون للجيش المصري نشيد خاص به يردده رجاله الشرفاء كل صباح‏..‏ وقدرت كثيرا أن يقع الاختيار علي لكي أكتب هذا النشيد الذي قام بتلحينه الموسيقار الكبير الراحل كمال الطويل‏..‏ وكان هدية متواضعة منا لجيش مصر‏..‏



وكلما مرت العواصف وازدادت السحب واشتدت الرياح حولنا يكون أول من يحمل الأمان إلي قلوبنا هو جيش مصر‏..‏ وأري نفسي دائما أحاول من خلال قراءاتي وتساؤلاتي وتصريحات المسئولين أن أطمئن علي مصر حاضرا ومستقبلا وسلاما وحربا وأمنا من خلال جيشها‏..‏



وعندما بدأت القوات الأجنبية الغازية تتسلل إلي ربوع الأمة المنكوبة كنت أسأل دائما نفسي ولدي ما يشبه اليقين‏..‏ إن رجال مصر الشرفاء قادرون علي حماية كل شبر فيها‏..‏



وكلما رأيت طريقا أنشأه الجيش المصري أو مؤسسة أقامها أو مصنعا أشرف عليه رأيت أداء مختلفامن حيث الالتزام والانضباط والصدق والأمانة‏..‏



وكلما حلت بنا حالة يأس عابرة أمام قضايا فساد أو اعتداء علي المال العام أو نهب لثروات الوطن تساءلت أين نحن من روح أكتوبر‏,‏ وكيف سرق مجموعة من تجار الضمائر حقوق شعب كامل في حياة كريمة ومجتمع أمن حر؟‏!..‏



وكلما عربدت قوي الطغيان والشر ووصلت إلي أسماعنا صرخات المظلومين أمام أزيز الطائرات وصخب الدبابات ودمار الصواريخ قلت سيبقي خط الأمان دائما قوة مصر القادرة علي أن تحمي وطنا وتؤكد سيادة‏..‏



هذه باقة ورد أردت أن أقدمها لجيش مصر وشهدائها الأبرار في ذكري انتصارهم في أكتوبر العظيم لأؤكد لهم وهم في رحاب خالقهم أو رابضون علي حدودها في كل مكان أن مصر لن تنسي الدماء الذكية الطاهرة والرجال الشرفاء الذين وضعوا أرواحهم علي أيديهم بينما يدور حولهم صخب الصفقات والمهاترات والمزايدات وباعة الأوهام والسماسرة والتجار والمهربين لأن هؤلاء لن يحجبوا صورة الأمس النقي الطاهر متجسدا في هذه الرموز العظيمة التي قدمت لمصر أغلي لحظات تاريخها‏..‏إن أكتوبر سيظل نقطة مضيئة في تاريخ هذه الأمة حتي وأن تغيرت الملامح واهتزت الصور وسقطت قدسية الأشياء‏..‏



ويبقي لأكتوبر العظيم في عنقي دين أرجو أن يمد الله عمري حتي أوفي به أن أكتب مسرحية شعرية تجسد هذه اللحظة في تاريخنا الحديث حتي يبقي دائما حيا في ذاكرة كل مصري لأن آفة المصريين النسيان‏..‏



ويبقي الشعر

نشيد الجيش

رسمنا علي القلب وجه الوطن

نـخيـلا ونيـلا وشعبـا أصيـلا

وصناك يا مصر طول الزمن



ليـبقـي شـبـابـك جيـلا فـجيـلا

علي كل أرض تركنا علامه

قلاعا من النور تحمي الكرامـه

عروبتنا تفتديك القلوب

ويحـميـك بـالـدم جيـش الكنـانه

وتنساب يا نيل حرا طليقا



لتـحكـي ضفافـك معنـي النضـال

وتبقي مدي الدهر حصنا عريقا

بصـدق القـلـوب وعـزم الرجـال

يد الله يا مصر ترعي سماك

وفـي سـاحـة الحـق يـعـلو نـداك



ومادام جيشك يحمي حماك

ستمضي إلي النصر دوما خطاك

سلام عليك إذا ما دعانا

رســول الجـهــاد لـيــوم الفــداء

وسالت مع النيل يوما دمانا

لنـبنـي لمـصـر العـلا والرخــاء



 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads