من يقرأ هذا التقرير ؟

هوامش حرة

من يقرأ هذا التقرير ؟

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



الدكتور جودت الملط ليس خبيرا أجنبيا ولا يعمل في مؤسسة دولية ولا يحمل جنسية أخري غير الشرف المصري ذلك الوسام الذي نعتز به جميعا‏..‏ والجهاز المركزي للمحاسبات الذي يرأسه ليس إدارة من إدارات صندوق النقد الدولي ولا يتبع البنك الدولي للإنشاء والتعمير فهو جهاز مصري صميم يتبع إداريا رئاسة الجمهورية ولكنه يمتد في شرايين جهازنا الإداري ويري كل ما فيه‏..‏ واليوم نحن أمام التقرير السنوي للجهاز المركزي للمحاسبات عن أداء الحكومة في عام‏2004/2003‏ أمام شهادة مصرية خالصة وأمينة وليست لها أي أغراض ولهذا ينبغي أن نتوقف معها بجدية قبل أن يجرفنا الطوفان‏..‏



إن البيان الذي قدمه د‏.‏الملط لمجلس الشعب في الأسبوع الماضي وثيقة إدانة لإدارة فاسدة ومال سايب‏..‏ ومسئولية ضائعة وسوف نتصفح معا ما جاء في هذا البيان حتي يعرف الشعب الحقيقة وندرك عن وعي إلي أين نسير‏.‏



‏-‏ إن العجز في الميزانية قد بلغ‏55,4‏ مليار جنيه في عام‏2004/2003‏ بزيادة قدرها‏16,5‏ مليار جنيه عن ميزانية‏2001/2000‏ وإن هناك نقصا في الإيرادات بلغ‏16‏ مليار جنيه أمام تراجع حصيلة الضرائب وأرباح الشركات والبنوك وبعض الإيرادات السيادية‏.‏



‏-‏ إن الحكومة لم تقم بسداد ماعليها من التزامات وتؤجل ذلك لسنوات قادمة وقد أدي ذلك إلي تداخل بين حسابات السنوات المالية الحالية والقادمة وأن الحكومة بذلك تلقي مسئولية سداد هذه المستحقات علي أجيال قادمة وقد بلغ ما تم حصره من هذه المؤجلات التي رحلتها الحكومة‏76‏ مليار جنيه منها‏40‏ مليار جنيه قيمة فؤاد لبنك الاستثمار القومي و‏34‏ مليار جنيه للتأمينات الاجتماعية وهذا يعني أن الدولة لا تسدد الالتزامات السنوية المدرجة بالميزانية وتحيلها إلي ميزانيات قادمة رغم إنها تدرجها علي أساس أنها التزامات مسددة‏.‏



والسؤال هنا كيف تضع الحكومة أرقاما مزدوجة في أكثر من ميزانية وأكثر من بند ثم تضع ميزانيتها علي أرقام مغلوطة من حيث أموال لا تسدد والتزامات لا تدفع وكيف تسمح الحكومة لنفسها بأن تلقي أعباء اليوم علي سنوات قادمة وأجيال قادمة وزمن قادم‏.‏



‏-‏ بلغ حجم الديون الخارجية والداخلية علي الدولة المصرية‏610‏ مليارات جنيه منها حوالي‏30‏ مليار دولار ديون خارجية قيمتها‏185‏ مليار جنيه مصري ومنها‏435‏ مليار جنيه ديون داخلية‏..‏ وتتحمل مصر فوائد سنوية قيمتها‏42‏ مليار جنيه بزيادة‏500‏ مليون جنيه شهريا عن عام‏2003/2002..‏ وطبقا لهذه الأرقام يبلغ نصيب كل مواطن مصري من هذه الديون‏50‏ ألف جنيه من أصغر طفل إلي أكبر كهل وتبلغ الفوائد المستحقة علي كل مواطن مصري‏600‏ جنيه سنويا أي‏50‏ جنيه شهريا أي حوالي‏2‏ جنيه يوميا‏..‏ فإذا كان أكثر من‏50%‏ من سكان مصر أعمارهم أقل من‏15‏ سنه فهذا يعني أن علي كل رب أسرة ديون تبلغ‏250‏ ألف جنيه بفوائد شهرية تزيد علي‏1500‏ جنيه‏.‏



‏-‏ إن صافي معدل النمو قد بلغ‏2,4%‏ بينما كان المستهدف في الخطة‏6,2%‏ وهذا يخالف ما أعلنته كل الحكومات السابق منها والحالي بأن معدل النمو يقترب من‏8%‏ وهذا يعني أننا أمام أرقام تنقصها الدقة‏..‏ والأمانة‏.‏



ويقول التقدير الخطير أيضا أن معدل التضخم قد بلغ‏11%‏ والواقع والحقائق تقول إنه أكبر من ذلك بكثير لأن سعر كيلو اللحم في عام‏2003‏ كان أقل من‏20‏ جنيها وهو الآن أكثر من‏40‏ جنيها أي أن نسبة التضخم أكثر من‏100%‏ في سعر سلعة واحدة‏.‏



‏-‏ إن عدد العاطلين في مصر الآن‏2‏ مليون فرد‏,‏ وإن حجم الاستثمارات في مصر يتراجع بدرجة مخيفة فقد بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في عام‏2004/2003‏ نحو‏181‏ مليون دولار فقط مقابل‏295‏ مليون دولار في‏2003/2002‏ في الوقت الذي زاد فيه حجم الاستثمارات المصرية في الخارج‏..‏ أي أن المصريين يلجأون الآن إلي استثمار أموالهم خارج مصر فقد ارتفعت استثمارات المصريين خارج البلاد إلي‏257‏ مليون دولار مقابل‏46‏ مليون دولار في السنوات السابقة وفي كل الحالات فإن الأرقام هزيلة سواء ما هو مخصص منها للاستثمار في ميزانية الدولة أو ما هو قادم من الاستثمارات الأجنبية رغم أن الحكومات المتعاقبة كانت تعلن أرقاما بالمليارات من الدولارات التي دخلت الأسواق المصرية‏..‏



وإذا كان الموقف بهذه الصورة فكيف نتحدث عن حلول لأزمة البطالة وتوفير السلع وتشجيع الصادرات هل سيأتي كل هذا من خلال هذه الأرقام التي لا تتناسب مع دولة كبيرة مثل مصر‏.‏



‏-‏ في مصر‏59‏ هيئة حكومية يوجد فيها أموال مستثمرة قيمتها‏407‏ مليارات جنيه تحقق عائدا صافيا بعد خصم الضرائب قيمته‏5‏ مليارات جنيه أي بعائد قدره‏1,3%..‏ فهل يعقل أن يكون هذا دخل دولة من مؤسساتها بموظفيها ووزاراتها والاف المسئولين فيها‏..‏ أن‏26‏ هيئة من هذه الهيئات حققت فائضا قدرة‏23‏ مليار جنيه استحقت الحكومة منها‏9‏ مليارات جنيه من بينها‏8,4‏ مليار جنيه من نصيب قناة السويس وحدها والباقي وهو‏500‏ مليون جنيه لباقي الهيئات‏..‏ هل يعقل هذا؟‏26‏ هيئة حكومية تحقق‏500‏ مليون جنيه في السنة والأغرب من ذلك أن‏22‏ هيئة حكومية يصل العجز فيها إلي‏5‏ مليارات جنيه سنويا‏..‏ وهذا يعني أننا أمام مؤسسات خاسرة باستثناء قناة السويس التي أنشأها الخديوي إسماعيل من عشرات السنين لتكون الآن أهم مصادر الدخل في الدولة المصرية‏.‏



‏-‏ في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن حصيلة بيع القطاع العام في برنامج الخصخصة تدخل كموارد في ميزانية الدولة وهذه صورة من صور التحايل والخداع خاصة أن هناك أكثر من رقم‏,‏ فقد قيل يوما أنها بلغت‏29‏ مليار جنيه وإذا أضفنا‏16‏ مليار جنيه أعلن عنها أخيرا فنحن أمام‏45‏ مليار جنيه فأين ذهبت هذه الأموال‏.‏



‏-‏ تحدث التقرير أيضا عن تجاوزات في الأجور وتكاسل في استخدام المعونات الخارجية وتراجع عمليات التبادل التجاري بين مصر والدول العربية ودول أفريقيا‏..‏ وإنشاء مشروعات بلا دراسة ولا تمويل ولا خطط‏,‏ إن هناك مشروعات وهمية كثيرة سجلتها الحكومات علي الورق دون أن تنفذ منها شيئا‏..‏ وفوائد مبالغ فيها من المؤسسات المالية الدولية وتأخير مشروعات الإسكان الاقتصادي والأخطر من ذلك أن حصيلة برنامج الخصخصة كما جاء في التقرير قد تراجعت بمبلغ‏3‏ مليارات جنيه هذه بعض الأرقام التي جاءت في التقرير‏..‏



وتبقي لي بعد ذلك كلمة‏..‏

‏-‏ إننا أمام تقرير حكومي رسمي من جهاز مسئول عن متابعة أنشطة الحكومة ماليا وإداريا واقتصاديا وإن هذا الجهاز يقدم تقريرا سنويا منذ‏8‏ سنوات عن أحوال الاقتصاد والدولة المصرية ولم يعبأ به أحد وكأنه صرخات في الهواء لأن الحكومات لم تلتزم يوما بما جاء فيه من توجيهات وإرشادات وأرقام‏.‏



أن التقرير يحذر من زيادة العجز في الميزانية وارتفاع معدل فوائد القروض وكارثة الدين العام وتأجيل الحكومات المتعاقبة للالتزامات التي تتحمل أعباءها أجيال قادمة وأننا أمام جهاز إداري ومالي فقد القدرة علي التعامل مع مشاكل الدولة في كل جوانبها‏,‏ وإن تراكم الأزمات سوف يدفع بنا إلي مناطق مجهولة‏..‏



إن الغريب في الأمر أن هذا التقرير أخذ من مجلس الشعب ساعات قليلة وأخذ من الحكومة ساعات أقل‏..‏ رغم أنه يحمل في كل سطر فيه بوادر كارثة‏.‏




 





Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads