العرب‏..‏ واستنساخ الأزمات

هوامش حرة

العرب‏..‏ واستنساخ الأزمات

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



لا يكتفي العالم العربي بكارثة واحدة‏..‏ ولكنه قادر علي أن يستحضر الكوارث ويستنسخ الأزمات‏..‏ وإذا وجد العرب أنفسهم يوما بعيدين عن الأزمات سرعان ما يبحثون عنها ويمهدون لها كل الطرق والوسائل‏..‏ وفي الفترة الأخيرة اقتحمت الشارع العربي ثلاث أزمات متتالية بل إنها تمثل بداية كوارث أكبرإذا أردنا الدقة في التعبير‏..‏



كانت البداية التي لاحت في الأفق صورة صراع عربي ايراني قادم حول برنامج إيران النووي‏..‏ وكانت الأزمة الثانية هي الإصرار الدولي والعربي والفلسطيني علي اجهاض تجربة حماس في السلطة‏..‏ أما الأزمة الثالثة فهي خروج عفريت قديم من أعماق التاريخ أسمه السنة والشيعة هذا الشبح الذي يمكن أن يعيد للعرب والمسلمين صور الأنحطاط القديم والصراعات الدامية والدم البريء‏.‏



لا يريد العالم العربي أن يستريح أو يواجه مشاكله وأزماته الحقيقية في بناء مستقبل أفضل ولكنه يصر علي الدخول في أزمات جديدة وأخطاء متكررة‏..‏



‏*‏ في الوقت الذي كان فيه الجرح العراقي ينزف وفي الوقت الذي أنسحب فيه العرب تماما من الساحة العراقية تاركين العراق لآلامه وأحزانه ومعانات شعبه ظهرت أزمة المشروع النووي الإيراني‏..‏ وهو قصة صراع بين إيران وأمريكا في الدرجة الأولي وتحكمه خلفيات وحسابات ومصالح‏..‏ لقد استغلت إيران مأساة القوات الأمريكية أمام المقاومة العراقية‏..‏ ورأت أنها أمام فرصة تاريخية لكي تدخل في سباق مع الكبار وتأخذ نصيبها من الغنيمة حينما يجيء وقت الحصاد‏..‏ والواضح حتي الآن أنها تلعب مباراة قوية حققت فيها حتي الآن مكاسب كبيرة علي كل المستويات‏..‏ لقد فرضت علي الدولة الأكبر في العالم أن تجلس معها علي مائدة المفاوضات وليس الموضوع المطروح بينهما هو البرنامج النووي‏..‏ ولكنها أزمة العراق وهذا يعني أن إيران أصبحت الطرف الأساسي الأقوي في تحديد مستقبل العراق وليس الدول العربية‏.‏



إن إيران دخلت معركتين في وقت واحد أحداهما للثأر والأخري للغنائم‏..‏ المعركة الأولي هي البرنامج النووي ولاشك أنها حققت في هذه المعركة إنجازا غير مسبوق في ثأرها من أمريكا التي فرضت عليها العقوبات‏..‏ أما المعركة الثانية فهي العراق‏..‏ وحتي الآن هي تمضي في الطريق الصحيح‏..‏ في هذا الوقت تسعي أمريكا إلي فتح جبهة بين العرب وإيران وهنا انطلقت تصريحات غريبة من عواصم عربية مختلفة تدين البرنامج النووي الإيراني وتعلن رفضها له وتطالب العالم بأن يتوحد لوقفه‏..‏ لقد اختارت العواصم العربية في فترات سابقة أن تقف ضد إيران في كل الأحوال‏..‏ حدث هذا في حرب ظالمه بين العراق وإيران بإيعاز من أمريكا لصدام حسين دامت ثماني سنوات ودفع فيها العرب خاصة دول الخليج فاتورة باهظة بلغت‏400‏ مليار دولار وتحملت إيران مثلها هذا بخلاف‏2‏ مليون شهيد مسلم من البلدين‏..‏ ووقفت الدول العربية ضد الإمام الخميني رغم أن ثورته لم تكن انقلاب سلطة ولكنها كانت ثورة شعب اتفقنا أو اختلفنا عليها‏..‏ ووقف العرب ضد ما أعلنته إيران أخيرا من أن إسرائيل سرطان خطير في هذه المنطقة من العالم وإن علي أوربا أن تدفع ثمن محارق النازي وليس العرب والمسلمون‏..‏ ولا أدري علي أي أساس يتحرك القرار العربي وهل يسعي بالفعل إلي مصالح الشعوب العربية أم أن هناك أطرافا أخري من أهدافها إشعال نيران الصراع العربي الفارسي وأحياء ذكريات تاريخية مريرة‏..‏ لقد منعت أمريكا العواصم العربية من أن تمد جسورها مع إيران في الوقت الذي كانت تسعي إلي التفاوض معها حول كل الأشياء بما في ذلك مستقبل العراق‏..‏ فهل سيجيء يوم يفهم العرب فيه أبعاد اللعبة ويبحثون عن مصالحهم الحقيقية ويحددون العدو الحقيقي لهم‏..‏ إن هناك مخاوف حقيقية من تورط بعض الحكومات العربية في عمل عسكري ضد إيران إذا أرادت أمريكا أن تفعل ذلك ولاشك أن مثل هذا التصرف سوف يحمل مخاطر كثيرة ويكفي ما تعلمناه من دروس التاريخ أمام مغامرات عشوائية جاءت خارج كل الحسابات‏..‏ إن الأولي بالعالم العربي أن يدرس التجربة الايرانية في شقها الإيجابي في بناء قوة عسكرية معاصرة فاقت كل التوقعات‏.‏



‏*‏ الأزمة الثانية التي لاحت في الشارع العربي في الفترة الأخيرة هي المأزق الذي تمر به حركة حماس بعد أن اكتسحت الانتخابات في الشارع الفلسطيني ولم يكن ذنب حماس أنها نجحت في الانتخابات حتي تدفع الثمن‏..‏ ولم يكن ذنب رجالها أنهم عاشوا قضيتهم كما ينبغي أن تعيش الشعوب قضاياها تجردا وشفافية ونبلا‏..‏ ولم يكن في حساباتهم وهم يضعون أقدامهم في السلطة أن معركتهم لن تكون فقط مع عدو مغتصب ولكن مع رفاق سلاح‏..‏ وأخوة‏..‏ وشركاء مصير‏..‏ إن الشيء الغريب الآن في أزمة حماس في السلطة أنها لا تحارب أمريكا وإسرائيل ولكنها تتعرض لعملية إجهاض غريبة تشارك فيها العواصم العربية بلا استثناء مع السلطة الفلسطينية‏..‏ لماذا اتفق الجميع علي إسقاط تجربة حماس أليس غريبا أن تجتمع رغبة إسرائيل مع رغبة أمريكا والعرب بما فيهم الفلسطينون من أجل إفساد تجربة حماس‏..‏ لقد جربت السلطة الفلسطينية المفاوضات مع إسرائيل وأخذت فرصتها كاملة في ذلك ولم تصل إلي شيء‏..‏ فلماذا لا نترك حركة حماس تسلك طريقا آخر لعله يكون الأفضل‏..‏



هل يعقل أن يمنع العالم الدعم المالي عن الشعب الفلسطيني ولا تعترض الدول العربية‏..‏ هل يعقل أن تجد حركة حماس نفسها في عزلة كاملة من أبناء الوطن وأبناء الأمة والعدو والصديق والجار‏..‏ هل يعقل أن يطوف الزهار وزير خارجية حكومة حماس العواصم العربية ولا يستقبله أحد‏..‏ وهل يعقل أن يرفض الجميع حماس قبل أن تتكلم أو تعلن سياستها ومواقفها‏..‏ إن ما حدث تجاه حماس مهزلة عربية قبل أن تكون أزمة دولية تقودها أمريكا وإسرائيل كان ينبغي أن تحتضن العواصم العربية حركة حماس وتشارك معها في تأكيد الحق الفلسطيني وتوضح للعالم أن الشعب الفلسطيني لا يرفض السلام ولكنه يرفض الاستسلام وأن إسرائيل لم تقدم للشعب الفلسطيني حتي الآن ما يشجعه علي المضي في طريق السلام وأن أمريكا قد خذلت الفلسطينون بعشرات الوعود الكاذبة‏..‏



كان ينبغي أن تستقبل العواصم العربية ممثلي ووزراء حماس لأنهم يمثلون الشعب الفلسطيني أما الرضوخ لرغبات من هنا أو مطالب من هناك فهذه تصرفات تدخل في نطاق الخطايا وإهدار حقوق الشعوب‏..‏ إن حماس الآن هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني من خلال انتخابات حقيقية وعلي العرب أن يحترموا رغبة شعب يعرف ما يريد‏..‏ أما إذا شارك الجميع في إجهاض تجربة حماس فلن يبقي إلا الفوضي والتصفيات بين أبناء الشعب الواحد وهذا ما تريد إسرائيل وتؤيده أمريكا‏..‏



‏*‏ نأتي إلي الأزمة الثالثة وهي نغمة غريبة تسري الآن حول الشيعة والسنة وهي كما قلت جرح إسلامي قديم كان من أسوأ فترات الصراع بين المسلمين وهو شبح يطاردنا من وقت لآخر‏.‏



إن الشيء المؤكد أن هناك أطرافا دولية كثيرة تسعي لإشعال هذه الفتنه‏..‏ بل إن هناك من بيننا من يريد إشعالها‏..‏ وفي تقديري أنه لا ينبغي أن نخلط معارك السياسة وصراعاتها مع الخلافات الدينية في المذاهب والطقوس‏..‏ إن الملايين من الشيعة يعيشون مع السنة في معظم البلدان العربية ولم تكن هناك خلافات أو صراعات لأن الجميع مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات‏..‏ وفي التاريخ صفحات مجيدة للشيعة في مصر وقد بقيت الدولة الفاطمية فيها أربعة قرون واحتضنت آل البيت ومازالت زمانا طويلا‏..‏ وفي السعودية يعيش السنة والشيعة معا في أماكن واحدة‏..‏ وفي البحرين والكويت وعمان تتوحد مشاعر الجميع في دين وعقيدة واحدة‏..‏ إن البعض يحاول استغلال ما يحدث في العراق الآن بين السنة والشيعة لإشعال الفتنة بينهما‏..‏ كما تسعي أمريكا إلي تأكيد هذه الخلافات‏..‏ وهذه كلها لعبة سياسية تهدف إلي تمزيق العراق وتشتيت شعبة‏..‏ ولا ينبغي أن يسمح أبناء الشعب العراقي بهذه الفتنه ولا ينبغي أيضا أن نترك ظلالها الخبيثة تصل إلي أوطان عربية أخري جمعت الشيعة والسنة في نسيج واحد وإن اختلفت المذاهب والمعتقدات‏..‏ إن هناك أيادي خفية تحرك الأشياء حولنا وينبغي أن نك

ون علي وعي بذلك حتي لا ندمر أنفسنا بأيدينا‏..‏ إن الصراعات التي تظهر من وقت لآخر هنا أو هناك تسعي إلي هدف واحد هو تمزيق هذا الجسد واستباحة كل جزء فيه‏..‏ وليتنا نتعلم من التاريخ حتي لا نكرر أخطاءنا‏.‏



ويبقي الشعر



هذي شعوب رأت في الصمت راحتها

واستبدلت عيرها بالخيل أزمانا



هذي شعوب رأت في الموت غايتها

واستسلمت للردي ذلا‏..‏ وطغيانا



باعوا لنا الوهم أشباحا متوجة

من أدمنوا القتل كهانا‏..‏ وأعوانا



لم يبرأ الجرح‏..‏ لم تهدأ عوارضه

وإن غدا في خريف العمر أحزانا
 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads