عشوائيات

هوامش حرة

عشوائيات

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



 


في حياة المصريين مفارقات وظواهر غريبة‏..‏ وأغرب ما في هذه المفارقات أنها تعكس حالة من الخلل الاجتماعي الذي أصابنا في السنوات الأخيرة وأصبح يهدد كل جوانب حياتنا استقرارا وأمنا وحاضرا ومستقبلا‏..‏



ولعل أخطر ما في هذه الظواهر أننا لا نقرأها القراءة الصحيحة ولا نتوقف عندها كما ينبغي ولا نحاول أن نلقي الضوء عليها حتي ندرك الحقيقة‏..‏



لقد استسلمنا جميعا لواقع شاذ قبيح مترهل وطوائف اجتماعية توحشت وفقدت مشاعر الرحمة‏..‏ وأجهزة إدارية شاخت وفقدت قدرتها علي مواجهة أزمات المواطنين وقضاياهم‏..‏



توقفت في الأسبوع الماضي عند رقمين كل رقم منهما أزعجني وطرح أمامي أكثر من سؤال‏..‏


-‏ الرقم الأول جاء علي لسان اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للأحصاء في حوار مع الزميل سيد علي في القناة الثقافية قال فيه أن في مصر‏12‏ ألف و‏700‏ منطقة عشوائية موزعه ما بين القاهرة والمحافظات‏..‏ وأن عدد سكان هذه العشوائيات يبلغ‏12‏ مليون مواطن وهذا العدد يعادل‏20%‏ من سكان مصر البالغ عددهم حتي الشهر الحالي‏72.3‏ مليون نسمة‏..‏ هذا هو الرقم الأول‏..‏


-‏ أما الرقم الثاني وقد نشرته أحدي المجلات فيقول أن أحد رجال الأعمال قدم وهو يفتتح قريته السياحية لأحدي المطربات اللبنانيات هدية عبارة عن فيلا في أحدث منتجعاته بلغت قيمتها‏6‏ ملايين جنيه‏..‏



وما بين رجل الأعمال وفيلا المطربة الشابة وعشوائيات مصر المحروسة تبدو خطورة هذه المفارقات التي تحدث في مجتمع يتآكل ويفقد كل يوم مقومات وجوده وقوته وقدرته علي مواصلة الحياة‏..‏



أن قضية العشوائيات في مصر قضية قديمة والعشوائيات هي تلك المناطق التي أقيمت بعيدا عن عين الحكومة فلا تصريحات بناء ولا تخطيط عمراني ولا مرافق عامة ولا أمن أواستقرار‏..‏ انها بإختصار شديد مناطق سكنيه تكدست فيها كتل الطوب والأسمنت وما بينهما ملايين من البشر وقد تحولت هذه العشوائيات إلي قنابل موقوتة لا نعرف متي تنفجر‏..‏ وأين سيكون ضحاياها‏..‏



وفي هذه العشوائيات لا قيمة لقوانين ولا أهمية للرقابة ولا وجود للبديهيات التي نعرفها حيث الأمن أوالاستقرار‏..‏ ملايين من المصريين يسكنون هذه العشوائيات وفيها كل أمراض مصر المعاصرة‏..‏ أن فيها أوكار المخدرات التي تنتشر في كل مكان وتحصد شبابنا‏..‏ وفيها أيضا أوكار لعلاقات مشبوهة وسلوكيات مدمرة وعلاقات إنسانيه محرمة‏..‏ ومنها أيضا خرجت مواكب الإرهاب والتطرف التي حصدت عقول شبابنا ما بين دين مشوه وفكر مريض وعنف لم نعرفه يوما‏..‏ وشباب لا يجد الأمل أو العمل أو الاستقرار‏..‏ وفي هذه العشوائيات ومنها خرجت كل أمراضنا الفكرية في العفاريت والشعوذة والتخلف وخرجت أيضا أسوأ العلاقات الاجتماعية في الزواج العرفي والسلوكيات الشاذة‏..‏ وفيها أيضا اتسعت أمراض الفقر وفي مقدمتها الجريمة ولم يكن غريبا أبدا أن نقرأ كل يوم عشرات الجرائم ما بين قتل الآباء والأزواج والأبناء والأمهات‏..‏ هذه هي أوكار العشوائيات التي تضم‏20%‏ من سكان مصر المحروسة‏..‏ ولهذا لا ينبغي أبدا أن نعبر علي هذا الرقم المزعج والمخيف لأن وراء هذا الرقم تقف عشرات الظواهر الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار هذا الوطن‏..‏ وفي هذه العشوائيات لنا أن نتصور أسرة من عشرة أشخاص ينامون في غرفة واحدة أو نجد مدرسة يجمع الفصل فيها مئات التلاميذ وليس فيها دورة مياة أو مكان يلعب فيه الأطفال‏..‏



أمام الرقم الثاني وفيلا الملايين الست التي أهداها رجل الأعمال الثري للمطربة اللبنانية هذه الملايين كانت تبني أكثر من بيت وتعلم أكثر من طفل وتقيم أكثر من دورة مياه في حي عشوائي فقير‏..‏ وهذا الرقم الأخير يقف في سلسلة طويلة من التجاوزات الأخلاقية والسلوكية والإنسانية التي يرتكبها بعض رجال الأعمال في حق هذا المجتمع‏..‏ ان الدولة شجعت هذه الطبقة من الناس لكي يقوموا بدورهم الاجتماعي لمساندة مشروعاتها والمشاركة في تحمل الأعباء والمسئوليات أن الدولة التي قدمت القروض والأراضي وأعفت من الجمارك والضرائب والرسوم وفتحت كل الأبواب أمام رجال الأعمال كانت تنتظر منهم سلوكا آخر‏..‏ ان هذه العشوائيات صاحبة حق علي هؤلاء الناس لقد أقاموا المنتجعات الخاصة واشتروا الطائرات الخاصة وكانوا يوما من سكان هذه العشوائيات وفي غفلة من المجتمع النائم سرقوا كل شيء‏..‏ أخذوا مساحات شاسعة من الأراضي التي هي ملك للجميع وباعوها‏..‏ وأخذوا مئات الملايين من البنوك ولم يردوها‏..‏ وتاجروا في كل شيء ابتداء بطعام الفقراء وانتهاء بذمم المسئولين‏..‏ وتكونت طبقة جديدة تشكلت في فترة زمنية قصيرة ما بين رجال الأعمال ورجال السلطة‏..‏ وانفصل هؤلاء عن واقع اجتماعي رهيب وبشع يعيشه المجتمع كله‏..‏ لم يحقد فقراء مصر علي الطبقة الجديدة ولكنهم فقط كانوا يتساءلون أين حقوقنا في هذا كله‏..‏ عندما بدأ المجتمع سياسة الاقتصاد الحر وفتح أبواب الثراء لهؤلاء كان ينبغي أن يكون المجتمع عادلا‏..‏ جاء السلام مع الانفتاح مع الخصخصة وبيع المشروعات ووقف فقراء مصر يتساءلون إذا كنا يوما قد قدمنا الدماء في ساحة الحرب لماذا لم نأخذ شيئا من ثمار السلام؟‏!..‏ وإذا كانت الدولة قد فتحت أبواب الثراء مع الانفتاح فلماذا أغلقت باب أرزاقنا مع بيع مشروعات الخصخصة ؟‏!..‏



لقد جمع الشريط الأزرق في سيناء ملايين رجال الأعمال وبقيت المساحات الشاسعة من الصحاري تلملم أشلاء أسر الشهداء وسكان النجوع والكفور من العشائر والقبائل‏..‏



وامتدت في المنتجات المرمرية في القاهرة وبقية عواصم الأقاليم أنشطة الأثرياء الجدد بينما فقراء مصر ينظرون من بعيد إلي هذا التغير المخيف في تركيبة المجتمع المصري ما بين من ملكوا كل شيء ومن فقدوا كل شيء وتم توزيع الأراضي بلا حساب بقروش زهيدة ما بين الزواج الباطل للسلطة ورأس المال‏..‏



وبعد ذلك كله يحاول البعض أن يبيع للناس أوهاما جديدة وكأن بورصة الأوهام لا تجد من يضارب فيها إلا المصريين البسطاء‏..‏



في يوم من الأيام وفي أحدي جلسات مجلس الوزراء وقف رئيس حكومة سابق يتحدث عن تعميم استخدام أجهزة الكمبيوتر في جميع المدارس في الريف المصري ووقف أمامه وزير سابق فاضل محتجا وقال له المطلوب أولا أن نقيم لهم دورات مياه وكان الوزير صادقا في سؤاله‏..‏ ولهذا أتعجب الآن والصحف تنشر في الأيام الأخيرة عشرات القصص والتصريحات عن المشروع النووي المصري والذي أصبح حديث مصر كلها وهنا أتساءل‏..‏ من أين لنا كل مظاهر هذه الرفاهية و‏12‏ مليونا من المصريين يسكنون العشوائيات بلا مياه أو مجاري هل هي أوهام جديدة يحاول البعض أن يغرق الناس فيها أو هو كابوس طويل لا نعرف متي نفيق منه ومتي يرحل عنا؟‏!..‏

قبل أن تدخلوا البرنامج النووي أرجوكم أرحمونا من السحابة السوداء‏..‏



ويبقي الشعر





يا أيها الجلاد

سيفـك لم يعد أبدا يهز سكينتي

إني سأطلق من قـبورك غضبتي

حطـمت أصنـام المعابد كـلـها



وعرفـت في زمن النـخاسة أين تـاهت قبلتي‏..‏

حريتي‏..‏ يا قبلتي‏..‏

يا دمي المهزوم في صدري

ويا حلمي الـذي صلـبوه جهرا في سماء مدينتي



يا صوتي الـمخنـوق في زمن الـموالي

يا نزيف براءتي

يا أيها الوطن الذي قـتلـوه في عيني

وراحوا يسكرون علي بقـايا مهجتي

حريتي يا قبلتي‏..‏



يا موطني مهما تـغربنـا وضاعت في الدروب هويتي

ميعادنا آت فـضوء الصبح يرفـع كـل يوم جبهتي‏..‏

قـد كـنت أدمنت الظـلام وداست الأقدام عمرا قـامتي



يا أيها الجلاد‏..‏ قـد دارت بـنا الأيام

لا تـنظر لرأسي‏..‏ إن رأسك غـايتي
 


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads