عجائب المصريين السبع‏!!‏

هوامش حرة

عجائب المصريين السبع‏!!‏

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة

لم يكن سمك القرش قد انهي احتفاليته الصاخبة بألف ضحية سقطت بين أنيابه في قلب البحر الأحمر حتي أطلت علينا عبر الشاشة كارثة أخري اهتزت لها كل البيوت وأصابت المصريين بحالة من الفزع حيث تم اكتشاف إنفلونزا الطيور في أكثر من مكان‏..‏ وأكثر من محافظة‏..‏ وحتي الآن لم نصل إلي شيء سواء في ضحايا عبارة الموت أو إنفلونزا الطيور التي تجتاح الآن ما بقي لدينا من الدواجن والطيور‏..‏ وهناك موقف لفت نظري وتوقفت عنده كثيرا وهو أن الحكومة سوف تصرف تعويضات عن الطيور الميتة لأصحاب المزارع أما أصحاب العشش والدكاكين فليس من حظهم شيء‏..‏ أي أن الفلاح الذي لا يملك غير العشه وما بها من طيور لن يحصل علي تعويض أما رجل الأعمال الذي يمتلك عشرات المزارع الضخمة لإنتاج الدواجن فسوف تدفع له الدولة التعويضات‏..‏ والفلاح لا يملك غير العشة‏..‏ ولم يحصل علي قروض من البنوك ولم يأخذ الأرض من الدولة بلا مقابل ورغم ذلك يدفع الفلاح عشرة ألآف جنيه غرامة إذا خالف قرار إزالة العشة أما صاحب المزرعة فسوف يأخذ كل شيء في النهاية كما أخذها في البداية‏..‏ فهل هذه هي العدالة في نظر حكومتنا الرشيدة أن يزداد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء حتي في وقت الأزمات‏.‏



ولقد حملني هذا القرار الجائر إلي أكثر من تساؤل‏..‏ لماذا نتعامل دائما حتي في الكوارث والأزمات بأكثر من طريقة و أكثر من ميزان‏..‏ ولماذا يكون الفقراء والبسطاء دائما هم الجدار المائل الذي لا يحصل علي حقوقه‏..‏ ولماذا يزداد الأغنياء غني‏..‏ ويزداد الفقراء فقرا وأحزانا‏..‏ وما أكثر الدلائل التي تشعرك دائما أن مصر شعبان‏..‏ وصحافتان‏..‏ وطبقتان وأكثر‏..‏ وأنك إذا تابعت خريطة المجتمع المصري سوف تكتشف تناقضات غريبة في كل شيء في الثقافة‏..‏ والفكر‏..‏ والقضايا الاجتماعية‏..‏ وسلوكيات الأشخاص‏..‏ وأن هناك ازدواجية تحكم كل شيء في حياتنا‏..‏

حاول أن تقرأ معي هذه الخريطة‏..‏



‏*‏ إن تصريحات المسئولين في الدولة تختلف تماما عن واقع حياة المواطنين‏..‏ إن المسئولين متفائلون دائما‏..‏ مقبلون علي الحياة‏..‏ لا تشعر أن واحدا منهم يحمل هما أو عبئا أو مسئولية‏..‏ أنهم مبتسمون دائما في الصور وعلي شاشات التليفزيون حاول أن تقرأ صور المسئولين في الأبواب الاجتماعية والأفراح والمناسبات السعيدة‏..‏ وانزل إلي الشارع وتابع وجوه المواطنين الواقفين علي محطات الأتوبيس أو المترو أو في الميادين العامة‏..‏ سوف تكتشف هذه الازدواجية‏.‏



لا أذكر أنني شاهدت في يوم من الأيام مسئولا مصريا وهو في زيارة لقرية فقيرة‏..‏ أو موقع بعيد من مواقع العمل ورأيته يبدو أنه مثل بقية المصريين حيث يسير بلا مصفحات أو حراسة‏..‏ وهذا يؤكد تلك المسافة الواسعة بين المواطنين والسلطة وأن كلا منهما في وادي أخر‏..‏



‏*‏ إذا قرأت الصحف الرسمية والحكومية وجدت بلدا آخر غير ذلك البلد الذي تراه في الصحف الخاصة والحزبية‏..‏ إن كل شيء في الصحف الرسمية جميل ورائع‏..‏ وكل شيء في الصحف الخاصة والحزبية سييء وقبيح‏..‏ فأين حقيقة الأشياء‏..‏ وإذا كان البعض يبالغ في تقديم صورة جميلة من خيالة‏..‏ ويبالغ البعض الآخر في تقديم صورة قبيحة من الواقع‏..‏ فكيف ومتي نصل إلي الحقيقة حتي إن كانت مرة‏.‏



‏*‏ إذا شاهدت التركيبة الاجتماعية في مصر سوف تري قشرة صغيرة من الذين ملكوا كل شيء‏..‏ وكتلة ضخمة من الذين ضاع منهم كل شيء‏..‏ وإذا حاولت أن تقرأ تاريخ القشرة الصغيرة التي جلست علي السطح سوف تكتشف أنهم حتي سنوات قليلة كانوا من هذه الكتلة الضخمة ولا أحد يعرف كيف خرجوا منها وجمعوا كل هذه الأموال بلا تعب أو جهد‏..‏ وتحتار وتتساءل عن مصير أجيال قادمة كان من حقها أن تشارك وأن تعمل ولكن المجتمع حرمها من الماضي والحاضر والمستقبل‏..‏



والغريب أن تجد أن كل المواقع المهمة وليس المال وحده أصبحت من حق هذه الشريحة أو القشرة التي يخفي بها المجتمع سيئاته‏.‏



حاول أن تقرأ مسابقات الوظائف الكبري‏..‏ والأفراح الكبري‏..‏ والعائلات التي أصبحت كبري‏..‏ وصفحة الوفيات والجنازات الكبري‏..‏ والمصانع والصفقات والعقارات الكبري‏..‏ سوف تكتشف أن من يملكون المناصب الكبري هم أنفسهم أصحاب المشروعات الكبري‏..‏ وان هناك زواجا باطلا بين المال والقرار وما يسمي اللياقة الاجتماعية‏.‏ ومن هنا فإن الغني في مصر يزداد غني حتي وإن كان لا يملك أي مؤهلات لأن يكون غنيا‏..‏ والفقير في مصر يزداد فقرا وهو يعلم مصيره من البداية‏..‏ أنه غير لائق اجتماعيا‏..‏ في زمان مضي كان كل فقير يحلم أن يبدل واقعه ويدخل في طبقة اخري ولكن الحلم الآن حتي الحلم أصبح عملا غير مشروع‏.‏



‏*‏ ومن عجائب المصريين أيضا وازدواجية المواقف أن يقرر مجلس الشعب تأجيل انتخابات المحليات عامين كاملين بينما لم تحسم قضية إلغاء سجن الصحفيين طبقا لتوجيهات الرئيس مبارك منذ أكثر من عامين‏..‏ أو أن يحال أربعة من كبار المستشارين في القضاء المصري إلي النيابة العامة للتحقيق معهم بينما لم يرفع مجلس الشوري حتي الآن الحصانة عن صاحب عبارة الموت السلام‏98..‏ ما أكثر الأحكام التي نفذتها مؤسسات الدولة في دقائق وما أكثر الأحكام التي بقيت حبرا علي الورق ابتداء بالطعون في الانتخابات وانتهاء بأحكام إعادة حزب العمل وجريدة الشعب‏..‏ وهذا يؤكد هذه الازدواجية وأن الدولة إذا أرادت فعلت وإذا طنشت فليس هناك سامع أو مجيب‏.‏



ومن أغرب الظواهر في هذه الازدواجية موقف الدولة من قضايا الفساد وقروض رجال الأعمال من البنوك‏..‏ هناك فاسد علي رأسه ريشة لا يقترب منه أحد‏..‏ وفاسد آخر تطارده الأجهزة القضائية والرقابية‏..‏ وهناك من أصحاب القروض من دخل السجن‏..‏ ومنهم أيضا من لم يقترب منه أحد‏..‏ يحدث هذا رغم أن الفساد هو الفساد والبنوك هي البنوك وينبغي أن يكون الحساب مع الجميع دون تمييز أو تجاوز إذا كنا نسعي بالفعل لتحقيق قيمة اسمها العدالة‏.‏



‏*‏ في مصر الآن أيضا تليفزيون يخص الدولة والحكومة‏..‏ وتليفزيون خاص له لغة أخري وإذا حاولت أن تقرا هذا وذاك اكتشفت تناقضات في كل شيء‏..‏ علي تليفزيون الدولة يمكن أن تشاهد أشخاصا غير هؤلاء الذين تراهم علي التليفزيونات والقنوات الخاصة‏..‏ إن المثقفين هنا‏..‏ ليسوا المثقفين هناك‏..‏ والمسئولون هنا ليسوا المسئولين هناك وحتي في مواقع ووظائف حساسة تجد المسافة كبيرة جدا بين ما يقال هنا ويقال هناك‏..‏ وهذا يؤكد ان المجتمع أصيب بحالة من حالات الأنفصام في طبقاته ومسئوليه ورعاياه وفكره وثقافته في التليفزيون الرسمي تشاهد أشخاصا يدافعون بلا حجة ويهاجمون بلا وعي وفي التلفزيون الخاص تجد الحقيقة عارية وقبيحة ومؤلمة‏.‏



‏*‏ من الشواهد الغريبة أيضا ردود أفعال المجتمع تجاه ما يحدث فيه‏..‏ والدليل علي ذلك ما حدث في عبارة السلام‏98‏ وما حدث في كأس أفريقيا‏..‏ كان المجتمع المصري منقسما علي نفسه بين من يدفنون بقايا شهدائهم في الصعيد ومن يحتفلون بالفوز بكأس أفريقيا في القاهرة‏..‏ كان التناقض واضحا بين الشارع الصاخب المجنون بفرحته‏..‏ والقري الحزينة الباكية بمأساتها‏..‏ وفي كارثة العبارة كانت أسر الشهداء تنتظر دورها في صرف التعويضات بينما اللاعبون يتسلمون الشيكات‏..‏ وكانت الاحتفالات تقام هنا والتعزية لا تقام هناك لأن الجثث لم تصل بعد أو لأنها لن تصل علي الإطلاق‏..‏



‏*‏ في مصر أيضا أكثر من كتيبة ثقافية وفكرية ولا يجمع بين هؤلاء وهؤلاء موقف واحد‏..‏ إن البعض منا يؤيد الانتخابات الفلسطينية ويقف مع حماس‏..‏ ويعارض أمريكا وإسرائيل بينما البعض الآخر يهتف بحياة أمريكا وإسرائيل‏..‏ وهناك من يدين المقاومة العراقية‏..‏ ويؤيد القوات الأمريكية‏..‏ ومن يهاجم إيران ويدافع عن الوجود الأمريكي‏..‏ وهناك من انزعج من وصول الاخوان المسلمين إلي مجلس الشعب‏..‏ وهناك من فرح بذلك‏..‏ والغريب ألا تجد بين هذا كله منطقة تتفق عليها الأفكار وتتوحد فيها المشاعر لأن كل طرف يخاطب مصالحة أو رؤيته الضيقة لكل ما حوله‏.‏ وهنا أيضا تجد هذه الانقسامات بين أبناء الحزب الواحد وتسمع عشرات القصص والحكايات و الأغرب أن تجد ذلك في النقابات المهنية وبين صفوة أبناء المجتمع‏..‏ هذا تيار يعمل لحساب الحكومة وتيار آخر يقف بين الناس‏..‏ ولا توجد نقابة مهنية في مصرإلا وهي تعاني هذه الازدواجية البغيضة‏..‏ أنا مع‏..‏ أو ضد‏..‏ إن الخلاف في الرأي وارد‏..‏ ولكن ما الذي يجعلنا نختلف وعلي أي الأشياء نختلف‏..‏ هذا هو السؤال‏..‏ إننا مع المؤيدين إذا كان ذلك نداء فكر وليس دعوة مصالح‏..‏ ومع المعارضين إذا كان الهدف هو الوصول إلي الصيغة الأفضل في العمل والسلوك ولكن تضارب المصالح وتناقضها في معظم الأحيان يجعل من هذه الازدواجية مرضا اجتماعيا وسلوكيا مخيفا‏.‏



وأتمني أن يجيء اليوم الذي أري فيه المسئولين مهمومين بقضايا المواطن العادي حتي ولو كانت بسيطة وأن أري واحدا منهم يقف بين العمال في مصنع أو بين الفلاحين في حقل أو بين الطلاب في مدرسة بعيدة‏..‏



وأتمني أن أقرأ يوما أشياء من الحقيقة سواء كانت في الصحف الحكومية أو المعارضة‏..‏ أتمني أن أجد الأغنياء في مصر يتصدرون واجهة الأحياء الفقيرة يقدمون الدعم للناس ويرفعون راية العدالة‏..‏ أتمني أن أجد النقابات المهنية وهي تقف صفا واحدا دفاعا عن الحرية والكلمة المسئوله والضمير الحي‏..‏ أتمني أن تكون لدينا الشجاعة لأن نواجه مشاكلنا الحقيقية بلا تحايل أو أكاذيب وأن نعترف بأخطائنا وجوانب القصور فينا‏..‏



إن ظاهرة الانفصام في الشارع المصري واحدة من أخطر الظواهر التي أصابت المجتمع وجعلته يتعامل بأكثر من وجه ابتداء بالسلطة وانتهاء بما يحدث في الشارع من سلوكيات بين الناس‏..‏ وهذا يعني أن المجتمع يمارس الكذب علي نفسه وعلي الآخرين‏..‏ وهذه مأساة‏.‏
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads