هوامش حرة
تعقيب ساخر في قضية جادة
يكتبها: فاروق جـــويـــدة
من الخطأ أن نتصور أن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن أحلامها القديمة لأن هذه الأحلام جزء من عقيدة دينية وسياسية وليست مجرد أوهام عابرة.. ولا ينبغي لنا أن نتخيل أن إسرائيل قد أصبحت بين يوم وليلة حملا وديعا يريد الأمن والسلام.. ونظلم أنفسنا وأوطاننا إذا تصورنا أن إسرائيل تريد لنا الرخاء والرفاهية وأن مصالحنا في الغد يمكن أن تتفق مع مصالحها لأن الأدوار متداخلة ولن تتحقق مكاسب طرف من الأطراف إلا علي حساب رصيد طرف آخر.. بمعني أن كل مكسب تحققه إسرائيل هو بالضرورة علي حساب مصر الدور والمسئولية.. من هنا لم اقتنع علي الإطلاق وأنا أقرأ تصريحا للصديق السفير أحمد أبوالغيط وزير خارجيتنا حول ما قاله جيورا ايلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق حول إمكانية إقامة دولة فلسطينية علي جزء من سيناء.. لقد قال وزير خارجيتنا إن هذا كلام فارغ.. وفي السياسة لا يوجد كلام فارغ.. والذين تابعوا المشروع الصهيوني منذ بدايته لم يجدوا فيه كلاما فارغا.. ولهذا يصبح الكلام الفارغ بالفعل ألا نأخذ مثل هذه التصريحات بقدر من الجدية..
إن ما قاله رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي كلام تردد قبل الآن ومن مستويات أعلي في الإدارة الإسرائيلية كان من بينها أرييل شارون نفسه وهو يجلس في أعلي السلطة في تل أبيب.. إن المشروع الإسرائيلي الذي لا تتردد القيادات الإسرائيلية في الحديث عنه يهدف إلي ضم600 كيلو متر مربع من سيناء إلي قطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية عليها مقابل حصول مصر علي150 كيلومترا مربعا جنوب صحراء النقب مع تقديم معونات ومساعدات اقتصادية لمصر مقابل هذه الصفقة.
والغريب أن هناك أطرافا عربية تحدثت في هذه القضية ومن يقرأ مذكرات الملكة نور أرملة الملك الراحل حسين بن طلال ملك الأردن سوف يسمع هذا الكلام.. فقد ذكرت الملكة في مذكراتها أن الملك حسين والملكة نور كانا يقومان بنزهة بحرية أمام مدينة شرم الشيخ ومعهما الممثلة الأمريكية الشهيرة جين فوندا وزوجها تيد تيرنر صاحب قناةC.N.N ودار حديث عن هذه المساحات الشاسعة من الأراضي في سيناء وكان السؤال الذي تردد في هذه النزهة لماذا لا تقام دولة فلسطينية في هذه الأراضي وينتهي ما يسمي الصراع العربي- الإسرائيلي..
وهذا يعني أن مثل هذه الأفكار لا تخلو من الحقيقة خاصة في ظل توجه آخر يطرح من وقت لآخر فكرة ما يسمي الوطن البديل وهو إقامة دولة فلسطينية- أردنية علي أساس أن70% من سكان الأردن فلسطينيون في الأصل..
ومن هنا فإن مثل هذه الأحاديث والتصريحات التي تتناول سيناء بصفة خاصة لابد وان تجعلنا نشعر بالقلق علي هذا الجزء العزيز من ترابنا الوطني.. ولهذا كنت سعيدا وأنا أقرأ في الأسبوع الماضي تأكيدات من الحكومة بحظر بيع الأراضي في سيناء للأجانب بأي صورة من الصور خاصة أن برنامج الرئيس مبارك قد تضمن زراعة مليون فدان من الأراضي خلال السنوات الست القادمة ويشمل البرنامج أيضا توزيع700 ألف فدان علي الشباب وصغار المزارعين وأن هناك خطة لتوطين2 مليون نسمة في سيناء.. وهذه المشروعات سمعنا عنها قبل الآن كثيرا ولم يتحقق منها شيء فهل تركنا سيناء لكي تحقق إسرائيل فيها أحلامها التوسعية.. وهل اكتفينا بالشريط الفيروزي الأزرق وتركنا الباقي لمشروعات دولية تهدف إلي نزع جزء من أرضنا بكل أساليب التحايل والضغط والإغراء..
إن المؤكد أن إسرائيل لم تتنازل عن حلم واحد من أحلامها منذ إعلان قيام الدولة العبرية في عام1948.. كانت تسعي إلي إقامة دولة حديثة قوية مسيطرة في قلب هذه الأمة ونجحت.. وكانت تسعي إلي امتلاك أخطر أساليب الدمار العسكري ممثلة في السلاح النووي.. ونجحت.. وكانت تسعي إلي زيادة عدد سكانها من بضعة آلاف إلي سبعة ملايين.. ونجحت.. ومازالت حتي الآن تحقق كل يوم مكاسب جديدة بينما يخسر العرب كل يوم المزيد.. ومن هنا فإن إسرائيل لم تنس سيناء ولن تنساها.. إن الشعب الإسرائيلي يري أن في سيناء جزءا كبيرا من تراثه الديني والثقافي.. وأن اليهود في رحلة الخروج من مصر عبروا من سيناء وأن فرعون مصر طاردهم فيها وأن الخالق سبحانه وتعالي كلم سيدنا موسي عليه السلام في سيناء ومن هنا فإن إسرائيل من وقت لآخر تحاول بكل الوسائل أن تدخل إلي هذه المنطقة وأكبر دليل علي ذلك أن السياحة الإسرائيلية تمثل الآن أهم موارد المواقع السياحية في هذه المنطقة كما أن هناك محاولات مريبة لشراء الأراضي في سيناء من خلال مستثمرين عرب وقد تكشفت هذه المؤامرة أمام الحكومة يوما ومنعت بيع أراضي سيناء لغير المصريين.. ولكن إسرائيل لن تيأس أبدا وسوف تسلك كل الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل تحقيق أهدافها. في جانب آخر يجب أن توفر الحكومة الأراضي لملايين الشباب لكي يذهبوا إلي هذه المناطق وتتحول مع الوقت والزمن إلي مدن وقري مليئة بالسكان والموارد والإنتاج لقد أقامت الدولة ترعة السلام والتي حملت مياه النيل إلي هذه المنطقة العزيزة من أرضنا وكان من المقرر استصلاح400 ألف فدان وزراعتها بمياه النيل وللأسف الشديد لم تزرع الدولة حتي الآن أكثر من30 ألف فدان.. إن أخشي ما أخشاه هو سياسة المزادات في بيع الأراضي لكبار المستثمرين المصريين الذين يشترون مساحات كبيرة بهدف تصقيعها وليس زراعتها واستثمارها.. ولهذا ينبغي أن تضع الدولة ضوابط واضحة لضمان الجدية بحيث تسحب الدولة هذه الأراضي إذا لم تتم زراعتها في وقت محدد..
إنني أختلف كثيرا مع الصديق العزيز الوزير أحمد أبوالغيط في أن كلام رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي كلام فارغ ويجب أن نأخذ مثل هذا الكلام بمنتهي الجدية علي كل المستويات.. إلانترك أرضنا بهذه الصورة ونهمل سكانها وننسي مشروعاتها ونقطع كل ما يربطنا بها من صلات.. إن تفكك العلاقات الإنسانية بين سكان سيناء والوطن الأم هو أولي خطايانا في هذا الطريق.. كما أن إهمال التنمية الاقتصادية في هذا الجزء من أرض الوطن خطيئة أكبر.. وبعد ذلك ينبغي أن نضع خطة لتدفق ملايين السكان إلي سيناء بحيث لا نتركها خالية بهذه الصورة الخطيرة.. إن تعمير سيناء وتسكينها وتنمية أراضيها ومواردها هو أقصر طريق لحمايتها.
إن مصر القوية هي القادرة علي حماية ترابها الوطني وعلينا ان ندرك أن جيش مصر القادر والقوي هو حصن الأمن لسيناء في كل الأحوال والظروف ولكن يجب أن تضع الحكومة من المشروعات والضمانات والخطط ما يجعل سيناء في مأمن من أحلام المغامرين وقوي الشر الدولية التي تحيط بنا من كل جانب.
وأقول للصديق الوزير أحمد أبوالغيط الكلام الفارغ فعلا ألا نأخذ كلام المسئولين الإسرائيليين بكل الجدية.. لأن القضية جادة والتعقيب ساخر..
ويبقي الشعر
اغضب ولا تترك رفاتك..
جيفة سوداء كفنها عويل مودعين
اجعل من الجسد النحيل قذيفة
ترتج أركان الضلال.. ويشرق الحق المبين
كيف استباح الشر أرضك..
واستباح العهر عرضك..
واستباح الذئب قبرك..
واستباحك في الوري ظلم الطغاة الطامعين؟!
اغضب ككل الساخطين
فالأرض لا تنسي صهيل خيولها
حتي ولو غابت سنين
اغضب.. وحاصر طغمة الجرذان في بغداد
لا تسمع صراخ العاجزين
انشر شراعك فوق دجلة والفرات
فإن للأنهار أسرارا وللتاريخ سحرا لا يبين
فالأرض تركع تحت أقدام الشهيد وتنحني
وتقبل الدم الجسوروقد تساقط كالندي
وتسابق الضوءان ضوء القبر في ضوء الجبين
وغدا يكون لنا الخلاص..
يكون نصر الله بشري المؤمنين